post

الرئيس الفرنسي في الجزائر.. هل ترمّم الزيارة العلاقات بين البلدين؟

العالم الخميس 25 أوت 2022

جليلة فرج

يحلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدءا من اليوم الخميس، في الجزائر، في زيارة هي الثانية له إلى هذا البلد، كرئيس للجمهورية الفرنسية، حيث أجرى الزيارة الأولى للجزائر كرئيس فرنسي في ديسمبر 2017، وسبق ذلك زيارته لها كمرشح للرئاسة في فيفري من العام ذاته.

وتبدأ زيارة ماكرون إلى الجزائر، اليوم الخميس وتدوم 3 أيام، يلتقي خلالها الرئيس عبد المجيد تبون وكبار المسؤولين في الدولة، ويزور خلالها أيضاً مدينة وهران غربي الجزائر.

ومن مرافقي الرئيس ماكرون في زيارته إلى الجزائر، وزيرة الخارجية كاترين كولونا ووزير الاقتصاد برونو لومار والداخلية جيرار درامان، والمؤرخ بنيامين ستورا، والباحث جيل كيبل، وعميد مسجد باريس ذو الأصول الجزائرية شمس الدين حفيز، إضافة الى نائبين في البرلمان الفرنسي من أصول جزائرية، هما فضيلة خطابي، رئيسة لجنة الصداقة في البرلمان، ورشيد تمال، رئيس لجنة الصداقة في مجلس الشيوخ...

واختار ماكرون أن تكون الجزائر أول بلد مغاربي يزوره بعد إعادة انتخابه في أفريل الماضي، وهو اختيار يعكس وضع باريس للجزائر كأولوية على سلم العلاقات مع المنطقة المغاربية، خصوصاً في ظلّ تطورات مفصلية تلعب فيها ملفات الأمن والوجود الفرنسي في منطقة الساحل، والطاقة، دورا مركزيا.

توترات حادة

وتوترت العلاقات الجزائرية الفرنسية بشكل غير مسبوق، في أعقاب قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين سنة 2021، وازدادت تأزما بعد تصريحات ماكرون التي اتهم فيها تبون، منتصف 2021، بأنه "يعيش ضمن نظام صعب"، في تلميح إلى أن الرئيس الجزائري محاصر من قبل الجيش.

وكذلك شكك ماكرون في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، ما دفع الرئيس الجزائري إلى استدعاء السفير الجزائري في باريس ومنع الأجواء الجزائرية على الطائرات الحربية الفرنسية المشاركة في عملية "برخان" آنذاك شماليّ مالي.

وتأتي الزيارة اليوم، في أعقاب أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وسط تشدد جزائري حاد إزاء ملف التاريخ والذاكرة مع فرنسا، والتمسك بمطالب الاعتراف الفرنسي بجرائم الاستعمار في الجزائر.

كما تأتي الزيارة في سياق إقليمي مختلف عن السابق، يتسم بإعادة الجزائر لتمركزها الإقليمي على الصعيد السياسي والأمني، ومراجعة متصلبة لمواقفها من أزمات في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، والتي تعد باريس متدخلاً رئيسياً فيها. وإضافة إلى كل ذلك، يدخل معطى حسّاس على خط العلاقة بين الجزائر وكامل أوروبا، ومنها فرنسا، يخص أزمة الطاقة، وذلك في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا.

كما تأتي الزيارة في ظروف إقليمية ودولية معقّدة ومتشابكة، حيث يواجه العالم أربع إشكاليات حيويّة، إعادة تشكيل خريطة التّحالفات العالمية، أزمة الطّاقة وأزمة الغذاء، إضافة إلى التّغيّرات المناخية والتداعيات على البشرية جمعاء، وخصوصا مع ما شهده هذا الصيف من جفاف، حرائق مهولة وسيول لم يعهد العالم مثلها حجماً، وموقعاً وتوقيتاً.

مصالح الأنظمة

ومنذ خروجها من الجزائر سنة 1962، ظلت فرنسا شريكاً تجارياً واقتصادياً مهماً، بل ورئيسياً للجزائر، حيث بقيت باريس المموّن الأول للجزائر بالسلع والخدمات، والمستثمر المباشر الأول، مستفيدة من التاريخ الذي يربط البلدين وتقاطع مصالح الأنظمة بين البلدين.

وتعتبر فرنسا الشريك التجاري الثاني للجزائر، بعد الصين، بمبادلات تجارية تلامس 10 مليارات دولار سنوياً، بينما كانت الشريك الأول حتى عام 2013، قبل القيود التي فرضتها الجزائر منذ بضع سنوات على الاستيراد لتقليل فاتورتها، فيما استقرت الاستثمارات المباشرة عند عتبة 2.5 مليار دولار.

ومع توتر العلاقات منذ عام، تزايدت المخاوف من طرف الفرنسيين، بعد تراجع الامتيازات الاقتصادية التي حظيت بها باريس في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

كسر الهيمنة

وسبق الخلاف الجزائري الفرنسي المشتعل في النصف الثاني من السنة الماضية، إبداء الجزائر منذ وصول تبون إلى سدة الحكم نهاية 2019، نية علنية في كبح الهيمنة الفرنسية على المشهد الاقتصادي والتجاري، وكبح اللوبيات الفرنسية النافذة في سرايا الحكم الجزائرية، من خلال فسخ عقود شركات فرنسية ظلت تحتكر الخدمات، كشركة "سيال" التي ظلت تسيّر توزيع المياه لأكثر من 15 سنة، وشركة "مترو باريس" التي سيرت "مترو الجزائر" لـ10 سنوات، وإلزام شركة "لافارج" بالتوجه نحو تصدير الإسمنت، بالإضافة إلى مراجعة شروط استيراد القمح الذي تحتكر فرنسا تدفقه نحو الجزائر بقرابة 1.6 مليار دولار سنوياً.

رفض زيارة حاخام فرنسا الأكبر

ورفضت أحزاب جزائرية مشاركة الحاخام الأكبر ليهود فرنسا، للمرة الأولى، ضمن الوفد المرافق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بسبب مواقفه المؤيدة للصهيونية وللعدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين.

ونشر رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب المعارضة في البرلمان، عبد الرزاق مقري، تصريحا أعلن فيه استياءه من حضور الحاخام حاييم كورسيا ضمن وفد الرئيس الفرنسي ماكرون، لكونه يحاول مغالطة الرأي العام حين يدافع بوضوح عن الكيان الصهيوني، ويساوي بين العداء للصهيونية واللاسامية، وينفي ممارسة إسرائيل للأبارتهايد.

وفي نفس السياق، عبّر رئيس حركة البناء عبد القادر بن قرينة عن رفضه لحضور كورسيا، وأكد في سياق ملاحظاته على زيارة ماكرون أنه يجب التحذير من "أننا لن نقبل بأي حال من الأحوال أي محاولات لمقايضات مشبوهة لتحويل أرض الشهداء المباركة إلى أرض توطين لمن خانوا ثورتها، أو كانوا جزءا من نظام عنصري يحتل شعبا أعزل ويمارس عليه كل أنواع الحرب دون أي خوف من أحد، وإنها مناسبة ندعو فيها الرئيس الفرنسي، ودولته جزء من مجلس الأمن، أن يفرضوا تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف".

ويعتبر الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسيا أن له أصولا في الجزائر، إذ ينحدر والده من مدينة وهران غربي الجزائر، ووالدته من منطقة تلمسان أقصى غربي الجزائر.

ونشر في الفترة الأخيرة تغريدات عبر فيها عن سعادته بزيارته الأولى إلى الجزائر، وعن أمله في أن تكون هذه الزيارة دافعا باتجاه سماح السلطات الجزائرية ليهود الجزائر بزيارة البلاد التي ولدوا فيها، مؤكدا أنه سيزور المقبرة اليهودية التي تقع في حي بولوغين الشعبي وسط العاصمة الجزائرية.

وفي عام 2005، سمحت السلطات الجزائرية لوفد من يهود فرنسا بزيارة مدينة وهران غربي الجزائر، وقبر الحاخام الأكبر في المقبرة اليهودية في مدينة تلمسان غربي الجزائر، لكنها رفضت في تلك الفترة السماح للمغني الفرنسي اليهودي إنريكو ماسياس، الذي ينحدر من مدينة قسنطينة شرقي البلاد، بزيارة المدينة.

الإعلام الفرنسي وزيارة ماكرون للجزائر

وعن هذه الزيارة، قالت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، إن الزيارة ستكون صامتة حينما يذهب ماكرون إلى الجزائر الخميس، في إشارة إلى جرائم فرنسا إبان فترة الاستعمار.

وأشارت الصحيفة إلى أن ماكرون تكلّم كثيرا خلال فترة ولايته الأولى عن الجزائر، وأشارت إلى أنه تحدث "باسم الدولة" عن جرائم الجيش الفرنسي في الجزائر العاصمة أو جرائم الشرطة في موريشيوس، 17 أكتوبر 1961.

وقالت إن الجزائر لم تمسك باليد الممدودة لماكرون الذي طلب الصفح من المقاومين الجزائريين، ورفع السرية عن الأرشيف المحمي بسرية الدفاع، وأطلق مشروع متحف تاريخ فرنسا والجزائر في مونبلييه. وبالتالي، لن توضع رحلة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر العاصمة ووهران، من الخميس إلى السبت، تحت علامة سياسة إحياء الذكرى، بحسب الصحيفة.

من جهتها، اعتبرت صحيفة "لوباريزيان" أن المصالحة مع الجزائر خلال هذه الفترة تعد خطوة استراتيجية، في سياق نقص الطاقة المرتبط بالحرب في أوكرانيا، إلا أنه لن يكون هناك شيء بسيط.

وبرّرت الصحيفة هذا الموقف باعتبار أن الجزائر واحدة من أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، إلا أن كثرة الملفات الأخرى قد يدفع بماكرون إلى عدم جعل الطاقة محور الزيارة.

وقالت الصحيفة إنه مع حلول فصل الشتاء، سيبحث ماكرون عن الغاز في الجزائر. ورغم وجود عقود طويلة الأمد بين الجزائر وفرنسا في مجال الطاقة، فإن كل هذا لا معنى له بحسب الصحيفة.

ومع ذلك، تبقى هذه القضية الحاسمة في أذهان الجميع، لأنه في الوقت الذي يتعجل فيه الأوروبيون للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي، فإن الجزائر، أحد أكبر عشرة منتجين في العالم، هي مُحاور مرغوب فيه بشدة، وفق الصحيفة.

وتساءلت "لوباريزيان" قائلة: "ألم تصبح الجزائر في الأشهر الأخيرة المورد الرئيسي للغاز في إيطاليا؟". وفي سياق نقص الطاقة، فإن تحسين العلاقات مع الجزائر هو أمر أكثر استراتيجية. ومع ذلك، فإن الإليزيه لا تريد أن تجعلها موضوع الزيارة الرسمية باعتبار وجود ملفات أخرى مثل الذاكرة وأمن الساحل الأفريقي والهجرة.

أما صحيفة "ماريان"، فقالت إن زيارة ماكرون إلى الجزائر تهدف إلى الانتقال بالعلاقات بين البلدين إلى المستقبل، لكن لن يتمكن الإليزيه من الهروب من الموضوعات التي ساهمت في تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.

وبالتالي، فإن مسألة التصاريح القنصلية التي تسمح بطرد الجزائريين غير الشرعيين ومسألة عدد التأشيرات التي تمنحها فرنسا، يجب أن يتم تناولها خلال هذه الأيام الثلاثة.

وينطبق الشيء ذاته على مسألة الذاكرة الجماعية التي ينبغي معالجتها بين رئيسي الدولتين، بينما تم الاحتفال هذا العام بالذكرى الستين لاتفاقيات إيفيان، بحسب الصحيفة. واتفاقيات إيفيان وقعت في عام 1962، سمحت هذه الاتفاقيات بإعلان وقف اطلاق النار ووضع حد لحرب الجزائر.

inbound8711993887538113809.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً