post

إحالة ملفاتهم للقضاء رغم صدور حكم ينصفهم.. إدانة واسعة للانتهاكات المُرتكبة من قبل السلطة التنفيذية ضدّ القضاة المعفيّين

تونس الإثنين 22 أوت 2022

أعلنت جمعيّة القضاة التونسيين اليوم الإثنين 22 أوت 2022، أنّ الاتحاد الدولي للقضاة أصدر بيانا بتاريخ 17 أوت 2022 حول وضع السلطة القضائية في تونس وخاصة افتعال التتبعات الجزائية ضد رئيس جمعية القضاة التونسيين على خلفية نشاطه النقابي وحول افتعال ملفات وتتبعات جزائية من السلطة التنفيذية ضد القضاة المحكوم لفائدتهم بتوقيف التنفيذ وعدم تطبيق الأحكام القضائية للمحكمة الإدارية.

كما تمّ تبليغ ذلك للمقرر الخاصّ لإستقلال القضاء والمحاماة لدى الأمم المتحدة ولكلّ المنظمات الدوليّة المتعهدة في مجال استقلال القضاء عن كامل مساندته وتضامنه مع رئيس الجمعية ومع القضاة التونسيين في نضالاتهم من أجل سلطة قضائية مستقلة نزيهة حامية للحقوق والحريات وفق المعايير الدولية.

وكان  الاتحاد الدولي للقضاة اعتبر في بيانه الصادر يوم 21 أوت الجاري على موقعه الرسمي، ذكّر بما كان قد ندّد به سابقا، وذلك أنّ ما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد من مظلمة إزاء القضاة المعفيين هو ''انتهاك خطير للقواعد الأولية التي تميز سيادة القانون وخرق لا يطاق لمبدأ فصل السلطات''.

ودعا الإتحاد الدولي لإلغاء هذا المرسوم وإلغاء الإجراءات التأديبية المحتملة ضد القضاة. وفي المقابل أشار الإتحاد إلى ضرورة أن يخضع القضاة المعفيين إلى محاكمة وفقا للقواعد الدولية المعترف بها والتي تضمن إجراءً عادلاً ونزيهًا، وخاضعًا للاستئناف وغير خاضع لرقابة السلطة التنفيذية.

كما ندّد الإتحاد بالتضيّيقات التي مورست على القضاة المعفيين وبما في ذلك منع البعض منهم من الولوج إلى مكاتبهم بالإضافة إلى التهديدات والمضايقات التي مورست على رئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي، والذي باتت مهدّدا بالملاحقة الجنائية، بسبب أنشطته النقابية، بسبب التحركات الاحتجاجية التي قادتها الجمعية ضد قرارات رئيس الجمهورية. أيضا استنكر الاتحاد عدم التزام قيس سعيد ووزارة العدل بقرار المحكمة الإدارية التي أمرت بإيقاف قرار تنفيذ الإعفاء.

وأكّد الاتحاد الدولي للقضاة أنّ هدفه الرئيسي يتمثل في الحفاظ على استقلال القضاء، وهو شرط أساسي للوظيفة القضائية وضمان حقوق الإنسان والحريات.

وأدان الاتحاد الدولي كافة الانتهاكات المختلفة المرتكبة ضدّ القضاة المعفيين وحث الدولة التونسية على تجنب جميع الإجراءات التأديبية التعسفية بحق القضاة في ممارسة وظائفهم وحريتهم في تكوين الجمعيات وحقهم في التجمع والتعبير، وذلك للدفاع عن استقلال القضاء ومؤسساته، ومواجهة أي محاولة للسيطرة على السلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية.

كما طالب الإتحاد الدولي للقضاة، بالاحترام المطلق لمبدأ إجراءات التقاضي التي بموجبها يجب أن يحصل أي شخص على المستندات والأدلة التي يقدمها خصمه لمناقشتها، في إطار أي إجراءات تتبع ضدّ أيّ قاضي، وأكد أنّ ذلك شرط أساسي لحق الدفاع ولضمان محاكمة عادلة.

ودعا الإتحاد الدولي للقضاة، السلطة التنفيذية إلى الكفّ عن رفع أي إجراءات جنائية ضد القضاة بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم النقابية وجدّد مساندته المطلقة لرئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي وجميع القضاة التونسيين في كفاحهم من أجل قضاء مستقل نزيه وكفيل للحقوق والحريات وفق المعايير الدولية.

تهم مفبركة

وأثار إصدار وزارة العدل بيانًا أعلنت فيه إحالة ملفات للقضاء تتعلق بجرائم مالية وإرهابية في حق القضاة المعفيين، تنديدًا واسعًا من عديد الحقوقيين، الذين اعتبروا البيان "فضيحة ومسخرة".

وكتب حمادي الرحماني، وهو أحد القضاة المعنيين بالإعفاء، على الفايسبوك أنّ بيان وزارة العدل هو "مسخرة جديدة، وهو بيان التحايل للتملص من تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، ولإبعاد تهمة فبركة ملفات تسببت في قرارات عزل ظالمة، وللتغطية على تقاعسها في تقديم الملفات للمحكمة الإدارية، ولإيهام الرأي العام بوجود تتبعات جدية ضد القضاة، ولتبرير خلع مكاتب القضاة وتغيير أقفالها وتعطيل النظر في قضايا الموقوفين".

وأوضح الرحماني أنّ "هاجسًا وحيدًا يحرك وزيرة العدل وهو سبب كل إجراءاتها التصعيدية وسبب صدور كل بياناتها، وهو كيفية تبرئة ذمتها والتنصل من مسؤولية إعداد قائمة الإعفاءات المضللة".

وأضاف: "كل هذا التعنت والتمادي والإجرام والإضرار المجاني والظالم بسمعة القضاة وبصورة القضاء، فقط من أجل البقاء في الكرسي ولتفادي الظهور بمظهر المخطئ، بالنسبة إليهم هدم الدولة والفتك بحقوق الناس وسمعتهم أهون من عزل وزيرة فاشلة ومصدر أزمات وصفر إنجازات".

الهروب إلى الأمام

وتفاعل المحامي سمير ديلو مع بيان وزارة العدل وقال إنه "من شبه المؤكّد أنّ وزيرة العدل لم تخلد للرّاحة هذه الصّائفة فهي مشغولة بالهروب إلى الأمام للتّغطية على فضيحة قائمة الإعفاءات التي تورّطت في إعدادها وتبيّن للجميع أنّ خلفيّتها لا تمتّ بصلة لمكافحة الفساد أو أي أعمال غير مشروعة بل كانت تصفية لحسابات شخصيّة وبخلفيات سياسية واضحة".

وأوضح ديلو في منشور على الفايسبوك أنّ "النّشاط الصّيفي لوزيرة العدل أصبح مقتصرًا على اللّهث وراء تكوين ملفّات قضائيّة ضد زملائها القضاة المعفيّين ظلمًا وبهتانًا عساها تشكّل إدانة لهم.. بمفعول رجعي، فهي لم تنجح في مدّ المحكمة الإدارية بما يؤكد زعمها وجود تتبّعات جزائيّة في حقّهم رغم إمهالها لذلك ممّا كان أساسًا للحكم بتوقيف تنفيذ القرار الجائر بإعفائهم".

وقال ديلو: "وبدل الانصياع لقرار قضائي نهائي لا يقبل أيّ وجه من أوجه الطّعن، اختارت الوزيرة الدّفاع المستميت عن قرار تبيّن للجميع (داخل البلاد وخارجها) أنّه قرار جائر.. وعمدت إلى الاستقواء على القضاة المحكوم لصالحهم بوسائل فجّة من قبيل خلع مكاتبهم وتغيير أقفالها والعبث بملفّاتهم ممّا أثار احتجاجات المحامين وعطّل مصالح المتقاضين كما أكّدته بلاغات جهات قضائيّة رسميّة خلافًا للمزاعم التي تضمّنها البلاغ الأخير -الغريب- لوزيرة العدل".

وتابع ديلو: "ليس أغرب من بلاغات الوزيرة الحريصة جدّا على المحاسبة، إلاّ جُرأتها غير المسبوقة على تحدّي القرار القضائي وابتداع إجراء قضائيّ غير مسبوق هو: تكوين ملفّ إدانة بعد صدور الحكم لصالح المعنيّ به! وهو ما تقترفه ضدّ الـ 49 قاضيًا الذين أنصفتهم المحكمة الإداريّة فأصرّت على مداواة جريمة التّلفيق بجريمة عدم تنفيذ حكم قضائيّ واجب التّنفيذ".

شكايات مجردة

ومن جانبه، دوّن القاضي عفيف الجعيدي، على الفايسبوك، أنّ "وزيرة العدل قالت إنّ لديها 109 ملفات جزائي في الفساد والإرهاب في حق المعفيين، ونذكرها أنها ادعت سابقًا أن الإعفاءات استندت لملفات جاهزة، ولما طالبتها المحكمة الإدارية بحجتها صمتت. نقول لها اليوم: ما دمت قد أصدرت بلاغًا بكلام عام لمَ لا تذكرين الوقائع تفصيليًا للمائة وتسعة ملفًا؟".

وتابع الجعيدي: "طبعًا لن تذكر الوقائع لأن الأبحاث المتحدث عنها في أغلبها استندت لبطاقات أمنية، وتدوينات فيسبوك، وشكايات مجردة تم البحث فيها سابقًا ولم يثبت ما تتضمنه".

شيء غريب

وبدوره، أكد القاضي والرئيس السابق والشرفي لجمعية القضاة التونسيين أحمد الرحموني، أنه "شيء غريب ألا يعلق رئيس الجمهورية على تصرفات وزيرة العدل وأن لا تترتب أية نتائج عن القرارات التي صدرت عن المحكمة الإدارية بإيقاف تنفيذ الإعفاءات الظالمة وأن يترك للوزيرة النافذة الحبل على الغارب لتتبع قضاة استردوا صفاتهم بقوة القانون وكان من الأجدر الاعتذار لهم للأضرار التي لحقت بسمعتهم وعائلاتهم".

 غياب ملفات

ومن جهته، اعتبر المحامي فوزي المعلاوي، أنّ وزيرة العدل ببلاغها الأخير، "تقر صراحة أنه تم عزل القضاة في غياب ملفات، ثم سعت في تكوين ملفات لهم بداية من 1 جوان 2022 (كما ورد في البلاغ) أي بعد صدور أمر الإعفاء".

وقال المعلاوي: "تمت معاينة البلاغ بمقتضى محضر رسمي، وسيتم الإدلاء به لكل الجهات المخولة قانونًا وغير المخولة، كدليل قاطع على مظلمة الإعفاءات، وحجة على زيف خرافة (بعد تمحيص الملفات بكل دقة والتثبت من أكثر من جهة)، وإثباتًا للأسلوب المرتجل والكيدي في تكوين ملفات جزائية من عدم، تضليلًا وتنكيلًا وهروبًا من تحمل مسؤولية عن المظالم المسلطة على الأغلبية الساحقة للقضاة المشمولين بأمر الإعفاء".

بلاغ وزارة العدل

وأعلنت وزارة العدل في بلاغ لها يوم السبت 20 أوت 2022، أنه وخلافا لما يتم تداوله في بعض وسائل التواصل الاجتماعي من قبل ما وصفته بـ''أطراف تسعى لتعطيل مسار المحاسبة وتدعي عدم وجود ملفات''، فقد تمت اثارة التتبعات الجزائية ضد القضاة المعفيين وذلك عملا بأحكام المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرخ في 1 جوان 2022.

وكشفت وزارة العدل أنّ النيابة العمومية المختصة بالملفات تعهدت بـ (109 ملفا) وأذنت بإحالة عدد هام منها على الأقطاب القضائية المختصة في الجرائم الإرهابية والفساد المالي.

وتم كذلك، وفق ذات البيان، "فتح أبحاث تحقيقية في الغرض من أجل عدة جرائم كالفساد المالي والرشوة وغسيل الأموال والجرائم الاقتصادية والديوانية بالإضافة إلى جرائم ذات صبغة إرهابية كالتستر على تنظيم إرهابي وتعطيل الإجراءات والانحراف بها وجرائم أخرى كمساعدة شخص على التفصي من تفتيش السلطة العمومية وإخفاء ما تثبت به الجريمة والتفريط في وسائل الإثبات الجنائي وغيرها من الجرائم المتمثلة في التدليس واستغلال خصائص الوظيف والإضرار بالإدارة وجرائم التحرش الجنسي ومخالفة القوانين المنظمة للأسلحة والذخيرة".

وأوضحت الوزارة أنّه ومنذ 1 جوان 2022 تم تعهيد التفقدية العامة بمهمة جرد مكاتب القضاة المعفيين قصد تحديد المسؤوليات مما اقتضى اتخاذ الاجراءات القانونية في شأن بعض المكاتب وإحالة تقارير الجرد على النيابة العمومية المختصة التي أذنت بفتح الأبحاث الجزائية اللازمة بشأنها.

ويذكر أنه في بلاغ مقتضب، أكدت وزارة العدل يوم 14 أوت 2022 أنّه عملا بأحكام المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرخ في 01 جوان 2022، فإن القضاة المشمولين بالإعفاء هم محل إجراءات تتبعات جزائية.

ويأتي بلاغ الوزارة، اثر حكم المحكمة الإدارية التي قررت رسميا إيقاف تنفيذ عدد من قرارات إعفاء القضاة التي أصدرها رئيس الجمهورية قيس سعيد وذلك بعد استيفاء التحقيقات وقبول طعون 49 قاضيا. ويحيلُ بلاغ وزارة العدل الى أنّ القضاة محلّ التتبعات لا يمكنهم العودة لمباشرة مهامهم، حتّى بعد أحكام المحكمة الإدارية.

inbound5777483326548913660.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً