post

لماذا أقلق اجتماع مكتب البرلمان رئيس الجمهورية؟

تونس الثلاثاء 29 مارس 2022

قرّر مكتب مجلس النواب بالأغلبية عقد جلسة عامة عن بعد غدا الأربعاء، ينتظر أن يشارك فيها أكثر من 120 نائبا من 217، لإلغاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس وإلغاء أي أثر قانوني لها، وإيقاف العمل بكل المراسيم الرئاسية الصادرة منذ 25 جويلية الماضي. كما قرر عقد جلسة عامة ثانية يوم السبت 2 أفريل، لإجراء حوار حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد.

واستدعى الاجتماع الافتراضي لمكتب مجلس نواب الشعب، الذي دام قرابة 15 دقيقة، اجتماعا لمجلس الأمن القومي على عجل في ساعة متأخرة من الليل.

هذا الاجتماع لمكتب المجلس هو خطوة أولى من أجل استعادة برلمان "معلق الاختصاصات"، وقد يكون ذلك بداية اشتباك سياسي وقانوني مع مؤسسة رئاسة الجمهورية، ووضع حد لاستفراد الرئيس بالسلطة، وجمعه السلطات الثلاث تقريبا في يده وتهجمه المتواصل على المنظمات الوطنية والجمعيات ووسائل الإعلام، ووضع حدّ لهذا الزحف المتواصل الذي يجرف فيه الرئيس كلّ ما اعترضه أمامه، من أفكار ومؤسسات وتقاليد سياسية، يجمعها في سلة واحدة.

وجاء اجتماع مكتب مجلس النواب أياما بعد صدور نتائج الاستشارة الوطنية التي أعطت انطباعا لدى كثيرين أنّ الثقة التي منحت للرئيس، وبقطع النظر عن نسبتها غداة يوم 25 جويلية الماضي تآكلت بسرعة، وأنّ التنسيقيات الموالية له والغير منتظمة الى الآن والمنتشرة بكثرة على الشبكات الافتراضية لا وجود لها فعليا، إذ لم يشارك في الاستشارة سوى 500 ألف مواطن تونسي، أقبلوا على المشاركة فيها، ووفق مراقبين للشأن العام، فقد تم تسخير كل إمكانات الدولة وتوظيف المرافق العمومية وحتى المدارس لمحاولة إنجاح هذه الاستشارة.

كما تدلّ الإضرابات المتتالية التي نفذتها نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل في أكثر القطاعات الحيوية، مؤشّرا على هذا السخط المتنامي لدى فئات نقابية واجتماعية واسعة من انهيار المقدرة الشرائية وتدنّي المرافق والخدمات التي زادها اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بلة، إضافة إلى أن المناخ السياسي والاجتماعي يشهد احتقانا.

تهديد

وما يلاحظ خلال اجتماع مجلس الأمن القومي وجود مقاعد شاغرة حيث تغيبت رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية ووزيرة العدل والذي من المفترض تواجدهم في مثل هذا الحدث.

والمُلاحظ أيضا خلال الخروج الليلي المتأخر (والذي أصبح سلوكا اتصاليا رسميا) ارتباك رئيس الجمهورية وتناقض خطابه من خلال كلامه وتحركاته حيث حذّر وهدد وتوعد، والأكيد أنه سيحاول بكل الطرق منع انعقاد الجلسة المقبلة، وسيستعمل كلّ مؤسّسات الدولة لمنع الجلسة العامّة المرتقبة ليوم 30 من الشهر الجاري، حيث قال، في مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية عقب إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي، أن قوات ومؤسسات الدولة "ستتصدى لمن يريدون العبث بالدولة ودفع التونسيين للاقتتال".

تناقض منذ البداية

ومنذ افتتاح الاجتماع، الذي تميز بجمود حركة الحضور ونظراتهم الثابتة والحائرة (خصوصا قيادات الجيش الوطني) وتشبيك الأيدي فوق الطاولة دون إبداء الرأي أو حتى مجرد الإيماء، استشهد الرئيس بدستور الجمهورية التونسية، الذي أضحى في حالة عطالة منذ اقرار الاجراءات الاستثنائية وحلّ محله المرسوم 117 المنظم للسلطات الجديدة (مؤقتا وربما يستمر ليصبح دائما)، واستند على فصوله لمحاولة إثبات عدم قانونية اجتماع مكتب مجلس نواب الشعب الذي من المفترض أن يبقى في حالة انعقاد دائم وفقا للفصل 80 حول الخطر الداهم.

ولم يفوت سعيد الفرصة للتهجم على مبعوثي الدول الأجنبية ومن يتعاملون مع "الخارج" وفي نفس السياق أكد أنه تحدث مع مسؤولين أجانب حول تجاربهم بخصوص الاستشارات الالكترونية التي استأنس بها واقتبس منها، أي انه أيضا يقوم بالتواصل مع عديد الجهات الأجنبية.

ولكن هل تونس في حاجة إلى معركة أخرى؟ وهل سينجح سعيّد في مشروعه أم أن النواب سيفرضون كلمتهم هذه المرة وسيعيدون تونس من جديد الى مسار الديمقراطية والتشاركية؟

مغالطات

تضمن خطاب سعيّد في مجلس الأمن القومي العديد من المغالطات، حيث اعتبر سعيّد أنّ الاجتماع الافتراضي لمكتب مجلس النّواب ليس قانونيًّا، لأنّ "مكتب المجلس هو مكتب مُجمّد أيضًا مع المجلس"، وأنّ "هذا الاجتماع الافتراضي يعكس سوء النيّة ونيّة الانقلاب على الدّستور"، كما أن "اجتماعات تُعقد خارج قصر باردو وتُوصف بأنّها افتراضية في نظامهم الداخلي، وليس في الدستور، علما وأنّ النظام الداخلي ليس قانونا من قوانين الدولة بل هو يتعلّق بتنظيم المجلس النيابي بهياكله واختصاصاته".

وهنا تناسى سعيد أن الدستور يقر في حالة وجود خطر داهم بتواصل انعقاد البرلمان، كما يمكنه الانعقاد في أي مكان آخر عوض المقر الأصلي (قصر باردو) في حال تعذر ذلك: "مقر مجلس نواب الشعب تونس العاصمة، وله في الظروف الاستثنائية أن يعقد جلساته بأي مكان آخر من تراب الجمهورية".

واستهزأ الرئيس من اعتماد الهيكل البرلماني على الارساليات القصيرة في دعوة النواب لحضور الاجتماعات (وهذا ما يقره النظام الداخلي  والاجتهاد الاداري للمؤسسة البرلمانية) وتناسى أيضا أن الاستشارة الوطنية (وهي عنوان الفخر لمشروع البناء القاعدي) قد تمت الدعوة لها عبر الارساليات القصيرة لمدة تفوق الشهرين (ارساليات يومية صباحا ومساء).

والغريب أن الرئيس خلال الاجتماع، كان بصدد تلاوة "تقرير" ويبدو أنه مُخرجات الجلسة البرلمانية قبل انعقادها (انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي) ولا نعلم هل هي فعلا وثيقة "توافقية" بين الكتل البرلمانية التي ستلتحق بالجلسة، ام انها وثيقة "طائشة" تم تداولها خلال اجتماع الأمن القومي.

كما شدّد سعيّد على أنّ الدّولة لن تتعافى إلّا "بقضاء مُستقل يقف أمام من يُحاول ضرب الدّولة ومن يُحاول يائسًا القيام بعمليّة انقلابيّة.. وإن كانوا يعتقدون أنّ الدولة ضعيفة وأنّه بإمكانهم إسقاطها وإسقاط النّظام فيها بإرساليّات قصيرة فهم مرّة أخرى يعيشون في أضغاث الأحلام.. أحلام مريضة بالسّلطة"، حسب تعبيره، في إشارة واحدة لإمكانية اتهام النواب اللذين يعتزمون الالتحاق بالجلسة البرلمانية بمحاولة قلب النظام وتقسيمها والتلاعب بالأمن القومي. وأكد الرئيس خلال اجتماعه أن المجلس فاقد للشرعية ومجمد فلماذا يرد الفعل بتلك الطريقة إذا؟ وما قيمة قرارات مجلس غير شرعي؟

ويعتزم النواب خلال جلسة الغد 30 مارس 2022 التداول في قانون يتعلق بإلغاء الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة منذ تاريخ 25 جويلية 2021، ومن ثم استئناف الحياة البرلمانية العادية.

وستتوجه هذه القرارات الى مؤسسات الدولة المكلفة بتنفيذها من وزارات وهيئات والتي لن تكون ذات فاعلية كبيرة ولكنها ستخلق حالة من الحيرة والذهول المؤسساتي الذي لم يسبق له أن تعامل مع مثل هذه الوضعيات، اضافة لخوفه من الوقوع في نفس أخطاء حقبة ما قبل الثورة (عدم الالتزام بالقوانين أو مخالفتها).

وخوف هذه الاجهزة مشروع، حيث يمكن توثيق "عصيان" تنفيذ المقررات والتقدم بشكايات لن تسقط بمفعول الزمن، كما أن الريبة تتأتى من الاحساس باقتراب نهاية المرحلة الحالية (الاجراءات الاستثنائية) وربما عودة قريبة للحياة السياسية والنسق الديمقراطي. من جهة أخرى هناك تخوف من تواصل نزاع "شرعيتين" وربما تحول الوضع السياسي الحالي لما يشبه وضع ليبيا (تواجد سلطتين في نفس الوقت).

ولسائل أن يسأل في الختام، لماذا لم تصدر أية قرارات عن مجلس الأمن القومي الذي يمثل أعلى هيكل بمؤسسة الرئاسة ويضم -في الاصل- السلطات الثلاث (الرئاسة والحكومة والبرلمان) وممثلي الوزارات السيادية ويهتم بالأساس بالنظر في المسائل الحساسة والمتعلقة بالأمن القومي والأمن الغذائي والأمن الصحي وإدارة المرافق الحيوية والملفات العالقة بين الهياكل والأجهزة؟

فريق التحرير

من الممكن أن يعجبك أيضاً