post

كورونا في تونس: وباء كشف أزمة القطاع الصحّي.. إجراءات وقائية ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي وتجاذبات سياسية غذّت الجائحة

تونس الخميس 29 جويلية 2021

تجاوزت تونس الموجة الأولى لوباء كورونا العام الماضي بسلام، لكنّها لم تصمد كثيرا أمام الموجة الثانية والثالثة والرابعة. فبالرغم من مواصلة تطبيق إجراءات وقائية في البلاد لمكافحة الوباء، وبالرغم من التزام الكثير من المواطنين بالبروتوكولات الصحية على غرار استعمال الكمامات الطبية واحترام التباعد الاجتماعي، إضافة إلى التسجيل في منصة التلقيح الذي توفّره الدولة بشكل مجاني، شهد الوضع الصحّي للبلاد فترات حرجة، حيث كشفت إحصائيات نشرتها وزارة الصحة يوم الثلاثاء 27 جويلية 2021، أن حصيلة الوفيات بسبب كوفيد 19، لشهر جويلية 2021 كانت الأعلى، منذ بداية الجائحة في تونس خلال شهر مارس 2020، وبلغت 3973 وفاة، وبلغ العدد الجملي للوفيات بلغ منذ ظهور الوباء 19336 حالة وفاة.

كما أبرزت هذه الإحصائيات، التي تضمّنت التوزيع الشهري لعدد الوفيات منذ بداية الجائحة وإلى غاية شهر جويلية الجاري، أن نسبة التحاليل الإيجابية تتخذ منحى نحو الانخفاض بعد أن بلغت ذروتها في نهاية شهر جوان وبداية شهر جويلية حيث تجاوزت 37 %، لتبلغ 26,34 % يوم 26 جويلية. وسجّلت وزارة الصحة إلى حدود منتصف الليل من 26 جويلية الجاري، 3960 إصابة جديدة بفيروس كورونا و59 وفاة، في حين بلغ عدد المتعافين 12 ألفا و822 في أعلى حصيلة متعافين مسجّلة منذ بداية الجائحة في مارس 2020، وبلغ إجمالي عدد المتعافين من الفيروس 499.664 شخصا.

 

الجيش الأبيض وأزمة القطاع

وشهد القطاع الطبّي حركية كبيرة منذ بداية ظهور الوباء، ولكن هذا الفيروس أنهك النظام الصحّي. وحذّر الجيش الأبيض من خطورة كورونا، خاصة مع تسارع وتيرة تفشي واسع للسلالات المتحوّرة "ألفا" و"دلتا" في معظم الولايات، وهي السلالات الأقوى التي تشهدها تونس منذ العام الماضي. وأطلق مسؤولون في لجنة مكافحة فيروس كورونا تحذيرات من انهيار المنظومة الصحية في البلاد مع بلوغ أقسام العناية المركزة طاقاتها القصوى في أغلب المستشفيات، ونقص أسطوانات الأوكسجين في بعضها ومعاناة الطواقم الطبية من الإنهاك. وكشف هذا الوباء أزمة القطاع حيث أنّ تونس تمتلك، عند بداية انتشار الجائحة، 240 سرير إنعاش فقط موزّعة على بعض الولايات دون الأخرى، أي بما يعادل تقريبا 3 أسرّة لكلّ 100 ألف ساكن.

 

التلقيح

وتسير وتيرة حملة التطعيم ببطء في ظلّ امدادات محدودة للقاحات، وبسبب تأخّر جلب اللقاحات ضدّ كورونا، حيث لم تتحرّك الديبلوماسية التونسية في هذا الملف بصفة عاجلة وفعّالة. وحسب إحصائيات وزارة الصحة، استكمل مليون و81 ألفا و214 شخصا (من أصل 11 مليونا و700 ألف نسمة) تلقيحهم منذ بداية الحملة الوطنية للتلقيح ضدّ كورونا وإلى غاية يوم 26 جويلية، من بينهم 963 ألفا و633 شخصا تلقّوا جرعتين من التلقيح و117 ألفا و581 شخصا ممّن أصيبوا بكورونا سابقا، تمّ تطعيمهم بجرعة واحدة.

وتسعى تونس إلى تلقيح نحو 5.5 مليون شخص مع نهاية السنة الحالية، وضاعفت لهذا الغرض عدد مراكز التلقيح وقرّبتها من سكان المناطق البعيدة عن مراكز الولايات. وأكّد المجلس الوطني لهيئة الصيادلة مؤخرا، مشاركة الصيدليات الخاصة في حملة التلقيح الوطنية ضدّ كوفيد-19 حسب الأولويات المضبوطة من وزارة الصحة وفي إطار منظومة "ايفاكس" للتسجيل لعملية التلقيح، وذلك إثر اتفاق الهيئة والنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات مع وزارة الإشراف. وبيّنت هيئة الصيادلة في بلاغ لها أن عملية التلقيح في الصيدليات الخاصة ستكون مجانية لكلّ المواطنين كما هو الحال في مراكز التلقيح التابعة لوزارة الصحة. وقرّر الرئيس قيس سعيّد تولّي القوّات المسلّحة بالتنسيق مع الكادر الطبّي مسح كامل تراب البلاد لتلقيح المواطنين ضدّ فيروس كورونا في ظل تفشي الجائحة في البلاد.

وتتلقى تونس لقاحات كورونا عبر برنامج كوفاكس لمنظمة الصحة العالمية.

 

مساعدات دولية

ونتيجة لاتساع رقعة انتشار فيروس كورونا، حيث فاقت الوفيات جراء الفيروس 19 ألف ضحية، وتجاوزت الاصابات التي تمّ اكتشافها، نصف مليون إصابة منذ ظهور المرض في بداية شهر مارس من العام الماضي، في بلاد لا يتجاوز عدد سكانها 12 مليون نسمة، ومع تسجيل نقص حاد في مادّة الأكسجين لدى المستشفيات إلى جانب نقص الموظفين وأسرّة العناية المركزة، ونقص العديد من المعدّات الطبية، أطلقت سلطات البلاد نداء استغاثة استجابت له العديد من الدول وساعدت تونس على مواجهة هذه الأزمة. وأرسلت العديد من الدول مساعدات مالية وطبية إلى تونس من مولّدات أكسيجين، مكثف أكسجين، معدات وكواشف مخبرية، كمامات طبيّة، مواد تعقيم، أسرّة إنعاش، مستشفيات متنقلة، طواقم طبية، إضافة إلى عدد من التلاقيح، وغيرها من المعدات الضرورية لمواجهة جائحة كوفيد 19. وكانت الصين أول من أرسل، يوم 28 مارس 2020، إلى تونس شحنة مساعدات طبيّة كهبة لمواجهة وباء كورونا.

 

تيليتون

وتمّ في 20 مارس 2020، تنظيم تيليتون على مدى يوم كامل، تمّ فيه جمع تبرّعات مالية تقدر بـ27.1 مليون دينار تونسي، وتتوزّع بين 6.1 مليون دينار كمبالغ مجمعة و21 مليون كوعود فعلية. وفي 27 مارس، أعلنت الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية عن تجميع مبلغ 112 مليون دينار تبرعت بها 9 بنوك تونسية. وفي 30 مارس، بلغت التبرعات المجمّعة فعليا 20 مليون دينار من قبل وزارة الصحة، و64 مليون دينار في 12 أفريل. وفي 21 أبريل، بلغ مجموع التبرعات 194 مليون دينار.

 

إجراءات وقائية

وسعت الحكومة لتدارك النقائص في المستشفيات وتوفير رقم مجاني خاص بالمصابين بالوباء، أو من تظهر عليهم الأعراض الأولية. كما عملت على توفير الكمامات للإطار الطبي وشبه الطبي في المستشفيات واستيراد معدات جديدة من العديد من الدول.

وبدأت البلاد بداية جيّدة في مكافحة الوباء في ربيع عام 2020 وكانت الحكومة حازمة وقوية، ولكن تغيّر الوضع منذ خريف 2020، ويعود حسب العديد من الخبراء بالأساس إلى الوضع الإقتصادي الصعب في تونس.

وقامت تونس بإجلاء 10 تونسيين مقيمين بمدينة ووهان الصينية يوم 3 فيفري 2020 ووضعتهم في الحجر الصحي لمدة 14 يوم انتهت في 17 فيفري دون أن يتمّ تسجيل أي أعراض مرضية أو إصابة بينهم.

وتولّى المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة التابع لوزارة الصحة التونسية عملية متابعة ومراقبة الحالة الوبائية لفيروس كورونا في تونس وخارجها، إلى جانب إطلاقه لعمليات التحسيس والتوعية ونشر المعلومات حول الفيروس داخل البلاد. كما قامت الوزارة بتكوين اللجنة القارّة لمتابعة انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث تمّ إقرار الاستراتيجية الوطنية للترصّد والتوقّي من الفيروس وبعدها الخطة الوطنية للتصدّي لفيروس كورونا الجديد. ودخل مركز العمليات الصحية الإستراتيجية بوزارة الصحة العمل بصفة متواصلة على مدار 24 ساعة. كما تمّ الإعلان في 25 مارس 2020 عن إطلاق الهيئة الوطنية لمجابهة الكورونا، التي تجمع كل المتدخلين في الموضوع وتنسق بين كل الجهود الوطنية في مجابهة الوباء.

وأصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يوم 28 جويلية 2021، أمرا رئاسيا يقضي بإحداث قاعة عمليات لإدارة جائحة كوفيد 19، وتتمثل مهامها في متابعة تطوّر الوضع الصحي بالبلاد الناتج عن جائحة كوفيد 19، متابعة مدى تطبيق الإجراءات الصحية والقرارات الصادرة لمجابهة الجائحة، متابعة المخزون الاستراتيجي لمستلزمات مجابهة الجائحة من مواد صيدلانية ومعدات طبية وغيرها، متابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتلقيح، التنسيق مع مختلف الهياكل المعنية للوقوف على الإشكاليات والعمل على تذليلها، تقديم الاقتراحات ذات الصلة للمساهمة في اتخاذ القرارات.

 

تراجع الحركة الاقتصادية

وأدّت مجموعة القرارات التي اتخذتها الحكومة للحدّ من انتشار الوباء، من بينها غلق الحدود البحرية بصفة كلية، وإعلان حظر التجوّل ثم الحجر الشامل، في فترات سابقة إلى ركود الحركة الإقتصادية في البلاد.

وفي 18 مارس 2020، أعلن مدير مجلس إدارة البورصة التونسية مراد بن شعبان عن تراجع بنسبة 14.2% في مؤشر البورصة التونسية. وفي 21 مارس، أغلقت البورصة التونسية بتراجع بنسبة 7.3% بسبب الوباء والقرارات الاحتياطية التي اتخذتها الحكومة. وفي 21 مارس، أعلن رئيس الحكومة آنذاك عن العديد من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية للحدّ من آثار الوباء على الشركات والأفراد، وخصص مبلغا بقيمة 2.5 مليار دينار تونسي لمواجهة جائحة فيروس كورونا.

وكلفت هذه الإجراءات المواطنين ذوي الدخل المحدود والاقتصاد المثقل بالديون ثمنا باهظا. فمثلا حوالي 20 % من التونسيين يكسبون قوت يومهم من السياحة، ولكن هذا القطاع انهار ما يعني ضياع دخل أغلبهم.

 

تأثير التجاذبات السياسية

وما زاد في تدهور الوضع الصحّي في البلاد، كثرة التجاذبات السياسية، رغم محاولات الحكومة ومجهودات الإطار الطبي وشبه الطبي في الحدّ من انتشار كورونا. وأعلنت رئاسة الحكومة في بلاغ رسمي يوم 15 جويلية 2020، إعفاء عبد اللطيف المكي من وزارة الصحة، وتكليف الحبيب الكشو بمهام وزير الصحة بالنيابة. وقال وزير الوظيفة العمومية السابق والأمين العام المستقيل من التيار الديمقراطي محمد عبو في تصريح تلفزي، إنه كان أشار لرئيس الحكومة آنذاك إلياس الفخفاخ، بإقالة وزراء حركة النهضة بما فيهم وزير الصحة عبد اللطيف المكي، واعتبر أن وزارة الصحة "ما تستحقش وزير" إذ تعتمد على الكفاءات من أبنائها، حسب تعبيره.

وفي 23 أوت من العام الماضي، تمّ تعيين فوزي مهدي على رأس وزارة الصحة، ثم في 20 جويلية الجاري، أقاله رئيس الحكومة هشام المشيشي، من منصبه وعيّن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي في منصبه بالنيابة ليواصل عمله على رأس الوزارة إلى الآن.

 

ويذكر أن تونس أعلنت عن أولى حالات الإصابة بالمرض في 2 مارس 2020، حيث كانت الضحية رجل تونسي من مدينة قفصة، يبلغ من العمر 40 عاما كان عائدا من إيطاليا. وبعد ذلك، تمّ وضع 74 حالة مشتبه فيها في قفصة تحت الإقامة الجبرية في المنزل. واتخذت الحكومة آنذاك جملة من الإجراءات الاستباقية للتصدّي لانتشار الوباء في البلاد.

وفي 5 ماي 2020 أعلنت وزارة الصحة في بيان لها، عن تسجيل إجمالي 1032 إصابة و45 وفاة، وبلغ عدد المتعافين 700 حالة. وفي 10 ماي 2020، سجلت تونس صفر حالات إصابة بفيروس كورونا لأول مرة منذ أوائل مارس. وفي 18 مارس من نفس السنة، أعلن وزير الصحة آنذاك عبد اللطيف المكي عن شفاء أول مصاب بالجائحة، وأكد أن خطر العدوى لا يزال قائما بقوّة بسبب عدم الالتزام بالحجر الصحّي الذاتي، وكثرة التجمعات، وخرق حظر التجوّل، وأعلن كذلك عن أول وفاة بهذا المرض، وهو لامرأة مسنّة عائدة من تركيا.

news/korona-fy-tons-obaaa-kshf-azm-alktaaa-alshy-agraaaat-okayy-sahmt-fy-tdhor-alodaa-alaktsady-otgathbat-syasy-ghtht-algayh.jpg

You might also like!