post

احتجاجات واشتباكات مع الأمن في عدد من المناطق

تونس السبت 15 أكتوبر 2022

شهدت عدة مناطق تظاهرات واشتباكات أمس الجمعة، مع رجال الأمن، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، وضد إهمال السلطات إزاء حادثة غرق مركب للمهاجرين في جرجيس.

كما شهدت عدة أحياء شعبية بالعاصمة، مساء الجمعة، عملية كر وفر بين محتجين وقوات الأمن، فيما أغلق محتجون بعض الشوارع بإحراق العجلات المطاطية، كما تعطلت حركة النقل من حافلات ومترو.

ودارت في حي التحرير بالعاصمة، اشتباكات مع الأمن خلال تشييع جثمان الشاب مالك الذي توفي في حادث إثر مطاردة أمنية، كما احتج تونسيون في العاصمة على النقص الحاد في المحروقات، وحملوا السلطات المسؤولية.

كما تجددت المواجهات مساء أمس، في منطقة التضامن وحي الانطلاقة بالعاصمة، حيث تم تسجيل مناوشات بين الشباب المحتج والوحدات الأمنية التي استعملت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وجاءت الاحتجاجات في هذه الأحياء الشعبية بالعاصمة تزامنا مع تشييع جثمان الشاب مالك السليمي 17عاما، أصيل منطقة العمران الأعلى، الذي تُوفي الخميس 13 أكتوبر، متأثّرا بإصابته على مستوى الرقبة والظهر، الأمر الذي أجج غضب الشباب والمتعاطفين معه الذين انتقدوا عنف الأمن.

وكان الشاب مالك مقيما بالمستشفى منذ 31 أوت 2022 إثر سقوطه في خندق محاذي للمركب الجامعي المنار وعلى مستوى منطقة العمران الأعلى، وذلك خلال محاولته تسلّق جدار والهروب فور مشاهدته دوريّة أمنيّة بالمنطقة. ويحمّل شباب المنطقة، الوحدات الأمنية المسؤولية الكاملة لمقتل الشاب.

وسبق أن قامت وحدات الأمن ظهر الجمعة 14 أكتوبر 2022، بفضّ تجمّع احتجاجي لعدد من شباب منطقة العمران الأعلى المحاذية لحيّ التضامن، والذين "عمدوا إلى رشق دوريّة حرس المرور بالنُّقْرَة بالحجارة احتجاجا على وفاة شاب من الحيّ".

أطوار الحادثة

وتعود أطوار الحادثة، وفق ما نقلته جمعية "تقاطع من أجل الحقوق والحريات" من شاهد عيان، إلى تاريخ 31 أوت 2022، عندما كان مالك متواجدًا رفقة أصدقائه على متن دراجته النارية بحي التضامن، وأثناء سيرهم بالدراجة قامت سيارة شرطة بملاحقتهم من الخلف مما اضطرهم إلى الوقوف على جانب الطريق".

وأضافت الجمعية، في بيان لها، أنه "بعد وقوفهم ونزولهم من الدراجة قام أعوان الشرطة بالتوجه إلى مالك مباشرة وضربه ضربًا شديدًا دون أي سبب يدفعهم للقيام بذلك". وأشارت إلى أن "الضحية مالك حاول المقاومة والهروب من بين أيديهم ليقوموا بدفعه حتى سقط في قناة صغيرة لتصريف مياه الأمطار وأغمى عليه ليبقى هناك إلى حين وصول سيارة الحماية المدنية".

وتابعت الجمعية: "ومنذ ذلك اليوم بقي مالك في المستشفى تحت العناية الطبية بسبب ما لحقه من كسور عديدة وارتجاج أصاب رأسه، لتزداد حالته الصحية تعكرًا  يومًا بعد يوم ما تطلب عناية طبية مشددة، وبقي داخل المستشفى على تلك الحالة حتى توفي يوم 13 أكتوبر 2022"، وفق ما ورد في نص البيان.

واعتبرت الجمعية أن "الاعتداء على الشاب مالك السليمي الذي أدى إلى وفاته، يمثل انتهاكًا للحق في الحياة والحق في الحرمة الجسدية". وذكرت بأنها "حقوق إنسانية كفلها الدستور التونسي الذي نص في فصله 24 على أن "الحق في الحياة مقدّس، ولا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون"، وفي فصله 23 على أن "الدولة تحمي كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم".

وأضافت أنه "علاوة على هذا هي حقوق كرستها مختلف الاتفاقيات الدولية، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادتين 3 و6، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 6 التي جاء فيها "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفًا".

وطالبت عائلة الشاب مالك السليمي بمحاسبة الأمنيين المتورطين في الاعتداء عليه، وفق ما أكده عم الفقيد محمد السليمي في تصريح إذاعي. وقال: "نحن نطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة المعتدين. لسنا دعاة فوضى لكننا نريد حقّ مالك"، وفق تعبيره، واستدرك: "نأمل أن ينصفنا القضاء ولو أننا نرى دائمًا أنه يقع الإفلات من العقاب كلّما تعلّق الأمر بوزارة الداخلية"، على حد قوله.

وعرفت حادثة وفاة الشاب مالك السليمي تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وعبر نشطاء عن استيائهم وغضبهم مما اعتبروه تكرر أحداث العنف الأمني أمام تواصل الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة.

حالة من الاحتقان في بنزرت

وقام عدد من أهالي المفقودين في قارب هجرة غير نظامية، منذ شهر أوت الماضي، في بنزرت وبالتحديد في منطقة لابراش، بغلق الطريق لوطنية على مستوى منطقة لابراش ببنزرت الجنوبية، الرابطة بين مركز الولاية ومعتمدية منزل بورقيبة، واشعال العجلات المطاطية احتجاجا على مصير اقاربهم المفقودين، وسط حضور أمني مكثف. ورفع المحتجون شعارات تدعو إلى عدم الاحتفال بعيد الجلاء السبت 15 أكتوبر، والمدينة حزينة على شبابها المفقود.

وطالب المحتجون بالكشف عن مصير أبنائهم وأقاربهم المفقودين منذ أسابيع في اطار هجرة غير نظامية، ويتهم المحتجون السلطات بالتقاعس مطالبين المسؤولين المحليين بالتحرك سريعا لمعرفة مصير المهاجرين. وبحسب معتمد بنزرت الجنوبية بشير النفزي انطلقت الاحتجاجات مساء الجمعة 14 أكتوبر 2022، ويبلغ عدد المحتجين حوالي المائة.

احتقان وغضب في جرجيس

وفي مدينة جرجيس التابعة لولاية مدنين، تسود حالة من الاحتقان والغضب في صفوف الأهالي على خلفية حادثة غرق مركب مهاجرين غير نظاميين من أبناء المنطقة.

وتجمع الآلاف من المواطنين أمام مقر المعتمدية وعمدوا إلى طرد الوالي والمعتمد، لتتدخل الوحدات الأمنية لحمايته، بعد أن اضطر للهرب تحت ضغط الأهالي. واستنكر الأهالي بشدة دفن جثث يتوقع أن تكون لأبنائهم دون إخضاعها للتحاليل الجينية والطب الشرعي واعتبروا أنها جريمة في حقهم.

وقررت السلطات إثر ذلك إخضاع الجثث للتحاليل تحت ضغط من الأهالي. وبإذن من النيابة العمومية، تم الأربعاء المنقضي إخراج عدد من الجثث من مقبرة المهاجرين أو ما تسمى بمقبرة 'الغرباء' وتم أخذ عينات للتحليل، وتعرف الأهالي على عدد منها.

منظمات وجمعيات تندّد

وعبّرت منظمات وجمعيات عديدة عن تضامنها مع عائلات الضحايا، واستنكروا بشدة تعاطي السلطة مع الحادثة. وفي بيان مشترك، نددت 20 منظمة وجمعية بـ"سياسات الدولة وأجهزتها المحبطة والدعاية المضللة والتي لم تراع لا واجباتها تجاه مواطنيها ولا معاناة أهالي المفقودين وأهالي جرجيس وذلك على خلفية الأزمة الإنسانية التي عاشت على وقعها المدينة منذ 21 سبتمبر الماضي بعد فقدان الاتصال بمركب للمهاجرين غير النظاميين".

وطالبت المنظمات والجمعيات بالاستجابة لمطالب عائلات الضحايا وأهالي هذه المدينة بما يمكن من كشف الحقيقة ومن البحث عن بقية المفقودين ومعرفة مصيرهم في أسرع وقت.

وبيّنت أن التعاطي السلبي للدولة وأجهزتها وتعتيمها عن المعلومات ساهم في احتقان اجتماعي بالجهة، واضطر الأهالي للتعويل على إمكانياتهم الذاتية للبحث عن المفقودين ومعرفة مصيرهم، ولفتت إلى أنه لا تزال إلى اليوم عائلات عديدة تنتظر معرفة مصير أبنائها في غياب واضح من طرف الدولة.

النهضة تدين سياسة التعتيم

من جهتها، أصدرت حركة النهضة بياناً الجمعة 14 أكتوبر 2022، حمّلت فيه السلطة القائمة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والمعيشية وتواصل معاناة المواطن، خاصة في ظل ازمة الوقود وتهرئة مقدرته الشرائية ‏مما زاد من نسب الهجرة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، مع ما ينتج عن هذه الأخيرة من كوارث اجتماعية كبيرة آخرها مأساة جرجيس والمهدية ، وفق نص البلاغ.

وأدانت الحركة ما وصفته بسياسة التعتيم المتعمّد للسلطة الحالية تجاه الرأي العام عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية ‏المتدهورة، وحذرت في بلاغها من مخاطر المواصلة في هذا التمشي الخطير الذي تعكسه كذلك عديد المؤشرات السلبية على غرار نسبة التضخم التي بلغت 9.1‎%‌‏، ومخزون العملة ‏الأجنبية الذي انخفض إلى 107 يوم توريد، والعجز التجاري القياسي ب19,24 مليار دينار، واضطرار آلاف المؤسسات الاقتصادية للغلق بسبب انسداد أفق الاستثمار.

وعبّر بيان الحركة عن استنكار لغموض فحوى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وفقدان النظام لثقة المنتظم الدولي نتيجة تهميش الأولويات في إصلاح الأوضاع ومحاولة تركيز حكم فردي مطلق يقوض الحريات والديمقراطية.

واستنكر البيان "حملات تشويه المجالس البلدية ومحاولات استهداف ‏الحكم المحلي الذي مثّل أحد أهم مكتسبات الثورة، خاصة بعد تعليق الدستور وإلغائه واستبداله بنموذج متخلف تهيمن فيه السلطة الفردية للانقلاب على كل السلطات التنفيذية وتلحق فيه السلطة المحلية بالسلطة المركزية".

وجددت الحركة في البيان الذي اصدرته بعد اجتماع مكتبها التنفيذي، دعمها لاستقلالية القضاء عن كل الضغوط مهما كان مصدرها وتحيّي صموده في وجهها ورفضه أن يكون أداة في يد السلطة التنفيذية لتحقيق مآربها في تصفية خصومها السياسيين بقضايا ملفقة واستهداف الأحزاب والشخصيات المعارضة والمنظمات الوطنية.

احتجاجات-2.jpg

You might also like!