post

أين أنت يا سيدي الرئيس؟

سياسة السبت 15 أكتوبر 2022

نشر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي مقالا في صحيفة العربي الجديد اليوم السبت 15 أكتوبر 2022، جاء فيه ما يلي:

غموضٌ شديدٌ يلفّ الوضع التونسي. الجميع يبحثون، والجميع يتساءلون. يبحثون عن الدولة التي غابت عن أنظار التونسيين الذين يشعرون، يوما بعد يوم، بأنهم أصبحوا متروكين لمصيرهم. ويتساءلون عن الرئيس الذي يرى ولا يُرى. يشاهدونه عبر نشرات الأخبار المسائية بالقناة الوطنية، ويسمعون توجيهاته إلى رئيسة الحكومة المعروفة بالمرأة الصامتة، لكنهم لا يشعرون بأنه يعيش معهم في العالم نفسه، ويعمل من أجلهم، يحزن لحزنهم ويقلق لقلقهم. كأنهما يحلقان في أجواء مختلفة، لكل منهما أجندته الخاصة به.

مشهد رتيب، يتكرّر يوميا، ومع تقدّم الزمن يزداد المشهد غموضا وكآبة. لعل أهم دليلٍ على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص فيسبوك. إذ بقطع النظر عن الكوارث التي تحملها يوميا وسيلة التواصل هذه، إلا أنها تبقى بمثابة المرآة العاكسة بوضوح شديد آراء المواطنين وأولوياتهم وهمومهم.

وما لوحظ، في الفترة الأخيرة، تزايد عدد المواطنين الذين يضعون هواتفهم أمامهم، ويتوجهون برسائل مصوّرة إلى الرئيس قيس سعيّد. رسائل واضحة وليست مشفّرة، يتوجهون إليه مباشرة، ويسألونه بوضوح: أين أنت، يا سيدي الرئيس؟

ليس هؤلاء سياسيين محترفين ينطلقون من أجنداتٍ مختلفة، ولا هم من نشطاء المجتمع المدني. هم مواطنون عاديون، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. هم في الغالب يحبّون الرئيس، وصوّتوا له في الانتخابات الرئاسية، وأيّدوه في كثير من قراراته، وخرجوا إلى الشارع في ليلة الخامس والعشرين من جويلية 2021 للترحيب بإزاحته رموز المشهد السابق. لكنهم بقوا ينتظرون، وطال بهم الانتظار، ولم يلمسوا جديدا ذا قيمةٍ من شأنه أن يحسّن أوضاعهم نحو الأفضل.

على العكس تراجعت، في الأثناء، قدرتهم الشرائية، وانخفضت درجات مطالبهم وطموحاتهم، وتعدّدت المخاطر التي أصبحت تهدّد استقرارهم الاجتماعي والنفسي ومستقبل أبنائهم. كانوا من قبل يعانون من ضيق الحال، وتنازع الأحزاب وتفاقم فائض الحرية حتى بدت لهم البلاد كأنها تتّجه نحو الفوضى، فإذا بهم اليوم يتعرّضون لإعصارٍ يكاد يقتلعهم من جذورهم، ويغمرهم إحساسٌ شديدٌ بالضياع والوحدة والحيرة القاتلة.

كل هؤلاء الذين قرّروا مخاطبة رئيسهم من خلال هواتفهم النقالة، لهم سؤالٌ مركزيٌّ يتكرّر على ألسنتهم: ماذا تفعل يا رئيس؟ هذا السؤال فرضته المقارنة التي يقوم بها المواطنون بين المشكلات الفعلية التي يحترقون بنيرانها وجدول أعمال النشاط اليومي لرئاسة الجمهورية.

ما يلاحظه التونسيون عموما أن قيس سعيّد يحلّق بعيدا عن شعبه، وعندما يضطر أحيانا إلى العودة، بصفة وقتية، إلى الواقع المعيش الذي يتخبّط فيه مواطنوه، تبدو عليه علامات العجز والضياع، لأن معظم المشكلات المطروحة لا يملك لها حلا، فهي لا تندرج ضمن الأولويات التي وضعها لنفسه، عندما قرّر الترشّح لرئاسة الجمهورية. ما يشغله حقا هو تغيير النظام والمنظومة. المقصود بذلك إلغاء النظام السياسي الذي أقرّته الأحزاب في 2014، إلى جانب المنظومة الدستورية والقانونية التي جرى الاستناد إليها.

وعندما تبرز في الأثناء مشكلات أكثر خطورة تتعلق رأسا بحياة ومعاشهم، ولا يمكن معالجتها اعتمادا على الأدوات القانونية التي يعتقد الرئيس أنها الحلّ السحري لتغيير جميع الأوضاع، ليس فقط في تونس، ولكن في العالم كله كما يبشّر بذلك، عندها يقول أنصاره إن الرئيس ليس مطالَبا بتقديم الحلول. الحلول تنبع من الشعب، لأن الشعب يفعل ما يريد، ولا يقبل الوصاية عليه.

عندها يجد الشعب نفسه حائرا أمام "الفزّورة" يبحث عن تفكيك اللغز. وتكون المحصلة النهائية لهذا الدوران في حلقة مفرغة أن الدولة تتحرّك في أجواء ضبابية كثيفة، وتتّجه بنسق متسارع نحو نقطة شديدة الغموض، قد تصطدم بها في كل لحظة.

صورة معبّرة لتونس ردّدها، أخيرا، عبيد البريكي، رئيس حزب تونس إلى الأمام الموالي للرئيس، شبّه من خلالها تونس بطائرة أقلعت يوم 25 جويلية. الطائرة تواصل تحليقها، لكنها تمر الآن بمنطقة اضطرابات شديدة. ما يخشى حاليا أن يكون قائد الطائرة قد خرج عن المسار، واختار طريقا أخرى لا يعرفها أحدٌ سواه!

سعد-4.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً