post

إحالة 19 سياسيا أمام القضاء.. أين سعيّد من "جرائم الانتخابات"؟

تونس الخميس 06 جانفي 2022

تقرّر إحالة 19 شخصية سياسية، منها رؤساء أحزاب وحكومات ووزراء ونواب، على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل "جرائم انتخابات"، دون أن تشمل الرئيس قيس سعيّد، رغم وجود مخالفات انتخابية في حقّه.

وذكر مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، أنه تقرر إحالة 19 شخصا على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل جرائم انتخابية وذلك بعد اتمام الاستقراءات والأبحاث .

وأوضح المكتب في بلاغ أصدره أمس الأربعاء، أن القرار تم اثر احالة وكيل الدولة العام لدى محكمة المحاسبات على النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس أفعالا من شأنها أن تشكل جرائم انتخابية، وذلك عملا بأحكام الفصل 24 من القانون الاساسي عدد 41 لسنة 2019 المتعلق بمحكمة المحاسبات.

وذكر البلاغ أنّ الأشخاص المحالين على المجلس الجناحي بمحكمة تونس، هم تباعا رئيس حزب "قلب تونس" ورجل الأعمال الموجود بالخارج نبيل القروي، ورئيس الحكومة السابق ورئيس حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد المتواجد بدوره خارج البلاد، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم زبيدي، ورئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس حزب "الوطن الجديد" ورجل الأعمال الموجود في الخارج سليم الرياحي، وعضو مجلس الشعب أحمد الصافي سعيد، ورئيس الحكومة السابق والقيادي السابق في النهضة حمادي الجبالي.

وشملت القائمة أيضاً كلاً من رئيس حزب "العمال" حمة الهمامي، والرئيسة السابقة لحزب "الأمل" ومديرة ديوان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، سلمى اللومي، والمهندس في الاقتصاد محمد الصغير النوري، والرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي الموجود في الخارج، ووزير التعليم السابق ورئيس حزب "الائتلاف الوطني" ناجي جلول، والرئيس السابق لحزب "تيار المحبة" وصاحب قناة "المستقلة" محمد الهاشمي الحامدي، ورئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ، ورئيس حزب "البديل" ورئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، وعضو مجلس الشعب والقيادي في حزب الوطد منجي الرحوي، ورئيس حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" لطفي المرايحي، ورئيس حزب "بني وطني" سعيد العايدي، وربيعة بن عمارة.

ووفق البلاغ تم اتخاذ قرار الاحالة على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل ارتكاب جرائم مخالفة تحجير الإشهار السياسي والانتفاع بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي طبق الفصول 57 و 69 و154 و155 من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26/05/2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.

واضاف مكتب الاتصال بالمحكمة المذكورة أنه "تعذر إحالة غيرهم على المحكمة لأسباب تتعلق ببعض الإجراءات الخاصة بإثارة الدعوى العمومية المرتبطة بصفة المخالف واستكمال بعض الأبحاث."

وأوضح أستاذ القانون والمحامي، رابح الخرايفي، في تصريح صحفي، اليوم الخميس، أنّ "العقوبات المترتبة على الإحالة على المجلس الجناحي كما ورد في بيان المحكمة تحيل إلى عقوبات مالية وليس عقوبات سجنية سالبة للحرية". وأشار إلى أنه "انطلاقاً من فصول التتبع فإنّ الجنح الانتخابية ستترتب عليها غرامات مالية للمخالفين".

وحول ما أثاره معارضو الرئيس قيس سعيد؛ بسبب عدم إحالة ملفه على المجلس الجناحي لوجود مخالفات في حقه في تقرير محكمة المحاسبات، بيّن الخرايفي أنّ المحكمة "أعادت ذلك إلى تعارض الإجراءات مع صفة الرئيس".

وفسّر ذلك بالقول: "الإحالة ضد رئيس الجمهورية سيرجأ النظر فيها (إذا تم فتح البحث)، لأنه وفق الفصل 87 من الدستور فهو متمتع بالحصانة ولا يمكن مباشرة أي دعوى أو شكوى ضده إلا بعد رفع الحصانة أو إعلانه أنه متخلٍّ عنها طواعية".

وأضاف أنّ "للمحامين أيضاً إجراءات خاصة في الإحالة والتتبع تمر عبر الوكيل العام، وهو ما يفسّر عدم ذكر المترشح المحامي عبد الفتاح مورو (نائب الرئيس السابق للبرلمان).

وأشار الخرايفي إلى أنّ "هذا التتبع شمل كامل الطبقة السياسية في تونس تقريباً"، وأشار إلى أنه "حتى وإن اقتصرت العقوبات على الغرامات المالية فعندما تصبح الأحكام باتة ونهائية يمكن أن يستعملها الرئيس سعيّد لإبعادهم من المشهد القادم".

وبيّن أنّ "هذه الأحكام سيتم تسجيلها في بطاقات السوابق العدلية، وستتحول إلى موانع انتخابية من خلال تضمينها في القانون الانتخابي القادم، وبالتالي هذا ما يبحث عنه سعيّد لإخراجهم من الانتخابات في 2024".

وقال المحامي حسني الباجي، في تدوينة على حسابه بموقع "الفايسبوك"، تعليقاً على عبارة "صفة المخالف" الواردة في بلاغ المحكمة: "المفهوم من معرض جواب النيابة أنّ حاكم قرطاج مشمول بالإحالة على القضاء، لكن صفة المخالف كرئيس دولة تمنع محاكمته مثل بقية المحالين، وهذا لعمري خطأ لأن الأفعال المنسوبة له سابقة عن الوظيفة، وثانيا هي أفعال ليست من علائق الوظيفة وما التعلل بالحصانة إلا اجتهاد مخالف لروح ومفهوم الحصانة الوظيفية".

وقال باحث الدكتوراه في القانون عدنان الكرايني في تصريح صحفي، إن العقوبة التي ينص عليها الفصل 154، هي خطية من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار، والفصل 155 خطية من 3 آلاف دينار إلى 20 ألف دينار.

وبخصوص ما ورد في بلاغ النيابة حول تعذر إحالة أشخاص للمجلس الجناحي بموجب صفاتهم بسبب الجرائم الانتخابية موضوع الفصلين 154 و155 من قانون الانتخابات والاستفتاء، أوضح الكرايني إنما قصدت به النيابة العمومية، المترشح قيس سعيد نظرا لصفته رئيسا للجمهورية متمتعا بالحصانة وفق الفصل 87 من الدستور، "والحصانة وضعية قانونية تمنع التتبع ضد كل من يتمتع بها، وبمجرد انتفاء الصفة تستأنف الإجراءات التي تنص عليها مجلة الإجراءات الجزائية".

وأكد المكلف بالإعلام والاتصال في حركة النهضة عبد الفتاح التاغوتي أن "الحركة ورئيسها راشد الغنوشي لم يتلقيا أي إشعار من الجهات القضائية إلى حد اللحظة"، واستغرب من نشر الخبر من طرف وسائل إعلام قبل إبلاغ المعني بالأمر.

واستدرك: "في حال ورود أي مراسلة في هذا الخصوص، سيمثل الغنوشي أمام الدائرة الجنائية، نحن نحترم القانون والقضاء، ولنا كل المستندات والوثائق التي تؤكد سلامة موقف رئيس الحركة".

كما استغرب التاغوتي الزج باسم الغنوشي في القائمة بصفته مرشحا للبرلمان، وليس مرشحا رئاسيا كما هو الحال بالنسبة إلى الشخصيات المذكورة في القرار المنشور. وأوضح: "سعيّد نفسه مذكور بتقرير دائرة المحاسبات وله أخطاء خلال الحملة الانتخابية".

وبيّن القيادي في حزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، في تصريح صحفي، أنه "على جميع الأطراف احترام عمل القضاء والامتثال لأعماله لأنه دليل على احترام بقية السلطات لقراراته ودليل على استقلاليته".

وتابع أنّ "ما لم يذكره البلاغ هو الشخصية رقم 20، صاحبة الصفة المخالفة التي تحُول الإجراءات دون تتبعها وإحالتها مع بقية الشخصيات الأخرى على المجلس الجناحي".

وأضاف أنّ "الرقم 20 غير المذكور في البلاغ هو من حرص في كل خطاباته على اختصار آجال التقاضي وضغط حتى يُفعل تقرير محكمة المحاسبات ويتم تتبع المخالفين من المترشحين قبل نهاية ولايتهم، وحتى يحرموا من مناصبهم، مصوّباً سهامه على النواب، غير أنّ التقرير لم يشمل المخالفات التشريعية فقط بل شمل الرئاسيات ومخالفاتها فهل يعطي المثال ويواجه القضاء والعدالة؟".

وقال العضو التنفيذي في مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، الأمين البوعزيزي، إنّ "النظيف لا يهرب من وجه العدالة محتمياً بقانون الحصانة، والذي يطالب بقيام القضاء بأدواره يخضع لقانون المساواة أمام القضاء ولا يختبئ وراء الحصانة".

وأضاف البوعزيزي على صفحته بـ"فايسبوك": "ألم نقل إن مشهد الدبابة تسد باب البرلمان المنتخب وضعه خارج مربع السياسة، ومشهد الإسعاف الذي يقل مناضلاً سياسياً مضرباً عن الطعام في عمر الـ78 عاماً وضعه خارج مربع الأخلاق. وها هو احتماؤه بالحصانة هروباً من العدالة يجعله خارجاً عن القانون ومجرداً من الشجاعة المزعومة".

ودعا النائب عن حركة النهضة البشير الخليفي، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على "فايسبوك"، الرئيس التونسي إلى "التخلّي عن الحصانة والمثول أمام القضاء على غرار المترشحين للانتخابات الأخيرة، وذلك بعد بلاغ النيابة العمومية الذي أعلنت من خلاله إحالة عدّة شخصيات من أجل مخالفات انتخابية بناء على تقرير محكمة المحاسبات مع الإشارة إلى تعذر إحالة غيرهم بسبب تمتعهم بالحصانة". وأشار إلى أنه "لم يبق متمتعاً بالحصانة إلا رئيس الجمهورية بعدما نزعها الرئيس عن النواب".

وطالب الخليفي في تدوينته "سعيّد بالتخلي عن الحصانة والوقوف مع بقية المرشحين للانتخابات السابقة"، وذكّر بأنّ "العقوبات مالية أقصاها 20 ألف دينار وهي أقلّ من الراتب الشهري لرئيس الجمهورية".

وعلّقت اللجنة القانونية لحركة "تحيا تونس" على خبر إحالة رئيس الحزب يوسف الشاهد على أنظار الدائرة الجناحية بشبهة الإشهار السياسي بناء على تقرير دائرة المحاسبات الخاص بالانتخابات الرئاسية 2019.

وأوضحت اللجنة، في بيان لها، أنّ شبهة الإشهار السياسي التي ذكرها تقرير المحاسبات حول الحملة، "تتمثل في بث قناة تلفزية لفعاليات اجتماع سوسة بتاريخ 8 سبتمبر 2019 دون إذن من الممثلين الرسميين للحملة، وهو ما اعتبره تقرير المحاسبات إشهارا سياسيا".

وشددت على أنّ هذه الشبهة "لا تعتبر جريمة انتخابية كالتمويل الخارجي أو "اللوبيينغ" بل جنحة تتراوح عقوبتها، إن ثبتت، بين 5 آلاف و10 آلاف دينار، حسب الفصل 154 من القانون الانتخابي، إضافة إلى عدم مسؤولية الشاهد عن البث التلفزي المذكور".

ويذكر أن سعيّد دعا، في أكتوبر الماضي، القضاء إلى ترتيب آثار جزائية على التجاوزات، التي كشف عنها التقرير السابق لمحكمة المحاسبات. وقال الرئيس خلال لقائه رئيس محكمة المحاسبات، نجيب القطاري، إن "الانتخابات الأخيرة مولت بأموال من الخارج.. ونحن بحاجة إلى ترتيب آثار جزائية، ويجب على القضاء أن يقوم بدوره التاريخي حتى يستعيد الشعب حقه، وحتى تتخلص تونس من الأدران التي علقت بها منذ عقود"، وفق تعبيره.

كما أكد سعيّد أنه "لا يجب على نواب سرقوا تزكيات، للترشح إلى الانتخابات الماضية، أن يتحدثوا عن مقاومة الفساد، وهم سرقوا التزكيات". وأشار إلى أنه "كان من المفترض إلغاء عدة قائمات من البرلمان"، على حد قوله، لكن دون أن يذكر أي أسماء محددة، وهي دعوات وتصريحات طالما اعتبرها جزء من القضاة تدخلًا في أعمالهم.

المحكم-الابتدا.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً