post

!!إعلامنا: إلى أين ؟

صحافة محلية الأربعاء 29 سبتمبر 2021

مرآة تونس - إشراق بن حمودة

هبَت رياح الانتقال الديمقراطي في تونس مع حرق البوعزيزي لنفسه حتَى يشعل فتيل الحريات والانتفاضة على نظام ديكتاتوري استبدادي الذي جاء به نظام الرئيس المخلوع بن علي. وبذلك تحرَر الإعلام ليصبح حرَا ومتنوعا، حيث أصبحنا نسمع الرأي والرأي المخالف دون أي تعتيم، كما أنَ الإعلام ساهم بشكل كبير في تفعيل الحراك الاجتماعي المطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية. ولكن يبدو اليوم بعد الأحداث التي شهدناها منذ 25 جويلية إلى الآن أنَ حرية الإعلام أصبحت مهدَدة وباتت مكسبا شكليا تُحدَد فوَهات بنادق الرئيس قيس سعيد. 
لا يختلف اثنان على أنَ إعلامنا قبل الثورة كان يدور في فلك السلطة فهو حكومي التوجه وكان خطه التحريري أحاديا ينطق من السلطة ويعود إليها وذلك بسبب التدخل المباشر للرئاسة في المضامين قبل بثَها للجمهور. 
بعد الثورة، شهد إعلامنا انفجارا كميَا رائعا، حيث انتشرت وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها ما أضفى لنا مضامين متنوعة وخطوط تحريرية مختلفة وبذلك توفَرت سياقات إيجابية لحرية التعبير. فبعد تربَع إعلام المركز على عرش تشكيل الرأي العام لعقود جاءت ثورتنا المجيدة وتلاشت بذلك مركزية إعلام الدولة.
   الإعلام والحريَة: بداية النهاية
إعلام حرَ، نزيه وشفَاف هو المطلب الرئيسي بعد الثورة، وحققَنا فعلا ذلك ولكن اليوم أصبح هذا مهدَدا نظرا إلى أنَ السلطة السياسية تسعى إلى تحويل الإعلام إلى مرفق خاص. 
فبعد أن تحرَرت التلفزة الوطنيَة من قهر الدولة وسيطرتها وخاصة في التغطيات المباشرة، نلاحظ اليوم بعد 25 جويلية عودتها إلى الوراء حيث أصبحت بوقا لرئاسة الجمهورية وما تمليه.
في الوقفة الاحتجاجية الداعمة للانقلاب تمَ تمرير امرأة على أساس أنها في الوقفة الرافضة للانقلاب، هذا وأصبحت أخبار رئيس الجمهورية دائما ما تتصدَر النشرات الإخبارية. حتى أنَ الاستضافات في البرامج السياسية الحوارية أصبحت شبه مختارة ولم نعد نشاهد ونسمع الرأي والرأي الآخر.
يبدو أن قيس سعيد رصد جيدا ما يمكن أن يُقدَمه الإعلام وقدرته العالية على تفعيل الحراك الاجتماعي المطالب بالحرية والانتقال الديمقراطي من خلال عملية النشر الواسع للأفكار ذات العلاقة بالشأن العام والحريات السياسية والمدنية بل بالأثر الذي من المحتمل أن تحدثه عملية النشر في الرأي العام المحلي والدولي. ولذلك انطلق في التضييق على حرية الإعلام شيئا فشيئا.
  إعلام في مواجهة استبداد الدولة
إنَ غياب الاستقرار بعد الثورة من مميَزات الانتقال الديمقراطي، حالة من المدَ والجزر بين مخلَفات النظام البائد والرغبة في إرساء قيم جديدة من حرية وتعدديَة. ولذلك من الضروري اليوم إصلاح الإعلام حتَى لا تحوله السلطة السياسية إلى مرفق خاص، ويكون الإعلام هو الرقيب الأول على السلطة السياسية ويكشف دواليب الدولة ويُحقَق بكل حرية في كل التجاوزات التي يمكن أن ترتكبها أجهزة الدولة ويتحرَى في الأخبار بكل حرية. كلَ هذا يستجدي صحفيين أكفَاء يبحثون على الحقيقة كما ينص عليه الميثاق الأخلاقي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، صحفيين يُنيرون الرأي العام بإتاحة كل الأحداث وكل المواقف والآراء.. الصحافة قادرة اليوم على مناهضة لما يتم السعي إليه في الكواليس من تضييق من خلال كل أشكال القهر الرمزي.

 

galleries/علامنا-ل-ن-01-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً