post

ارتفاع الأسعار يزيد الأوضاع سوءا.. فهل تتدارك الحكومة أمرها وتتجنّب أسوأ السيناريوهات؟

اقتصاد وأعمال الجمعة 15 أفريل 2022

في خضم الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ أشهر، تعيش تونس أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية هي الأسوأ منذ الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي، جرّاء الغلاء الفاحش للمعيشة وارتفاع نسبة الفقر وهشاشة الأوضاع التي حطّمت كل الأرقام.

وازدادت الأوضاع الاقتصادية تأزما مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي فرضت على البلاد البحث عن موارد مالية إضافية لتغطية العجز الناجم عن ارتفاع أسعار المحروقات والقمح في الأسواق العالمية والذي لم يكن في حسبان من أعدوا ميزانية سنة 2022.

فالميزانية، وباحتساب الأسعار القديمة، كانت تعاني من عجز فادح دفع بالحكومة إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي بحثا عن قرض يغطي هذا العجز، الذي تضاعف بعد ارتفاع أسعار القمع والمحروقات وسلع أخرى، فباتت تونس بحاجة إلى سيولات مالية إضافية تغطي العجز القديم والجديد على حد سواء وعدم الاكتفاء بقرض صندوق النقد الدولي في حال تم إسناده.

وتحتاج البلاد إلى ما لا يقل عن 12 مليار دينار لتمويل ميزانية هذا العام، من بينها أكثر من 7.5 مليارات دينار (2.5 مليارات دولار)، ستخصص لسداد أقساط الديون المستحقة هذا العام. ويستحوذ الدين العام لتونس بحسب قانون الموازنة على82.57% من إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويبلغ الدين الخارجي نحو 72.9 مليار دينار (24.8 مليار دولار)، بينما يبلغ الدين الداخلي 41 مليار دينار.

ارتفاع أسعار المحروقات

وكإجراء عملي، رفّعت الحكومة في أسعار المحروقات بنحو خمسة بالمئة، للمرة الثالثة هذا العام، حيث أعلنت وزارتا الصناعة والمناجم والطاقة والتجارة وتنمية الصادرات، في بلاغ مشترك الأربعاء، أنّه في ظلّ تواصل الأزمة العالمية الحالية وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات ومخاطر تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية، وسعيا لتأمين تزويد السوق المحلية بصفة منتظمة، تقرّر تعديل أسعار بعض المواد البترولية ابتداء من يوم الخميس 14 أفريل 2022 على الساعة الصفر.

على التونسيين إحكام استعمال السيارات

وتعليقا على هذه الزيادة في المحروقات، أوضحت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم، نائلة نويرة القنجي، في تصريح للتلفزة الوطنية الأولى، أن الزيادة الجديدة في أسعار المحروقات في تونس تأتي على خلفية ارتفاعها بصفة جنونية على مستوى عالمي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي قالت إنها وصلت إلى 120 دولار للبرميل.

وأضافت الوزيرة، أن تونس يجب أن تواكب الارتفاع على مستوى عالمي سيما وأن البلاد تشهد وضعية صعبة طالت المالية العمومية، ولفتت إلى أنه عندما تمت المصادقة على الميزانية تم احتساب سعر البرميل بـ 75 دولار، وفق قولها. وأكدت أنه لم يتم المساس بالغاز المسال وبيترول الانارة، ودعت التونسيين إلى إحكام استعمال السيارات وتجنب امتطاء كل شخص من عائلة واحدة لسيارة بمفرده.

الزيادة في المحروقات تنجر عنها زيادة في كلّ الأسعار

وأكد رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك عمار ضيّة في حوار إذاعي، أن كل زيادة في المحروقات تنجر عنها زيادة في كل الأسعار، وهذا سيعرض المستهلك التونسي إلى مزيد من الصعوبات، وفق تعبيره.

وقال ''بالزيادات المتلاحقة في المحروقات، لم نعد نأمل أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه قبل سنتين، وتكاليف الإنتاج ستواصل الارتفاع، كما أن الطبقات الضعيفة ستعاني والمقاطعة موجودة في بلدان العالم، أما بالنسبة للمجتمع التونسي، شنية باش تقاطع بربي؟ مدخولو لا يتجاوز 500 دينار شنية باش يقاطع؟ يجوع؟''.

كما انتقد ضيّة، ارتفاع المواد الاستهلاكية، وذكر على سبيل المثال مادة الفلفل التي سجلت ارتفاعا غير مسبوقا، وقال ''فما أولويات، السلاطة المشوية مش لازمة في رمضان، وكي يوصل الفلفل بسبعة دنانير نصبرو ونبجلو حاجات أخرى، والتونسي كان كيف يجي يشكي ما يلقاش حقو.. وأصبح يخيّر الصمت.. وأحنا نحبوه يشكي للمنظمة وأحنا نتكفلوا بالمتابعة ونُراسل وزارة التجارة".

ارتفاع أسعار السيارات

وأكّد رئيس الغرفة الوطنية لوكلاء ومصنعي السيارات ابراهيم دباش، في تصريح إذاعي، أنّ أسعار السيارات ارتفعت خلال السنة الحالية بنسبة تتراوح بين 5% و7% بين مختلف العلامات الصناعية المستوردة.

وفسّر دباش هذا الارتفاع بتداعيات فيروس كوفيد-19، وقال إنّ الحرب الروسية الأوكرانية أكّدت نسق ارتفاع أسعار مكونات السيارات والمواد الأولية المتواصلين منذ حوالي السنتين.

تعمق عجز الميزان التجاري الطّاقي

وتعمق عجز الميزان التجاري الطّاقي بنسبة 62 بالمائة في موفى فيفري 2022 لتصل قيمته إلى 1065 مليون دينار بعد أن كان في حدود 658 مليون دينار في موفى فيفري 2021، مع الأخذ في الاعتبار الأتاوة الموظّفة على أنبوب الغاز الجزائري الموجّه إلى إيطاليا، وفق ما أظهره التقرير الشهري بخصوص الظرف الطّاقي الصادر عن وزارة الصناعة والطّاقة والمناجم.

وحسب التقرير ذاته، ارتفع عجز ميزان الطّاقة الأوليّة بنسبة 24 بالمائة في موفى فيفري 2022 مقارنة بالفترة ذاتها في سنة 2021، ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب على الطاقة الأوليّة إلى جانب انخفاض إنتاج المحروقات. كما تراجعت نسبة الاستقلالية الطاقية التي تمثل نسبة الموارد المتاحة من الطاقة الأوليّة، من 58 بالمائة إلى 50 بالمائة في الفترة بين فيفري 2021 وفيفري 2022.

تراجع الاستهلاك بـ70%

وكشفت نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك ثريا التباسي في تصريح إذاعي، أنّ نسبة إقبال التونسي واستهلاكه في الأيام الأولى من شهر رمضان تراجعت بـ70% مقارنة بالعام الماضي.

وقالت إنّ العديد من المواد الأساسية مازالت مفقودة في عديد الجهات كما أن تسعير بعض المواد من طرف وزارة التجارة يبقى إجراء محدودا. وتابعت التباسي ''كنا نأمل أن تكون نقاط البيع من المنتج إلى المستهلك تحت إشراف المنظمة كالمعتاد لكننا تفاجأنا بالأسعار التي فاقت في بعض الأحيان نقاط البيع العادية والأسعار باهظة جدا".

منع التصدير

ومنعت وزارة التجارة تصدير 4 أنواع من الخضر تشهد نقصا في التزود بها في الأسواق وهي الفلفل والطماطم والبصل والبطاطا. ويأتي هذا القرار على خلفية ارتفاع أسعار هذه المواد ونقص التزويد على مستوى أسواق الجملة، علما أن منع التصدير غير محدد بمدة زمنية.

تواصل الجهود لخلاص ديون الصيدلية المركزيّة

وأكد وزير الصحة علي المرابط الأهمّية التّي تحظى بها الصيدلية المركزية للبلاد التّونسيّة باعتبارها دعامة أساسيّة من دعائم المنظومة الصحية الوطنيّة والحرص الدّائم على الحفاظ على دورها الهام في ضمان استمراريّة تزويد السوق بالأدوية وتوفيرها للمواطنين بالمستشفيات وبالصيدليات الخاصّة.

وذكّر بالمجهودات المتواصلة من قبل وزارة الصحّة وجميع الأطراف المتدخّلة لتجاوز الصّعوبات الماليّة التّي تواجهها الصيدلية المركزيّة خاصّة لخلاص ديونها لدى عدد من المخابر الأجنبية المصنّعة للأدوية واستيعاب جزء من الدّيون المتخلّدة بذمّة المستشفيات العموميّة لفائدة الصيدليّة المركزيّة.

مفاوضات النقد الدولي

ويعتزم صندوق النقد الدولي عقد مفاوضات منفصلة مع عدة دول منها تونس ومصر وسريلانكا لمناقشة الخطوات المطلوب اتخاذها لمساعدة هذه الدول في مواجهة الأوضاع المالية الصعبة وارتفاع تكلفة الاقتراض بالنسبة إليها.

ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن رئيسة الصندوق كريستالينا جورجيفا قولها في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ الخميس "النبأ الجيد أننا نرى الديون ونتابعها، ونركز بالفعل على الدول التي تحتاج إلى إعادة هيكلة ديونها... علينا أن نضغط من أجل إعادة هيكلة الديون". وأضافت أن صندوق النقد سيجلس مع تونس وسريلانكا ومصر، وسيناقش الإجراءات الواقعية المطلوب القيام بها".

وذكرت بلومبرغ أن تونس وسريلانكا من بين نحو 10 دول صاعدة تدفع عائدا على سنداتها الحكومية الدولارية قدره 1000 نقطة أساس على الأقل فوق سعر العائد على السندات العشرية الأمريكية، في حين أن مصر لا تدفع مثل هذا العائد المرتفع على سنداتها الدولارية.

البنك الدولي يخفّض نمو الاقتصاد التونسي

وخفض البنك الدولي أمس الخميس، نمو الاقتصاد التونسي خلال سنة 2022، إلى 3 بالمائة بعد بيانات أصدرها مطلع العام الجاري توقعت نمو اقتصاد البلاد إلى 3.5بالمائة. وأضاف البنك في تقرير له حول أحدث المستجدات الاقتصادية الصادر بعنوان "مراجعة الحقائق: تنبؤات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أوقات عدم اليقين"، أن نمو الاقتصاد التونسي خلال سنة 2022 مدعوم بانتعاشة النمو العالمي بعد جائحة كوفيد 19.

ولاحظ أنّ "نسبة النمو في نهاية المطاف ستحقق مكاسب لكنها تبقى متواضعة لتصل إلى حدود 3.5 بالمائة على المدى المتوسط في ظل التحديات الهيكلية الموجودة والظرف الاقتصادي والانعكاسات وعدم اليقين بشأن الحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها". وتوقع البنك الدولي أن تبلغ نسبة التضخم 3.5 بالمائة سنتي 2022 و2023 وأن تصل نسبة الفقر إلى حدود 3.4 بالمائة سنة 2022 و3.1 بالمائة سنة 2023.

وسيتراجع الأشخاص الفقراء والذين يعيشون في ظل أوضاع هشة، وهم من يبلغ دخلهم اليومي عتبه 5.5 دولار أمريكي من 18.9 بالمائة سنة 2022 إلى 17.7 بالمائة سنة 2023 ولن يعودوا الى المستويات السابقة قبل سنة 2024.

وبين التقرير أن الآفاق الاقتصادية لتونس تبقى غير واضحة خاصة وأن الصلابة الاقتصادية سنة 2021، كانت معتدلة وأن المخاوف المتصلة بسداد الديون لاتزال قوية بفعل عجز الميزانية والحاجيات المرتفعة للتمويل. وأبرز البنك أن العوامل الكامنة وراء هذا النمو المتواضع تتضمن ارتباط الاقتصاد الوثيق بالسياحة وهامش الميزانية المحدود ومناخ الأعمال الصعب إلى جانب القيود على الاستثمار والمنافسة.

وأشار التقرير إلى "أن تونس باعتبارها موردا للطاقة والحبوب، تبقى هشة أمام ارتفاع الأسعار الدولية للمواد الأولية بفعل انعكاسات الحرب الأوكرانية وأن تسريع النمو وحماية التوازنات الاقتصادية الكبرى تتطلب تنفيذا سريعا للإصلاحات".

وتواجه تونس، وفق البنك، صعوبات تتصل بالاستمرار في دعم المواد الغذائية ويمكن لارتفاع سعر البترول تأخير الإصلاحات خاصة وأن حجم الدعم يمكن أن يرتفع تماشيا مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة دوليا.

هبوط الدينار

وهبط الدينار التونسي مؤخرا، إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي متجاوزا ثلاثة دنانير (3.003)، وذلك وفق بيانات البنك المركزي التونسي. ويؤثر هبوط الدينار على شح احتياطات البلاد من العملة الصعبة والنقد الأجنبي خاصة بعد تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع العجز التجاري وعجز البلاد على تعبئة موارد الموازنة العامة للدولة.

وفي 2011، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 1.26 دينار تونسي، بينما بلغ الأورو 1.81 دينار. ويرى خبراء اقتصاديون بأن تقلص مخزون البلاد من العملة الصعبة تسبب في انهيار الدينار إضافة لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.

تراجع التصنيف الإئتماني

ويشار إلى أن أغلب خبراء الاقتصاد في تونس أجمعوا على أن تراجع التصنيف الإئتماني السيادي الذي حصل خلال الفترة الماضية سيزيد الأوضاع سوءا باعتباره سيزيد من فقدان المانحين للثقة في قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها في سداد قروضها في الآجال. وبالتالي بات يُخشى من أن تضطر الحكومة التونسية إلى الذهاب إلى نادي باريس للحصول على سيولات مالية لتغطية العجز الذي تعانيه بفعل عوامل عديدة منها ارتفاع كتلة أجور المنتمين إلى الوظيفة العمومية.

ولكن رغم هذا الوضع المزري اقتصاديا واجتماعيا، هل يمكن لهذه الحكومة أن تتدارك أمرها وتتجنب أسوأ السيناريوهات خاصة إذا ما تمكنت من نيل القرض الذي تتفاوض من أجله مع صندوق النقد الدولي والذي يبدو أنه سيحظى بالموافقة في نهاية المطاف رغم المماطلة والتسويف والشروط المجحفة؟

inbound608500426291304198.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً