post

اغتيال متواصل لذكرى الثورة المصرية.. ماذا تبقى من الحلم بعد مرور 11 سنة؟

الشرق الأوسط الثلاثاء 25 جانفي 2022

يحيي المصريون اليوم 25 جانفي، ذكرى ثورتهم، التي انطلقت قبل 11 عاما، مطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وكان شرارتها مقتل الشاب خالد سعيد على يد قوات الأمن.

وخرج المتظاهرون في 25 جانفي 2011، في كافة الميادين المصرية، وسقط منهم مئات القتلى، وعشرات الجرحى، في مواجهات مع الأمن واستمرت 18 يوما، حتى أجبر الرئيس محمد حسني مبارك على التنحي، بعد ثلاثين عاما في الحكم.

ولكن بعد 11 عاماً على 25 جانفي 2011، يطفو سؤال ماذا تبقّى من ثورة جانفي 2011 المصرية؟، بقوة على السطح، في ظل إجراءات وتدابير يعمل النظام الحاكم في مصر على تكريسها لاغتيال هذه الذكرى، وتغييبها حتى من ذاكرة المصريين.

ولم يتوان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً، آخرها قبل نحو شهر، عن التخويف مما حصل في 25 جانفي 2011، وكيف أن البلاد "كانت ستضيع"، وشدّد على ضرورة عدم تكرار المسار نفسه مرة ثانية.

وهذا الكلام يُترجم بواقع عملي يسير النظام الحاكم عليه منذ ما بعد الانقلاب على الثورة في جوان 2013، لبناء وقائع جديدة تستهدف فعلياً مسح هذا الحدث من ذاكرة المصريين، وربط الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في تكرار هذا الحراك من جديد.

ويتجلّى ذلك في العديد من الترتيبات والإجراءات، التي تبدأ بمحاولة فرض سردية جديدة خاصة بالنظام، وصولاً إلى إجراء تعديلات على الدستور وحذف الديباجة التي تمجّد الثورة، وذلك في سياق خلق "جمهورية جديدة" لطالما تحدّث عنها المسؤولون في النظام الحالي.

وترافق كل ذلك مع توسع إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية على ذمّة قضايا سياسية، ليسقط ضحيتها الآلاف، مقابل منع كل محاولات لإصلاح وزارة الداخلية، وجهاز الشرطة.

غير أن كل ذلك يصطدم بعوامل وسياسات متعددة تدفع الجميع في مصر، سواء من القوى الثورية والمعارضة، أو من الموالين للنظام والداعمين له، أو حتى من داخل النظام نفسه، للحديث عن أن استمرار الأوضاع بهذا الشكل يعني حتمية الوصول إلى لحظة الانفجار.

وفي 10 جانفي الجاري، أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي إحدى المنظمات الحقوقية المستقلة الرائدة في مصر منذ فترة طويلة، أنها ستنهي عملها المستمر منذ 18 عاماً في البلاد، "بسبب سلسلة تهديدات واعتداءات عنيفة واعتقالات من الأمن الوطني، وقرب انتهاء مهلة مطالبة كل المنظمات غير الحكومية بالتسجيل بموجب قانون الجمعيات، والمحددة في نهاية الجاري".

وأورد بيان لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "قانون 2019 يفرض قيوداً صارمة على عمل منظمات ويخضعها لرقابة حكومية شديدة". ووصف نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة جو ستورك إغلاق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بأنه "خسارة فادحة للحركة الحقوقية المصرية وشركائها الدوليين تثبت أن هدف الحكومة المصرية إسكات انتقادات المجتمع المدني المستقل".

وكان من أبرز شعارات الملايين الغاضبة التي خرجت بهدف إسقاط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك في ثورة 25 جانفي 2011، "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".

وبعد مرور 11 سنة ما زال المصريون يعيشون تحت وطأة أزمات معيشية خانقة ازدادت سوءاً خلال السنوات التي أعقبت الثورة ولا سيما في فترة ما بعد انقلاب 3 جويلية 2013.

وشهدت الأسواق موجات غلاء متسارعة للسلع والخدمات، كما قفزت نسب الفقر خلال السنوات الأخيرة، كما تعزم الحكومة الحالية إقرار زيادات جديدة في الأسعار. وفي شهر جانفي الجاري وقبل ذكرى الثورة بأيام أطلق وزراء تصريحات تمهد لزيادة أسعار البنزين والخبز.

وشهدت أسعار الوقود قفزة هائلة خلال الـ11 عاما الماضية معظمها بعد انقلاب 3 جويلية 2013. وكان سعر البنزين 95 أوكتان 275، والبنزين 92 أوكتان 185 قرشاً والبنزين 90 أوكتان 175 قرشاً والسولار 105 قروش.

وبعد قيام ثورة 25 جانفي 2011، وإطاحة مبارك، وتولي المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي السلطة لمدة عام، لم تشهد تلك الفترة زيادات في أسعار الوقود.

وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز الرئيس الأسبق محمد مرسي بها، استمرت أسعار الوقود كما هي، رغم الأزمات العديدة التي شهدتها البلاد من نقص حاد في البنزين، وظهور الطوابير على محطات الوقود.

وعقب انقلاب جويلية 2013، جاءت أول زيادة لأسعار الوقود، يوم السبت 5 جويلية 2014، بعد الانتخابات الرئاسية، وتنصيب السيسي رئيساً لمصر، وبررت الحكومة ذلك وقتها، بأن منظومة الدعم تلتهم 20% من الموازنة العامة للدولة.

وقفزت أسعار البنزين والسولار في عهد السيسي، عما كانت عليه أيام مرسي، بصورة متسارعة وهائلة إذ تصل اليوم إلى 8 جنيهات للتر البنزين 92، و9 جنيهات 95، كما يبلغ سعر السولار 6.75 جنيهات.

وقفزت معدلات التضخم إلى أكثر من 30% عقب تعويم الجنيه عام 2016، قبل أن يتراجع حسب بيانات رسمية، إلّا أنّ خبراء أكدوا أنّ نسب التضخم التي تعلنها الحكومة ليست دقيقة.

وكانت نسبة الفقر تبلغ 25.2% خلال عام 2010/ 2011، وحسب بيانات رسمية بلغت 29.7% في العام 2019/ 2020، مقارنة بـ32.5% من إجمالي السكان في 2017/ 2018.

لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أنّ النسبة الحقيقية للفقر تتجاوز 55% في مصر، بسبب السياسات الاقتصادية للسيسي الذي لم يضع محدودي الدخل ضمن أولوياته، ورضخ إلى تعليمات صندوق النقد بشأن تعويم الجنيه وتقليص الدعم، وتحرير أسعار الوقود والكهرباء نهائياً، علاوة على خفض أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة.

وسارعت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة إلى فرض المزيد من الضرائب والرسوم على جميع السلع والخدمات تقريباً، ما فاقم من سوء معيشة المصريين.

وبالتالي انعكست حالة التردي الاقتصادي التي تعيشها مصر، على معدلات الفقر وأدت إلى ارتفاعها بسبب التوسع في الاقتراض داخلياً وخارجياً، وسياسات الإنفاق التي لا تراعي مصالح الطبقات الشعبية الدنيا.

ويترافق ذلك مع سياسات خارجية فشلت في الحفاظ على المصالح القومية للدولة، وأهمها قضية المياه، ووسط حالة الانسداد السياسي وتصاعد وتيرة القمع.

وفي كل مرة، يلجأ المسؤولون في النظام المصري إلى تكرار تزييف وتشويه ثورة 25 جانفي 2011، بهدف تحطيم الصورة الذهنية الإيجابية التي تشكلت في أذهان غالبية المصريين حولها، وكان من أهم مطالبها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

ولكن رغم ذلك حلم روح الثورة الجميلة لازال باقيا، حيث تصدر وسم #حشد_25يناير_2022 قائمة الأكثر تداولاً المصرية خلال ساعات من تدشينه، واستعان المغردون بصور وفيديوهات الثورة الأولى، وزاد حماسهم للحشد أن الذكرى هذا العام ستوافق الثلاثاء، ويوم 28 سيوافق الجمعة، كـ"جمعة الغضب"، حسب المغردين. وحاولت كتائب النظام احتلال الوسم، وتطويعه لصالح الطعن في ثورة جانفي، والتشكيك في القائمين عليها، والتطبيل للنظام، لكنها فشلت.

inbound8884312178060573152.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً