post

الاكتظاظ أمام محطات الوقود يعود من جديد.. تفاقم الأزمة مقابل ضعف إمكانيات الدولة

اقتصاد وأعمال الجمعة 26 أوت 2022

خوفا من الانقطاع المفاجئ، شهدت صباح اليوم الجمعة 26 أوت 2022، العديد من محطات التزوّد بالوقود حالات من الازدحام وتشكل طوابير طويلة من السيارات التي تسعى للتزوّد بالوقود.

ويشتكي التونسيون طيلة الأيام الماضية من نقص المواد البترولية وفقدان بعضها في محطات البنزين، فضلًا عن التشكيات من الطوابير الطويلة أمام محطات البنزين التي يتوفر بها البنزين.

وكان الكاتب العام للجامعة العامة للنفط والمواد الكيمياوية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل سلوان السميري، أكد أن هناك نقصًا في المحروقات، وبالأساس في مادة "الغازوال الخالي من الكبريت"، واستدرك القول إن هذا النقص لا يرتقي إلى وصفه بـ"الأزمة"، وفق تقديره.

وأضاف السميري، في تصريح إذاعي، الخميس 25 أوت 2022، أن تونس ليست لديها مشكلة في التزويد، وإنما المشكلة تكمن في كون هناك بعض المزودين الذين يتمسكون بخلاص ديونهم قبل تفريغ حمولات جديدة من المواد البترولية، على حد قوله.

وذكر السميري أن المشكل الموجود يتعلق بالأساس في 3 عوامل أساسية وهي الآتية:

*ارتفاع سعر برميل النفط

*ارتفاع الاستهلاك خلال هذا الموسم

*نقص الموارد المالية للدولة

وذكر كاتب عام جامعة النفط والمواد الكيميائية أن "باخرتين محملتين بمادة الغازوال رستا في 3 أوت 2022 وتم خلاصهما منذ 3 أيام وتم تفريغ حمولتهما ويقع حاليًا تزويد السوق بهذه المادة". وأوضح أن "هناك باخرة أخرى موجودة منذ يومين في ميناء بنزرت ووفق المعطيات المتوفرة سيتم خلاصها في غضون يوم أو اثنين ثم يتم تفرغ حمولتها"، على حد قوله.

تفاقم الأزمة

ويرى خبراء أن الأزمة قد تشهد أوجها بحلول الشتاء القادم نظرا للنقص الحاصل في السوق العالمية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع الطلب عالميا خاصة في دول الشمال وللمشاكل التي تعاني منها المالية العمومية في تونس والعجز الذي تشهده ميزانية الدولة.

ويحذّر مراقبون من أن تونس بصدد استهلاك مخزونها الاستراتيجي للحد من استعمال العملة الصعبة بترشيد التوريد ولكنه خيار يؤجل الأزمة وربما يفاقم ارتداداتها عند حلول أجلها.

وفي هذا الإطار، فسر المختص في المحروقات محمود الماي، في تصريح صحفي، أن "اللتر الواحد من المحروقات لكي يصل لنا يكلف 3 دنانير، وإذا ما احتسبنا الأداءات على القيمة المضافة تصل قيمة لتر المحروقات إلى 4 دنانير، يضاف إليها سعر النقل والشحن فتصل إلى 4 دنانير و500 مليم، مقابل بيعها بدينارين و330 مليمًا ما لا يغطي مصاريفها".

وتابع الماي القول إن "التأخير في سداد قيمة الشحنات يؤدي إلى رفض الشركات التي تستورد منها تونس ملء البواخر بالمحروقات إلا بعد دفعها لثمن الشحنات القديمة، ما ينجر عنه تأخر في توفير مخزون تونس وحدوث نقص وشح في المحروقات". وأشار إلى أن "المخزون الاستراتيجي للمحروقات مخصص للفترات الصعبة مثل التي تمر بها البلاد حاليًا".

وعن الحرب الروسية على أوكرانيا التي ساهمت في ارتفاع أسعار النفط، بيّن الماي أن طاقة إنتاج السعودية تكفي لتغطية حاجة الدول من المحروقات التي انقطع إمدادها من الجانب الروسي، والذي توجه بدوره إلى أسواق أخرى كالصين وكوريا والهند التي أصبحت خلال 3 أشهر أكبر مورد لها، والكميات التي كانت توجه إلى أسواق ثانية سترجع إلى أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، ما يفسر تسجيل تراجع في أسعار النفط"، وفق تقديره.

وقال الماي: "ما يحدث مع روسيا اليوم مغاير لما شهدته إيران سابقًا، كلنا نعلم أن روسيا والصين تمتلكان حق الفيتو لدى منظمة الأمم المتحدة، وبذلك تنتفي إمكانية التصويت على إقرار حصار عالمي ضد روسيا على عكس ما حصل سابقًا مع إيران، لكن سنشهد تغييرًا في اتجاه شحنات النفط التي ستصبح مدة مكوثها في البحر 45 يومًا على سبيل المثال عوضًا عن 15 يومًا، بالإضافة إلى تسجيل ارتفاع في أسعار شحنها ونقلها دون تسجيل ارتفاع في سعر بيعها".

ضعف إمكانيات الدولة

وعن أسباب أزمة المحروقات، رجّح الماي أن الأزمة تعود إلى ضعف إمكانيات الدولة في تأمين دعم المحروقات الذي يمثل 40% من قيمة عجزها، بالإضافة لشح مواردها المالية، وشدد على أنه "كان من الأجدر أن تطبق تونس التعديل الآلي بأكثر صرامة".

وبخصوص نقص الاكتشافات، اعتبر الماي أن "الإشكال يرجع بالأساس إلى القوانين التي أدت إلى هروب المستثمرين والشركات، فتونس منذ 20 سنة كانت تقوم بصرف 400 مليون دولار سنويًا للتنقيب والبحث عن النفط، ما كان يمكّن من النجاح في اكتشاف 40 بئر بترول".

وقال "اليوم نزلنا إلى معدل 80 مليون دولار سنويًا ما يمكّن من اكتشاف 4 آبار فقط"، وتابع القول إن "دستور 2014 في فصله 13 دفع شركات النفط والمستثمرين إلى الهروب من تونس، وكذلك سيفعل الدستور الجديد في فصله 16 الذي سيدفع الشركات إلى الهروب أكثر فأكثر".

وحول إمكانية حدوث سيناريو مشابه لأزمة المحروقات في لبنان، قال الماي إن الفرصة لازالت ممكنة لتفادي ذلك، ففي لبنان يتم اعتماد طلب اعتمادات معززة للموردين من بنك أوروبي، الأمر الذي لم تصل إليه تونس إلى حد الآن.

وشدد على أن "مسألة الاعتمادات المعززة ستصل إليها تونس لا محالة مع حلول 2023، على اعتبار قيمة ديون الشركات مع تونس والتي ستتمسك بإدراجها في العقود المقبلة، تونس لازالت بعيدة قليلًا عن السيناريو اللبناني، لكن الإمكانية واردة".

وأكد الماي "ضرورة تمكن تونس من إبرام اتفاقية مع البنك الدولي وجلب موارد جديدة وإبرام اتفاقيات مع مستثمرين جدد"، وقال: "ما نراه اليوم أن الدولة لازالت تضايق الشركات الكبرى ولا يزال الحديث عن ثروات الشعب بطريقة تملؤها الاتهامات".

وزارة الطاقة: لسنا في خطر

من جهته، أوضح مدير توزيع المحروقات بوزارة الطاقة عفيف المبروكي أن "العقوبات المسلطة على روسيا بعد الحرب الأوكرانية خلقت ضغطًا على سوق النفط في العالم  أجمع، رغم ذلك فإنّ التزود في تونس يتم بصفة طبيعية ولنا مخزون استراتيجي يمتد من 20 يومًا إلى شهر استهلاك".

وتابع المبروكي: "لا يخفى على أحد أن تونس تعاني من صعوبات على مستوى المالية العمومية لكن لسنا في خطر ونحن بصدد تزويد السوق المحلية، كما أننا اقتنينا كميات من المحروقات في انتظار تسلمها من المزودين، التزود يتم بصفة متواصلة على طول السنة، وتأمين برنامج التزويد يتم قبل 45 يومًا على الأقل، شركاتنا لها صيت جيد وتعمل على تزويد السوق المحلية، حتى خلال الأزمات المناخية لا نواجه صعوبة في التزود وذلك من خلال علاقات شركاتنا بالمزودين، لكن هذه الشركات تواجه اليوم صعوبات مالية وتتحمل خسائر وضغطًا كبيرًا، لأنها تشتري بسعر مرتفع من السوق العالمية وتزود السوق المحلي بسعر محدد، إذًا لنا مخزون ولنا برامج ولنا صعوبات".

وأضاف المبروكي: الدولة قائمة ومهمتها أن تجد الموارد وتوفر المواد الأولية والأساسية لمواطنيها، رغم كل الصعوبات نتوصّل للحلول اللازمة دائمًا، من غير المعقول تشويه السمعة التجارية لتونس والادعاء أننا نواجه نقصًا في المحروقات، في الظروف العادية نشهد في بعض الأحيان تأخيرًا في تسلم الطلبات، فما بالك في ظرف عالمي صعب يعاني من  نقص في العرض، لكنها صعوبات لا تهدّد سلامة تزويدنا".

عجز طاقي ونقص في الاكتشافات

وقال مدير توزيع المحروقات بوزارة الطاقة التونسية: "في تونس لم تعرف أسعار المحروقات زيادات كبيرة على الرغم من ارتفاع السعر العالمي بـ50% و100%، لم يتم الترفيع في السعر سوى 3 مرات خلال 8 أشهر، حيث تجاوزنا ميزانية الدعم بحوالي 3 مرات، الترفيع في سعر المحروقات أمر لا بد منه للتخفيف من الضغط على الميزانية ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن زيادة جديدة بـ 5% في قادم الأيام".

وحول العجز الطاقي الذي تعاني منه تونس والذي بلغ 87% في الثلث الأول من سنة 2022، فسر المبروكي أن "الأسباب عديدة من بينها أننا دولة محدودة الموارد تعتمد على توريد مسلتزماتها وعلى النقص في الاكتشافات التي تعود بدورها إلى جملة من الأسباب من بينها النقص الحاصل في الاستثمار في هذا القطاع وانهيار أسعار المحروقات سنة 2015 والتوجه العالمي للتقليص من انبعاثات الكربون والاعتماد على الطاقات المتجددة".

حل الوزارة في ترفيع الأسعار

وكانت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة القنجي نويرة، قالت الثلاثاء 2 أوت 2022، إن الظرف الطاقي الراهن في تونس يقتضي إجراء ترفيع وصفته بـ"الطفيف" على أسعار المحروقات.

وأكدت، في تصريح صحفي، على هامش ندوة حوارية حول المحروقات والطاقة بمقر الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، أن "الحل على المدى القصير جدًا يستوجب القيام بترفيع في أسعار المحروقات". واعتبرت أن "الوضع الطاقي في تونس أضحى مختلًا بسبب الارتفاع الصاروخي لأسعار النفط وبشكل لافت في الأسواق العالمية".

وأشارت الوزيرة إلى أن "فرضيات الميزانية لهذه السنة ارتكزت على أساس أن سعر برميل نفط البرنت سيكون 75 دولارًا لكن معدل سعر برميل نفط البرنت بلغ اليوم 108 دولارات". ولفتت إلى أنه "تم بعنوان قانون المالية 2022 رصد حاجيات التمويل بقيمة 5200 مليون دينار من المواد النفطية (محروقات وغاز طبيعي وكهرباء)، لكن بسبب الارتفاع المتزايد لسعر برميل النفط تضاعفت الحاجيات إلى مستوى 10200 مليون دينار".

كما قالت إن "حجم دعم المحروقات المرسم بميزانية 2022 كان في حدود 2900 مليون دينار لكنه ارتفع إلى مستوى 8 مليارات دينار وتضاعف بأكثر من 3 مرات". وشددت على "أهمية إرساء مقاربة ترتكز على الترفيع في أسعار المواد البترولية (في سقف لا يتجاوز 5%) علاوة على مزيد مضاعفة الجهود لترشيد استهلاك الطاقة في كل المستويات". وأكدت الوزيرة أن "المعطى الطاقي الراهن أصبح مقلقًا لا سيما على مستوى التوازنات المالية للبلاد".

الزيادات الأخيرة

ويذكر أنه تم في 13 أفريل 2022، الترفيع للمرة الثالثة خلال سنة 2022 في أسعار البيع للعموم للمحروقات. وسبق أن تم الترفيع في أسعار بيع المحروقات في مرة أولى في فيفري 2022، وفي مرة ثانية في شهر مارس 2022.

وكانت الزيادات الأخيرة كالآتي:

*البنزين الرفيع الخالي من الرصاص: 2330 مليمًا اللتر (أي بزيادة 110 مليمات للتر

*الغازوال بدون كبريت: 2010 مليمات اللتر (أي بزيادة 95 مليمًا اللتر)

*الغازوال العادي: 1790 مليمًا اللتر (أي بزيادة 85 مليمًا اللتر)

*البنزين الخالي من الرصاص "الممتاز": 2600 مليم اللتر (أي بزيادة 240 مليمًا اللتر)

*الغازوال بدون كبريت "الممتاز": 2310 مليمات اللتر (أي بزيادة 210 مليمات اللتر).

inbound4455287119267243592.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً