post

الجواز الصحي .. هل يشكّل خطرا على الحقوق والحريات؟

تونس الثلاثاء 21 ديسمبر 2021

ليلة واحدة تفصلنا على انطلاق سريان المرسوم الرئاسي عدد 1 لسنة 2021، المؤرَّخ في 22 أكتوبر 2021، والمتعلّق بجواز التلقيح الخاصّ بفيروس كوفيد 19، والّذي يفرض إظهار الجواز لدى دخول المنشآت العمومية، إضافة إلى المدارس والجامعات والمحاضن العمومية والخاصّة والمقاهي والمطاعم والمحلاّت والفضاءات المخصّصة للترفيه والأفراح والمعارض والتظاهرات الفنّية والعلمية وأماكن العبادة والسجون ومراكز الاحتفاظ والمستشفيات العمومية والخاصّة لمرافقة المرضى. وينصّ المرسوم على تطبيق منع الدخول إلى تلك الأماكن في حال عدم إظهاره. 
يذكر أن الجواز الصحي للتلقيح هو وثيقة رسمية تؤكد استكمال جدول التلقيح ضد فيروس كورونا، وتسمح للشخص بالدخول إلى الأماكن والهياكل المحددة من قبل الدولة. وبإمكان كل شخص يبلغ أو يتجاوز عمره 18 سنة وتلقى تلقيحه كاملا، تحميل جواز التلقيح على هاتفه المحمول من موقع منظومة "إيفاكس"، أو استخراجه في شكل وثيقة ورقية للاستظهار به عند الحاجة. 


وسبق أن أكدت مستشارة وزير الصحة، إيناس العيادي، أنّه لا نية لرئاسة الحكومة ولوزارة الصحة للتراجع عن تنفيذ المرسوم الرئاسي. وبينت العيادي بأن هذا المرسوم يفرض الاستظهار بالجواز الصحي قبل الدخول إلى الهياكل والفضاءات العمومية وينص على تطبيق منع الدخول إلى تلك الفضاءات والأماكن في صورة عدم الاستظهار بجواز التلقيح. 
من جهة أخرى، أفاد المدير العام للتشريع والنزاعات بوزارة الصحة، فوزي اليوسفي، أن تطبيق المرسوم الرئاسي الذي يدخل حيّز النفاذ من منتصف الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء، سيرتكز على المرونة وسيأخذ بعين الاعتبار الحالات الخاصة والإمكانيات المتوفرة لهياكل الرقابة بالمؤسسات.

وشهدت عدة مراكز تلقيح ظهر اليوم الثلاثاء 21 ديسمبر 2021 اكتظاظا أمام أبوابها لتلقي التطعيم ضد فيروس كورونا، وذلك قبل يوم من تنفيذ القرار الرئاسي القاضي بإجبارية الاستظهار بجواز التلقيح قبل الدخول إلى مختلف الإدارات والفضاءات في تونس.

 

حذار من الاستغلال!  

في تصريح لـ "وات"، أفاد مدير مركز الإعلامية في وزارة الصحة، لطفي العلاني، بأن الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الثانية من التلقيح المضاد لكورونا هذه الأيام، لن يتمكنوا من تحميل جواز التلقيح الخاص بكورونا من منظومة "إيفاكس" أو استخراجه إلا بعد مرور الفترة المحددة من اللجنة العلمية، بعد تلقي الجرعة الثانية. مضيفا أنه بإمكان المتخلفين عن الجرعة الثالثة من اللقاح، الحصول على جواز التلقيح الخاص بـ "سارس-كوف-2"، مشيرا إلى أن "إيفاكس" تلفت نظرهم فقط إلى موعد تلقي الجرعة الثالثة، عند الدخول إلى خانة "فضاء المواطن".
وأكد العلاني أن النموذج الوحيد والرسمي لجواز التلقيح الخاص بكوفيد-19 والمعتمد من وزارة الصحة يمكن استخراجه أو تحميله على الهاتف الذكي من منصة "إيفاكس" بصفة مجانية، محذرا من استخراج جواز التلقيح الصحي من بعض المتحيلين والمحلات، في شكل يشبه بطاقة التعريف الوطنية. 

 

جواز التلقيح .. بين حماية الصحة العامة والتضييق على الحقوق والحريات 

يرى ملاحظون أنّ المرسوم الرئاسي يعبّر عن طابع تعسّفي على الحقوق والحريات، علاوة على أنّه يحمل مبالغة شديدة في علاقة بتعليماته وفي تحديد الفضاءات التي يستوجب دخولها الاستظهار بالجواز. فبخلاف الدول الأوروبية التي حصرت هذه الفضاءات في الأماكن التي لا تمثّل مصدراً للحاجيّات الأساسية للمواطن مثل المقاهي والمطاعم والمسارح ودور السينما، توسّعت القائمة التونسية لتطال كلّ الفضاءات المغلقة تقريباً على رغم أهمّيّتها لممارسة أنشطته اليومية وقضاء حاجيّاته الحياتية التي لا يمكن الاستغناء عنها (باستثناء البنوك الخاصّة) إلى درجة احتوائها الجامعات والهياكل الصحّية العمومية والخاصّة لمرافقة المرضى أيّاً كانت حالة المريض ومدى ضرورة مرافقته.
من جانب آخر، وبعد دخول القانون حيّز النفاذ، سيتطلّب الأمر حيّزاً زمنياً طويلاً لغير الملقّحين لتلقي التّطعيمات، ما سيعطّل مصالح المواطنين ويعيقهم على قضاء شؤونهم. 
كما لا ينص المرسوم عدد 1 على إمكانية الاستظهار بتحليل سلبي عوض الجواز الصحي، وهو ما يتعارض مع الهدف الرئيسي من اعتماد جواز التلقيح، إذ يرنو المرسوم إلى الحفاظ على الصحّة العامّة، في حين أنّ التحليل هو الإجراء الأكثر فاعليّة لتحديد إصابة الشخص بالفيروس من عدمها، بينما لا يمنع التلقيح العدوى ولا يحدّ من انتقالها.
أمّا فيما يتعلق بأخطر ما ورد بالمرسوم، فقد أجاز تعليق مباشَرة العمل بالنسبة إلى موظّفي الدولة وتعليق عقد الشغل بالنسبة إلى أجراء القطاع الخاصّ، في حال عدم إتمامهم إجراءات التلقيح. كما أكّد على أن تكون مدّة التعليق غير خالصة الأجر. ويعدّ هذا التنصيص استثناء تونسياً لم تضعه أيّ من الدّول التي اعتمدت جواز التلقيح. وتكمن الخطورة في جانبين، الأول في تقنين المرسوم عدم خلاص أجور الموظّفين، والثّاني فتحه بصفة ضمنية باب طرد الأُجراء في القطاع الخاصّ على مصراعيه. 

 

منظّمات تطالب السلطات بتعليق تنفيذ المرسوم 

طالبت منظمة العفو الدولية، في بيان لها اليوم الثلاثاء، السلطات التونسية بوقف تنفيذ المرسوم الرئاسي المتعلق بالجواز الصحي في انتظار تعديله، معتبرة أن من شأنه ''أن يحرم أي شخص يبلغ من العمر 18 عاما أو أكثر لا يملك تصريح لقاح من الوصول إلى العديد من الأماكن العامة والخاصة، ويمنعهم من العمل في القطاع العام أو الخاص".
وقالت آمنة القلالي نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، "بعد الأزمة الصحية هذا الصيف، يتمتع سكان تونس بإمكانية أكبر للحصول على اللقاحات، ولكن لا يتمتع جميع الناس بالنفاذ إلى الرعاية الصحية العامة أو اللقاحات''. وشددت على ضرورة أن تفرض السلطات التونسية قيودا ضرورية ومتناسبة لحماية الصحة العامة. وتابعت القلالي وفق البيان ذاته '"يجب على السلطات التونسية ألا تنفّذ المرسوم حتى تقوم بتعديله لضمان أن متطلبات تصريح اللقاح لا تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال تهديد سبل عيش التونسيين دون داع وفرض عقوبات قاسية غير مبررة على عدم الامتثال". 
وأشارت المنظمة في البيان ذاته إلى أنه ''وفقا لإرشادات منظمة الصحة العالمية بشأن تفويضات لقاح Covid-19  ومتطلبات تمرير اللقاح، يجب على الحكومات تقديم أسباب واضحة وراء هذه السياسات للمساعدة في بناء ثقة الجمهور ومعالجة أي أسئلة أخلاقية تنشأ من خلال التشاور مع الجمهور، وخاصة ممثلي أولئك الذين من المحتمل أن يكونوا أكثر تضررا". 
وقالت القلالي: "بدلاً من ترهيب الناس وتشديد الخناق على حياتهم اليومية، ينبغي للسلطات التونسية أن تختار استراتيجيات اتصال فعالة وتوعية عامة لتشجيع الناس على تلقي التطعيم باختيارهم". 

من جهتها، طالبت منظمة أنا يقظ، في بلاغ لها، بتأجيل دخول المرسوم حيز النفاذ إلى موعد لاحق إلى حين الانتهاء من التحقيق والتدقيق في كل المعطيات المضمّنة بمنظومة إيفاكس ومعالجة كيفية الولوج إليها والتصرّف فيها وخاصّة التثبت من مدى صحّة وواقعيّة الإحصائيات والمعطيات المدرجة على المنظومة الرقميّة. 
وحذّرت المنظمة بناء على ما ورد عليها من تبليغات تفيد بوجود اختراقات لمنصّة إيفاكس الإلكترونية والتلاعب بمنظومة التلقيح وإسناد جوازات التلقيح لغير مستحقيها "في ظلّ استهتار وزارتي الصحّة وتكنولوجيات الاتصال". كما أوضحت المنظّمة أنها قامت بالتثبّت من صحّة التبليغات وبمعاينة التجاوزات الخطيرة عن طريق عدل منفذ (محضر عدد 126211 بتاريخ 21 ديسمبر 2021).
وأكدت أنها تمكنت فعلاً من الولوج إلى منصة إيفاكس (القسم الخاص بأعوان وزارة الصحة) بعد الحصول على اسم المستخدم وكلمة العبور المشتركة بين جميع الأعوان (وهي كلمة مرور سهلة الاختراق)، حسب نص البلاغ. 

galleries/الجواز-الصح-هل-شكل-خطرا-عل-الحقوق-والحرات.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً