post

المجاعة تهدّد "سلّة غذاء العرب"!؟

الشرق الأوسط الجمعة 17 ديسمبر 2021

مع أن العالم ينظر إليه على أنّه سلّة خبز العالم، وينظر العرب إليه على أنّه سلّة غذاء العرب، إلا أن السودان يخيم عليه شبح المجاعة، وسط أزمة اقتصادية قاسية تترافق مع ضعف الدعم الدولي وتعقيدات المشهد السياسي المحلي.

وتتخبط الحكومة في عملية تطبيق توجيهات صندوق النقد الدولي مع تزايد الهموم المعيشية على المواطنين، فيما تجدد الصراع في عدد من ولايات السودان، الذي أسهم بصورة كبيرة في إيقاف الاستفادة من الثروات الزراعية والحيوانية، كان آخرها الحرب القبلية التي راح ضحيتها مواطنون في ولايات دارفور.

وحذر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تقرير، من أن 14,3 مليون سوداني يمثلون نحو 30 في المائة من سكان البلاد، سيحتاجون إلى مساعدات غذائية خلال عام 2022، بزيادة 800 ألف شخص عن عام 2021، وهو "أعلى رقم خلال عقد من الزمن"، وفق المكتب.

وكان نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو حميدتي، أكد في حديث مع قناة فضائية روسية أن البلاد تعاني من مجاعة حقيقية، وبحاجة إلى تحرك سريع، وأن الوضع الإنساني مأسوي، وخاصة في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة.

ويشكو السودانيون من ارتفاعات الأسعار وتضاؤل المداخيل، فيما ترتفع معدلات البطالة والفقر في أغلب المناطق في البلاد.

وشرحت الخبيرة الاقتصادية سمية سيد، أن تقرير الأمم المتحدة يعبّر عمّا وصل إليه حال البلاد، لأن الأوضاع الاقتصادية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، بل إن الوضع على حافة الانهيار. وأضافت في تصريح صحفي أن هنالك عوامل تؤثر في ازدياد المشكلات، منها ما هو موروث من العهد السابق، كتدني الإنتاج وتدهور العملة، وأخرى متعلقة بتداعيات الحظر الاقتصادي على السودان، غير أن التدهور المريع خلال الفترة الانتقالية تجاوز كل ما كان سابقاً.

وأكدت سيد أن الفشل في إدارة الاقتصاد أهم سمة خلال العامين الماضيين بسبب الصراع السياسي، ما عطل تنفيذ أي سياسات إصلاحية في الاقتصاد.

وقالت إن السلطات أهملت قطاعات الإنتاج، ومن البديهي التحذير من فشل الموسم الزراعي لانعدام توافر الجازولين وعدم وصول مدخلات الإنتاج إلى المزارعين وسط الفساد الذي صاحب استيرادها، وتوقعت أزمة غذاء "في بلاد من المفترض أن تصدر الغذاء إلى غيرها من الدول".

وتابعت أنه خلال العامين السابقين ارتفعت أسعار السلع والخدمات أكثر من 400 في المائة، منها المنتجات الحياتية الحيوية. وأضافت سيد أن الحكومة حررت أسعار السلع الأساسية، وتركت المواطن يواجه قدره، وأصحاب المرتبات أصبحوا من الشرائح الفقيرة التي تحتاج الى مساعدات.

أما أصحاب الدخل المحدود من العمال، وأصحاب المهن الهامشية، فهم الأكثر معاناة "وقد تصل الأرقام الحقيقية للمحتاجين إلى أكثر من الرقم الذي ذكره مكتب الأمم المتحدة".

وبدوره، قال الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان في تصريح صحفي، إن البلاد وصلت إلى مرحلة ركود تضخمي أدى إلى إغلاق معظم المصانع وتسريح العمالة وتوقف الكثير من قطاعات الإنتاج، منها قطاع الثروة الحيوانية. وأضاف أن الاقتصاد حين لا ينتج وظائف، وإن ترافق ذلك مع وفرة السلع، فإن المواطن لن يستطيع الشراء.

ويعتبر العجز عن توفير العمل لمعظم المواطنين وضعف الأجر الذي لا يكفي لشراء الغذاء، أزمة مزدوجة. وطالب الفاتح الحكومة بأن تزيد رواتب العاملين في الدولة وتمضي في برنامج دعم الأسر وتوسيعه، والإنفاق على مشروعات تزيد الإنتاج وتعمل على تنمية قطاعات حيوية مثل النفط والزراعة والصناعة.

وأشار الفاتح إلى هجرة الكثير من الاستثمارات من السودان بسبب الركود التضخمي، وأكثر القطاعات المتأثرة في البلاد هي الخدمات والصناعة بما يوازي 70 في المائة من اقتصاد البلاد. ولفت إلى أن توحيد سعر الصرف وزيادة الدولار الجمركي أديا إلى ارتفاعات متواصلة في أسعار السلع وكلفتها، لتظهر الآثار المتدرجة على الاقتصاد وعلى المواطن، ما أدى إلى رفع الأسعار، رغم انخفاض مستوى التضخم في النشرات الحكومية.

وشهد السودان سلسلة من المجاعات التي لا تزال راسخة في أذهان المواطنين. إذ واجهت البلاد خلال عامي 1984 و1985 واحدة من أسوأ المجاعات في العالم، التي نجمت عن مزيج من الحرب الأهلية والجفاف، ونتجت منها خسائر بشرية ضخمة، إذ لقي ما يُقدر بنحو ثمانية ملايين وأربعمئة ألف شخص مصرعهم، وتأثرت الثروة الحيوانية في ولايات دارفور وكردفان وشرق السودان. ثم واجه السودانيون مجاعة أخرى في عام 1998، بعد تعرض البلاد لموجة جفاف في مناطق تقع ضمن نطاق المناخ المداري المعروف بقلة الأمطار وتذبذبها.

وحدثت مجاعة أخرى بعد عام على اشتعال الحرب في دارفور عام 2003، ولا تزال تتجدد في الإقليم. وتأثر السودان بالمجاعة المشهورة التي سُميت مجاعة سنة "ستة" والتي تأثر بها شرق السودان وغربه ووسطه وشماله. وسميت بهذا الاسم لأن تاريخ حدوثها يتفق مع سنة 1306 بالتاريخ الهجري، و1889 ميلادي، وكان السبب الرئيس في حدوثها قلة معدلات الأمطار وأسباب سياسية أخرى، وتشير المصادر إلى أن أسباب حدوثها تتعلق بعدم الاستقرار السياسي وكذا سيطرة آفة الجراد، إلى جانب شحّ الأمطار.

ولا يزال الغلاء يحكم قبضته على معيشة السودانيين، في ظل استمرار المعاناة في الحصول على الخبز والدواء والخدمات الأساسية، رغم أنه يوجد في السودان، ما يزيد عن 175 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع) من الأراضي الصالحة للزراعة، وأكثر من 100 مليون رأس من الماشية. وكذلك، يوجد في السودان مساحات من الغابات والمناطق الصالحة للرعي، بواقع 52 مليون فدان، وأزيد من 400 مليار متر مكعبٍ معدل هطول الأمطار سنوياً.

ويذكر أن تقريرا لبرنامج الغذاء العالمي بالسودان لعام 2018، كشف عن وجود 1.2 مليون طفل سوداني في سن المدارس الابتدائية، يعانون من انعدام الأمن الغذائي في التغذية المدرسية. بينما 99 بالمائة من اللاجئين و98 بالمائة من النازحين داخلياً، لا يمتلكون القدرة على تأمين سلّة الغذاء المحلية. وكشفت دراسات سودانية، أن 20 بالمائة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، يتمُّ زراعتها، من أصل 57 بالمائة صالحة للزراعة من مساحة السودان.

الوضع-ف-السودان.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً