post

النفايات في تونس.. لماذا لا تتحوّل الثروة المهدورة من نقمة إلى نعمة؟

تونس الإثنين 20 ديسمبر 2021

الوضع البيئي هو العمود الأساسي لأي وضع اقتصادي أو اجتماعي، فدون بيئة سليمة لا يمكن تقديم اقتصاد سليم.

وتواجه تونس، صعوبات في معالجة القمامة، وهي تطمر أو تحرق غالبيتها، بينما يعاد تدوير كمية صغيرة. وهذه الأزمة تدق ناقوس الخطر بشأن مشكلة تلوث بيئي ومناخي. وقد تخلف الأزمة على المدى البعيد والمتوسط أمراضا خطيرة، ما يفرض اليوم حلولا واستراتيجيات واضحة.

وأوضح مختصون في البيئة بأن "نحو 95 بالمئة من النفايات قابلة لتكون ثروة وتكون قابلة لإعادة التثمين، لكن العكس يحصل، وهو معاجلة النفايات بطريقة غير بيئية".

وقال أحد المستثمرين التونسيين في مجال تدوير النفايات إن "البلاستيك المرمي في تقديري ثروة مهدورة في تونس حيث يتم طمر غالبية القمامة دون تدويرها داخل مصبات لم تعد قادرة على استيعاب كميات اضافية".

وتجمع النفايات في تونس ولا تفرز وتمر 85 بالمئة منها مباشرة إلى عملية الطمر في مصبات مراقبة من قبل السلطات وأخرى عشوائية، حسبما قال لوكالة فرانس برس الخبير في التصرف في النفايات وليد المرداسي.

وفي السنوات الأخيرة ومع تزايد الاستهلاك وكميات الفضلات لكل شخص أصبحت هذه الحلول المحدودة تشكل خطرا بيئيا وتثير احتجاجات اجتماعية في الأماكن المتواجدة فيها خصوصا أن غالبيتها لن تعود قادرة على استيعاب المزيد بحلول نهاية 2022 في تقدير الخبير في التصرف في النفايات والاقتصاد الدائري وسيم شعبان.

وساهم ملف التصرف في النفايات وسوء التصرف فيه والاخلالات التي تشوبه في تأجيج الوضع الاجتماعي في البلاد. ووجدت السلطة نفسها في مواجهة غضب أهالي منطقة عقارب بولاية صفاقس الذين يرفضون اعادة فتح مكب بسبب تدهور الوضع الصحي في المنطقة، واستمرت احتجاجاتهم لأكثر من أسبوع مطلع نوفمبر الثاني وتوفي خلالها شاب، إضافة إلى احتجاجات أهالي المحرس ومنزل شاكر.

وتونس العاصمة ليست بمنأى عن تدهور الوضع مع قرب بلوغ درجات الاستيعاب القصوى في مصب "برج شاكير" الذي يمتد على مساحة 124 هكتارا ويستقبل يوميا اكثر من ثلاثة آلاف طن من نفايات أربعة ولايات.

وقال المستثمر طارق المصمودي صاحب مصنع لتدوير النفايات في المنطقة الصناعية المغيرة: "عندما بدأت العمل في 2009 لم أكن أكسب المال. كنت من بين قلة كانت لها الشجاعة الكافية للاستثمار في هذا القطاع".

وأنشأ المصمودي "أفريقيا للرسكلة" في 2009 لتدوير البلاستيك والكرتون مع شريك ألماني، ثم اشترى كامل حصص الشركة بعد ثورة 2011. ومنذ ذلك التاريخ يحقق استثماره نموا يعادل تدوير ستة آلاف طنا من النفايات من بينها ألف طن من البلاستيك. وحقق رقم أعمال يبلغ نحو 2,5 ملايين دينار (حوالى 770 ألف يورو).

وأضاف المصمودي الذي يشغل في مصنعه ستين عاملا بشكل مباشر وأكثر من مئتين آخرين بصفة غير مباشرة، "أحقق نموا نسبته 30 بالمئة سنويا على الرغم من ارتفاع سعر كيلغرام نفايات البلاستيك الذي يجلبه جامعو القمامة من المصبات ومن المصانع بـ100 دينار (حوالي 30 يورو)".

وأكد المصمودي أن قطاع تدوير النفايات في تونس يمكنه "خلق الثروة" وتشغيل مئات من العاطلين عن العمل في تونس حيث تبلغ نسبة البطالة 18,4 بالمئة.

وتقدر تكلفة طمر طن واحد من النفايات ما بين 150 و200 دينار (حوالي 70 يورو) حسب المستثمر والذي يرى في ذلك "صرفا للمال من أجل طمر المال". ويخضع نحو 85 بالمئة من النفايات لعملية الطمر المراقب بينما يوجه 15 بالمئة إلى المصبات العشوائية.

وينتج كل تونسي قرابة 365 كلغ من النفايات سنويا ولا يدفع سوى 800 مليما سنويا لمعالجتها، ما لا يؤمن للبلديات ايرادات مالية للتصرف وجمع النفايات، حسب الخبير.

واعتبر نشطاء في المجال البيئي أن "استراتيجية استغلال المصبات في تونس كانت خاطئة منذ التسعينيات، فعملية ردم النفايات غير صحية، خاصة وأننا لا نعرف طبيعة المواد المصنعة منها". وتابعوا: "هناك أزمة تفرض علينا اليوم إعادة طرح الموضوع بجدية وإيجاد استراتيجية وطنية واضحة للتصرف في النفايات وعدالة بيئية في كل الجهات والمناطق، وضبط استراتيجية أكثر جدوى من حيث التفكير في المردودية الاقتصادية والصحية".

وقالوا: "الدولة اليوم تنفق مصاريف كبيرة لفائدة شركات متخصصة في ردم النفايات، فيما يحاول البعض أن يكون التثمين قاطرة للتنمية يوفر فرصًا وموارد أوفر للدولة، ويجب على الدّولة أن توفر إمكانيات لتحويل هذه النقمة (النفايات) إلى نعمة".

ويذكر أن تونس تنتج، وفق وكالة التصرف في النفايات، حوالي 2.6 مليون طن من النفايات المنزلية سنوياً في المصبات القانونية التي يبلغ عددها 11. وتتميّز النفايات المنزلية بنسبة مهمة من المواد العضوية تبلغ نحو 68 في المائة، في حين تبلغ نسبة البلاستيك 11 في المائة والورق 10 في المائة. وتتوزّع البقية بين المعادن والجلد والمطاط والقماش. فيما تقدر كمية النفايات الصناعية، وفق وكالة التصرف في النفايات، بنحو 250 ألف طن سنوياً. وتغيب الإحصاءات الدقيقة عن كمية النفايات التي تلقى في المكبات العشوائية. وتواجه أغلب البلديات مشاكل برفع تلك النفايات مع أزمة توفر المعدّات ونقلها مسافات طويلة إلى أقرب مصب قانوني.

فلماذا لا توضع استراتيجية وطنية لتحويل المشكل إلى حل؟ ولماذا لا يتم ضبط منوال تنموي يراعي صحة التونسيين ويكون صديقا للبيئة؟ وهل يمكن اعتبار أن ما عرفته عقارب والمحرس ومنزل شاكر من ولاية صفاقس من أزمة نفايات ما هو إلا جرس إنذار ينبئ بمشكل بيئي يستوجب حلولا عاجلة على المدى البعيد وليست معالجة سطحية ووقتية؟

مصب-القن-بعقارب-3.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً