post

انتهاء جولة جديدة من المفاوضات.. هل نجحت تونس في إقناع صندوق النقد الدولي لتجاوز الوضع الاقتصادي المعقد؟

اقتصاد وأعمال الإثنين 25 أفريل 2022

أدى وفد حكومي تونسي زيارة إلى واشنطن، في الفترة الممتدة بين 18 و24 أفريل الجاري، في إطار جولة جديدة من المباحثات مع صندوق النقد الدولي حول قرض تعول عليه تونس من أجل تمويل خزينة الدولة. ولم تتوفر أي معطيات بخصوص نتائج زيارة الوفد التونسي للمؤسّسة العالمية المانحة في ظلّ غياب أي بيان رسمي يوضّح المسألة.

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه بعض الأطراف أنه بعد جولة جديدة من المحادثات مع صندوق النقد الدولي، تقترب تونس من التوصل إلى اتفاق نهائي سعيا لتجاوز الوضع الاقتصادي المعقد، أكد البعض الآخر أن صندوق النقد الدولي غير مقتنع بكل ما تم تقديمه من برنامج إصلاحات ووعود من طرف الجانب الحكومي التونسي.

وتكوّن الوفد المشارك في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن من وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي حضوريا، بينما شاركت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، عبر آلية التواصل عن بعد.

تسريع الإصلاحات الاقتصادية

وعرض الوفد التونسي خلال اجتماعات الربيع مع صندوق النقد الدولي، أبرز ملامح البرنامج الإصلاحي الاقتصادي للحكومة التونسية وخطتها لمجابهة الصعوبات المالية والاجتماعية في البلاد.

وأكد الجانب التونسي الالتزام بتنفيذ برنامج الإصلاحات الذي تعتزم الحكومة، وضعه قيد التنفيذ بالتشاور مع شركائها الاجتماعيين بهدف استعادة صلابة المالية العموميّة وتحقيق التوازنات المالية الكبرى وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلّي.

وقالت وزيرة المالية إن تونس تبذل جهودا حثيثة لتسريع الإصلاحات الاقتصادية ووضعها حيّز التنفيذ بالتشاور مع شركائها من المنظمات الوطنية سعيا لتجاوز الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تعيشه الدولة منذ سنوات، وزادته سوءا أزمة وباء كورونا وتداعيات حرب أوكرانيا.

وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجوفيا، إن "المحادثات الجارية بين الصندوق والحكومة التونسية تسير بنسق مُرض إلى حد ما وهي تنبئ بقرب التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن المؤسسة المالية الدولية تحتاج لمزيد من الوقت لفهم طبيعة الإصلاحات التي ستنفذها حكومة نجلاء بودن، وبناء على ذلك سيحدد الصندوق موقفه من دعم تونس خاصة فيما يتعلق بالدين الخارجي".

النقد الدولي غير مقتنع

وفي المقابل، استبعد مراقبون وصول تونس إلى اتفاق وشيك مع صندوق النقد الدولي بسبب المناخات الاجتماعية والسياسية التي مازالت مشحونة وتثير المخاوف بشأن تطبيق أي اتفاق مع المنظمات المالية المانحة.

واعتبر المختص في الشأن الاقتصادي آرام بلحاج في تدوينة نشرها على صفحته بفايسبوك، أن عدم نشر صندوق النقد الدولي الآفاق الاقتصادية على المدى المتوسط لتونس (2023-2027) ضمن التقرير الأخير الصادر عنه، سابقة، وأشار إلى أن المؤسسة المالية أرجعت ذلك إلى وجود محادثات تقنية حالية في إطار اتفاق مرتقب.

كما اعتبر بلحاج أن أقرب قراءة لهذا القرار الذي وصفه بالمفاجئ هو أن "صندوق النقد الدولي غير مقتنع لحد هاته اللحظة بكل ما تم تقديمه من برنامج إصلاحات ووعود من طرف الجانب الحكومي التونسي".

نقاط ضعف

من جهته، كشف خبير الاقتصاد عزّ الدّين سعيدان عن 3 نقاط ضعف واجهت تونس في محادثاتها مع صندوق النقد الدولي، وتتمثل الأولى في الوضع السياسي الاستثنائي وهو ما صعّب المحادثات، والنّقطة الثانية هي عدم وجود بوادر توافق بين الحكومة واتحاد الشّغل على برنامج الاصلاحات الذّي تمّ تقديمه أمام اشتراط صندوق النّقد أن يكون هناك اتفاق مكتوب بين الحكومة والطّرف الاجتماعي، والنّقطة الثالثة تتمثل في  مستوى الدّين التونسي الذّي أصبح مرتفعا جدا وعديد الأطراف تعتبر تونس بلغت مستوى التداين المشطّ ما يعني وجود شكوك حول مواصلة تونس تسديد ديونها بصفة طبيعيّة، وفق تعبيره.

وشدّد سعيدان في نفس الوقت على أنّ الاتفاق لن يكون كافيا لأنّ حاجيات تونس كبيرة جدا في سنة 2022 ولأنّ القروض الأجنبية أصبحت في حدود الـ 7 مليار دولار في حين أنّ نظام حصص صندوق النّقد الدّولي لا يسمح إلا بصرف 1 مليار دولار في السّنة الواحدة وكلّ برنامج لا يسمح إلا بـ2 مليار دولار وتونس طلبت 4 مليار دولار.

إما صندوق النقد الدولي أو الإفلاس

وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي في تصريح صحفي، إن "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا يتعلق بنقاشات فنية فقط وإنما هو مرتبط بمناخات اجتماعية وسياسية تضمن تطبيق هذا الاتفاق، لذلك، من المستبعد الوصول إلى حل في القريب العاجل مع صندوق النقد الدولي في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد ورفض الأطراف الاجتماعية لبنود وثيقة الإصلاحات الهيكلية التي تقترحها الحكومة".

وذكرت مجلة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية أن تونس تعيش اليوم وضعا شبيها بما كانت عليه أوكرانيا في عام 2014، وقد يكون مصيرها الإفلاس، ولن تكون قادرة على تسديد ديونها الضخمة إذا لم تحظ بخطة ضخمة من صندوق النقد الدولي. وستكون البلاد بين خيارين: إما صندوق النقد الدولي أو الإفلاس.

ونبهت المجلة إلى أن الرئيس قيس سعيّد يكرّس أيامه لإلغاء البناء الديمقراطي الذي بنته ثورة 2011، في الوقت الذي يستمر فيه الاقتصاد في التدهور، ويقف البلد بين خياري "صندوق النقد الدولي أو الإفلاس"، كأن الاقتصاد يتحمل مزيدا من الانتظار.

أزمة اقتصادية متصاعدة

ويأتي تجدد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب حيث تم التخفيض في الترقيم السيادي لتونس من قبل وكالة التصنيف «فيتش رايتنغ» إلى "سي سي سي" سلبي.

وتعرف تونس تراجعا تاريخيا للدينار مقابل الدولار حيث تجاوز الدولار الواحد ثلاثة دنانير تونسية، كما تشهد البلاد ارتفاعا متزايدا في أسعار السلع والخدمات وندرة في توفر بعض المواد الأساسية في الأسواق خلال الأشهر الأخيرة.

وقال المعهد الوطني للإحصاء، في آخر بيانات محدثة إن نسبة التضخم ارتفعت إلى 7.2 % خلال شهر مارس الماضي بعد أن كان في حدود 6.7% في شهر جانفي من السنة نفسها.

كما تعيش البلاد على وقع ارتفاع مؤشرات البطالة حيث بلغت 18,4 % خلال الثلاثي الثالث لسنة 2021 بعد أن كانت في حدود 16.2% خلال نفس الفترة من سنة 2020. وتعرف نوايا الاستثمار الداخلية والخارجية تراجعا كبيرا كما شهدت البلاد في الأشهر الأخيرة إغلاق عدد من المؤسسات الاقتصادية.

وتحتاج تونس حسب قانون المالية لسنة 2022 إلى تمويلات خارجية تقدر بـ12 مليار دينار منها 4 ملايين دينار من صندوق النقد الدولي والباقي يقدم بضمانة منه، كما عليها تسديد أصول دين قريبة المدى وبعيدة المدى خاصة بثمانية قروض خارجية خلال هذه السنة.

فيما يشهد احتياطي تونس من العملة الصعبة تآكلا متواصلا في الأشهر الأخيرة حيث بلغت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية حسب آخر تحيين ما قيمته 129 يوم توريد مقابل 153 يوم توريد خلال نفس الفترة من السنة الماضية وفق أرقام البنك المركزي التونسي.

قروض مالية

ويذكر أن تونس حصلت بين 2016 و2020 على قرض مالي بقيمة 2.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وزعت على ثمانية أقساط، وتباطأ الصندوق في إسناد الأقساط الأخيرة، متهما السلطات التونسية بالتأخير في تنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية على غرار التخفيض في كتلة أجور الموظفين، وتوجيه منظومة الدعم الحكومي إلى مستحقيها في اتجاه التخلي عن صندوق الدعم، علاوة على إصلاح الوضع المالي لمعظم المؤسسات الحكومية الكبرى...

وتحصلت تونس على خط تمويل جديد من البنك الدولي في 6 أفريل الحالي، بقيمة 400 مليون دولار لتمويل مشروع الحماية الاجتماعية بفائدة قدرها 1 في المئة على أن يسدد على امتداد 17 سنة بإمهال مدته 5 سنوات.

كما أعلن البنك المركزي التونسي الأربعاء، أن المحافظ مروان العباسي ونائب الرئيس التنفيذي للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، جورج إيلومبي، وقعا على اتفاق قرض بقيمة 700 مليون دولار إثر لقاء في مصر.

ويأتي هذا القرض، الذي وقعه البنك المركزي التونسي لصالح ونيابةً عن الجمهورية التونسية، في إطار تعبئة الموارد الخارجية المدرجة في موازنة الدولة لعام 2022، على أن يقع سداد هذا القرض على مدى 7 سنوات، بإمهال سنتين وبمعدل فائدة يبلغ 5.76 في المئة سنوياً.

كما يأتي القرض الجديد بعد حصول تونس على قرض آخر بقيمة 112 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي في مارس (آذار) الماضي، لتمويل برنامج يتعلق بالبنية التحتية، وتحديداً الطرقات. وكانت تونس قد تلقت في أواخر عام 2021، وتحديداً في شهر ديسمبر (كانون الأول)، نحو 114 مليون دولار من ذات البنك لتوسيع البنية التحتية في البلاد.

ورجح عدد من الخبراء أن عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيعقد الوضع الاقتصادي في البلاد ونبه بعضهم لاقتراب تونس إلى خطر الإفلاس والعجز عن سداد ديونها الخارجية. فهل تفشل تونس في إقناع صندوق النقد الدولي؟ وهل تُحال إلى نادي باريس (وهي مجموعة غير رسمية تقدم خدمات مالية، مثل إعادة جدولة الديون للدول المديونة بدلا من إعلان إفلاسها، بشروط مجحفة)؟

inbound7530186168072858426.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً