post

بسبب ملفات فساد: اعتقالات.. إقامة جبرية.. منع من السفر.. وتتواصل التحقيقات

تونس الجمعة 20 أوت 2021

الكلّ يعلم أن مكافحة الفساد هو مفتاح التنمية والإقلاع الاقتصادي، ولذلك شهدت الأيام الماضية صدور بطاقات جلب في حقّ عدد من نواب البرلمان والسياسيين والوزراء والمسؤولين السابقين والقضاة الذين فتح القضاء تحقيقات ضدّهم، وتمّ إيقاف البعض الآخر، فيما فرضت وزارة الداخلية على البعض منهم إجراءات منع السفر أو الإقامة الجبرية، كما تمّ الإفراج عن بعضهم وإيقاف التفتيش عن آخرين، في انتظار استكمال بقية الإجراءات القانونية وذلك في قضايا مختلفة، بعد أن قرّر رئيس الدولة، قيس سعيّد، يوم 25 جويلية 2021 تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن كل النواب وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه.

ولكن في المقابل، هناك مخاوف من تحويل الحرب على الفساد من هدف مشترك إلى أداة انتقائية للتشفّي وتصفية الحسابات السياسية بمنطق "شعبوي" دون احترام استقلالية القضاء والقوانين.

إيقافات

ورغم أن الإيقافات الأخيرة التي طالت عددا من النواب أثارت مخاوف الحقوقيين والسياسيين من العودة إلى مربع الدكتاتورية، إلا أن هناك قرارات قضائية باعتقال متهمين في قضايا مختلفة.

وأفاد الناطق باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي محسن الدالي، بأن قاضي التحقيق بالقطب، أصدر يوم الثلاثاء 17 أوت 2021، بطاقات إيداع بالسجن في حقّ ثلاثة متّهمين في ما يعرف بملف "استخراج الفسفاط ونقله" بعد إجراء السماعات اللازمة، في حين قرّر ترك بقية المتهمين بحالة سراح وتحجير السفر على ستة منهم. وأضاف الدالي أن ثلاثة من جملة المتهمين، بينهم وزير سابق ونائب مجمّد، هم بحالة فرار، وأوضح أنه تمّت إحالة ملف شبهة الفساد الإداري والمالي في استخراج فسفاط قفصة ونقله على النيابة العمومية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي.

ومن جهتها، أوقفت فرقة الحراسة والتفتيش الديوانية بالمنستير، الثلاثاء 10 أوت 2021، على مستوى الطريق السريعة الرابطة بين الجم وصفاقس، سيارة خفيفة تقودها قاضية وحجزت على متنها مبلغ مالي من العملة الأجنبية يقدر بـ438 ألف أورو، إلى جانب 36 ألف دينار تونسي، أي بما قيمته حوالي 1 فاصل 5 مليون دينار، وفق ما ذكره الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة التونسية، العميد هيثم الزناد.

وبدورها، أكدت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري، أنه تمّ إيداع النائب ياسين العياري بالسجن المدني بتونس، صباح يوم الجمعة 30 جويلية 2021 تنفيذا لحكم قضائي. وبيّنت الوكالة أن هذا الإيداع يندرج في إطار تنفيذ حكم قضائي بات صادر ضدّ العياري عن محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ 6 ديسمبر 2018 ويقضي بسجن العياري مدة شهرين اثنين من "أجل المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الاضرار بالدفاع والمسّ من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته". وفي المقابل، اعتبر العديد أن هذا الإيقاف لا علاقة له بالفساد على غرار رئيس مرصد رقابة عماد الدائمي الذي انتقد وضع نائب الشعب ياسين العياري في السجن بسبب التعبير عن رأيه. وقال الدايمي ''ياسين العياري ليس سارقا ولا فاسدا ولا مجرما ولم ينهب مليما واحدا من المال العام ولم يتورّط في جريمة ضدّ الدولة أو ضدّ الشعب ولم يتلاعب بحقوق الدولة ولم يبن عمارة بالمال الفاسد ولم يستغل صفته لتحقيق مكاسب ومصالح له أو للغير ولم يستغل نفوذه لحماية الكناترية والفاسدين''.

إقامة جبرية

ولأن الإقامة الجبرية هي إحدى العقوبات المقيّدة للحرية، فقد اعتبر العديد أن الإقامات الجبرية التي تمّت مؤخرا في أغلبها جاءت نتيجة نقد هؤلاء للإجراءات التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد واعتبارها تجاوزات لا دستورية وانتهاكات لحقوق الإنسان.

وتمّ وضع وزراء سابقين ومستشارين سابقين في حكومتي يوسف الشاهد وهشام المشيشي ونواب ومسؤولين وقضاة تحت الإقامة الجبرية، بتعليمات رئاسية، وتنفيذ من وزير الداخلية، الذي تولّى إعلام هؤلاء بوضعهم تحت الإقامة الجبرية. وتشمل هذه الأسماء رياض المؤخر، وزير البيئة سابقا، وأنور معروف وزير النقل واللوجستيك السابق، الذي زارته لدنة الدفاع عنه، بالإضافة إلى الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب. وشملت قرارات الوضع رهن الإقامة الجبرية أيضا، النائب عن حزب قلب تونس، زهيّر مخلوف، وبشير العكرمي (وكيل الجمهورية السابق) والطيب راشد (الرئيس الأول لمحكمة التعقيب)، إلى جانب زهيّر اللونغو، مدير الاستعلامات السابق، ولطفي بن ساسي (مستشار سابق) ومفدي المسدي (مستشار سابق) وبلحسن بن عمر (مستشار سابق). كما أصدر المكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا الغرسلاوي قرارا بوضع كل من النائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي والنائب محمد صالح اللطيفي تحت الإقامة الجبرية.

منع من السفر

وأعاد قرار منع العديد من السفر، جدلا حول دستورية هذا الإجراء في ظل غياب أي سند قضائي، واعتبر البعض أنه قرار صائب بالنسبة إلى الأشخاص الذين أجرموا في حقّ البلاد، ولكن لا يمكن أن تكون العقوبة جماعية. وطالب عدد منهم بتحديد وتوضيح المعايير التي تمّ على إثرها صدور قرارات منع السفر، كي لا يكون الإجراء تعسفيا وتمّ دون قرار قضائي أو إداري.

وأصدر الناطق باسم القطب القضائي والمالي بلاغا، أكّد فيه قرارات بمنع السفر عن عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في حكومة يوسف الشاهد، بينهم وزير الصناعة والطاقة والمناجم سليم الفرياني، والوزير الكاتب العام للحكومة عبد اللطيف حمام، وعن نواب ومسؤولين عن إنتاج الفسفاط، بعد اتهامات لهم بالفساد وتهريب مئات آلاف الأطنان.

وأكد النائب عن التيار الديمقراطي أنور بالشاهد منعه من السفر يوم الأحد 15 أوت الجاري وأوضح أنه لم يخالف القانون وأن منعه من السفر تعسف على حقه  واعتداء صارخ على حقوق الإنسان . وقال إن "التغيير الذي يعتدي على حقوق الانسان يعتبر انقلابا".

تحقيقات

وأعلن الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي ونائب وكيل الجمهورية محسن الدالي يوم الجمعة 28 جويلية 2021، أنّ القطب فتح بحثا تحقيقيا في ملف هيئة الحقيقة والكرامة والبنك الفرنسي التونسي.

وأفاد الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس الحبيب الطرخاني أن الوكيل العام لمحكمة الاستئناف أذن لوكيل الجمهورية للمحكمة الابتدائية بتونس بفتح بحث تحقيقي ضدّ الرئيس الأسبق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي طبيب في خصوص شكاية تقدّمت بها شركة "فيفان" وتعلقت بـ"شبهة تدليس واستعمال مدلس". وأضاف أنه تم أيضا الإذن لوكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس لفتح بحث تحقيقي ضد شوقي طبيب (محام) بخصوص الشكاية التي تقدم بها مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة وموضوعها "عديد الاخلالات التي تشوب التصرف المالي والإداري للهيئة زمن رئاسة طبيب لها".

كما تمّ الإذن، لوكيل الجمهورية للمحكمة الابتدائية بتونس من قبل الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس بفتح بحث تحقيقي في الشكاية التي تقدمت بها العضوة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة ابتهال عبد اللطيف ضدّ كل رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي (محام ونائب بالبرلمان) ومبروك كورشيد (محام ونائب ووزير أسبق لأملاك الدولة والشؤون العقارية) وسماح الخماسي (محامية) وذلك بخصوص شبهة اكتشاف تلاعب في ملف مصالحة وعقد اتفاقية تحكيم استفاد منها الأزهر سطا.

وبدورها، أذنت النيابة العمومية بالمهدية، يوم الجمعة 13 أوت 2021، بفتح بحث تحقيقي في ما تمّ تداوله من توفر معطيات ووثائق تتعلق باستيلاء قضاة بالمهدية على عقارات تابعة للدولة، وتعهّد بهذه القضيّة قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية بالمهدية.

ومن جهتها، كشفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن شبهات فساد طالت البعض من أوجه التصرّف الإداري والمالي بمركب الدّيوان التونسي للتجارة بحلق الوادي، وتمّت إحالتها إلى المحكمة الابتدائية بتونس. وشبهات الفساد منسوبة لبعض الموظفين العموميين حال مباشرتهم لوظائفهم.

وأعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الاثنين 16 أوت 2021، أنها أحالت على أنظار وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس ملف شبهات فساد مالي وإداري في صفقة اقتناء عوارض خشبية، كانت أبرمتها الشّركة الوطنية للسّكك الحديدية التّونسية مع أحد المزوّدين الأجانب خلال سنة 2017. وتم توجيه شبهات الفساد إلى مسؤولين كبار بالشركة من بينهم الرّئيس المدير العام ومدير المراقبة القانونية ومدير الشّراءات ومدير إدارة صيانة السكّة والمنشآت الفنية والمباني.

إفراج وكفّ تفتيش

ولأن أغلب الإيقافات الأخيرة في صفوف عدد من النواب لا علاقة لها بالفساد مثلما أكّد الكثيرون، فقد تم الإفراج عن البعض وكفّ التفتيش عن آخرين.

فبعد أن أذن الوكيل العام لمحكمة الاستئناف لوكيل الجمهورية للمحكمة الابتدائية بتونس بفتح بحث تحقيقي في خصوص شكاية تقدمت بها نقابة الأمن الجمهوري وأعوان مصلحة الأبحاث بمطار تونس قرطاج، بخصوص ما يعرف "بحادثة المطار" التي جدت يوم 15 مارس 2021، وجّه قاضي التحقيق الأول بالمكتب الأول لدى المحكمة الإبتدائية العسكرية الدائمة بتونس، يوم 2 أوت الجاري، إلى رئيس الدائرة الفرعية للقضايا الإجرامية، إذنا بكف التفتيش في حق كل من سيف الدين مخلوف ونضال السعودي وعبد اللطيف العلوي ومحمد العفاس (أعضاء عن كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان) والمحامي مهدي زروبة. كما قرّر قاضي التحقيق العسكري إطلاق سراح النائب ماهر زيد، بعد أن تم إيقافه في نفس القضية. والإفراج عن عدد من النواب لعدم ثبوت تورطهم في أي فساد أو مخالفتهم للقانون.

استقلال القضاء

ولأن الجميع يأمل في أن تكون البوصلة لمكافحة الفساد واضحة وتستهدف الهنّات التي أعاقت نمو الاقتصاد وتطوّره والمتمثلة في ضرورة أن يكون الجهاز القضائي مستقلا، فضلا عن تحرير إطار التدقيق وأجهزة الرقابة من كل الضغوطات المسلطة عليها، عبّر اتحاد القضاة الإداريين في بيان صادر عن مكتبه التنفيذي يوم الاثنين 16 أوت 2021، عن دعمه المطلق لسياسة الدولة الرامية إلى محاربة الفساد وعدم انخراطه في الدفاع عن ذوي الشبهة وتمسكه بمبدأ المحاسبة دون تشف وتشهير. وأدان اتحاد القضاة الإداريين، ما وصفها بـ''الحملات البائسة'' التي ''وصلت إلى حد التنكيل بالزملاء وهتك أعراضهم ونشر معطياتهم الشخصية''، وفق نص البيان. وأكد الإتحاد أنه لا مجال لتشويه سمعة القضاء الإداري وإضعاف مؤسسة المحكمة الإدارية والزج بها في التجاذبات السياسية خاصة خلال الفترة الحالية بوصفها حامية للحقوق والحريات. كما أشار البيان إلى أن مكافحة الفساد داخل السلطة القضائية لا تبرر حملات التشكيك والتشويه التي طالت بعض القضاة.

news/72662687-1375239552638429-537217490090983424-n.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً