post

بعد "أمك صنّافة" ودعم البرلمان الأوروبي للديمقراطية.. رئيسنا يهرب إلى الأمام فمن سيحمي الدولة من خراب محقّق؟

تونس الجمعة 22 أكتوبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج 

"أمريكا وَهْمٌ في وهم وطز في أمريكا"، "طز في واشنطن"، "طز مرّة ثانية في أمريكا وبريطانيا"، كلمات حاول أن يتحدّى بها معمر القذافي أقوى دولة في العالم عن جهل أو بسبب الغباء، واعْتُبِر قذافي ليبيا القائد الأعظم، وكُتبت عبارة "طز في أمريكا"، بالبنط العريض، على جدران الأبنية الحكومية، وفي لوحات الإعلانات المدرسية الليبية، فكانت النتيجة قاسية عندما قصفت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغن عام 1986 العاصمة الليبية طرابلس، ومنطقة بنغازي. وضربت الصواريخ أيضا بن عاشور وهي منطقة مكتظة بالسكان في العاصمة. كما تمّ قصف المجمع السكني الذي يقيم فيه الرئيس معمر القذافي وقتلت فيه ابنته المتبناة هناء القذافي، بالإضافة لذلك قتل 45 جنديا ليبيا و15 مدنيا.

سعيّد تونس يريد تكرار نفس سيناريو قذافي ليبيا بخطاباته العنترية وتحدّيّاته الهلامية وردوده المستفزّة والفاقدة للديبلوماسية ما جعله يورّط بلادنا في مزيد من العزلة والإفلاس. وتعنّته في المواقف واستبداده بالرأي جعله ينقلب على الدستور وعلى الديمقراطية ولم يسمع إلا ما يريد سماعه، حتى أصبح الوضع في تونس محلّ تداول في الاتحاد الأوروبي وفي الكونغرس الأمريكي وفي أكبر المؤسسات الدولية للترقيم السيادي إضافة إلى تدخل جامعة الدول العربية ودول الجيران، وأصبحت تونس محلّ نقاشات عديد البلدان ومخابراتها.

فانقلاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد على الدستور والديمقراطية عبث باستقلالية بلادنا وفتح الباب للتدخل الخارجي كما عبث باقتصادنا الهش وزاد في تعميق الأزمة، واستبيحت سيادة بلادنا في العهد السعيد لأوّل مرّة بمثل هذا الشكل.

الكلّ يرى أن ما جرى في بلادنا هو انقلاب على الدستور وعلى المؤسسات وسطو على كلّ السلطات، وأن لا حلّ لنا إلا بالعودة للديمقراطية، ولكن حاكم قرطاج يصرّ في كلّ مرّة أن ما جرى ليس انقلابا حتى أصبح حاكم قرطاج وباردو والقصبة وهو الحاكم الواحد والأوحد الذي تعنّت ورفض الحلّ السياسي بين التونسيين وأقحم سياسات ومواقف دولية كبرى في شأننا الداخلي.

أغلبية مطلقة

بعد فشل بلادنا في تنظيم القمة الفرنكوفونية في جربة، وتجميد تونس في البرلمان الفرنكفوني لأسباب سياسية واضحة، وبعد تعدّد صدور بيانات عن منظمات دولية شهيرة على غرار هيومن رايس ووتش، وبعد بيان دول السبع الكبار وقرارات الكونغرس الأمريكي وما صدر من قرارات عن مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي والتي تطالب كلّها بالتخلي عن تجميع كافة السلطات في يد شخص واحد والعودة للحوار والمسار الديمقراطي، صوّت البرلمان الأوروبي بالأغلبية المطلقة على مشروع قرار بشأن الوضع في تونس، حيث أنه من مجموع 685 صوّت 534 عضوا بنعم و54 بلا واحتفاظ 106 آخرين بأصواتهم.

ويتلخّص القرار الذي تمّ تبنّيه مساء أمس الخميس في البرلمان الأوروبي حول التطورات في تونس في التأكيد على أنه يجب الحفاظ على الدستور والإطار التشريعي وأن البلاد بحاجة إلى برلمان شرعي يعمل بشكل جيد، ضرورة استعادة الاستقرار المؤسسي في أقرب وقت ممكن واحترام الحقوق والحريات الأساسية، دعوة السلطات التونسية إلى إعلان خارطة طريق واضحة للعودة إلى العمل الطبيعي للدولة، تجنّب الغموض القانوني الناجم عن حظر السفر ومراقبة الدولة والإقامة الجبرية، المحاكمات المدنية أمام المحاكم العسكرية تشكل مشكلة خطيرة ويطالبون باستعادة العدالة المستقلة التي من شأنها أن تؤدي إلى إصلاح المحاكم العسكرية في تونس ووضع حد لمحاكمات المدنيين، اعتبار أن المجتمع المدني في تونس متطور جيدًا ولعب دورًا رئيسيًا في تشكيل وتعزيز الانتقال الديمقراطي في تونس منذ عام 2011.

وأعرب أعضاء البرلمان الأوروبي عن قلقهم من التدخل الأجنبي الذي يقوّض الديمقراطية التونسية، والدعوة لدعم جميع التدابير الهادفة إلى ضمان المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع المجالات، ومواصلة البرامج التي تدعم المواطنين التونسيين بشكل مباشر، وتكثيف المساعدات حيثما كانت هناك حاجة إليها مع تأكيد أن يشمل ذلك دعم الرعاية الصحية من خلال نظام كوفاكس، لمساعدة البلاد على التعامل مع العواقب الوخيمة لوباء كوفيد19.

صدمة الانقلابيون

الانقلابيون في تونس أصيبوا بصدمة نتيجة هذا التصويت في البرلمان الأوروبي بالأغلبية المطلقة لصالح عودة المؤسسات الديمقراطية في تونس. واستغربوا مطالبة برلمان أوروبي بعودة نشاط برلمان معلق في دولة صديقة وشريكة وهي تونس. هؤلاء نسوا أو تناسوا أن البرلمان الأوروبي هو ثاني أكبر ديمقراطية انتخابية في العالم بعد البرلمان الهندي، ويضم 705 أعضاء من 27 دولة، وهو واحد من أقوى الهيئات التشريعية في العالم. فالبرلمان الأوروبي هو أعرق وأكبر ديمقراطية في العالم فكيف لا يطالب بعودة الديمقراطية في تونس؟

ولائحة البرلمان الأوروبي حول تونس التي تدعوا في المجمل إلى عودة الديموقراطية حصلت على شبه إجماع، ولم يصوّت ضدّها سوى اليمين المتطرف أي بضع عشرات من عدة مئات من النواب، وهو موقف سياسي داعم لسعيّد وللانقلاب. والاتحاد الأوروبي دعم تونس لأنها دخلت ضمن العائلة الديمقراطية واتبعت مسار انتقال ديمقراطي حقيقي ولما خرجت ولم تلتزم بنواميس الديمقراطية أصبح موقف الاتحاد مغايرا.

وكلّف البرلمان الأوروبي رئيسه بإحالة اللائحة المتعلقة بتونس إلى المجلس، والمفوّضية، ودائرة الشّؤون الخارجية الأوروبية، ونائب رئيس المفوّضية / الممثّل السّامي للاتّحاد للشّؤون الخارجية والسّياسة الأمنية، ورئيس الجمهورية التّونسية، والحكومة التّونسية، والبرلمان التّونسي.

وعندما نتمعّن فيمن يساند سعيّد في انقلابه، نفهم جيّدا طبيعة اجتماع الوطد واتحاد الشغل الذي ساهم في تدهور الوضع في البلاد طيلة عشر سنوات، وعدد من المؤسسات الإعلامية ومنظومة بن علي وحركة الشعب والسيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان وإسرائيل، من أجل الإطاحة بالتجربة الديمقراطية التونسية الفتية التي تبلغ من العمر فقط 10 سنوات. فعندما اقتربنا من مرحلة النضح اجتمع هؤلاء للإطاحة بالتجربة التونسية وتعميم الخراب في البلاد.

صدمة وخيبة أمل أصيب بها الانقلابيون الذين أصبحوا في عزلة خاصة أن أكبر برلمان يساند عودة الديمقراطية في تونس ولم يبقى إلا اليمين المتطرف وإسرائيل والشبيحة والوطد وبعض الانقلابيين ومن لا يريدون تصدير الثورة التونسية وتجربتنا الرائدة في الديمقراطية وفي ربيع الثورات العربية إلى بلدانهم.

السيناريو اللبناني

ضعف الحوكمة وزيادة عدم اليقين فيما يتعلّق بقدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان الوصول المتجدّد إلى التمويل لتلبية الاحتياجات المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة، جعل وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تُخفض التصنيف السيادي لتونس من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية.

كما أعلنت موديز تخفيض تصنيفات الودائع المصرفية طويلة الأجل من B3 إلى Caa1 لأربعة بنوك تونسية وهي: البنك العربي لتونس (ATB)، البنك التونسي (BT)، بنك الأمان، وبنك تونس العربي الدولي (BIAT) كما ثبتت الوكالة الودائع طويلة الأجل للشركة التونسية للبنك (STB) في مستوىCaa1 .

وأعلن الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية لأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبد الرزاق حواص، أمس الخميس، عن إفلاس 130 ألف مؤسسة وإحالة 750 ألف عامل على البطالة.

وتظهر دراسات اقتصادية حديثة أن كل تونسي مرتهن بالقروض الخارجية بأكثر من ألفي دولار.

وسبق أن نبّه المجلس الأخير لإدارة البنك المركزي التونسي في 7 أكتوبر الجاري إلى خطورة الوضع المالي لتونس، وأعرب عن انشغاله العميق في شأن "الشحّ الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجات مهمة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة لسنة 2021. وهو ما يعكس تخوف المقرضين الدوليين في ظل تدهور الترقيم السيادي للبلاد وغياب برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي".

ونتيجة لهذه التصنيفات أو كما وصفها رئيسنا "أمك صنّافة"، أصبحت تونس بلدا عالي المخاطر الاقتصادية والمالية، وأصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل الخروج إلى الأسواق المالية الدولية للاقتراض مجددا، وسيكون الاقتراض باهظا وبنسب فائدة كبيرة وهو ما سيزيد ارتهان البلاد والأجيال المقبلة.

وفي الواقع، فإن هذا التراجع السلبي في الاقتصاد التونسي كان منتظرا بعد الانقلاب الذي خرّب البلاد، وغياب الاستقرار الحكومي لنحو شهرين، والذي انعكس بشكل مباشر على الجوانب المالية والاقتصادية للبلاد.

والأكيد أن وكالات التصنيف العالمية لم تظلم تونس وتعاملت بحياد وموضوعية مع الوضعية الاقتصادية والمالية في بلادنا، على الرغم من انتقادات سعيّد أداءها وطريقة تعاملها مع بلادنا.

وكان من المفروض أن يُحدث تصنيف "موديز" صدمة في نفسية رئيسنا فيتوجّه مباشرة ومن دون إضاعة الوقت نحو القيام بالإصلاحات الاقتصادية والعودة إلى الديمقراطية والانصراف نحو العمل واسترجاع آلة الإنتاج، ولكن زاد في تعنّته وكثّف في ردود أفعاله المعادية للجميع ما ساهم في انهيار الوضع الاقتصادي وبالتالي اقتربنا شيئا فشيئا من السيناريو اللبناني في بلادنا نتيجة "الحوكمة الرشيدة" لرئيسنا سعيد الذي لم يكلّف نفسه سوى أنه قال "يجب على الشعب التقشّف لأنّنا في حرب"، وهو الذي يتقاضى 30 مليون شهريا وتناهز نفقات قصره 100 مليار.

فكيف سيكون الخروج من هذا النفق المظلم الذي جرّنا نحوه العناد والغباء والجهل بالحدّ الأدنى لأبجديات السياسة الداخلية والديبلوماسية الخارجية؟

 

galleries/سنا-هرب-ل-المام-فمن-سحم-الدول-من-خراب-محقق-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً