post

بعد رفع الحصانة البرلمانية .. إيقافات النواب بين المشروعية وتصفية الحسابات

تونس الثلاثاء 10 أوت 2021

"القرار الثاني: رفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي، ومن تعلقت به قضية، سأتولى، من بين القرارات التي اتخذتها، رئاسة النيابة العمومية حتى تتحرك في إطار القانون، لا أن تسكت عن جرائم ترتكب في حق تونس، ويتم إخفاء جملة من الملفات في أضابير وزارة العدل أو في ملفات المجلس النيابي"، هكذا قال الرئيس قيس سعيد في خطاب الخامس والعشرين من جويلية المنقضي. 
كلمات ألهبت الحماسة الشعبية وأعلت سقف التوقعات والانتظارات من شعب يرى في البرلمان المسبب الرئيسي لأزماته المتتالية، ففي ظل أزمة اقتصادية خانقة وكارثة صحية أودت بحياة أكثر من عشرين ألف مواطن ومواطنة، انكفأ البرلمان عن قضايا الشعب ليخوض معارك "سياسوية" لا يملك التونسيون فيها ناقة ولا جملا، ما عمق الهوة بين أبناء الوطن وممثليهم في البرلمان وأسعدهم برفع الحصانة عنهم وتجميد كافة اختصاصات وأعمال مجلسهم. 

برلمانيون في قبضة الأمن: 

أعلنت عائلة النائب عن حركة "أمل وعمل، ياسين العياري، بتاريخ 30 جويلية 2021، في تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه تم اقتياده إلى وجهة مجهولة بعد اعتقاله لأسباب غير معلومة، بينما أكد محاميه، الأستاذ مختار الجماعي، أن "فرقة من الأمن الرئاسي متكونة من 30 شخصا وأسطولا من السيارات طوقوا منزل العياري وأخذوه عنوة إلى وجهة مجهولة"، بينما أكدت أمل وعمل أن إيقاف العياري "تم دون الاستظهار بوثيقة أو إذن قضائي من طرف مجموعة كبيرة من أعوان عرفوا أنفسهم بأنهم أمن رئاسي". 
إيقاف أثار جدلا كبيرا، لا سيما وأن ياسين العياري كان من المناهضين لقرارات قيس سعيد التي أعلن عنها يوم 25 جويلية، وعبر عن موقفه هذا على صفحته على فايسبوك، إذ توجهت أصابع الاتهام إلى رئيس الجمهورية بانطلاقه في "تصفية خصومه سياسيا" وفي قمع حرية التعبير. 
وفيما نددت رئاسة مجلس نواب الشعب بما حدث وطالبت بإطلاق سرح العياري فورا، معتبرة أنه "إيقاف غير قانوني يمس من حرمة نواب الشعب"، نفت رئاسة الجمهورية أن تكون لها علاقة بعملية إيقاف النائب ياسين العياري، مؤكدة أن "رئيس الجمهورية لديه حرص شديد على احترام حقوق الإنسان والحريات، وليس لديه أي نية للتدخل بالقضاء التونسي. والقضاء التونسي مستقل"، حسب ما ورد على لسان الملحق بالدائرة الدبلوماسية برئاسة الجمهورية سابقا، وليد الحجام.  
جدل حول أسباب وخلفيات الإيقاف أنهته وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري، إذ أفادت، في بلاغ صحفي، مساء الجمعة 30 جويلية، بأنه قد تم إيداع النائب ياسين العياري، بالسجن المدني بتونس، صباح الجمعة، تنفيذا لحكم قضائي. 
وبينت الوكالة أن هذا الإيداع يندرج في إطار تنفيذ حكم قضائي بات صادر ضد العياري عن محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ 6 ديسمبر 2018، ويقضي بسجنه مدة شهرين من أجل "المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الإضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته". 
وأوضحت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري أن النيابة العسكرية "تولت الجمعة تنفيذ الحكم المذكور تبعا لصدور الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 والمؤرخ بتاريخ 29 جويلية الجاري والمتعلق برفع الحصانة عن أعضاء مجلس نواب الشعب". 
لم يكن ياسين العياري النائب الوحيد الذي تم إيقافه، إذ تلاه كل من النائبين عن ائتلاف الكرامة، ماهر زيد في نفس اليوم، ثم محمد العفاس في اليوم الموالي. وتم إطلاق سراح زيد بعد يوم من إيقافه بعد استظهاره بما يفيد كفّ التفتيش عنه في الحكم الصادر ضده بتاريخ 22 مارس 2018 بالدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بمنوبة. 
بعد إيقاف النائب محمد العفاس، نشرت زوجته فيديو على فايسبوك، تحدثت فيه عن اقتحام "فرقة مجهولة" منزلها بوحشية والامتناع عن الاستظهار بما يفيد هوياتهم أو بإذن تفتيش، وأرعبوا الأطفال في المنزل، واقتحموا غرفة الاستحمام دون احترام لطفلة تستحم، حسب ما أفادت به زوجة العفاس. 
ويأتي إيقاف العفاس بموجب بطاقة جلب أصدرها قاضي التحقيق العسكري في حقه فيما يعرف بقضية المطار. 
يذكر أنه في شهر مارس الماضي، شهد مطار تونس قرطاج الدولي، شجارا بين عناصر من أمن المطار ونواب عن "ائتلاف الكرامة"، إثر محاولتهم الدفاع عن مسافرة منعت من مغادرة البلاد لدواعٍ أمنية بموجب الإجراء الأمني "أس 17"، ويتمثل هذا الإجراء في وصم كل من تحوم حوله شبهة علاقة بتنظيمات إرهابية ومنعه من السفر. وعلى إثر ذلك، أذنت النيابة العامة بفتح تحقيق حول ما جرى في المطار. 
من جهة أخرى، تمت بتاريخ 4 أوت المنقضي، الاستجابة لإحدى شكاوى الاتحاد الوطني للمرأة التونسية ضد النائب محمد العفاس من أجل ارتكابه جريمة عنف ضد النساء وذلك على معنى أحكام القانون عدد 58 لسنة 2017 التعلق بمناهضة العنف ضد المرأة وأحكام الفصلين 245 و247 من المجلة الجزائية. 
وبتاريخ 2 أوت 2021، أعلن النائب عن حزب صوت الفلاحين، فيصل التبيني، عن إيقافه على خلفية شكاية تقدمت بها إحدى الأطراف، حسب تعبيره. ويذكر أن إيقاف التبيني تم على خلفية قضية في القذف والسب مرفوعة ضده. 
إيقاف فيصل التبيني تلاه إيقاف النائب عن حزب قلب تونس، الجديدي السبوعي، يوم 5 أوت، على إثر شكايتين تقدم بهما ضدّه والي زغوان، صالح المطيراوي، ليتم الإفراج عنه في اليوم الموالي. وتتعلق الشكاية الأولى التي تقدّم بها الوالي في حقّ النائب بنشر الأخير تدوينة في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" يتهم فيها المطيراوي بتلقي رشاوي بقيمة 800 ألف دينار من أصحاب مؤسسات صناعية مقابل تراجعه عن قرار غلق مؤسساتهم خلال فترة الحجر الشامل، والثانية من أجل التهجم على الوالي في اجتماع بمقر الولاية واتهامه بالفساد.
ومساء الخميس 5 أوت، أعلن والي زغوان صالح المطيراوي عن إسقاط الشكايات التي رفعها ضد النائب الجديدي السبوعي، وذلك إثر إصدار أمر رئاسي بإنهاء تكليفه بمهمة وال على ولاية زغوان. 
ولم تقف مسألة الإيقافات عند هذا الحد، إذ تم يوم أمس الإثنين، الاحتفاظ بالنائب سعيد الجزيري على خلفيّة قضيّة كسر تشميع غرفة البث بإذاعة القرآن الكريم غير القانونية. 
يذكر أن النائب الجزيري قد واصل بثّ إذاعة القران الكريم من منزله بمعدات بثّ مهربة وغير قانونية رغم تنبيهات الهايكا المتكررة. وقد حشد الجزيري أنصاره أمام مقر الهيئة لمحاصرتها وتكفير أعضائها علنا والتحريض ضدهم، مستغلا حصانته في وقت سابق. 

 

مخاوف حقوقية: 

بعد إيقاف النواب، خصوصا مع ما تم تسجيله من تجاوزات في حق بعضهم، تعالت الأصوات، داخليا وخارجيا، للتنديد بما اعتبره البعض تمهيدا لعودة دولة القمع، لا سيما وأن هذه الإيقافات لم تطل سوى معارضي قرارات الرئيس. 
إذ نشرت مجموعة من المحامين، تطلق على نفسها اسم "محامون لحماية الحقوق والحريات"، يوم 2 أوت المنقضي، بيانا نددت فيه بـ "الانتهاكات والتجاوزات التي عقبت القرارات اللادستورية المتخذة من قبل رئاسة الجمهورية يوم 25 جويلية 2021". كما استنكر البيان "المحاكمات العسكرية للمدنيين" ودعا "إلى إيقاف مثل هذه المحاكمات ذات الطابع السياسي والاستثنائيـة التي تذكّر التونسيين بالمحاكمات السياسية أمام محاكم استثنائية والتي استعملها النظام السابق لتصفية خصومه السياسيين". 
فيما قال القاضي السابق أحمد صواب في تصريح للجزيرة نت إن الاعتقالات الجارية هي "بداية لدكتاتورية جديدة، خاصة أن القضاء لم يحرك ساكنا حيال المس بالدستور وتعليق العمل به، وترؤس رئيس الجمهورية قيس سعيد النيابة العامة، وغياب وزارة العدل". 
من جانب آخر، عبرت عديد المنظمات الحقوقية الوطنية والأجنبية على قلقها من الإيقافات التي لا تحترم حقوق الإنسان، على غرار الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان والفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية. كما قال إريك غولدستين، مدير منظمة هيومن رايتس ووتش لشمال إفريقيا، في بيان إن اعتقال ياسين العياري "يؤكد ما كان يُخشى منه أن الرئيس سعيد قد يستخدم سلطاته غير العادية ضد معارضيه". 
أحزاب وشخصيات سياسية نددت بدورها بإيقاف النواب، فقد أعرب حزب الحراك بزعامة الرئيس السابق المنصف المرزوقي في بيان عن "قلقه العميق". وندد الحزب بما اعتبره "انزلاقا نحو تصفية حساب سياسي وقمعا للحريات، بخلاف الضمانات التي أعطاها رئيس الدولة". 
كما عبر النائب عن الكتلة الديمقراطية هشام العجبوني عن رفضه لأي "شكل من أشكال استعراض القوة وترهيب العائلات والأطفال في الإيقافات". وقال العجبوني أن كل "ما يشاع حول وجود انتهاكات وتعسف في تطبيق القانون وعند الإيقافات يسيئ إلى قيس سعيد بالدرجة الأولى"، مشددا أن "سعيد ليس إلها حتى لا يتم انتقاده ولكل تونسي الحق في التعبير عن رأيه بكل حرية". 
أما الناشط السياسي، عدنان منصر، فقد كتب تدوينة على صفحته على فايسبوك، قال فيها إن "الطريقة التي يتم بها تنفيذ الإعتقالات في صفوف بعض النواب هي إهانة مزدوجة لحقوق الإنسان وللقضاء في الوقت نفسه. هناك تشفٍّ واضح، هذا لا ينبغي أن يكون موضوع نقاش. الطريقة التي يتم بها إيداع القضايا، خارج التوقيت الإداري، والسرعة التي يتم بها إصدار بطاقات الجلب والإيداع، تدل على أن نفس الريح لا تزال تهب على السلطتين التنفيذية والقضائية: الأقوى هو من يقرر إذا كان القانون سيطبق أم لا، وعلى من سيطبق، وكيف سيطبق". 
من جانبه، قال المحلل السياسي صلاح الدين جورشي لوكالة "فرانس برس" إن التوقيفات الأخيرة "تشكل خطأ استراتيجيا" و "لا تنسجم مع خطاب الرئيس"، مضيفا: "توقع الجميع أن يبدأ بملفات الفساد الخطرة وأن يخوض معركة مباشرة ضد أحزاب معروفة، لكن هذه التوقيفات الأخيرة شملت معارضين". 
وفي ظل هذه الانتقادات والاتهامات، قال قيس سعيد أنه "لا خوف على حرية التعبير، ولا خوف على حرية التنظّم، وليس في هذه السنّ سأبدأ مرحلة جديدة تقوم على الديكتاتورية. أنا أكره الديكتاتورية وأمقتها"، مشدّدا على أنّ أجهزة الأمن لم تعتقل أحداً من دون وجه حق، وقال "لم نعتقل أحداً إلا إذا كانت عليه قضايا".

baad-rfaa-alhsan-albrlmany-aykafat-alnoab-byn-almshroaay-otsfy-alhsabat.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً