post

بين "الرّصاص المصبوب" و"معركة الفرقان" .. عدوان فشل في إخضاع غزّة

الشرق الأوسط الإثنين 27 ديسمبر 2021

مرآة تونس - هزار الفرشيشي 

تهدئة دامت ستة أشهر تم التوصل إليها بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وبين الاحتلال الإسرائيلي، برعاية مصرية في جوان 2008، أنهاها عدوان عسكري على القطاع، في عملية أطلق عليها الاحتلال تسمية "الرصاص المصبوب"، فيما أسمتها المقاومة "معركة الفرقان" التي دامت 23 يوما مسفرة عن سقوط نحو 1500 شهيد، بينهم 926 مدنياً و412 طفلاً و111 امرأة، وعن دمار هائل في البنية التحتية بغزة، إذ فقد الآلاف بيوتهم وتشرد أكثر من تسعة آلاف شخص ودمّر 34 مرفقا صحيا و67 مدرسة و27 مسجدا. 
حرب أبيدت خلالها عائلات بأسرها، من بينهم عائلة السموني التي استشهد أكثر من 30 نفرا من أفرادها، وقد أوردت وكالة الصّحافة الفرنسية صورا لكتابات ورسوم خلفها جنود الاحتلال وراءهم على جدران بيت عائلة السموني المنكوبة، تحمل شعارات كراهية ومعاداة للعرب وللفلسطينيين. 
وسبق "معركة الفرقان" عملية خرق بها الاحتلال التهدئة يوم 4 نوفمبر من نفس السّنة، حيث نفذ عملية استهدفت ستة من كوادر حركة حماس، مما أدى إلى استشهادهم جميعا، غير أن المقاومة الفلسطينية تحلّت بضبط النفس وآثرت تواصل التهدئة. 

أسلحة محرّمة دوليا 

حرب استخدم خلالها الاحتلال عددا من الأسلحة المحرمة دوليا في مقدمتها اليورانيوم المنضب، حيث تمّ اكتشاف آثار التعرض لمادة اليورانيوم المخفف لدى أجساد بعض الضحايا، كما اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" سلطات الاحتلال باستخدام الفسفوري الأبيض.
واستهدفت، خلال أكثر من ثلاثة أسابيع من الحرب، كل المرافق الحيوية في قطاع غزّة كالمستشفيات والمراكز الطبية إضافة إلى المدارس والمساجد ومراكز وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وقد شهدت إحدى مدارس الأونروا الواقعة في جباليا شمال القطاع مجزرة في السّادس من جانفي 2009 مجزرة باستعمال قنابل الفسفور الأبيض الحارقة، وهي مدرسة الفاخورة، مما أدى إلى حصيلة 41 شهيدا من المدنيّين وإصابة العديد بجروح وحروق. 
هذا واستخدمت مدارس الوكالة الأمميّة كملاجئ للهاربين من القصف، وقد سبق أن سلّمت الأونروا إحداثيات مدارسها في غزّة إلى الجيش الإسرائيلي لتجنّب قصفها خلال الحروب. 
كما استهدف الاحتلال الجامعات وقصفت مباني الجامعة الإسلامية في غزة، وتحديدا مباني المختبرات العلمية والهندسية بالجامعة، حيث ادّعى الاحتلال أنها تستخدم لصناعة وتطوير الأسلحة والصواريخ فعمل على تدميرها. 


وفي تغطيتها أيّام الحرب، ذكرت صحيفة "تايمز" البريطانية أن أكثر من خمسين شخصا يعانون حروقا سببتها مادة غامضة وصلوا مستشفى ناصر جنوبي مدينة خان يونس، ونقلت الصّحيفة عن مدير المستشفى، يوسف أبو الريش، قوله إنّ "تلك الحروق ناجمة عن تعرض هؤلاء الضحايا للفوسفور الأبيض". كما قالت الصحيفة إن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نفى لها نفيا قاطعا استخدام قواته الفوسفور الأبيض، لكن مكتب نفس المتحدث رد لاحقا على هذه الاتهامات قائلا "ليس من سياستنا تحديد تفاصيل ما يجري في عملياتنا العسكرية ولا تحديد ماهية الأسلحة التي نستخدمها وإن كانت لا تخرج عن إطار القانون الدولي". 
ويعتبر الفوسفور الأبيض من الأسلحة المحرقة التي ينظّم البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية استخدامها، إذ يعرّفها بأنّها "أيّ سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف". 
وإسرائيل دولة طرف في اتفاقية الأسلحة التقليدية لكن ليست طرفا في البروتوكول الثالث. إلا أنه ورد في دليل الجيش الإسرائيلي لعام 1998: "ليست الأسلحة المحرقة محظورة، إلا أنه بسبب مجال تغطيتها الواسع، فهذا البروتوكول الخاص باتفاقية الأسلحة التقليدية يقصد حماية المدنيين ويمنع استهداف مراكز تجمع السكان بالأسلحة المحرقة. كما أنه من المحظور مهاجمة هدف عسكري يقع في تجمع للمدنيين باستخدام الأسلحة المحرقة. ولا يحظر البروتوكول استخدام هذه الأسلحة أثناء القتال (على سبيل المثال، أثناء استهداف المخابئ الخرسانية بالنيران لإخراج المقاتلين منها). 

أبرز محطّات معركة الفرقان 

صبيحة السّابع والعشرين من ديسمبر سنة 2008، أمطرت نحو 80 طائرة سماء قطاع غزّة بعشرات الغارات الجويّة خلال وقت قصير، مستهدفة أساسا الأحياء السكنية ومراكز عسكرية وأمنية وشرطية تابعة لحركة حماس، فقامت المقاومة بالرّد وتوالى سقوط الصّواريخ على المستوطنات. في اليوم الموالي، أعلنت الإذاعة الإسرائيلية سقوط أكثر من ستين صاروخا فلسطينيا منذ بدء العدوان، قائلة إنّ فصائل المقاومة استخدمت صواريخ ذات مدى بعيد "وصلت لمناطق لم تصلها من قبل". 
يوم غرّة جانفي 2009، استهدفت غارة للطيران الحربي الإسرائيلي منزل القيادي في حركة حماس، نزار ريان، بمخيم جباليا ما أدّى إلى استشهاده رفقة 15 من أفراد عائلته، فيما أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، قصف القاعدة الجوية الإسرائيلية "حتسريم" لأول مرة بصاروخ "غراد" مطور. 
يوم 2 جانفي، انتفضت جماهير العالم الحرّ رفضا للعدوان على غزّة ودعما لضحايا الحرب فجابت المظاهرات عواصم العالم، لتبدأ العملية البريّة لجيش الاحتلال في اليوم الموالي. حيث توغلت آليات الاحتلال على تخوم قطاع غزة في محاولة لفصل القطاع لعدة أجزاء، الأمر الذي لم ينجح بشكل كامل إذ اصطدم بالمقاومة العنيفة التي كانت تدور على جبهات القتال المختلفة.
عشرة أيّام على انطلاق الحرب على غزّة، أعلنت بعدها كتائب القسّام عن وقوع قوة إسرائيلية خاصة في كمين وإسقاط طائرة إسرائيلية من دون طيار. ووجّه الاحتلال اتهامات إلى الأونروا بأنّ مسلحين فلسطينيين يستخدمون منشآتها في الحرب، فيما نفى الناطق باسم الوكالة، عدنان أبو حسنة، هذه الاتهامات يوم 7 جانفي، اليوم الّذي دعا فيه مجلس حقوق الإنسان في جنيف  إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة انتهاكات حقوق الإنسان والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. 
وتزامنا مع بدء الحرب البرية على قطاع غزة، ومن أجل التفاوض حول وقف إطلاق النار، طلبت السلطات المصرية من حركة حماس إرسال وفد يمثلها إلى القاهرة عبر معبر رفح، وذلك إثر مبادرة أطلقها الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، وذلك في إطار السّعي إلى ممارسة ضغوط جديدة على الحركة آنذاك للقبول بهذه المبادرة، لكنّ المقاومة رفضت هذه المبادرة لقوة موقفها في الميدان آنذاك.


في التّاسع من جانفي، تبنّى مجلس الأمن قرارا يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وانسحاب القوات الإسرائيلية وإعادة فتح معابر القطاع، ليوجّه وزير الدّفاع الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، يوما بعد ذلك أي في العاشر من جانفي، أوامر إلى الجيش بتوسيع العملية العسكرية في غزة، فيما أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، كلمة له أنّ "العدوان الصهيوني على قطاع غزة فشل ولم يحقق أهدافه". 
يوم 12 جانفي، أعلن القسّام أسر جنديّ إسرائيل، فيما تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بإدانة العدوان على القطاع، متّهما الاحتلال بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ونصّ القرار على تشكيل لجنة تقصي حقائق في الانتهاكات الإسرائيلية. وتواصلت غارات جيش الاحتلال على قطاع غزّة، لتعلن حماس يوم 15 جانفي عن استشهاد وزير الدّاخلية، سعيد صيّام، رفقة شقيقه وستّة آخرين.
في السّابع عشر من نفس الشّهر، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، تصويت المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية لصالح ما سمّاه "وقف إطلاق النار في غزة من جانب واحد". في اليوم التّالي، أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية موافقتها على وقف إطلاق النار الذي أعلنه الاحتلال، وأمهلته أسبوعا لسحب قواته من المناطق التي احتلها في قطاع غزة، كما طالبت بفتح جميع المعابر والممرات لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والاحتياجات اللازمة للشعب الفلسطيني في القطاع. 
وبعد 23 يوما من انطلاق العدوان على غزّة، أنهى جيش الاحتلال، يوم 21 جانفي 2008، انسحابه وعاد الهدوء إلى القطاع. 

أهداف في مهبّ الرّيح 

حدّد الاحتلال مجموعة من الأهداف بإعلانه الحرب على قطاع غزة منها المعلن ومنها الخفيّ، فأعلن عن ثلاثة منها كالآتي: وقف إطلاق الصواريخ من غزة، القضاء على حكومة إسماعيل هنية، وتحرير الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، من الأسر. 
وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من المقاومة العنيفة ومن الصّمود في وجه العدوان، انسحبت القوات الإسرائيلية دون التمكن من بسط سيطرتها على القطاع والقضاء على المقاومة فيه لتسجّل خسائر فادحة. وقد أعلنت المقاومة عن حصيلة الحرب بعد انتهائها، حيث تمثّلت في التصدي للدبابات والآليات الإسرائيلية التي توغلت في القطاع بـ 98 قذيفة وصاروخاً مضاداً للآليات، وتفجير 79 عبوة ناسفة في الجنود والآليات المتوغلة. إضافة إلى تنفيذ 53 عملية قنص لجنود وتنفيذ 12 كمينا محكما في مناطق التوغل. كما أعلنت الحركة تنفيذ عمليتي أسر لجنود إسرائيليين خلال المعارك، علاوة على "تنفيذ عملية استشهادية تفجيرية" ضد جيش الاحتلال. 
من جهة أخرى، لم ينجح الاحتلال في استعادة الجندي المعتقل شاليط، الّذي تمّ استبداله، سنة 2011 بعد نحو خمس سنوات من أسره، بـ 1027 أسيرا فلسطينيا، في أضخم عمليّة تبادل للأسرى في تاريخ الصّراع العربي الإسرائيلي، "صفقة وفاء الأحرار". 
 

galleries/معرك-الفرقان.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً