post

تجاهل وتركيع للإعلام التونسي.. ما سرّ علاقة سعيّد بـ"سكاي نيوز"؟

تونس الإثنين 13 سبتمبر 2021

مرآة تونس – جليلة فرج

غموض، ارتباك، تجاهل، تعتيم، عدم الاعتراف بالتونسي، تحيّز للأجنبي.. هكذا تدرّجت مواقف رئيس الجمهورية قيس سعيّد تجاه إعلام بلاده الذي قاطعه منذ حملته الانتخابية وخاصة بعد فوزه بالرئاسة.

واعتمد سعيّد أسلوب التعتيم والخطاب المُبهم، وما زاد الطين بلّة، هو غياب خطة ناطق رسمي باسم رئاسة الجمهورية لتقديم المعطيات الضرورية.

ومن غير العادي مقاطعة سعيد للإعلام التونسي، حتى أضحى الصحفيون يهرسلون من قبل قرطاج من أجل الحصول على المعلومات الواضحة، وباتت وسائل الإعلام المحلية تحلّل خطب رئيسنا من منصات أجنبية حتى تضمن للمواطنين حقّهم في المعلومة بشأن تصريحات رئيس بلادهم، وهي التي من المفروض أن يكون لها دور كبير ومهمّ في إنارة الرأي العام.

صعوبة التعامل مع قرطاج

ورغم أن الكثيرين اعتبروا أن محاولة التعتيم التي يعتمدها ساكن قرطاج هي تكريس لغياب الشفافية في البلاد، وطالبوا سعيّد بوضع خطة اتصالية واضحة للتواصل مع وسائل الإعلام تضمن للشعب حق الحصول على المعلومة بطريقة واضحة، إلا أن الرئاسة لم ولن تستجيب واتبعت ما جاء في بيت الشعر "لقد أسمعت لو ناديت حيّا.. ولكن لا حياة لمن تنادي". وأصبحت وسائل الإعلام المحلية تكتفي فقط بنقل التصريحات ونشر البيانات كما هي، دون تفسير أو تحرّ أو إضافة.

فالرئيس اختار أن لا يحاور الصحافيين ولا يلتقي بهم ولم يكلّف نفسه عناء الجلوس معهم ليشرح ماذا سيفعل، ولماذا فعل ما فعل، ولا يسمح بطرح الأسئلة عليه أو مناقشته.

ولكن المتابع للشأن الوطني، يلاحظ أن تعامل الرئاسة مع الإعلام كان غامضا منذ الأيام الأولى لوصول سعيّد لكرسي الحكم، ما جعل نقابة الصحفيين التونسيين تضم رئاسة الجمهورية في تقريرها عن أعداء حرية الإعلام في تونس، كما ندّدت منظمة مراسلون بلا حدود بتعامل الرئاسة الفوقي مع الصحفيين وتعطيلات الولوج إلى المعلومات ما سبّب بشكل أو بآخر، في تراجع حرية الصحافة في تونس.

ولا ننسى أن سعيّد قاطع خلال حملته الانتخابية، الإعلام ولم يظهر إلا في المناظرة التلفزيونية، في محاولة لإبعاد شبهة معاداة الإعلام المحلي عنه، لكنه عاد إلى نهجه بعد وصوله إلى قصر قرطاج، حيث لم يعقد مؤتمرا صحفيا واحدا منذ وصوله إلى قصر قرطاج، وكان له حوار يتيم على القناة الوطنية.

فالصحافيون لازالوا إلى اليوم يعانون العديد من مشاكل في تعاملهم مع قصر قرطاج وذلك من حيث النفاذ إلى المعلومة وعدم الشفافية. وككلّ مرّة عندما يجد الإعلام التونسي نفسه وجها لوجه مع الرئيس في زيارته لبعض المناطق أو الأماكن، يتم إبعاد الصحفيين على بعد أمتار عنه، ليبدأ هو في إلقاء خطاباته ومحاضراته دون الاستماع لأسئلة الصحفيين.

إخضاع الإعلام وتركيع أغلبه

وبعد الالتفاف على السلط الثلاث، أراد الرئيس تركيع السلطة الرابعة وإخضاعها لإملاءاته، حتى أصبحت بعض وسائل الإعلام التونسية موالية له ودخلت بيت الطاعة وعادت حليمة إلى عادتها القديمة وصارت أغلب وسائل الإعلام بوق دعاية ومديح للرئيس بغض النظر إلى كان المحتوي والمضمون صحيحا أم كاذبا.

وبعد أن كانت في خدمة المواطن، أصبحت التلفزة الوطنية في خدمة رئاسة الجمهورية وصارت نشرة الأنباء واجهة لأنشطة الرئيس. ولا ننسى أن سعيّد قرّر إعفاء مدير التلفزة التونسية من مهامه، على خلفية تصريحه لحقوقيين بوجود ضغوطات من خارج المؤسسة لفرض رقابة مسبقة على ضيوف البرامج الحوارية.

ويذكر أن سعيّد كان هدّد قبل يوم 25 جويلية بمعاقبة المسؤولين عن ترتيب نشاطه بعد خبر عن تجميع جلود أضاحي العيد. وبعد ضغوطات وانتقادات وجهها سعيّد لأداء قسم الأخبار في التلفزة الوطنية، رغبة جامحة منه في تغطية أخباره وإنجازاته، مثلما علّق البعض، قدّم مدير الأخبار في التلفزة الوطنية عماد بربورة، استقالته بعد أكثر من 25 سنة في خدمة أخبار التلفزة التونسية. وجاءت هذه الاستقالة مثلما أكّد عدد من المهتمين بالشأن التونسي، على خلفية ضغوطات مارسها سعيّد وانتقادات لأداء قسم الأخبار، حتى صارت نشرة الأخبار فاقدة للقيمة الإخبارية بل أصبحت ترصد النشاط الرئاسي وتعيد المضامين الاتصالية المنشورة على صفحة رئاسة الجمهورية لا غير.

سرّ علاقة سعيد بسكاي نيوز

في الوقت الذي يتجاهل فيه سعيّد الإعلام التونسي رغم تركيعه لمعظمه، نلاحظ توطد علاقته مع قناة سكاي نيوز. فما علاقة رئيسنا بهذه القناة الإماراتية؟ ولماذا يوليها دون غيرها اعتبارا ومكانة خاصة؟

في كلّ تنقلاته وزياراته، وفي كلّ جولاته في شارع الحبيب بورقيبة، إلا وكانت سكاي نيوز الإماراتية في انتظار الرئيس سعيّد، وهو ما يؤكد وجود تنسيق بين هذه المحطة التلفزية ورئاسة الجمهورية، لتكون كلّ التصريحات الحصرية لفائدتها. وهذا الأمر فسّره البعض بأن سعيّد يجد في الهروب إلى قناة تطرح عليه أسئلة على مقاس أهوائه، وتخرج أجوبته في شكل خطاب "ثوري" يدغدغ عاطفة المتلقي، ولكن هذا التعامل وصفه البعض الآخر بـ"الضرب الواضح لحرية العمل الصحفي وحقّ التونسيين في الحصول على المعلومة".

واختيار سعيّد مخاطبة شعبه في كل مرّة عن طريق هذه الوسيلة الإعلامية الأجنبية، ربما يشعره في داخله أن سكاي نيوز ذات فضل عليه، وأنها الوحيدة التي ستوصل صوته إلى جمهوره. وهذا اللجوء إلى سكاي نيوز واعتمادها المنبر الذي يمنحه التصريحات المهمة، فيه نوع من الاعتراف أو ردّ الجميل لمن ساند ودعم نهجه وتوجّهه. والمتتبع للأحداث في تونس منذ تولّي سعيد الحكم، لا يجد غرابة في أن الإعلام الإماراتي هو الداعم الأول لقرارات سعيّد.

واقتداء به، اختار مستشار الرئيس وليد الحجام قناة سكاي نيوز لإعلان ما ينوي سعيّد القيام به في الفترة القادمة، وذلك في تجاهل تامّ للصحافة التونسية.  فلماذا لا تستعين رئاسة الجمهورية بالمنابر الإعلامية المحلية للإعلان عن خارطة الطريق التي ينوي سعيّد تطبيقها؟ أليس من حقّ التونسيّين أن يتوجّه إليهم رئيسهم بخطاب يوضّح فيه رؤيته واستراتيجيته المستقبلية؟ لماذا هذا التجاهل للإعلام التونسي والتوجّه نحو الإعلام الأجنبي؟

عدد من السياسيين والمختصين استنكروا ظهور الرئيس ومستشاره في قناة سكاي نيوز، حيث استنكر نقيب الصحفيّين محمد ياسين الجلاصي عدم توجّه مستشار الرئيس لوسائل الإعلام التونسية على غرار التلفزة الوطنية أو وكالة تونس إفريقيا للأنباء ليُفصح عن رؤية سعيّد المقبلة لبناء مسار البلاد وتوجّهه لوسائل إعلام أجنبية.

وفي مرّات كثيرة، يندّد سعيّد بالاستقواء بالأجنبي، ولكن في نفس الوقت، يسمح لنفسه ولمستشاره الإعلامي بتقديم حوارات وتصريحات لقناة أجنبية ويُعلن فيها عن مستقبل تونس ونواياه. حتى أصبحت هذه الوسيلة الإعلامية الأجنبية تعلم بما يحدث في تونس وما ينوي الرئيس القيام به في المستقبل، قبل أن يعلم التونسيون بذلك، فها هي سكاي نيوز تأتينا مرّة أخرى بالحصري والجديد وتعلن عن أسماء مرشحي رئاسة الحكومة نقلا عن مصدر مهم في قرطاج. فمتى ستنتهي الإساءة للإعلام التونسي وإهانة الصحفيين والإعلاميين؟

 

 

galleries/تجاهل-وتركع-للعلام-التونس-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً