post

تواصل تقليص الدعم.. لماذا يتمّ الزجّ بملايين المصريين في مستنقع الفقر؟

اقتصاد وأعمال السبت 25 ديسمبر 2021

تواصل الحكومة المصرية سياساتها الهادفة إلى رفع الدعم الموجه للفقراء ومحدودي الدخل من أجل تخفيف أزمتها المالية، وفي المقابل زادت مخصصات الإنفاق على المشروعات التي تهم الأثرياء، الأمر الذي يدفع نحو الزج بملايين جدد إلى مستنقع الفقر.

وفاجأ الرئيس، عبد الفتاح السيسي، المصريين، بحذف الملايين من بطاقات دعم السلع التموينية، بعدما كلف الحكومة عدم إصدار بطاقات جديدة نهائياً، واقتصار المستفيدين من بطاقات التموين الحالية على فردين بحد أقصى، وحذف باقي أفراد الأسرة، بحجة عدم قدرة الدولة "الحكومة"، على صرف المزيد من الدعم.

قرار مفاجئ، لكنه في نفس الوقت متوقع وسط إجراءات وسياسات رفع الدعم عن السلع والمنتجات على مدار السنوات الماضية، ضمن برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار مدته 3 سنوات وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي في عام 2016.

وكانت البداية مع تقليص دعم الوقود كبند رئيسي في اتفاقية صندوق النقد الدولي، على أن تتوالى متتالية رفع أسعار النقل والمنتجات الغذائية والخبز وسلع أخرى، وهو ما يزيد الضغوط الاقتصادية على المصريين الذين عاشوا بالفعل بضع سنوات في تقشف.

وحاليًا تطبق مصر آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية بشكل ربع سنوي منذ الانتهاء من تحرير أسعار أغلب هذه المواد في جويلية 2019، حيث يتم تحديد الأسعار بناءً على تطور الأسعار العالمية للبترول الخام وأيضا التغير في سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية في الشهور الثلاثة السابقة على قرار التسعير، وأيضا أحيانا تسهم التوقعات بشأن الأسعار العالمية في القرار أيضا. ثم تبع رفع الدعم عن الوقود، رفع دعم باقي مشتقات الطاقة الذي كان يشكل ما يصل إلى 20 بالمئة من الميزانية الحكومية في السنوات القليلة الماضية.

ثم أثار الرئيس المصري في أوت الماضي، الجدل حول الفارق في الأسعار، إذ قال "إنه لا يعقل أن يكون عشرون رغيفاً بثمن سيجارة واحدة". وأوضح السيسي أن عزمه خفض الدعم عن الخبز يأتي للمساعدة في وفاء الحكومة بالتزاماتها ودعم التغذية المدرسية للأطفال.

وقال الرئيس المصري إن الزيادة المقترحة في سعر رغيف الخبز المدعم لن تصل إلى التكلفة الفعلية التي تتراوح كما قال بين 60 و65 قرشاً، وإنما ستكون "الزيادة معقولة". ولا تزال الحكومة المصرية تدرس قرار زيادة سعر رغيف العيش، ومن المتوقع أن يصدر القرار قريبًا.

وبالتالي أثار السيسي الجدل مجددًا، بقرارته عن رفع دعم السلع وتقليص بطاقات التموين المدعم. وبلغت قيمة إنفاق الدولة المصرية على الدعم نحو 1.6 تريليون جنيه (102.432 مليار دولار) خلال 10 سنوات، قفز إجمالي دعم السلع التموينية إلى 420 مليار جنيه (26.888 مليار دولار) خلال السنوات الخمس الماضية، بواقع 84 مليار جنيه (5.377 مليارات دولار) سنوياً، وفق البيانات الرسمية.

وتتضمن موازنة العام الحالي تخصيص نحو 321 مليار جنيه (20.550 مليار دولار) للدعم، منها 87.2 مليار جنيه (5.582 مليارات دولار) لدعم السلع التموينية بما يوازي 27 في المئة من إجمالي مخصصات بند الدعم.

ويستحوذ الخبز المدعم على نحو 50.6 مليار جنيه (3.239 مليارات دولار) توازي نحو 64% من إجمالي مخصصات دعم السلع التموينية. ويدفع المواطن 5 قروش مقابل كل رغيف يحصل عليه مقابل تحمّل الدولة 55 قرشاً عن كل رغيف يتم صرفه للمواطن، حسب بيانات حكومية. كما توجد في مصر نحو 23.179 مليون بطاقة خبز يستفيد منها نحو 71.479 مليون مستفيد.

وحسب خبراء اقتصاد، فإن نصف عدد السكان في مصر تقريباً يقبعون تحت خط الفقر، نتيجة سياسات الحكومة الاقتصادية، التي لم تضع محدودي الدخل ضمن أولوياتها، ورضخت إلى تعليمات صندوق النقد بشأن تقليص الدعم، وتحرير أسعار الوقود والكهرباء نهائياً، وخفض أعداد الموظفين الحكوميين، ما أدى إلى إنتاج مزيد من الفقراء.

وفي المقابل، اتجهت نحو مشروعات عملاقة تهم الأثرياء وليس لها أي مردود على المواطن، مثل مشروعات العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وغيرها.

ويمتلك الجيش 51% من شركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية" المشرفة على تنفيذ المشروع، الذي يقع في قلب الصحراء على بعد 45 كيلومتراً شرق العاصمة القاهرة، وبلغت تكلفة المرحلة الأولى منه نحو 300 مليار جنيه (19 مليار دولار تقريباً)، مقابل 49% لهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان المصرية.

وكانت مظاهرات مناوئة للسيسي شهدتها مناطق مصرية عدة في سبتمبر 2019، رفضاً لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، أجبرت وزارة التموين على إعادة مليون و800 ألف مستبعد إلى بطاقات صرف السلع التموينية، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس المصري الذي طالته فضائح فساد آنذاك تتعلق ببناء قصور فخمة تتكلف المليارات من الجنيهات، بينما يعاني ملايين المصريين من الفقر المدقع.

وقال وزير التموين علي المصيلحي، أمام مجلس النواب، في وقت سابق، إن عدد المستفيدين من بطاقات الدعم التموينية انخفض من 81 مليون مواطن إلى 64 مليوناً، بواقع 50 جنيهاً للفرد شهرياً (يحصل المواطن على سلع غذائية بقيمتها). وأشار إلى أن 62% من إجمالي عدد المصريين، البالغ حالياً نحو 102.5 مليون نسمة، ما زالوا يتمتعون بدعم التموين، مقابل 68% تقريباً من السكان يتمتعون بدعم الخبز.

وتراجعت مخصصات دعم السلع التموينية في الموازنة المصرية للعام المالي 2021-2022 إلى 87 ملياراً و222 مليون جنيه، ودعم المواد البترولية إلى 18 ملياراً و411 مليون جنيه، ودعم التأمين الصحي والأدوية إلى 3 مليارات و721 مليون جنيه، في إطار خطة الحكومة الرامية إلى إلغاء مخصصات الدعم بصورة تدريجية في الموازنة العامة، استجابة منها لتعليمات صندوق النقد والمؤسسات الدولية المانحة للقروض الخارجية.

ورغم خلو موازنة مصر من أي مخصصات لدعم الكهرباء في العامين الماليين 2020-2021 و2021-2022، ومن قبل خفضها من 16 مليار جنيه في العام 2018-2019 إلى 4 مليارات فقط في العام 2019-2020، إلا أن الحكومة المصرية أعلنت عن استمرار الزيادة السنوية في أسعار الكهرباء حتى العام 2024-2025، بما يعني تحقيق أرباح من بيعها للمواطنين بعد تحرير الدعم عنها نهائياً.

ويشار إلى أن "المجلس القومي للأجور" في مصر، برئاسة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، أعلن بدء تطبيق الحد الأدنى للأجور في مؤسسات القطاع الخاص لأول مرة، اعتباراً من 1 جانفي المقبل، وذلك بواقع 2400 جنيه شهرياً، أي ما يعادل 152 دولاراً تقريباً.

ووافق المجلس، في اجتماع له، على تحديد قيمة العلاوة الدورية السنوية بـ3% فقط من الأجر التأميني، بقيمة 70 جنيهاً كحد أدنى، وتطبيقها على جميع منشآت القطاع الخاص بشكل متوازن، وفقاً للعام المالي المحاسبي لكل منشأة.

ويذكر أن حد الفقر عالميا يبلغ 3.2 دولارات للفرد في اليوم، ما يعادل 96 دولاراً شهرياً، أي أن العامل في القطاع الخاص الذي لا يعيل سوى زوجته يحتاج إلى 192 دولاراً شهرياً، وبالتالي فهو لا يزال يقبع تحت خط الفقر، حتى مع الحد الأدنى الجديد للأجور الذي أعلن "المجلس القومي للأجور" عن تطبيقه بداية من الشهر المقبل.

ولا تكشف البيانات الحكومية في مصر عن معدلات الفقر الحقيقية، بينما أعلن سابقاً رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أنها وصلت إلى 29.7% في العام المالي 2019-2020، مقارنة بـ32.5% من إجمالي السكان في العام المالي 2017-2018.

ولكن خبراء اقتصاد يؤكدون أن النسبة الحقيقية للفقر تتجاوز 55% في مصر، في ظل الغلاء المستمر مع فرض زيادات متواصلة على أسعار السلع والخدمات والضرائب، علماً أن وباء كورونا زاد من تعقيدات الوضع، خصوصاً للعاملين في القطاع غير الرسمي البالغ عددهم نحو 4 ملايين شخص، والذين فقدوا (أو باتوا مهددين) بفقدان أعمالهم.

سوق-ف-مصر-1.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً