post

تونس ما بعد 25 جويلية.. أزمات داخلية تنعكس على العلاقة مع دول الجوار

تونس الأحد 29 أوت 2021

إلى اليوم يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضا ثورات أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها. وكانت علاقة تونس بدول الجوار متميّزة رغم الوضع الأمني في تونس منذ الثورة. ولكن وبعد ما حصل منذ يوم 25 جويلية الماضي من إجراءات استثنائية اعتبرها البعض أنها انقلاب على الدستور وعلى الديمقراطية في حين أيّدها البعض الآخر، كثرت الإشاعات والاتهامات لدول شقيقة بالتدخل في تونس، ولم تمر الاتهامات التي صدرت مؤخرا من بعض الأطراف التونسية دون تداعيات على علاقات تونس بدول الجوار وخاصة ما وقع مع الجارة ليبيا. فبعد افتعال أزمة وهمية مع الشقيقة ليبيا، وبعد رسائل الجزائر المتكرّرة لتونس، إلى أين تتجه الأمور؟

العلاقة بين تونس وليبيا

تجنّد عدد من الإعلاميين والمحللين والـ"كرونيكارات" التونسيين ليعلّقوا وينبّهوا ويهدّدوا ويتوعّدوا "100 إرهابيا تدرّبوا في قاعدة الوطية سيهاجمون تونس بتخطيط من تركيا لقتل الرئيس ومن بينهم جماعة من حماس، قادمون للثأر من إزاحة النهضة من الحكم"، ولكن هؤلاء التونسيين نسوا أو تناسوا أن في تونس سبق أن سُحِق إرهابيون أكثر عددا وعدّة في أول مدينة بعد الحدود الليبية التونسية، وذلّت ملحمة بنقردان يوم 7 مارس 2016 راسخة في أذهان الجميع.

وفي المقابل، أكد البعض أن مستقبل علاقاتنا مع ليبيا سيحدّده فقط الرئيس سعيّد، كما سيحدّد علاقتنا ببقية الملفات الإقليمية. وقالوا "لأن ليبيا عمقنا الاستراتيجي كما هي بقية دول الجوار، فلا يمكن السماح بمحاولات بثّ الفتنة بيننا فكلنا سنخسر ونفس الأمر مع الجزائر والمغرب".

وتمّ الترويج لوجود إرهابيين أجانب في قاعدة الوطية الليبية يستعدون لدخول تونس وارتكاب جرائم إرهابية لإرباك الوضع فيها، وفي المقابل نفت وزارة الدّاخلية الليبية، ما تمّ ترويجه من أخبار، بخصوص تسلل حوالي 100 عنصر إرهابي من منطقة الوطية الليبية للهجوم على معتمدية بن قردان الحدودية.

وبعد أن بعثت تونس برسالة إلى مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية (الإنتربول) بخصوص هذا الأمر، قال وزير الداخلية الليبي خالد أحمد التجاني مازن: "أفادنا رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية بأنه أخطر بموجب برقية وردت إليه من إنتربول تونس فحواها توفر معلومات لديهم باعتزام حوالي 100 عنصر إرهابي متواجدين في القاعدة الجوية الوطية التسلل إلى تونس".

وبعد التحقيق والمعاينة، أكّدت وزارة الداخلية الليبية، في برقيّة أرسلتها إلى رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية، قالت فيها: "إنّ الجهات المعنية بالوزارة أجمعت على نفي صحّة تلك المعلومات بالمطلق، باعتبار أن القاعدة الجويّة في الوطية تخضع لسيطرة وزارة الدفاع الليبية، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تكون منطلقا لتنفيذ أي عمليات إرهابية تخريبية من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار ببلادنا أو إلحاق الضرر بدول الجوار".

وقال الناشط الإعلامي نصر الدين السويلمي، على صفحته الرسمية بالفيسبوك: "عندما يروّج إعلام الانقلاب بأن جنوداً أتراكاً يدربون مئات الدواعش في قاعدة الوطية لمهاجمة تونس، فإن النتيجة الحتمية تكون ما قامت به السلطات الليبية التي تشرف على كل ما يتحرك في القاعدة المذكورة، تغلق مباشرة الحدود البرية والبحرية والجوية مع تونس، وتقطع عقود الغذاء والدواء والسلع، وتتوقف عن إرسال المرضى الليبيين للعلاج بالمصحات التونسيّة، ويخسر عشرات الآلاف من أهالينا في الجنوب موارد رزقهم، وتتوقف تركيا عن دعمنا بالمدرعات والمعدات العسكرية والأمنية لمكافحة الإرهاب، ونخسر كل ما حققته زيارة رئيس الحكومة منذ أشهر قليلة إلى طرابلس، ويُفلس الجميع. هذا بعض ما يقترفه الانقلاب في تونس وحق شعبها وحق شركاتنا الوطنيّة وحق جيراننا الكرام، وبعض ما ينتج عن تجميع كل السلطات بيد شخص واحد، هذا ما جنته التبعية".

وكتب الناشط الحقوقي عمار بن عبدالله، على صفحته على الفيسبوك: "اتفقت الحكومة التونسية مع الحكومة الليبية على مشاركة واسعة للشركات التونسية في إعمار ليبيا، ورفضت ليبيا مشاركة الشركات الفرنسية في إعمار ليبيا. واستعملت فرنسا أذرعها في تونس للضغط على ليبيا لتمكين الشركات الفرنسية من حصة في إعمار ليبيا، فتسبّبوا في إغلاق الحدود التونسية الليبية وكلفوا إعلامهم ببث إشاعة الاغتيال بحق الرئيس ووصف الدولة الليبية بالإرهاب".

ووصف الناشط الحقوقي والإعلامي نعيم زروقي بعض محركي وسائل الإعلام بأنهم "مجرمو حرب" أرادوا إفساد علاقة تونس بليبيا ونجحوا في ذلك، وتابع: "بالنسبة إلينا، ليبيا خط أحمر، الشعب التونسي والشعب الليبي شعب واحد".

ولتفادي خلق مشاكل بين البلدين الجارين، أكد وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي في تصريح تلفزي، أن ما يتمّ تداوله بشأن وجود أطراف إرهابية في ليبيا تحاول التسلل إلى تونس لا أساس له من الصحة وهو مجرد أخبار فايسبوكية. وقال وزير الخارجيّة إن الوحدات العسكرية والأمنية من الجانبين التونسي والليبي في حالة يقظة لتأمين حدود البلدين.

ولرأب الصدع بين البلدين الشقيقين، وصل مؤخرا، وفد ليبي رفيع المستوى إلى تونس، يرأسه كل من وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش ووزير الداخلية الليبي خالد مازن. ونفى الجانبان التونسي والليبي الأخبار المتداولة بشأن الأوضاع الأمنية في ليبيا وتسلل إرهابيين إلى تونس، وأكدا أنها مجانبة للصواب والغاية منها  تعكير العلاقات الثنائية.

وتحدّث رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة عن أسباب زيارة وفد حكومي ليبي رفيع إلى تونس مؤخرا، وأوضح أنه تم إرساله للاستفسار حول "التهمة الغريبة"، التي تتعلق بمزاعم تسلل إرهابيين من ليبيا إلى تونس. وقال الدبيبة "الإرهاب قادم إلينا من الخارج ونحن شعب حرّ ولا نقبل اتهامنا بالإرهاب ونسعى لبناء علاقات طيبة مع دول الجوار".

وفي هذا الصدد، قال الديبلوماسي السابق أحمد ونيّس في تصريح صحفي، إن زيارة الوفد الليبي رفيع المستوى إلى تونس طرحت قضايا مهمة جدا، بعد اتهام ليبيا من قبل أطراف ليبية وأجنبية بإضمار العداوة لتونس ورئيس الجمهورية قيس سعيد. واعتبر ونيّس أن المبادرة الليبية جريئة وبناءة وثنائية وتعكس علاقة الثقة الكبيرة بين الدولتين والشعبين. وأضاف أن المبادلات البشرية بين تونس وليبيا حيوية ولا يمكن أن تنقطع، كما أشار إلى أن التهم الموجهة لبعض الجهات الليبية وليس للحكومة الليبية قد تستهدف جزء من النظام في تونس ورئيس الجمهورية والزيارة جاءت لإزالة هذه الترهات، بكل صراحة وجرأة. وأفاد ونيّس بأن إعادة العلاقات لطبيعتها بين تونس وليبيا مهم جدا، وأن سحابة الصيف التي مرّت على العلاقات تمّت تجاوزها، واستعادة الثقة الكاملة. وأضاف أنه من الضروري أن تقدّر تونس أن من مصلحتها ومن مصلحة ليبيا أيضا الحفاظ على المبادلات البشرية والزيارات المتبادلة، لإبقاء العلاقة على درجة من الحيوية في الجنوب التونسي.

علاقة تونس والجزائر

من جهة أخرى، شدّدت الجزائر على تضامنها ودعمها المطلق لتونس في الظروف التي تمرّ بها سياسيا، وتعكس الاتصالات المتتالية للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالرئيس قيس سعيد والزيارات المتكرّرة لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى تونس قلقا جزائريا منذ إعلان سعيد عن جملة من الإجراءات يوم 25 جويلية الماضي، في مقدمتها تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.

وزار وزير الخارجية الجزائري تونس عديد المرات خلال أقل من شهر، إذ أجرى زيارة أولى في السابع والعشرين من جويلية الماضي، وهو أول مسؤول عربي يزور تونس منذ القرارات الاستثنائية للرئيس سعيد، والثانية في الثاني من أوت، والثالثة في الثالث والعشرين من أوت الجاري، التقى خلالها الرئيس قيس سعيد ونظيره التونسي عثمان الجرندي، وبحث معهما تعزيز التعاون بين البلدين والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وفي كل مرّة، يسلم لعمامرة إلى الرئيس سعيّد رسالة شفوية أو مكتوبة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون.

وكان الرئيس الجزائري أول رئيس عربي يهاتف نظيره التونسي بعد تلك القرارات، حيث تطرقا للوضع الراهن في تونس، وبحثا خلالها تطورات الوضع في تونس. وفي الثامن من أوت الجاري أدلى تبون بتصريحات إعلامية عبّر فيها عن القلق الجزائري مما يحدث في تونس. وقال تبون "نحن لا نتدخل في الشأن التونسي الداخلي ولا نفرض عليها أي شيء". وتابع "تونس ماضية نحو الوصول إلى حل لمشاكلها الداخلية"، وأرجع تبون الأزمة الراهنة إلى أن تونس "اختارت نظاما لا يتماشى مع تركيبة العالم الثالث"، لكن ما يحدث يبقى أمرا داخليا، وفق قوله.

وقال وزير خارجية الجزائر "إن المرحلة التاريخية الحساسة التي تشهدها المنطقة وتعدد التحديات يتطلبان المزيد من ترسيخ سنة التنسيق المستمر بين تونس والجزائر خدمة للمصلحة المشتركة للشعبين الشقيقين".

وبدوره، أعرب سعيّد عن الحرص الراسخ على مواصلة التنسيق والتشاور مع الجزائر بخصوص الملفات الثنائية والإقليمية تعزيزا لأمن واستقرار البلدين وللتصدي لكل التهديدات التي تستهدف المنطقة.

القطيعة بين المغرب والجزائر

وخلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء 24 أوت، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة: "قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية ابتداء من اليوم الثلاثاء"، وترك لعمامرة الباب مفتوحا لإعادة العلاقات مجدّدا، بقوله "نأمل أن تستيقظ العقول والقلوب أيضا وأن تعود الأمور إلى ما يجب أن تكون عليه بين دول شقيقة". وعلّق رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني على ذلك بالقول إن "عودة العلاقات بين الجارين المغرب والجزائر هو قدر محتوم وضروري".

واعتبر بعض الخبراء أن موقف تونس الصامت من مما يجري في البلدين الشقيقين مؤسف، حيث اعتبر الديبلوماسي السابق أحمد ونيّس في تصريح صحفي، أن القرار المتعلق بقطع العلاقات الديبلوماسية بين الجزائر والمغرب، خطير ويتجاوز إمكانيات تونس التي لازمت الصمت. وأشار إلى أن ليبيا اتخذت موقفا بطوليا بالدعوة لعقد اجتماع مشترك بين وزراء الخارجية الخمسة للدول المغاربية. وأكد ونيس أن الموقف التونسي الصامت مؤسف، واعتبر أنه من الضروري إيضاح الموقف التونسي والتعبير عن عدم قبول تونس لغلق المسالك الديبلوماسية. ودعا ونيّس الديبلوماسية التونسية إلى القيام بواجباتها حتى تحافظ على موقعها عند الاقتراب من عودة العلاقات بين الأطراف المغاربية المتخالفة.

ووصلت العلاقة بين المغرب والجزائر إلى مرحلة التأزم بعد أن اتهمت الجزائر الرباط بـ"التآمر" مع إسرائيل والتسبب في حرائق، إضافة إلى عملية التجسّس الأخيرة باستخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي. وفي الحقيقة هذا التوتر يخيّم منذ عقود على العلاقات بين الجزائر والمغرب، لكن إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، يأتي في توقيت شديد الحساسية بالنسبة إلى واقع البلدين.

فبعد أقلّ من أسبوع من إعلان الجزائر "إعادة النظر" في علاقاتها مع المغرب الذي تتهمه بالتورّط في الحرائق الهائلة التي اجتاحت شمال شرقي البلاد، تدخل الأزمة بين الدولتين الجارتين منعرجا جديدا إثر قرار الجزائر الأخير قطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب، معللّة موقفها بما وصفتها "أفعالا عدائية" تتهم الرباط بالقيام بها ضدها. ويضاف هذا التصعيد إلى سلسلة توترات شهدتها العلاقات الثنائية منذ عقود. غير أنها ومنذ العام الماضي سجلت تدهورا ملحوظا مع عودة قضية الصحراء الغربية إلى صدارة المشهد عقب سنوات من الهدوء النسبي.

 

 

news/المغرب-العرب.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً