post

جلسة افتراضية للبرلمان في ذكرى ختم الدستور.. هل سيكون لمجلس النواب دور في إنقاذ البلاد؟

تونس الخميس 27 جانفي 2022

انعقدت اليوم الخميس 27 جانفي الجاري، الجلسة العامة الافتراضية لمجلس نواب الشعب، وذلك إحياء للذكرى الثامنة لختم دستور الجمهورية التونسية. وافتتح رئيس البرلمان راشد الغنوشي الجلسة التي تشارك فيها سميرة الشواشي نائبة الرئيس وعدد من النواب.

وقال الغنوشي في كلمته: "إنها لحظة فارقة في تاريخ بلادنا نعيشها وفق ما يقتضيه الأمر من تحمل للمسؤولية تجاه بلادنا وأبناء شعبنا". وأضاف: "في مثل هذا اليوم تم ختم دستور الجمهورية التونسية الذي جاء نتيجة توافق وطني واسع  وعلى إثر تضحيات متراكمة و متواصلة بين الأجيال، عبدتها دماء الشهداء من كل الأعمار والجهات والاتجاهات. ومنذ تلك اللحظة اعتبرنا دستور الثورة خيمة تؤوي كل التونسيين".

الخروج عن الدستور

وتابع: "لقد تم يوم 25 جويلية من السنة المنقضية الانقلاب على هذا المكسب الوطني الكبير وتم تمزيق وحدة التونسيين التي تجلت في دستورهم، واستمر الخروج عن الدستور في كل الممارسات والأوامر التي صدرت عن رئيس الجمهورية. لقد تم تعطيل المؤسسات وإغلاق الهيئات الدستورية من أجل تجميع السلطات في يد شخص واحد وهي لعمري المفسدة المطلقة، فما الذي تحقق بعد ستة أشهر من الانقلاب على الدستور؟".

وقال الغنوشي "أزمة مركبة مالية خانقة بدأت تفرض نفسها في اشكال كثيرة مثل التهاب الاسعار او غياب مواد اساسية، او تأخر الدولة في اداء مرتبات الموظفين والمتقاعدين او تخفيضها فضلا عن العزلة الدولية الخانقة التي تعيشها البلاد، بما صنع وضعا اجتماعيا يتهيأ للانفجار وانقساما يتسع بين ابناء الشعب، تذكيه اعلى سلطة في البلاد، وحالة من الغموض واللايقين".

وأضاف "مقابل كل ذلك اثبت التونسيون وقد استفاقوا من صدمة 7-25 تمسكهم بالدستور وبالديموقراطية وهم مستعدون للتضحية من اجل ترسيخ هذا المطلب والعودة الى ارضية الشرعية الدستورية والعيش المشترك، في وطن موحد، يؤمن بالاختلاف، ويضع الاسس القانونية لحسن ادارته".

وتابع "لقد تمت شيطنة مؤسسة البرلمان بتدبير مسبق من اجل الاستعداد للإجهاز عليه لما يمثله من رمزية ومن توازن بين السلط وكانت سياسة التشفي دليلا اخر على النية المبيتة  فالخلافات والاختلافات امر واقع داخل كل البرلمانات ولو تم تعليق اعمال البرلمانات التي تشقها الخلافات لما بقي من برلمان ديموقراطي واحد في العالم".

احترام الاختلاف

وأوضح رئيس البرلمان أن "احترام الاختلاف وترسيخه هو جوهر العملية الديموقراطية، وتمثل مؤسسة البرلمان اهم المؤسسات الكفيلة بإدارة هذا الاختلاف، لأنها  تعبر عن الارادة العامة للشعب فتعكس ما فيه من تعدد وتنوع واختلاف. وكل الذين يضجرون من المختلف هم ضحايا كيان مستبد يعيش في اعماقهم. وضمن شيطنة مجلس النواب تأتي سياسة اسدال ستار  التعتيم على منجزاته وبخاصة على صعيد ترسيخ الحريات والحقوق الاجتماعية".

وأكد الغنوشي أن "بلادنا تواجه تحديات جساما، ومسؤوليتنا جميعا مواجهة هذه التحديات والتي لا مخرج منها الا بلحمة جماعية وتصميم على مواصلة السير في الطريق الديموقراطي باستكمال مؤسساته الدستورية واحترام استقلال القضاء على قاعدة  فصل السلطات".

وبيّن "أن الذين ادمنوا بث ثقافة الكراهية والتحريض والتقسيم والعداوة والبغضاء وشيطنة المخالف بدل ثقافة المواطنة وحب العمل واداء الواجب، هم يقفون ضد ارادة  الشعب وتوجهه نحو الحرية والمساواة بل هم خطر عليه جاثم".

وأكد ان "ديمقراطيتنا الناشئة تمر بمطبات وصعوبات كبيرة ولكن اصلاحها لا يكون بالانقلاب عليها والذهاب نحو المجهول بل يكون بإصلاحها من داخلها، اذ الديمقراطية تتفوق على جميع الانظمة بقدراتها الذاتية على التجدد والاصلاح، وهو ما يعنى ان الاصلاح الديموقراطي جوهره ضخ مزيد من الديموقراطية وثقافة المواطنة وليس الخروج عنها بالدعوة الى فاشيات جاثمة او شعبويات تائهة او ترتيب استشارات شكلية لتسويغ وتمرير خيارات احادية ارتكاسا بالبلاد الى أسوإ صور الاستبداد، وذلك بديلا عن المطلوب: حوار وطني شامل حول الخيارات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حوار وطني بين مختلف النخب، لا يقصي طرفا، على غرار حوار 2013. ويمكن لهذا المجلس الموقر ان يسهم فيه، وذلك على طريق تنظيم انتخابات عامة نيابية ورئاسية. ان كل  الطرق الدستورية السوية للخروج من الازمة تمر بهذه المؤسسة الموقرة، ولا مناص".

التصدّي للانقلاب

من جهته، اعتبر رئيس كتلة قلب تونس في البرلمان أسامة الخليفي، في مداخلته خلال أشغال الجلسة العامة المنعقد اليوم عن بعد، أنّ "الاعتراف بالأخطاء ضروي"، ودعا الخليفي إلى العمل على مواصلة الحوار للخروج من هذه الأزمة.

وشدّد الخليفي على "ضرورة التصدي للانقلاب" وإبقاء الجلسة العامة المنعقدة اليوم مفتوحة بهدف التصدي للخطر الجاثم الذي يهدّد كيان الدولة من الداخل. وأشار إلى "الفصل 80 من الدستور الذي ينصّ على أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد دائم في ظلّ الإجراءات الاستثنائية".

وبدوره، طالب رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف بمواصلة انعقاد الجلسة العامة للبرلمان تطبيقا لمقتضيات الفصل 80 من الدستور. وقال إن الفصل 80 يحضّر على رئيس الدولة تجميد البرلمان واعتبر أن الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2021 هي ''انقلاب على الديمقراطية''.

وذكّر مخلوف بإقرار ايقاف اشغال المجلس الوطني التأسيسي عقب جرائم الاغتيالات السياسية سنة 2013 واعتبر ذلك ايضا انقلابا على الديمقراطية حينها. وندد بكل السلط واساتذة القانون الذي قال انهم ركبوا في ركاب الانقلاب.

كما دعا جميع المنظمات والجمعيات والنقابات والصحفيين ووسائل الاعلام والهيئات والمؤسسات الدستورية الى النأي بأنفسهم عن مسايرة وتشجيع ما وصفه بالانقلاب الذي سيؤدي حتما الى جريمة تفليس الدولة، وفق تعبيره.

وقال مخلوف إن النظام الحالي يمارس سطوة ممنهجة على السلطة القضائية ولابد أن يتحد الجميع ضده، ودعا الى محاسبة كل من شارك في الانقلاب وفق الأطر الدستورية والقضائية.

إنقاذ البلاد

واقترح النائب المستقل عياض اللومي، ان تبقى الجلسة العامة في حالة انعقاد دائم. ودعا البرلمان الى تركيز اعماله على الاعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. وقال اللومي انه يتساءل دائما هل سيكون للبرلمان دور في إنقاذ البلاد.

ودعا النائب المستقل عصام البرقوقي، المؤسستين العسكرية والأمنية الى الوقوف في صف الشعب التونسي وعدم مساندة رئيس الجمهورية قيس سعيّد. واتهم البرقوقي رئيس الجمهورية بارتكاب "جريمة الخيانة العظمى"، ودعا "المؤسستين الامنية والعسكرية إلى تطبيق القانون في شأنه وإحالته على القضاء".

وفي السياق ذاته، علّق رئيس البرلمان على دعوات البرقوقي، وقال إنّ "البرلمان مؤسسة من مؤسسات الدولة يحرص على احترام القانون ولا يحرّض المؤسسات بقدر ما يدعوها إلى احترام القانون وتطبيقه على الجميع على قدم المساواة".

ودعا النائب راشد الخياري إلى عقد جلسة برلمانية عاجلة لعزل قيس سعيد. واكد ان كل الحسابات الداعمة للانقلاب والتي تشتم البرلمان هي حسابات وهمية تعمل من بنغلاديش ومصر والسعودية .

واكد الخياري انه مستعدّ لتحدي قيس سعيد ومواجهته امام القضاء المدني بعد التخلي عن الحصانة. وقال :"لن اقبل مطلقا مواجهته امام القضاء العسكري لأنه لا يوجد الا في دول الانقلاب". ودعا الخياري القضاة الى التمسك باستقلاليتهم.

الأولى منذ 6 أشهر

وتعتبر هذه الجلسة الأولى منذ أن أغلق رئيس البلاد قيس سعيّد وجمد صلاحياته في 25 جويلية. وتأتي هذه الدعوة لإحياء ذكرى دستور 2014، بعد نحو 6 أشهر من قرار سعيّد تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.

وفي 22 سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان، وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية، والاستحواذ على وظيفة التشريع بواسطة المراسيم الرئاسية.

وشهد البرلمان التونسي منذ وقف أعماله، إغلاقا لمواقع البرلمانيين الرسمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لمنع إمكانية عقد جلسات عامة علنية عن بعد، على القنوات الرسمية للبرلمان، فضلا عن إغلاق المبنى الرسمي للبرلمان من قبل قوات الأمن المدعومة من عناصر من الجيش.

كما شهد البرلمان دعوات إلى عقد جلسة عامة في أكثر من مناسبة من قبل نواب ائتلاف الحكم، احتجاجاً على وقف أعماله من قبل رئيس البلاد عنوة، وتعبيرا عن عدم اعترافهم بقرار التجميد، غير أنّ هذا الخيار لم يحظَ بدعم غالبية الكتل المعارضة.

inbound2420409459919897374.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً