post

حذاء "الزيدي" الذي كسر زجاج البيت الأبيض

الشرق الأوسط الأربعاء 15 سبتمبر 2021

مرآة تونس - هزار الفرشيشي 

"الطّوب أحسن؟ لو مكواري؟".. 
أهزوجة عراقية أطلقت أثناء ثورة العشرين، وهي ثورة كبرى ضد الاحتلال البريطاني، شارك فيها كلّ أبناء الشعب العراقي في كافّة أنحاء البلاد. ويعود أصل الأهزوجة إلى حادثة انتصر فيها "المكوار" على "الطوب". والمكوار هو عصا غليظة تنتهي بكرة صلبة من القير (مادة صلبة من مخلفات النفط الخام) وتستخدم في الريف العراقي للدفاع عن النفس، أما الطوب فهو المدفع باللهجة العراقية. 
يذكر أن الهجوم كان مربكا للجنود البريطانيين، ما دفعهم إلى استخدام المدفع بشكل عشوائي دون أن يكون له تأثير فعّال، إذ كانت أهدافه غالبا تتجاوز خطوط المقاتلين العراقيين. 
وكان أحد الفدائيّين يتربص بالمدفع، فزحف للوصول إليه حاملا سلاحه الوحيد "المكوار"، وعندما اقترب منه هجم عليه وقتل قدّاح المدفع، ثم اعتلى المكوار قائلا قبل قتله: "الطوب أحسن لو مكواري؟". 
حكاية توارثها الشعب العراقي جيلا بعد جيل، وخلّد ذكرى "المكوار" الذي انتصر لكرامة الوطن والشعب –على بدائيّته- أمام "الطوب" على ضخامته. 


ويبدو أن التاريخ أعاد نفسه في العراق، عندما قام الصحفي، منتظر الزّيدي، برشق الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، أمام أنظار العالم بحذائه صارخا في وجهه: "هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي يا كلب!"، وكأنّ لسان حاله يقول "دبّاباتك أحسن؟ لو حذائي؟". 

حدث هزّ الشعوب العربية، بعد سنوات من الغبن والشعور بالانهزامية، وأصبح حديث الرأي العام العربي والعالمي. قال عنه الزيدي في تصريح لـ "مرآة تونس" إنّه أراد أن يعرف العالم أن العراقيين لا يستقبلون المحتل بالورد بل يستقبلونه بالأحذية. 

فبعدما قال بوش إنّ الشعب العراقي سيستقبله بالورود، كان لمنتظر الزيدي رأي آخر، إذ قال لموقعنا: "كنت أبحث عن طريقة مساوية في القوة معاكسة في الاتجاه، أي فكّرت كيف أردّ عليه ردّا لا يمكنه إخفاؤه عن العالم"، مضيفا: "كنت أطارده، وبعد مطاردة طويلة أمسكت بالمجرم ولقّنته درسا يوم 14 ديسمبر 2008". 

توجّه الصحفي العراقي إلى المؤتمر الصحفي المشترك بين بوش ورئيس الوزراء، نوري المالكي، محمّلا بجراح وطن أنهكه الاحتلال، تاركا وراءه وصيّة مسجّلة قائلا فيه: "أنا منتظر الزيدي، صحفي عراقي ابن هذا البلد بكل أطيافه وقومياته، وأحببت أن أمرغ غطرسة هذا المحتل بالتراب، وأنا لست نادما على هذا الشيء ولكنني نادم على تقصيري في حق شعبي وأهلي ووطني"، كما دعا الزيدي إلى تذكره وعدم نسيانه. وعن الوصية، قال منتظر الزيدي: "خشيت إن تم قتلي أن تتبنى ألف جهة الموضوع وتدّعي انتمائي لها".

ارتدى الزيدي حذاء قديما كان يمشي به في كل المنازل العراقية المهدمة خلال عمله الصحفي، ليودّع به جورج بوش. ذاك الحذاء الذي اعتبر الصحفي أنه "مجرد حذاء لا يساوي شيئا، لكن الفعل العراقي من طرف مواطن مظلوم من عامة الشعب باستخدام الحذاء أعطاه هذه القيمة". 


ما إن رشق منتظر الزيدي بوش بفردتي حذائه، حتى انهال عليه الحرس بالضرب واقتادوه خارج قاعة المؤتمر. وبسؤاله عنهم، قال: "لا يمكنني القول إن من اعتدوا عليّ داخل القاعة عراقيون حتى لا أبخس حق الشعب العراقي المقاوم للمحتل والرافض له"، مضيفا أنّهم الأمن التابع للمالكي من أقاربه وأبناء عمومته، قائلا إنّ الدولة كانت تدار بهذا الشكل كالقبيلة. 

بعد إخراجه من قاعة المؤتمر، تم اقتياد الزيدي إلى منزل مهجور داخل المنطقة الخضراء، ليعتقل بصفة غير رسمية مدّة يومين تعرضّ للتعذيب الشّديد خلالهما، ثم اقتيد إلى السجن ليعزل في الحبس الانفرادي طيلة ثلاثة أشهر. وقد تم تعذيب الصحفي المعتقل على يد آمر اللواء الخاص بحماية نوري المالكي الذي تمت ترقيته الآن وأصبح المفتش العام بوزارة الدفاع، حسب الزيدي، الذي صرّح لـ "مرآة تونس" أنه قام برفع قضية عدلية ضدّ معذّبه، قائلا: "رفعت قضية ضده وما ضاع حق وراءه طالب". 

موقف أثار موجة عالية من التأييد الشعبي، لكنّه جوبه باعتراض بعض الإعلاميين الذين رأوا فيه إهانة لمهنة الصحافة قبل أن يكون إهانة لبوش. لكن الزيدي اعتبرها "حجّة الضّعفاء من الإعلام المتخاذل"، إذ يرى أن الصحفي هو إنسان ابن وطنه، ولا توجد قدسية لوظيفة على حساب الوطن والإنسان"، فالصحافة حسب منتظر الزيدي هي "مهنة الأحرار وليست مهنة التجار". 

قضّى الزيدي سنة في السجن بعد أن حوكم في بداية الأمر بثلاث سنوات، وفي مثل هذا اليوم من سنة 2009، غادر المعتقل متّشحا بالعلم العراقي، وهو الذي يعرف نفسه بأنه "مواطن عراقي أعيش على هذه الرقعة الجغرافية وأناضل من أجل العدالة المفقودة فيها". 

وبسؤاله عن مصير الحذاء المثير للجدل، قال الصحفي إنّهم قد قاموا بتمزيقه خشية أن يكون حاملا للمتفجّرات. 

وعن وطنه العراق، قال الزيدي: "العراق خليط متجانس من الأعراق والقوميات والأديان والمذاهب الإسلامية، والفتن الطائفية التي وقعت بين الشيعة والسنة اندثرت، فنحن مسلمون ننطق نفس الشهادتين ونتّجه إلى نفس القبلة، لكن الاختلافات التي بيننا سياسية اختلقها بعض اللصوص حتى يتقاتل الشعب فيما بينه"، مضيفا: "أعتقد أن الشعب العراقي بدأ يعي هذه الفتنة، والبلد الآن في تعاف بعد الثورة التي قمنا بها، تلك الثورة التي أصبحت للشعب كل الشعب. حاولوا كثيرا إعادة شبح الطائفية لكنهم فشلوا". 

ووجّه منتظر الزيدي رسالة إلى أسرى سجن جلبوع قائلا فيها: "قلوبنا معكم، فرحنا فرحا كبيرا بخروجكم، لكننا تألمنا بعودتكم وبخذلان الأمة لكم، ولكن تبقى الأرض فلسطينية وباطنها فلسطيني". 


أمّاعن الوضع في تونس، فقال الصحفي العراقي: "نحن مراقبون له بشدّة منذ بداية الثورة وانتهاء عصر الدكتاتورية إلى ما تلاها، ونحن نتمنى ألاّ تعود تونس إلى المربع الأول وألا تقمع أصوات الصحفيين خصوصا"، داعيا الرئيس التونسي، قيس سعيد، إلى تقبل النقد والاستماع إلى صوت الصحافة، إذ اعتبر الزيدي أن "العمل الأساسي للصحافة هو النصيحة والاستشارة المجانية لذوي السلطة". 

ثلاثة عشر عاما على مضيّ "حادثة الحذاء"، لكنّها لم تنس ولم تغب عن ذاكرة الشعوب العربية التي ثأر حذاء ابن العراق لكرامتها ولجراحها من المحتلّ.

galleries/منتظر-الزد-01-01.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً