post

خلال زيارته للوحدة المختصة للحرس ببئر بورقبة.. سعيّد يواصل مهاجمة معارضيه

سياسة الخميس 21 أفريل 2022

منذ سقوط نظام بن علي في جانفي 2011، لم يتجرأ أي رئيس للجمهورية أو رئيس حكومة على إلقاء خطاب سياسي في ثكنة، لكن الأمر تغير منذ انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية في 2019. وعند كل لقاء بالجيش أو الأمن، لا يتردد قيس سعيد في استعراض خصوماته السياسية مع منافسيه او معارضيه.

وقال رئيس الجمهورية قيس سعيّد لدى حضوره في مأدبة إفطار بمقر الوحدة المختصة للحرس الوطني ببئر بورقبة مساء أمس الأربعاء: "صحيح أننا نمر ببعض الظروف الصعبة ولكننا سنرد التحدي بالتحدي ولن قبل أبدا بالهزيمة.. نقبل بالانتصار ودون الانتصار الاستشهاد في سبيل تونس وفي سبيل عزتها وفي سبيل أن نحقق آمال التونسيين".

وأضاف سعيّد "بعض من حاولوا وفشلوا وسيفشلون في المستقبل الاندساس والتنظم داخل القوات المسلحة والادارة، إذ أنها تقوم على الحياد". وأوضح أن من يحاول الاعتداء على تونس وأمنها وأمن شعبها سيجد قوات تتصدى له. وشدّد بالقول إن كل "من يحاول التسلل فهو واهم.. وسيتكسّر وهمه على جدار سميك اسمه القوات المسلحة العسكرية والأمنية"، على حد تعبيره.

وخاطب قوات الفرقة الخاصة قائلا "أنتم أبناء الشعب وفي خدمة الشعب التونسي في إطار القانون"، وشدد "تونس للتونسيين ولن نتنازل عن ذرة واحدة من ارضها، فهي تبسط سيادتها على كل أراضيها وعلى كل مياهها الاقليمية وعلى أجوائها ولن نترك أحد يعتدي عليها ونحن في نفس الجبهة جبهة القتال للحفاظ على السيادة الوطنية".

وقال سعيد إن "هناك من يعتكفون في الشقق لا في المساجد ويتحدثون عن إنقاذ تونس في حين أن تونس تريد إنقاذ نفسها منهم (في إشارة لمبادرة "الخلاص الوطني" التي عرضها نجيب الشابي)". وأضاف "أفضل لهم أن يعتكفوا في المساجد أو في بيوتهم خلال العشر الأواخر من رمضان". وتابع "كانوا خصماء الدهر كالأوس والخزرج صاروا اليوم حلفاء لكن ذاكرة التونسيون ليست قصيرة". وعلق بالقول: "من يريد أن يزرع بذور الفتنة بالإعلان في المنفى عن حكومة أو برلمان موازيين فليلتحق بالمنفى"، وفق تعبيره.

وأعرب سعيّد عن أمله في توحيد النقابات الأمنية. وقال إنه كان طرح مسألة توحيد النقابات منذ 2012 بإحداث "الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي عوضا عن هذا التشرذم النقابي"، وفق تعبيره، وأكد أن هذا الاتحاد سيتكفل بحقوق حقوق الأمنيين متعهّدا بمزيد حفظ الدولة لحقوقهم.

ويفهم الكثير من التونسيين، كلام الرئيس في الثكنات، على أساس محاولة منه للاستقواء بالجيش والأمن رغم أنه يعلم يقينًا أن الجيش التونسي، الذي لم يعمل سابقًا في السياسة وبقي محايدًا عكس باقي الجيوش في المنطقة العربية، لن يُغامر بالتدخل في الشأن السياسي وسيظل وفيًا لعقيدته العسكرية التي تُحجر عليه التدخل في العمل السياسي وتفرض عليه واجب الحياد.

غزل العسكر والأمن

وفي ديسمبر 2019، شهران بعد أدائه قسم توليه منصب رئيس الجمهورية، زار قيس سعيد مقر فيلق القوات العسكرية الخاصة عدد 61 بثكنة الرمادية بمنزل جميل. وفي شهر جويلية 2020، قام سعيّد بزيارة ثانية إلى مقر فيلق القوات الخاصة في وقت متأخر جدا من الليل، ووقف أمام القيادة العسكرية هناك وقال "القوات العسكرية جاهزة ضد كل من يفكر في التعدي على الدولة أو الشرعية، جاهزون؟"، فرد عليه عميد بالفيلق  "أي نعم سيدي الرئيس، تهنى سيدي الرئيس". وغادر الرئيس مقر القوات العسكرية الخاصة، متوجها نحو وزارة الداخلية للاجتماع بقيادات أمنية وبوزير الداخلية هشام المشيشي آنذاك، ساعات قليلة قبل بزوغ الفجر.

وبدأ سعيّد في غزل حزامه العسكري والأمني المتين منذ الأشهر الستة الأولى من الحكم، وكان يتحدث عن المؤامرات الخارجية أمام صفوف الضباط العسكريين والأمنيين. ففي 16 ماي 2020، ألقى سعيد خطابا واضحا عن الأزمة السياسيّة وعمّا أسماه كذب السياسيين وعن الشرعية والمشروعية وعن ثغرات القانون أمام تلاميذ الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد. وكان خطاب سعيد في ذلك اليوم مقسما بين ضميري نحن، (الوحدات العسكرية والأمنية والرئيس والشعب) وهم (السياسيون والمتآمرون والفاقدون للمشروعية الشعبية) حسب قوله.

وقبل ذلك بخمسة أيام، أي في الـ11 من ماي 2020، ذهب سعيد إلى قبلّي لمتابعة تركيز المستشفى العسكري الميداني هناك، وتحدث بصراحة أمام العسكريين هناك عن الفساد وعما أسماه "المرض السياسي والدستوري الذي يعتبر أخطر من جائحة كورونا". ولمّح إلى سحب الثقة من مجلس النواب وواصل بلهجة مهدّدة "البؤس الذي يعاني منه الشعب سببه البؤس السياسي لكننا سنقضي على البؤس الاجتماعي والبؤس السياسي".

وأدى سعيد زيارته الثانية التي جاءت بعد يوم من ذهابه لقبلي، من ضمن ثلاث زيارات إلى القوات المسلحة في ظرف أسبوع، إلى ثكنة بوشوشة، وقال للأمنيين إنه "سيصدع بالحق في كل مكان".

وقال سعيد في جويلية 2020 أمام الوحدات العسكرية "لا نريد الخروج عن القانون ومن يتصور أننا سنخرج عن القانون فهذا من أضغاث الأحلام". وكرر تلك التطمينات في وزارة الداخلية أمام قيادات أمنية وبحضور المشيشي حين كان وزيرا لها.

وقام سعيد بإفطار رمضاني في ثكنة بوشوشة في أفريل الماضي، ثم في المنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي بولاية القصرين، السبت 1 ماي 2021.

وأعلن سعيد ثقته المطلقة في القوات العسكرية من أجل إدارة الأزمة الصحية، فأمر يوم 20 مارس 2020، بنشر عدد أكبر من قوات الجيش الوطني في كامل تونس، من أجل التأكد من فرض الحجر الصحي الكامل، ووسع سعيد شيئا فشيئا من دور الصحة العسكرية في مواجهة الأزمة الصحية، بدأت في سبتمبر الماضي، حين أمر بتعزيز  المستشفى الميداني بالمنزه بإطارات عسكرية شبه طبية. وكان سعيد قد ذكر خلال اجتماع مجلس الجيوش إن وزراء طلبوا منه السماح بتدخل الجيش في تسيير قطاعات مثل الصحة والتعليم، لأنها "الأسرع والأنجع"، حسب قوله.

وفي أفريل 2020، قال  سعيد “اليوم صبر وغد أمر”، وبعد قرابة الثلاثة أشهر، كشف عن ذلك الأمر خلال اجتماع بالقادة العسكريين والأمنيين. وردد في خطاب 25 جويلية شعار “رصاصة واحدة ستقابل بوابل من الرصاص لا يعده الإحصاء” وهو شعار كرره ثلاث مرات الأولى خلال تنصيبه والثانية في ثكنة الرمادية والثالثة خلال إعلانه عن القرارات الاستثنائية.

وهذه الزيارات المتتالية ليست استثناءً، فسعيد يستغل كل لقاء مع القيادات العسكرية والأمنية للحديث عن المناكفات السياسية ودور الجيش والأمن في الحفاظ على الشرعية، الأمر الذي عدته جهات حزبية استقواءً بالمؤسسة العسكرية والأمنية ومحاولةً للزج بها في معارك السياسة. ولم تكن زيارات سعيد الذي توجه بخطابات للتونسيين عن الأزمة السياسية من داخل ثكنات التدريب أو القتال، رسائل لخصومه في الأحزاب فحسب، بل لكل معارضيه الذين وصفهم في كل مرة بـ“المتآمرين والفاسدين”.

inbound7989317538400804979.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً