post

ردود أفعال متباينة بشأن صحّة المعلومات التي أعلنت عنها وزارة الداخلية

تونس السبت 25 جوان 2022

شكّكت المعارضة في صحة المعلومات التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، في ندوة صحفية استثنائية عقدتها أمس الجمعة بمقرها في العاصمة، بشأن وجود مخطط إرهابي لاستهداف حياة رئيس الجمهورية قيس سعيد، وأن تلك التهديدات كبيرة، في حين أدان مناصرو سعيد العمليات التي أعلنت عنها الوزارة.

وكشفت الوزارة عن توفّر معطيات حول وجود "مخطط يستهدف رئيس الجمهورية في شخصه أو محيطه أو مؤسسة رئاسة الجمهورية، قصد تقويض الأمن العام، وتورّط أطراف داخلية وخارجية في هذا المخطط".

وقالت إنه تم الخميس، إحباط عملية يمكن اعتبارها "إرهابية"، أمام مؤسسة حساسة في شارع الحرية بوسط العاصمة تورط فيها شخص ذو سوابق عدلية، تمكنت الوحدات الأمنية من القبض عليه. كما أكدت الوزارة أنها اعتقلت 3 أشخاص من جمعية "نماء"، واتهمت الجمعية بتلقي تمويل من الخارج.

حملات دعائيّة وتشهيرية

واعتبرت جبهة الخلاص الوطني أنّ الملابسات التي تمّ خلالهَا "احتجازُ رئيس الحكومة الأسبق حمّادي الجبالي وتحويل وجهتِه من مدينة سوسة إلى مقرّ فرقة أمنيّة بالعاصمة دون إذن قضائيّ عمل غير قانوني يرتقي إلى مستوى الاختطاف"، حسب ما جاء في نص بيان اصدرته الجبهة أمس الجمعة.

واعربت الجبهة في ذات السياق عن رفضها ما اسمته "الحملات الدّعائيّة والتّشهيريّة التي تقوم بها وزارة الدّاخليّة وسطوها على سلطة القضاء الذي يختص وحده بإحاطة الرّأي العام بالمعطيات حول القضايا التي يتعهّد بها".

كما عبّرت جبهة الخلاص عن تضامنها مع الجبالي "الذي يتعرّض منذ أشهر طويلة لمضايقات بدأت بالإعتداء على حرمة مسكنه ومقرّ عمله وحرمانه منذ قرابة 7 أشهر من وثائق الهويّة والسّفر وتتواصل بالملاحقة الأمنيّة والقضائيّة ذات الخلفيّة السّياسيّة الواضحة".

ونبهت الجبهة من ما اعتبرته "سعي سلطة الأمر الواقع لخلق أروقة قضائيّة طيّعة توظّفها لاستهداف خصومها السّياسيّين بعد فشلها في تركيع القضاء عبر المرسوم 35 و الأمر 516 سيء السيط"، حسب نص البيان.

كما اعربت عن مساندتها لصمود القضاة ودعمها لنضالاتهم من أجل الحفاظ على استقلاليّتهم ورفض سياسة التّرهيب المسلّط عليهم.

استعمال الشعبوية المعتادة

ونشر حزب العمال، أمس الجمعة، تدوينة لأمينه العام حمة الهمامي، علّق فيها على النقطة الإعلامية لوزارة الداخلية، بقوله: "من فضلكم كفّوا عن استبلاه الناس".

وتابع الهمامي: "عاد الحديث مجددًا عن المخططات الداخلية والخارجية التي تستهدف شخص الرئيس ومؤسسة الرئاسة، في النقطة الإعلامية التي مُنع فيها مرة أخرى الإعلاميون من طرح أسئلتهم، ولم تقدّم المتحدثة باسم الداخلية أية معلومة جدية تثبت وجود تلك التهديدات كالعادة"، وفق قوله.

وذكر الهمامي أنها ليست المرة الأولى التي تثار فيها مثل هذه المسائل، إذ تحدث سعيّد قبل انقلاب 25 جويلية 2021 أكثر من مرة عن المؤامرات التي تُحاك في الغرف المظلمة بالتواطؤ مع أطراف أجنبية، ولم يكشف لنا عن أية مؤامرة ولا عن تولي القضاء التحقيق فيها".

وذكّر بحادثة "الظرف المسموم المشبوه الذي وصل الرئاسة وتسبّبت في إصابة رئيسة ديوان الرئيس وقتها نادية عكاشة بالإغماء، وجاءت تحاليل المخابر المختصة التابعة للأمن لتكذّب هذه الرواية ومرّت الأمور كأنّ شيئًا لم يكن في حين كان من المفروض محاسبة مروّجي هذه الأقاويل"، وفق قوله.

وأكّد أمين عام حزب العمال أنّ ما يقوم به قيس سعيّد هو "أسلوب تفكير وعمل شعبويّين، مدروس وله أهدافه، فافتعال مثل تلك الروايات، في غياب أية حجة أو أيّ بحث قضائي، هو من صميم الشعبوية، وأساليبها. وهو يهدف أوّلًا إلى تلهية الناس عن مشاغلهم الحقيقية وثانيًا إلى تخويفهم وكسب تعاطفهم.. وقد استغلّ سعيّد ذلك في الإعداد لانقلابه وتنفيذه".

وتساءل الهمامي: "هل قدّمت لنا المتحدثة باسم وزارة الداخلية أيّ معطى ملموس حول التهديدات يرتقي إلى مستوى المعلومة؟ بالطبع لا. وهل أفادتنا بإحالة الأمر عن النيابة العمومية؟ بالطبع لا. فإذا كان الأمر ما يزال في طور البحث فلماذا إفشاؤه لما في ذلك من ضرر بالبحث؟ وإذا تمّ كشف خيوط المؤامرة، فما المانع من تقديم المعلومات إلى الرأي العام؟".

مآرب شخصية

وشدّد الهمامي على أنّ "سعيّد، يستعمل الأسلوب الشّعبوي المعتاد، لتحقيق مآرب شخصية. وهي ثلاثة، أوّلها تحفيز الناس على المشاركة في مبايعة 25 جويلية القادم لشخصه وعدم الانتباه إلى ما ينتظرهم من متاعب وخراب جرّاء هذه المبايعة بناء على دستور معدّ في الغرف المظلمة لتمكينه من تركيز دكتاتوريته الجديدة"، وفق تقديره.

واعتبر الهمامي أنّ ثاني أهداف سعيّد هو "تلهية الناس عمّا ينتظرهم من تدمير ممنهج لما تبقّى لهم من قدرات معيشية ضئيلة ومحدودة بعد أن ظهرت تباشير رضاء صندوق (النهب) الدولي عن 'مشروع إصلاحات' حكومة سعيّد ومطالبتها بالبدء في تنفيذها (رفع الدعم، الترفيع في الأسعار، تجميد الأجور، وقف الانتدابات...)".

وأشار الهمامي إلى أنّ من مآرب سعيّد ثالثًا، "صرف الاهتمام عمّا يروج بإلحاح من ضغوط لدفعه كي يخطو خطوة جديدة وحاسمة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، تعزّز الخطوات السابقة التي قام بها خلال ولايته ومنها خاصة وصول رحلة مباشرة من تل أبيب إلى جربة بمناسبة الزيارة السنوية للغريبة وحضور وزير الدفاع في اجتماع أطلسي بإشراف أمريكي في ألمانيا إلى جانب وزير دفاع الكيان الصهيوني"، وفق نص تدوينته.

زيادة الهرسلة والتهم الكيدية لمعارضي سعيّد

بدوره، قال الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري، إن ما لقبها بـ"سلطة الانقلاب" ما انفكت "تتحرش بالنهضة منذ 25 جويلية 2021 رغم عجزها عن تقديم ما يدينها"، وفق تعبيره.

وأضاف، في ندوة صحفية للحركة، أمس الجمعة، أن المحاولات المتكررة لتهريب النهضة واستهدافها ليست سوى ممارسات لصدّ طرف قوي مقاومٍ للانقلاب"، وفق تعبيره.

وتابع: "السلطة تمر إلى السرعة القصوى لفرض مشروعها وذلك عبر ضرب معارضيها، وكلما اقترب موعد الاستفتاء كلما زادت الهرسلة والاستهداف والكيد للقوى المعارضة في تونس"، وأكد أنه "سيكون هناك عمل على تجريم الفعل السياسي في تونس"، على حد تصوره.

وفي تعليقه على ما تم التطرق إليه في الندوة التي عقدتها وزارة الداخلية التونسية صباح الجمعة بخصوص آخر التطورات الأمنية في تونس، قال الخميري تعليقًا على ما صدر عن الداخلية بخصوص وجود "مخططات تستهدف الرئيس قيس سعيّد": "ندعو إلى الإعلان عن الجهات الداخلية والخارجية التي أعلن عن تورطها في استهداف الرئيس". وأكد أن "النهضة تدين وتستنكر أي محاولة للاعتداء على مؤسسات الدولة التونسية"، وفق ما جاء على لسانه.

وبخصوص حديث الداخلية عن رصد تمويلات مشبوهة من الخارج لجمعية نماء تونس والإشارة إلى شبهة تورط رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي في ذلك وإيقافه في هذا الإطار، صرح الخميري: "نحن نتضامن مع الجبالي ونعتبر أن إيقافه يندرج في إطار سلسلة الاستهدافات التي تعتمدها سلطة الانقلاب"، وأضاف: "فشلت سابقًا محاولات إدانة القيادي بالنهضة نور الدين البحيري، وستفشل الآن محاولة إدانة الجبالي"، على حد قوله.

وأكد الخميري: "عمليات الاستهداف لن تخيفنا ولن تمس من عزائمنا وسنواصل النضال المدني السلمي لمقاومة الانقلاب والعودة إلى المسار الديمقراطي"، وفق تعبيره.

محاولة السلطة للتغطية على فشلها

ومن جهتها، طالبت رئيسة المكتب القانوني لحركة النهضة، زينب البراهمي، خلال الندوة الصحفية ذاتها، بأن تكون جلسات الاستماع والاستنطاق للقيادات التي توجه إليهم تهم وصفتها بـ"الكيدية" علنية "أمام الشعب والكاميرا لا أن تكون جلسات مغلقة، ليعرف الشعب أن مصادر اتهام قيادات النهضة هي أشخاص منتحلو صفة".

واعتبرت البراهمي، في ذات الصدد، أن كل ما يحصل من عمليات استهداف وإيقاف وغيرها من الانتهاكات ليست إلا محاولة من السلطة للتغطية على فشلها سواء فيما يتعلق بحملة الاستفتاء أو في الترويج للانقلاب داخليًا وخارجيًا بالنظر إلى أنها تخسر داعميها اليوم تلو الآخر، حسب تصريحها.

وبخصوص آخر التطورات في علاقة بالجبالي، قالت رئيسة المكتب القانون للنهضة إن "بعد محاولة الزج به في قضية سابقة في مرحلة أولى، يتم مجددًا الزج باسمه وفبركة ملف ضده دون تقديم أي أدلة تدينه، ليتم اختطافه إلى مكان اعتبرته عائلته وقتها غير معلوم، دون أن يتم استدعاؤه وبطريقة نستنكرها في دولة المفروض أنها تحترم القانون، على حد ما ورد على لسانها.

وتابعت: "نعود مجددًا إلى الانتهاكات والإيقافات والزج بالنهضة في ملفات مفتعلة"، وشددت على أن النهضة لن تصمت على أي محاولة لتشويهها، وقالت: "انتهى ذلك الزمن"، وفق تعبيرها.

مناورات وفبركة سيناريوهات

من جانبه، رد النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي المحامي سمير بن عمر على تصريح وزارة الداخلية بشأن استهداف حياة الرئيس بأن "السلطة كلما اشتد عليها الخناق تلجأ إلى مناورات وفبركة سيناريوهات".

وشكك بن عمر في تصريح تلفزي، في صحة المعلومات التي أعلنت عنها وزارة الداخلية بشأن بوجود مخطط إرهابي لاستهداف حياة سعيد، وأن تلك التهديدات كبيرة، إضافة إلى اعتقالها 3 أشخاص من جمعية "نماء"، بتهمة بتلقي تمويل من الخارج.

وبينما أشار إلى أنها المرة الرابعة أو الخامسة التي تعلن فيها السلطات عن محاولة اغتيال الرئيس تساءل بن عمر، عن مصير الإعلانات السابقة وعن سبب عدم كشف ما توصلت إليه التحقيقات بشأنها.

وأضاف أن ما أعلنت عنه وزارة الداخلية هو مسألة تتعلق بالأمن القومي، لكن السلطات لم تتعاطَ بشفافية مع الموضوع، ولم تقدم للرأي العام تفاصيل بشأنها، وحتى الصحفيين الذين كانوا حاضرين في المؤتمر الصحفي للوزارة خرجوا دون أن تقدم لهم معطيات تؤكد جدية المزاعم التي كشفت عنها وزارة الداخلية.

ويذكر أنها ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها السلطات التونسية عن محاولة لاغتيال الرئيس، فقد سبق أن تم الإعلان عن محاولة لقتله في ما عرفت بقضية الظرف المسموم، ومرة أخرى في ما عرف بالخبز المسموم.

وردا على سؤال بشأن ما إذا كان الكشف عن وجود تهديدات لحياة الرئيس يثير المخاوف من موجة اعتقالات أمنية قد تطال معارضين، أكد المحامي بن عمر وجود مثل هذه المخاوف، لأن إعلان وزارة الداخلية يأتي في سياق أزمة سياسية تمر بها البلاد، وفي ظل سعي السلطة لفك العزلة المفروضة عليها بأي شكل من الأشكال، إضافة إلى اعتقالات تطال شخصيات سياسية.

محاولة يائسة لجرّ البلاد إلى مربّع العنف

وفي المقابل، اعتبرت حركة تونس إلى الأمام، في بيان أصدرته أمس الجمعة، أن خطورة المعطيات الواردة في النّدوة الصحفية لوزارة الداخلية، "تدعو إلى حتميّة التّسريع بالكشف المفصّل عن كل المعطيات المتّصلة بالجرائم المعلنة"، خاصة وأنها تمس من أمن البلاد، وتستهدف رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية.

وأدانت الحركة بشدّة العمليات التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، والتي اعتبرت أنها "تكشف من جديد مخاطر التّآمر مع القوى الأجنبية والاستقواء بها، وجرّ البلاد إلى مربّع العنف، في محاولة يائسة لضرب كلّ مسار انتقال يُبنى على أسس سلمية مدنية ديمقراطية اجتماعية".

ودعت التونسيين والقوى التقدمية والقوات الأمنية والعسكرية إلى التحلي باليقظة الدّائمة، وإلى حماية الوحدة الوطنية من كلّ مظاهر العنف والارهاب "التي طالما لجأت إليها أطراف معلومة كلما ضاق عليها الخناق"، على حد تعبيرها.

التشويش على الدستور الجديد

من جانبه، قال النائب السابق بالمجلس الوطني التأسيسي الأكاديمي الدكتور رابح الخرايفي في تصريح تلفزي، إن تصريح وزارة الداخلية هو كشف شروع في تنفيذ أفعال إجرامية، وهو يختلف عن التصريحات السابقة بشأن التهديدات التي تلقاها رئيس الجمهورية.

ولمّح إلى أن الهدف من المخطط المعلن عنه هو بهدف التشويش على مسألة الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس سعيد وضرب السياحة التونسية. وطالب بإجراءات أمنية مشددة لحماية التونسيين، وأكد أنه حتى من يحمل صفة السياسي فلا حصانة له في حال ارتكب أفعالا إجرامية.

inbound5188117541880036377.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً