post

رشا ناجح: "رأيت الله في الحرب!"

ثقافة وفن الخميس 16 ديسمبر 2021

مرآة تونس - هزار الفرشيشي

"تركت أنسي بالحياة ولهوها
ولقيت كل الأنس في نجواكَ
نسيت حبي واعتزلت أحبّتي
ونسيت نفسي خوف أن أنساكَ" 
كلمات تسمو بالرّوح في رحاب العشق الإلهي، تضفي نورا على القلب المتعطّش لوصل الخالق وتبحر به في رقّة عالم الرّوحانيات بعيدا عن ثخونة عالم المادّيات. 
أغنية أدّتها باقتدار الفنّانة السّورية رشا ناجح، التي تعرّف نفسها بكونها: "شخص يغنّي كل جميل راق سواء في الحب الإلهي أو في حب الإنسان أو في القضايا الاجتماعية". ذائقتها الفنية العالية أثّرت على اختيارها لكلمات أغانيها، حيث تهتمّ بأن تكون قادرة على إحساس وتذوق الكلمات والاقتراب منها قبل أدائها، معتبرة أنّنا لو أفرغنا الأغاني المنتشرة حاليا من اللحن لوجدنا كلمات خاوية. فليس غريبا على ناجح نشأتها على طقوس خاصّة في التهجد الرمضاني، فتقول عن ذلك: "خلال التهجّد في شهر رمضان المبارك، أميل إلى تليين القلب بالأغاني الصوفية التي أبدع في كلماتها كبار العاشقين والعارفين كابن عربي والحلاج وابن الفارض". 

مناجاة أنثى في طريق وعر  

في مجتمع شرقي تغلب عليه النّزعة المحافظة، برز اسم فتاة محجّبة تؤدّي بصوت عذب أغان عن العشق الإلهي. رشا ناجح التي دأبت على حب الشعر منذ طفولتها، تروي لـ "مرآة تونس" ما اعترض طريقها من صعوبات في بداية مسيرتها، قائلة: "في بداياتي هوجمت بحدّة وتواصل الهجوم لسنوات، ولم يكن الأمر هيّنا عليّ!"، ولم يتوقّف الهجوم على الفنّانة عند حدّ رفض غنائها، بل إنّ الأمر وصل ببعض المغالين بالدّعوة إلى إهدار دمها، حيث تقول ناجح: "وصلتني أعداد مهولة من رسائل الكراهية، وأحمد الله الذي ثبتني بفضله". 
واعتبرت ناجح أنّ أكثر الناس رفضا للأغاني الصوفية هم الملتزمون المنتمون إلى المدرسة الدينية التقليدية، حيث أنّهم "يعتبرون أن الموسيقى حرام وأنّ صوت المرأة حرام". في المقابل، وجدت رشا ناجح تشجيعا كبيرا "ممّن يملكون ذائقة فنية" على حدّ تعبيرها، فيسمعها المسلم والمسيحي وغيرهم "لأنني لا أغني كلمات فيها كراهية .. إنما أغني كلمات فيها عشق إلهي!". وعن العشق الرّباني في كلمات أغانيها، تقول الفنّانة السورية: "هي حالة شخص أحب ربه فيحاوره قائلا عذّب بما شئت غير البعد عنك تجد .. ولي حبيب أزوره في الخلوات .. وتركت أنسي بالحياة ولهوها". 

مطلوب مجانين 

من رحم مدينة حلب الشهباء، وفي أقسى الأيّام التي عاشها أهالي المدينة، رأى "مطلوب مجانين" النور. وعن البرنامج الّذي قدّمته إلى الجمهور، تقول رشا ناجح: " مطلوب مجانين كان مرتكزا على أناس لهم هدف وطريق، ولأن طريقهم غير تقليدي فهو لا ينسجم مع الرأي الجمعي ومع السائد في المجتمع، فالناس يعتبرونهم مجانين، وهؤلاء المجانين هم الذين يحدثون التغيير"، ومن يرغب في التغيير، حسب قول ناجح، "عليه اتخاذ خطوة غير مألوفة وغير مقبولة لكنه يؤمن بصحّتها، فهذه الخطوة لن تكون مقبولة في المجتمع في البداية لكنها ستصبح التيار السائد لاحقا". 
وبنظرة مفعمة بالحماس، تقول فنّانتنا: "مطلوب مجانين كان أنا! أنا حقيقية وصادقة جدا فيما أقدم، وفي مطلوب مجانين قدمت برنامجا يشبهني لأنني أنا نفسي أسير في مسار غير مقبول اجتماعيا!". 
وعن كواليس البرنامج، تقول ناجح: "ظروف التصوير كانت صعبة جدا، كنا ننزل للتصوير ونحن لا نعرف إن كنا سنعيش للغد أو لا!"، مضيفة: "كان الأمر مرهقا نفسيا، والمرهق أكثر أنني أعرف أنني سأهاجم بسبب هذا العمل عندما يخرج إلى النور". 

سنة 2016، حازت رشا ناجح على جائزة قمرة للإحسان الإعلامي عن فيلمها القصير "آخر قطرة جمال" الّذي وقع تصويره بنفس المدينة وفي نفس الظّروف، في حلب التي ترزح تحت ويلات الحرب! 
وترى ناجح أنها كانت تخاطب نفسها من خلال "مطلوب مجانين" و"آخر قطرة جمال"، إذ تعتبر أنها "شخص حساس جدا" وتحتاج تشجيعا دائما، علاوة على كونها لا تقوى على أن تكون ضمن السائد في المجتمع، وفق تعبيرها، مضيفة: "هناك كلام كنت أودّ سماعه من الناس الداعمة لي ولم أسمعه فقلته لنفسي، فمن قال إن فاقد الشيء لا يعطيه؟". 

رأيت الله في الحرب! 

بنبرة صادقة وبنظرة تخفي في طيّاتها ألما يعتصر ابنة وطن مزّقت الحرب أوصاله، تقول ناجح: "رأيت الله في الحرب .. فلكلّ محنة منحة، والمنحة التي وهبنيها الله خلال الحرب كانت النورانية التي فتحها على قلبي، علمني دروسا برسالة نزلت على قلبي". وتواصل الفنّانة محدّثة "مرآة تونس" عن تجربتها مع الحرب وما استخلصته من عبر منها بقولها: "أردت المزيد ورأيت أن الطريق للحصول على المزيد هي أن أنفق مما وهبني الله، فصوّرت تجربتي". وعن تلك التجربة، تقول ناجح: "خلال رمضان كنت محبطة وأحتاج دعما روحيا من أحد لا يقول لي كلاما مثاليا ولا يريني صورة مثالية لا يمكنني الوصول إليها"، مضيفة: "كنت أحتاج شخصا يطمئنني أنني لست الوحيدة التي تخطئ، فلم أجد، فقررت أن أشارك تجربتي مع الناس، وأردت أن أوصل رسالة أن الإنسان كائن ناقص يعرج متكئ على ربه". 

"رسالتي أن أقدّم كلمة جميلة" 

لا تطلّ رشا ناجح على جمهورها كفنّانة فحسب، بل هي إعلامية ترى نفسها صاحبة رسالة وليست مجبرة على الاختيار بين الصّفتين، فهي شخص يحمل رسالة قد يوصلها بالكلام بالعمل الإعلامي أو بحبالها الصوتية بالغناء، حسب تعبيرها. 
وعن رسالتها في الحياة، تقول ناجح: "رسالتي هي أن أقدم كلمة جميلة مغناة أو ملقاة، والحياة فيها الكثير من الجمال، ومحبة الله لا تكون فقط بالتعبد". فترى الفنّانة السورية أنّه ليس هناك إنسان يعيش حياته كلها منكفئا على حب الله، "هذا قالب المثالية، فكلنا خطاؤون ولسنا معصومين، وأنا لا أريد تقديم قالب مثالي للناس، لأنني أطالب بأشياء تفوق طاقتي من الناس، وأنا لا يمكنني أن أوهم الناس أنه لا يشغلني في حياتي إلا التدين بينما أنا كائن ناقص". 
بعفوية بالغة، تقول رشا ناجح: "أحبّ أن أقدم نموذج الإنسان الذي يحب الله ويخشى غضبه ويشتاق إليه ويقصّر في حقه وضعيف، ويحب ويغني للحب، ويختار معنى راقيا ليحب بما يتسق مع قيمه في محبة الله، ويعيش، ويغني لقضايا، ويكبو ويواصل ويخطئ ويحب ويعشق". فناجح تريد أن تقدم نموذجا حقيقيا للناس، وترى أنّ الناس الموجودين على وسائل التواصل الاجتماعي يقدمون لنا "كمالهم" بينما هي تقدّم النقص لأنّها تريد أن تكون حقيقية، لأنّ الحقيقي وإن تأخر فإنه يصل إلى الناس، وفق تعبيرها.

الرّومي .. "لا يهدأ قلب العاشق ما لم يبادله المحبوب الوله" 

تعتبر رشا ناجح أنّها فتاة مسلمة تحب ربّها وتعتقد أنه يحبها، وترى أنّها لا تنتمي إلى أي مدرسة، تتذوّق معنى الحبّ الإلهي لأسياد العاشقين والعارفين، تقول عن ذلك: "تمكّنت من تذوقه لكنني لم أصل إليه بعد". وعن الجدل الّذي أثاره نزعها للحجاب على وسائل التواصل الاجتماعي تقول: "نزعت الحجاب لكنني محتشمة ولديّ أخطاء وأحبّ ربّي".  

عندما قدمت ناجح مطلوب مجانين هوجمت لأنها محجبة لا تقدم محتوى دينيا، وعندما قدمت آخر قطرة جمال هوجمت لأنها محجبة وظهر معها راقص باليه، وعندما غنّت قصائد صوفية هوجمت لذات السّبب ولأن صوتها عورة، لكنّها خلصت في النهاية إلى أنّها كلما فعلت شيئا فلن يرى الناس ما قدمت بل سينظرون إلى مدى مناسبتها "للخانة والقالب الذي وضعوه للمحجبة، فهم يطالبونها بالكمال". 
 

galleries/diagolue-01-3.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً