post

في ذكرى عيد الجلاء الزراعي.. غلاء الأعلاف "رصاصة قاتلة" لمربي الماشية

اقتصاد وأعمال الخميس 12 ماي 2022

تحيي تونس اليوم الخميس 12 ماي 2022، الذكرى 58 لعيد الجلاء الزراعي الموافق لـ12 ماي 1964، وسط ترقّب لإعلان مجموعة من التدابير لفائدة الفلاحين من بينها الزيادة في أسعار الحليب والبيض والدواجن بما يضمن هامش الربح لدى المنتج، وفق ما كشف عنه وزير الفلاحة محمود إلياس حمزة مؤخرا.

وكانت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي أفادت أن الزيادة في أسعار البيض والحليب والدجاج المنتظر إعلانها اليوم مازالت قيد الدرس، وأشارت في تصريح إذاعي أمس، إلى ضرورة أن تراعي عملية الترفيع في الاسعار المقدرة الشرائية للمواطن.

وبدوره أكد الرئيس قيس سعيد خلال لقاء جمعه بنائب رئيس اتحاد الفلاحين نور الدين بن عياد، وقوفه إلى جانب الفلاحين في مطالبهم المشروعة، ودعا إلى ضرورة إيجاد التوازن المطلوب في السوق، وذلك بالتصدي للاحتكار والمضاربة غير المشروعة، وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية.

وكانت تونس أعلنت الجلاء الزراعي سنة 1964، بعد احتفالها بإخراج آخر مستوطن أجنبي من الأراضي الفلاحية التي كانت العماد الرئيسي آنذاك للاقتصاد التونسي، وخلّصتها من سيطرة الاحتلال الفرنسي.

وبالتزامن مع ذكرى الجلاء الزراعي، تسود حالة من الغضب الواسع في صفوف مربي المواشي والفلاحين عقب إعلان زيادة بنحو 25 بالمائة في أسعار الأعلاف دفعة واحدة، بينما ينتظر التونسيون تداعيات هذه الزيادة التي ستنعكس على أثمان البيض والألبان واللحوم والدواجن.

زيادة أسعار الأعلاف

ومنذ بداية الأسبوع الحالي يندفع مربو المواشي نحو الشوارع والساحات العامة في مختلف مناطق البلاد مصحوبين بحيواناتهم، للاحتجاج على قرار زيادة أسعار الأعلاف وفوضى الاحتكار في القطاع، وطالبوا الدولة بالتدخل لحمايتهم من الإفلاس والتفريط في قطعان الماشية.

وأعلن مصنعو الأعلاف عن زيادة بقيمة 300 دينار (نحو 98 دولارا أميركيا) في الطن الواحد في وقت وصف فيه اتحاد الفلاحة والصيد البحري الزيادة بـ"الرصاصة القاتلة" للمربين في جميع قطاعات الإنتاج الحيواني.

وقال اتحاد الفلاحين في بيان صادر عنه الجمعة الماضي إنه "يرفض هذه الزيادة إذا لم يرافقها تحرك فوري من الحكومة لدعم الفلاحين وحمايتهم من الإفلاس ومعالجة الفارق الكبير بين كلفة الإنتاج وأسعار البيع خاصّة في منظومة الحليب".

ودعا الاتحاد الحكومة إلى "تحمل مسؤولياتها كاملة في إنقاذ القطاع الفلاحي من الوضع الخطير الذي يمر به، والمستقبل المجهول الذي يتهدده في ظل الارتفاع القياسي وغير المسبوق في كلفة الإنتاج، وتوجه كل المنظومات الفلاحية نحو الانهيار الكامل".

وقال رئيس اتحاد الفلاحين عبد المجيد الزار في تصريح إذاعي، إن الدولة اتخذت قرار الترفيع في أسعار الأعلاف الحيوانية دون استشارتهم، وأكد تفاجئ الاتحاد بهذه الزيادة في وسائل الاعلام ووصف إياها بالزيادة المشطة.

وأضاف الزار أنّ مربي الأبقار يتكبدون بعد هذه الزيادة خسائر بقيمة 715 مليما على كل لتر حليب، وأوضح بأن الترفيع المرتقب في أسعار الحليب لدى المستهلك يجب أن يغطي حجم الخسائر مع توفير هامش ربح للفلاح.

ارتفاع كلفة الإنتاج

وحمّل مربو الماشية والفلاحون مصانع الأعلاف التي تحتكر السوق مسؤولية رفع الأسعار إلى مستويات قياسية بلغت ولأول مرة نسبة 23 بالمائة، واعتبروا أن صناعة الأعلاف قطاع احتكاري تتحكم فيه شركات كبرى بالسوق وتقصي كل المصانع الصغيرة ما يتسبب في فرض سياسة الأمر الواقع على المربين.

وأشاروا إلى ارتفاع كلفة الإنتاج إلى 1855 مليما للتر الواحد مقابل فرض الدولة على الفلاح بيع الحليب بسعر 1140 مليما، أي بخسارة تقدر بـ715 مليما عن كل لتر يتحملها الفلّاح بمفرده.

وتستأثر ثلاث شركات كبرى بصناعة الأعلاف المركبة لفائدة مربي الماشية مستفيدة من الرخص الحصرية التي حصلت عليها منذ سنوات في إطار الاقتصاد الريعي.

وتورد تونس القمح اللين بكميات كبيرة لاستخدامه في توفير مادة الطحين المستخدمة في تصنيع عدة مواد من بينها الخبز، علما أن واردات سلة الحبوب المشكلة من القمح اللين والصلب والشعير العلفي والذرة كلفت البلاد إلى مارس 2022 زهاء مليار دولار بحسب بيانات رسمية للمرصد الوطني للفلاحة.

وقال المرصد إن معدل سعر الشعير الأوروبي ارتفع ليبلغ 1269 دينار/طن، مسجلا زيادة بنسبة 3 بالمائة عن معدل أسعار مارس 2022 وبنسبة 79 بالمائة عن أسعار أفريل 2021.

ورجح رئيس النقابة الوطنية للفلاحين، الميداني الضاوي، أن تسجل أسعار الأعلاف زيادات جديدة، وأكد ضرورة حماية منظومة الإنتاج الحيواني من تأثيرات دوامة الزيادات التي لن تتوقف.

وتتواصل وتيرة ارتفاع الأسعار نسقها التصاعدي لتشمل عددا كبيرا من المنتجات الفلاحية والمصنّعة ومنها اللحوم الحمراء والدواجن والبيض، كما ينتظر أن يشهد سعر الحليب ارتفاعا خلال الفترة المقبلة مدفوعة بالزيادة القياسية لأسعار العلف.

وأعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، محمد إلياس حمزة، أنه ستتم مراجعة أسعار بيع عديد المنتجات على غرار الحليب والبيض والدواجن، من أجل ضمان هامش من الربح للمنتجين والفلاحين في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار المواد العلفية التي تشكل نحو 80 % من كلفة الانتاج.

ولفت وزير الفلاحة، إلى أن النزاع الروسي الأوكراني، أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية بنسب تتراوح بين 40 و60 % مقارنة بأسعار العام الماضي، ما أدى إلى تسجيل تضخم عالمي بقيمة 8 % .

منظومة تربية المواشي أصبحت مهدّدة

من جانبه، قال رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بالمنستير، محمّد دغيم، الثلاثاء "إنّ كامل منظومة تربية المواشي أصبحت مهدّدة بالانهيار بعد الترفيع المشطّ في سعر الأعلاف المركّبة"، وفق تأكيده.

واعتبر دغيم أنّه في حال كانت هناك مفاوضات لابّد من التسريع فيها باعتبار أن "الوضعية أصبحت حرجة جدّا"، حيث تحتوي مراكز تجميع الحليب كميات كبيرة من الحليب ولا تعرف كيفية ترويجها بعد غلق مصنع الحليب بالمهدية من طرف الفلاحين، وطالب بحلحلة هذا الوضع. وبيّن أنّ أقل سعر يمكن أن يغطي تكلفة الحليب بالنسبة إلى الفلاح هي 1840 مليم.

من جهته، أكد مساعد رئيس نقابة مربي الأبقار بالمكنين، محسن الحمادي، حالة الاحتقان السائدة في صفوف الفلاحيين فضلا عن عدم قدرة الشركة التعاونية للخدمات الأساسية "التوفيق" بالمكنين على تقبل كميات الحليب باعتبار غلق مصنع الحليب وعدم قبول أكثر من 250 لترا من الحليب، حسب قوله.

وكانت نقابة مربي الأبقار بالاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بالمكنين بولاية المنستير أعلنت في بيان لها مؤرخ في 9 ماي الجاري مساندتها لمطالب منظوريها "في تمسكهم بعدم تزويد مراكز تجميع الحليب بمنتوجاتهم إلى حين تعديل تعريفة الحليب الطازج ليتماشى مع التكلفة عند الإنتاج".

وأوصت النقابة في بيانها بالتسريع بحل هذا الملف لتجنب مزيد التوترات والتحركات العشوائية التي قد تطال السير العادي للحياة العامة، وأعلنت "أنّها ستواصل وقوفها إلى جانب منظوريها إلى حين تحقيق مطالبهم الشرعية"، حسب نص البيان.

ضرب متعمد لصغار الفلاحين

بدوره، أوضح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أمس الأربعاء، في بلاغ، أنه يتابع التحركات الاجتماعية الكبيرة للفلاحين نتيجة للارتفاع الكبير والمشط لأسعار الأعلاف من قبل الشركات المستوردة للأعلاف حيث ارتفعت مثلا أسعار شركة ألكو من 1230 الى 1530 دينارا للطن الواحد بالنسبة للصنف ALCO 7 الذي يستعمل للبقرة الحلوب، ومن 1029 الى 1359 دينارا للطن بالنسبة لصنف ALCO 6 الذي يستعمل للتسمين، وتعتبر هذه الزيادة المقدرة بحوالي 300 دينار نفسها بالنسبة لبقية الشركات.

وتستهلك البقرة الواحدة من 10 الى 14 كيلوغرام من العلف في اليوم الواحد، وتنتج البقرة التي تستهلك 14 كيلوغراما حوالي 25 لتر من الحليب كمعدل يومي، يقوم الفلاح ببيعها للمجمع بـــــ1190 مليما للتر الواحد. أي أن البقرة الواحدة تستهلك 21.280 دينارا من العلف (1530 *14) بينما يقوم الفلاح ببيع الحليب بقيمة 29.750 دينار، ما يعتر ربحا صافيا ضئيلا للغاية إذا ما احتسبنا باقي تكاليف الإنتاج، وفق نص البلاغ.

وأكد المنتدى أن هذا التوجه في زيادة كلفة الإنتاج المعتمد في قطاع تربية الماشية هو ضرب متعمد لصغار الفلاحين كما يعكس خيارات وسياسات فلاحية وتجارية فاشلة، تواصل دعمها لاحتكار مادة العلف من قبل 3 شركات تتحكم في السوق. وأصبح الفلاح يعاني نتيجة هذه السياسات مع غياب كامل للدولة من وزارة الفلاحة ووزارة التجارة ويعتبر هذا الغياب تواطؤا ضمنيا مع الشركات الموردة للأعلاف التي تهيمن على السوق وتجني الأرباح الطائلة على حساب الفلاحين دون أي رقابة أو توجه واضح من قبل الدولة لحلحلة هذا المشكل. 

واعتبر المنتدى أن تواصل هذه السياسات المعتمدة سيطيح بكامل منظومة الإنتاج الحيواني في تونس خاصة أن مساهمة قطاع الألبان في الإنتاج الفلاحي تمثل 11 %، كما يساهم بـ7 % من قيمة الصناعات الغذائية.

تصعيد متواصل

من جهة أخرى، دخل أعوان المؤسسات والادارات بقطاع الفلاحة، اليوم الخميس 12 ماي 2022، في تجمعات احتجاجية مع حمل الشارة الحمراء، وذلك بمختلف مصالح وزارة الفلاحة مركزيا وجهويا.

وأكّد كاتب عام الجامعة العامة للفلاحة باتحاد الشغل عمار الزين، في تصريح إذاعي، أنّ هذا التحرّك تقرّر إثر تعطّل ملفات عاجلة خاصّة بالقطاع ضمن اتفاقات 5 زائد 5 وتملّص سلط الإشراف من الإلتزام بتنفيذ الاتفاقات المبرمة. كما لوّح الزين بمزيد التصعيد في القطاع الفلاحي، وذلك بإقرار جملة من التحركات الأخرى بعد اجتماع هياكل الاتحاد قريبا.

وطالبت جامعة الفلاحة بضرورة تسريع حل الملفات المتعلقة بإصدار الأنظمة الأساسية للمؤسسات العمومية الفلاحية ومراجعة الأنظمة الأساسية لديوان الزيت وديوان الحبوب وديوان الاراضي الدولة، فضلا عن تسوية وضعية العمال الوقتيين والعرضيين في مختلف مؤسسات الوزارة، وفق كاتب عام جامعة الفلاحة.

وأكّد أنّ المطالب تشمل أيضا إعادة توظيف أعوان الوزارة وإيجاد قانون أساسي موحد للمجامع المهنية والمراكز الفنية، فضلا عن إنهاء كلّ أشكال العمل الهشّ وتسوية الوضعيات المهنية للعاملين بالمناولة والحضائر في هياكل الوزارة إلى اليوم.

ودعا الزين إلى إعادة النظر في ملف الشركات التعاونية التي شملها التخريب وإصدار قانون أساسي خاصّ بها وإعادة هيكلتها لا حلّها وتهديد عمالها بالبطالة في ظلّ تعطّل أجورهم للأشهر.

inbound4462690117201984539.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً