post

في عيدها الوطني.. المرأة التونسية تستعد لوضع بصمتها في الفضاء بعد أن تفوّقت على الأرض

تونس الجمعة 13 أوت 2021

هي نصف المجتمع والنصف الآخر يتربّى في أحضانها، هي الخليّة الأولى التي يصلح المجتمع كلّه بصلاحها ويفسد بفسادها، لا تتكوّن الأسرة بدونها، هي الأم والزوجة والأخت والجدّة والخالة والعمّة والزميلة والصديقة، هي عبق الحياة وريحها ورونقها وعبيرها، هي علّيسة، هي الكاهنة، هي مهريّة الأغلبيّة، هي فاطمة الفهرية، هي أسماء بنت أسد بن الفرات، هي خديجة بنت الإمام سحنون، هي فاطمة الحاضنة، هي الجازية الهلالية، هي السيّدة المنوبية، هي عزيزة عثمانة، هي أروى القيروانية، هي شريفة المسعدي، هي مجيدة بوليلة، هي بشيرة بن مراد، هي راضية الحداد، هي توحيدة بن الشيخ،... وغيرها كثيرات.

هي في نفس الوقت البربرية، والفينيقية، والقرطاجية، والرومانية، والبيزنطية، والعربية المسلمة.. هي أول امرأة عربية طبيبة (1936)، هي أول عربية سائقة قطار (1958)، هي أول عربية قائدة باخرة (1960)، هي أول عربية تقود الطائرة (1962)، هي أول عربية وزيرة (1983).. هي التي أبت إلاّ أن تكون في الصدارة تأسيسا وفاعلية وتأثيرا، هي موجودة في كلّ المواقع من البيت إلى مواقع العمل والإنتاج، هي الرئيسة والمديرة والمهندسة والطبيبة والعالمة والفلاحة.. هي التي شاركت في الثورة ووقفت ضدّ القهر والظلم والاستبداد وطالبت بتونس حرّة وديمقراطية، هي التي تمثل سيرتها علامة مضيئة في تاريخ تونس، هي التي حفظت اسمها في الذاكرة، هي التي تستحق التحيّة في عيدها الوطني، هي المرأة التونسية بالأمس واليوم وغدا.

 

تفوّق دولي

منح تصنيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" للعام 2020 المرأة التونسية، المرتبة الأولى ضمن قائمة الإفريقيات والعربيات الرائدات في مجال البحث العلمي، حيث أن 55.1 % من الباحثين التونسيين من الإناث، وهي أكبر نسبة في إفريقيا والعالم العربي.

واستند التصنيف إلى بيانات جوان 2020 لمعهد الإحصاء التابع للأمم المتحدة، ومنح تونس أفضل ترتيب، متقدّمة في ذلك على الجزائر بنسبة 47.1 % ومصر 45.6 % وجنوب إفريقيا 44.9 % وعلى المغرب %33.8.

وأشارت اليونسكو في تقرير منفصل في العام الماضي إلى أن 65 % من التونسيين الحاصلين على الباكالوريا و69 % من حملة الدكتوراه كانوا من الإناث.

كما كشف تقرير صادر عن نفس المنظمة في العام 2019، عن تفوّق الباحثات التونسيات دوليا في مجال البحث العلمي والابتكار. وأكّد التقرير أن المرأة التونسية تصدّرت قائمة الدول العربية بنسبة 55 % مقابل متوسط 39 % للمنطقة العربية، وذلك في إطار مقاربة جندرية حول حصة المرأة في مجال البحوث العلمية مقارنة مع الرجل. وأشار التقرير إلى أن 60 % من الطلبة في الجامعات التونسية هم من الإناث وثلثي المتخرجين نساء، وأن نسبة 70 % من المتخرجين في الطب هم من الإناث.

وبالتالي يمثل التعليم أولوية لدى التونسية، ونتيجة ذلك أن نسبة الإناث خريجات الشعب العلمية في تونس مثلت في العام 2019، 58 %، حسب ذات التصنيف لتتفوّق بذلك تونس على إيطاليا وفرنسا وسويسرا. كما احتلت تونس المرتبة الثانية عالميا من حيث نسبة الإناث خريجات الشعب العلمية في التعليم العالي، على غرار علوم التكنولوجيا والهندسة والرياضيات وذلك حسب تصنيف نشره البنك الدولي وشمل 114 دولة خلال الفترة الدراسية الممتدة من 2015 إلى 2017. وهو ما يشير إلى أن المرأة التونسية أصبحت رائدة فعلا على المستوى العالمي.

ولأن التونسية سبّاقة في العالم العربي، ولأنها دائما تطمح إلى المزيد من النجاحات والتفوّق، فقد فازت الطالبة التونسية سندس مرشدي بمنحة وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" للمشاركة في المؤتمر الدولي للفضاء خلال شهر أكتوبر القادم بدبي وذلك من ضمن مئات المترشحين. ومرشدي هي مسؤولة مساعدة بفريق التعاون الدولي بالجمعية التونسية للفضاء، ووقع اختيارها ضمن 5 أشخاص فقط حول العالم للحصول على هذه المنحة الخاصة من وكالة الفضاء الأمريكية لتكون بذلك التونسية والعربية والإفريقية الوحيدة التي يتمّ منحها هذا الشرف لتشارك في أكبر حدث في العالم في مجال الفضاء. ويشار إلى أنه تمّ قبول مرشدي في برنامج دراسات الفضاء بمدينة ميونخ الألمانية حيث ستنطلق بعد أشهر في العمل على رسالة الدكتوراه في هندسة الفضاء.

من جهته، أعلن مجمع "تالنات" القابضة المختص في التكنولوجيات الحديثة لصاحبه محمد فريخة، أن اتفاقية تمّ توقيعها مع وكالة الفضاء الروسية بمناسبة عيد المرأة اليوم 13 أوت 2021، تقضي بتدريب واختبار رائدة فضاء تونسية يتمّ إرسالها نحو المحطة الفضائية الدولية "إ آس آس".

وتتواصل نجاحات المرأة التونسية في مختلف المجالات، حيث تواصل اللاعبة أنس جابر تألقها عالميا وهي التي خطّت اسمها بأحرف من ذهب في أعرق دورات التنس العالمية وصنعت الفرحة في قلوب التونسيين والعرب وحتى الأفارقة.

وبرزت المرأة بشكل لافت خلال الأزمة الصحية التي تعيشها تونس بسبب انتشار فيروس كورونا، ويمكن تبيّن ذلك من خلال الوجوه النسوية التي تعرّف عليها الرأي العام بشكل يومي بصفتهنّ طبيبات مختصات ورئيسات أقسام في مستشفيات عمومية ومختصّات في التحاليل الجرثومية. فاسم الدكتورة نصاف بن عليّة تعرّف عليه التونسيون منذ بداية الأزمة بصفتها مديرة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، وهو مرصد مرجعي في جنوب المتوسط، ثم تعرّف الرأي العام على اسم الدكتورة إلهام بوطيبة باعتبارها رئيسة للمخبر المرجعي للتحاليل الجرثومية بمستشفى شارل نيكول ثمّ تمّ تداول اسم الدكتورة سلمي عبيد باعتبارها المشرفة على إجراء التحاليل حول فيروس كورونا في المخبر المرجعي، الذي هو فعلا مخبر مرجعي جنوب المتوسّط، وغيرهن كثيرات وفي مختلف مجالات الحياة.

 

العنف ضدّ المرأة

ورغم ترسانة القوانين والتشريعات التي تضمن حقوقها وتحميها من الاعتداءات، لازالت المرأة في تونس الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة إذ تزايدت نسبة العنف المسلط عليها خاصة في الفترة الأخيرة.

وفي هذا الصدد، قالت المكلفة بملف مقاومة العنف ضد المرأة بوزارة المرأة والطفولة وكبار السن حنان البنزرتي في وقت سابق، إن الوزارة تلقت على الرقم الأخضر خلال فترة جائحة كورونا، 3 آلاف إشعار عن حالات عنف ضدّ نساء، 70 % منهن تمّ تعنيفهن من قبل أزواجهن، وأشارت إلى أن 71 % من حالات العنف المسجلة هي عنف مادي و11% عنف جنسي و10 % عنف ضدّ الأطفال.

ووفق مسح أجراه "الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري" في العام 2010، فإن نصف النساء التونسيات تعرضن لشكل من أشكال العنف. وفي إطار كشف طبيعة الاعتداءات التي تتعرض لها النساء أظهر المسح أن العنف الجسدي يمثل 31,7% يليها العنف النفسي بنسبة 28,9% والعنف الجنسي بـ15,7% ثم العنف الاقتصادي بـ7,1%.

وفي 2014 رفعت تونس كل التحفظات الخاصة باتفاقية "سيداو" (هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، تهدف للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة) التي صادقت عليها عام 1985، لكنها أبقت على الإعلان العام المتصل بالاتفاقية الذي أكد أن تونس لن تتخذ أي قرار تنظيمي أو تشريعي من شأنه أن يخالف الفصل الأول من الدستور التونسي الذي ينص على أن دين الدولة التونسية هو الإسلام.

وإضافة إلى تزايد العنف الأسري وتواتر حوادث اغتصاب نساء، شاهدنا اعتداءات جسدية ولفظية على نساء في البرلمان، حيث تعرضت النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب سميرة الشواشي للاعتداء اللفظي في رحاب البرلمان من قِبل النائب عبير موسي. واستنكرت أغلب الأحزاب والكتل ''بشدّة الألفاظ المهينة وأسلوب الثلب والقذف العنيف والمستفز المُستعمل من قبل النائب عبير موسي ضدّ النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب خلال ممارسة مهامها بترأسها لجلسة عامّة''، وفق بيان صادر عن كتلة قلب تونس. كما أدانت الكتلة ''بكلّ قوّة السلوك المزدوج والمتناقض للنائب عبير موسي عندما تطالب بالكف عن ممارسة العنف ضدّها وضدّ المرأة والحال أنّها لا تتوانى عن ممارسة العنف لإهانة شخص الشواشي والتحريض ضدّها وتعريض سلامتها الجسدية للخطر''.

كما ذكرت رئاسة الحكومة في وقت سابق أنها أدانت الاعتداء الذي لحق وزيرة التعليم العالي، والاعتداء الذي تعرضت له وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن، من قبل النائب عبير موسي وأعضاء كتلة الحزب الدستوري الحر. وتعرضت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، للضرب من طرف نائب آخر بعد جدل بينهما عقبه هجوم لفظي من النائبة.

ويبقى العنف اللفظي والمادي مرفوضا مهما كانت أسبابه ومهما كان مصدره، وتبقى المرأة التونسية رمز الاجتهاد والتميّز والجدّيّة في العمل على الرغم من العوائق التي تعترضها.

 

مكافحة العنف ضدّ المرأة

وبعد صدور مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956 والتي تمنع تعدّد الزوجات وتمنح حقّ الطلاق للمرأة والحق في التعليم والعمل، عملت المرأة التونسية بعد الثورة بثبات من أجل إرساء المزيد من القوانين والتشريعات التي تضمن الحرية والمساواة بين الجنسين ومكافحة التمييز.

ومن المكاسب التشريعية التي حظي بها التونسيون بعد الثورة دستور 2014، الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي التونسي الذي تمّ انتخابه في 23 أكتوبر 2011. وكرّس هذا الدستور مبدأ المساواة ومكافحة التمييز بين الجنسين في فصليه 21 و46 الذين وردا في باب الحقوق والحريات، ففي الفصل 46 منه "الدولة تلزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها"، فيما نصّ الفصل 21 منه على ما يلي "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز".

وفي سنة 2014 تمّت المصادقة أيضا على القانون الانتخابي وهو القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 والذي وقع تنقيحه لاحقا في فيفري 2017، ويكرّس هذا القانون بدوره المساواة بين الجنسين من خلال مبدأ التناصف في القائمات الانتخابية. وينصّ هذا القانون على التناصف العمودي بين الجنسين في القائمات الانتخابية للأحزاب في الانتخابات التشريعية، والتناصف العمودي والأفقي في الانتخابات البلدية وفق تعديل عام 2017. ويهدف هذا التعديل لإشراك المزيد من النساء في مراكز القرار، وتمكينهن من المشاركة الفعلية في إدارة الشأن العام للبلاد.

ومكافحة لظاهرة التمييز والعنف المسلط على المرأة، وجب إرساء قانون جديد يرتقي إلى مستوى النصوص التشريعية التي تستوفي المعايير الدولية، وفي هذا الإطار أقرّ البرلمان القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 والذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وهو ما اعتبر ثورة تشريعية في هذا السياق. ووفق تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن هذا القانون يقوم على أربع ركائز وهي الوقاية من العنف، حماية النساء ضحايا العنف، تجريم مرتكبي العنف، والإجراءات والخدمات والمؤسسات التي تقدم الإحاطة للنساء ضحايا العنف.

وفي 2015 وتنقيحا للقانون عدد 40 الصادر سنة 1975 والمتعلق باستخراج جوازات ووثائق السفر، صادقت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب على تعديل ينص على إلغاء كل ما هو تمييز بخصوص استخراج جواز سفر القاصر أو سحب جواز السفر أو الترخيص في سفر القاصر إلى الخارج، وأصبح بذلك سفر القاصر خاضعا إلى ترخيص أحد الوالدين أو الولي أو الأم الحاضنة بعد أن كان حصرا على الأب، وهي من المكاسب التي تحققت للمرأة التونسية.

 

news/777.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً