post

كيف يؤثر الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي على الاستثمار وتنشيط الاقتصاد الوطني؟

اقتصاد وأعمال الخميس 06 أكتوبر 2022

في خطوة هي الثانية من نوعها في أقل من 5 أشهر، رفع البنك المركزي التونسي أمس الأربعاء 05 أكتوبر 2022، نسبة الفائدة الرئيسية بـ25 نقطة أساسية لتصل إلى 7,25 بالمائة ونسبتي تسهيلات الإيداع والقرض الهامشي لمدة 24 ساعة لتبلغ 6,25 بالمائة و8,25 بالمائة على التوالي، وذلك بداية من تاريخ 6 أكتوبر 2022، مع مواصلة توخي الحيطة في ما يخص التطورات القادمة لنسبة التضخم. كما قرر المجلس الترفيع في نسبة الفائدة على الادخار بـ 25 نقطة أساسية لتبلغ 6,25 بالمائة.

ورفع البنك المركزي نسبة الفائدة الرئيسية 75 نقطة أساس إلى 7% في ماي الماضي، صعوداً من 6.25%، من أجل احتواء التضخم. وبلغ معدل التضخم 8.2% في جويلية الماضي. واستعرض مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، التطوّرات الأخيرة على الصعيدين الاقتصادي والمالي إلى جانب آفاق التضخم.

على المستوى الوطني

فعلى المستوى الوطني، قال البنك المركزي إنّ النشاط الاقتصادي تضاءل خلال الربع الثاني من سنة 2022 بالنظر خاصة إلى الأداء الضعيف للصناعات غير المعملية.

وفي جانب آخر، قال إنّ الأداء الجيد لنشاط الصناعات المعملية، لاسيما التصديرية خلال النصف الأول من سنة 2022 والذي تواصل في الأشهر الأخيرة، مكن من دعم صادرات البلاد. كما تحسّن الطلب الداخلي بعد رفع جميع القيود الصحية مما أجج الضغوط المسلطة على تدفقات الواردات.

وفي ما يتعلّق بالأسعار عند الاستهلاك، لاحظ المجلس تواصل الارتفاع المتسارع والمعمّم للتضخّم الذي بلغ 8,6 بالمائة في شهر أوت 2022، أيّ أعلى مستوى يتم تسجيله منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود.

وأشار المجلس على وجه الخصوص إلى أنّ التضخم الأساسي "دون اعتبار المواد الغذائية الطازجة والمواد ذات الأسعار المؤطرة"، وبالنظر إلى أنّه يمثّل مقياس المنحى الأساسي للتضخّم، تسارع ليبلغ 8,5 بالمائة في شهر أوت 2022 مقابل 8,2 بالمائة في الشهر السابق و5,3 بالمائة قبل سنة.

على مستوى القطاع الخارجي

وعلى مستوى القطاع الخارجي، اطّلع المجلس على تفاقم العجز الجاري الذي بلغ -5,8 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي خلال الثمانية أشهر الأولى من سنة 2022 مقابل -3,6 بالمائة قبل سنة وذلك جراء تدهور الحاصل التجاري (-10,1 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي مقابل -6,6 بالمائة في نهاية شهر أوت 2021).

وبلغ مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية 23.848 مليون دينار (أيّ ما يعادل 112 يوما من التوريد) بتاريخ 29 سبتمبر 2022 مقابل 23.313 مليون دينار أو 133 يوما من التوريد في موفى سنة 2021.

ولاحظ المجلس أن الضغوط التضخمية ستظل نشيطة حيث يتوقع أن يستمر تأثير جملة العوامل، سواء الداخلية أو الخارجية، التي تزيد حاليا من حدة الضغوط المسلطة على الأسعار عند الاستهلاك وذلك خلال الثلاثيات القادمة. ويمثل ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد في ظل ارتفاع الطلب على وجه الخصوص، مصدرا رئيسيا للضغوط التضخمية بما من شأنه تدعيم التأثيرات التصاعدية الهامة المتأتية من الخارج.

وأعرب المجلس عن انشغاله إزاء المخاطر التصاعدية التي تحيط بالمسار المستقبلي للتضخم، وأكد أهمية تنسيق السياسات الاقتصادية. وفي هذا الإطار، دعا المجلس جميع الأطراف المتداخلة لدعم جهود البنك المركزي في مكافحة التضخم والحفاظ على الاستقرار المالي لتجنب أي انزلاق تضخمي قد يزيد من حدة مواطن الضعف الاقتصادية والمالية.

على الصعيد الدولي

وعلى الصعيد الدولي، أفاد المركزي بأن النمو أصبح في الفترة الأخيرة ضعيفا في أهم الاقتصاديات وواصلت أسعار المواد الأساسية والمواد الأولية وخاصة النفط مسارها التنازلي على الرغم من بقائها في مستويات عالية، في حين بلغ التضخم العالمي معدلات مرتفعة تاريخيا.

وإلى جانب تقيدها بمهمتها في الحفاظ على استقرار الأسعار، استمرت البنوك المركزية في تشديد سياساتها النقدية وهو ما أدّى إلى تعقيد ملحوظ للأوضاع المالية الدولية، وفق البنك المركزي التونسي الذي رجح أن تزداد حدة التوجه التقييدي للسياسات النقدية في أهم الاقتصاديات خلال الفترة القادمة في مقابل الضغوط التضخمية الهامة التي تلوح في الأفق.

وفي ذات السياق، أضاف أنه من المنتظر أن تتفاقم الضغوط التضخمية بفعل أزمة الطاقة التي تخيم على أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء. ويتوقّع البنك المركزي أن تعرف ديناميكية نمو الاقتصاد العالمي تباطؤا، الأمر الذي سيدفع بالعديد من المؤسسات الدولية إلى مراجعة توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي نحو الانخفاض.

غياب سياسات حكومية واضحة

وبخصوص الترفيع  في نسبة الفائدة الرئيسية، قال الخبير وأستاذ الاقتصاد بالجامعة آرام بلحاج في تصريح لـ"مرآة تونس" إن البنوك ستوظف هذا الارتفاع بـ0.25% (25 نقطة أساس) على كل قرض موجه للحرفاء، بـ0.25 يعني أن أي بنك يريد شراء سيولة من البنك المركزي يدفع 7.25% عوض 7%. وبالطبع، سواء أفراد أو شركات.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي معز الجودي في تصريح إذاعي، مساء أمس الأربعاء، إن نسب الفائدة الموظفة على القروض سواء الجارية (على أساس نسب متغيرة) أو المستقبلية، ستتراوح بين 8.5 و10 بالمائة وقد تتجاوز ذلك، بعد قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بـ25 نقطة أساسية لتصبح عند 7.25 بالمائة.

وبين الجودي أن ارتفاع نسب الفائدة في السوق النقدية هو نتيجة حتمية للزيادة في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي. وشدد على أن الانعكاسات ستكون سلبية على الاستثمار وتنشيط الاقتصاد الوطني وسيتعطل بناء على ذلك النمو الذي يتم خلق الثروة ومواطن الشغل على أساسه.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن قرار البنك المركزي كان منتظرا حيث تعد الزيادة في نسبة الفائدة المديرية من أسلحة البنك لكبح التضخم الذي وصل الى رقم قياسي ينذر بالخطر. واعتبر الجودي أن المشكل يكمن في غياب سياسات حكومية واضحة لمجابهة التضخم المالي وتعاضد مجهودات البنك المركزي، ولفت إلى ضرورة وجود تكامل بين السياسة الاقتصادية للحكومة والسياسة النقدية للبنك المركزي من أجل السيطرة على التضخم الذي يواصل منحاه التصاعدي في بقاع العالم.

الترفيع ليس كبيرا

وقال أستاذ المالية بالجامعة التونسية عبد القادر بودريقة في تصريح إذاعي، أمس الأربعاء، إن ترفيع البنك المركزي التونسي في نسبة الفائدة المديرية بـ25 نقطة أساسية لتصبح عند 7.25 بالمائة هو إشارة واضحة تدل على اهتمامه بالمحافظة على استقرار الأسعار والنشاط الاقتصادي في اطار ما يسمح به القانون ومجال تدخله.

واعتبر بودريقة أن الترفيع بـ25 نقطة أساسية في نسبة الفائدة المديرية ليس كبيرا ولا يتوقع أن يؤثر تقنيا وميكانيكيا على ديناميكية الأسعار في البلاد . وشدد على أن البنك المركزي لم يكن يستطيع الترفيع بنسبة أكبر في الفائدة المديرية لأن ذلك يمكن أن يؤدي الى تأثيرات على النشاط الاقتصادي الذي يمر بوضع صعب جدا.

وبيّن أستاذ المالية بالجامعة التونسية أن البنك المركزي التونسي سيجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ وذلك اذا تواصل ارتفاع الأسعار في الفترة القادمة. وأوضح بودريقة أن البنك المركزي قد يجد نفسه مجبرا في حال واصلت الأسعار منحاها التصاعدي على الترفيع بنسبة كبيرة في الفائدة المديرية ما سينعكس بصفة عالية على القدرة الشرائية للمواطنين وكلفة الاستثمار وكلفة التمويل. ويتمثل الخيار الثاني للبنك وفق ما أكده بودريقة، في عدم التدخل وهو ما قد يفتح المجال أمام إمكانية انزلاق خطير للأسعار لا يمكن التحكم فيه.

التضخّم أكبر خطر داهم

من جهته، قال المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي محمد صالح سويلم، في تصريح إذاعي، الأربعاء 5 أكتوبر 2022: "في تونس عشنا بنسبة فائدة مديرية كانت في حدود 11.87 بالمئة عام 1991، ونسبة التضخم كانت في حدود 13.9بالمئة عام 1988".

وأوضح سويلم، أن الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي الغاية منه التقليص من طلب القروض من البنوك التونسية. وأضاف، أن الترفيع في نسبة الفائدة ستكون له انعكاسات على مستوى كتلة القروض، وبالتالي التقليص من الطلب على المنتجات والسلع والخدمات، مما من شأنه أن يرشد الاستهلاك، حسب رأيه.

وتابع سويلم أن ترشيد الاستهلاك، وخاصة فيما يتعلق بالمواد الموردة، سيساهم في التخفيض من التضخم المورّد، وهو ما سيساهم في معالجة المالية العمومية، خاصة وأن المواد الموردة أغلبها تدعمها الدولة كالمحروقات والحبوب.

وشدد المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي على أن التضخم هو أكبر خطر داهم على الاقتصاد بعد الإرهاب، لأنه يتسبب في تآكل المقدرة الشرائية ويمس الاستهلاك والإنتاج ويتسبب في تراجع نسبة النمو الاقتصادي.

ولفت سويلم إلى أن أكثر المواد التي ساهمت في التضخم هي المواد الغذائية والمشروبات نظرًا للارتفاع الجنوني في أسعارها، حسب توصيفه، وأكد ضرورة ترشيد الاستهلاك وبالتالي الحد من التوريد مما قد يخفف من التضخم المستورد، وفق تصوره.

زيادة رمزية

 من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي معز حديدان أن قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية بـ25 نقطة سيكون له تأثير على الفائدة المديرية، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الطبيعيين والمؤسسات الصغرى، إلا أن هذه الزيادة تعتبر ضعيفة مقارنة بنسبة التضخم التي تجاوزت 9 بالمائة.

واعتبر حديدان، في تصريح إذاعي، أمس الأربعاء، أنه لو كان البنك المركزي متعسفا لرفع في نسبة الفائدة الرئيسية الى 100 نقطة. واضاف حديدان أن الترفيع ب25 نقطة فقط يعتبر جيدا للاقتصاد ولكن اكثر منه يصبح ضارا، وشدد على أن البنك المركزي أراد القيام بحركة تثبت محاربته للتضخم.

كما اعتبر حديدان الزيادة في نسبة الفائدة الرئيسية ب25 نقطة فقط هي زيادة رمزية وقرار جيد للبنك المركزي خاصة وان ارتفاع نسبة التضخم ليست محلية بل خارجية.

رفع الفائدة "شرّ لا بد منه"

وفي المقابل، دعا وزير التجارة الأسبق محسن حسن رئاسة الحكومة للتدخل اثر زيادة في الفائدة الرئيسية الى 7.25 % قررها البنك المركزي أمس الأربعاء، لامتصاص السيولة والتحكم في التضخم النقدي.

وقال في تصريح إذاعي، إن رفع الفائدة "شرّ لا بد منه" للتحكم في معدل التضخم الذي بلغ مستويات قياسية بعد الاعلان امس عن نسبة بـ 9.1 %. واعتبر حسن أن هذه الزيادة سيكون لها تأثير سلبي على الأسر والشركات التي اقترضت بنسب فائدة متغيّرة.

وشدد بالقول على انه "من المفروض ان تتدخل الحكومة لمساعدة العائلات الضعيفة ومتوسطة الدخل المطالبة بتسديد قروض بنكية، من خلال دعم الفائدة وهو من شأنه أن يحافظ على القدرة الشرائية للمواطن". كما دعا الحكومة لدعم الفائدة الموظفة على المؤسسات الصغرى والمتوسطة وذلك على مستوى السياسة النقدية، وفق تعبيره. وانتقد في ذات السياق غياب التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي التونسي. ويشار الى أن السياسية النقدية تحت اشراف البنك المركزي بوصفه سلطة نقدية ومؤسسة اصدار.

وأوضح حسن أن اسباب التضخم المسجل تعود الى عدة عوامل خارجية وداخلية، وأشار الى أن دول العالم تعاني بدورها من تفاقم التضخم بفعل تداعيات أزمة كوفيد والحرب في اوكرانيا. وشدّد على أهمية دعم الانتاج المحلي وأساسا الفلاحة في تونس للحد من تداعيات هذه الأزمة على المستهلك التونسي والاقتصاد الوطني بشكل عام.

ويشار إلى أن المعهد الوطني للإحصاء أعلن، الأربعاء 5 أكتوبر 2022، أن نسبة التضخم في تونس واصلت الارتفاع لتبلغ خلال شهر سبتمبر 2022 مستوى 9.1% بعد أن كانت في مستوى 8.6% خلال شهر أوت 2022.

ترفع-1.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً