post

لماذا ترفض القوى السياسية والاجتماعية الحوار الذي دعا إليه سعيّد؟

تونس السبت 07 ماي 2022

على أثر مطالبة عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية، على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، بإجراء حوار وطني لإخراج البلاد من أزمتها، قرر الرئيس قيس سعيد، تشكيل لجنة تسند إليها مهمة إدارة الحوار الوطني.

وأكد سعيّد أن المشاركة مفتوحة لكل من "ساند مسار التصحيح يوم 25 جويلية 2021". واستثنى من هذا الحوار الأحزاب المُعارِضة للمسار، والنواب الذين شاركوا في الجلسة البرلمانية يوم 30 مارس 2022، وصوّتوا خلالها على قانون إنهاء الوضع الاستثنائي الذي يفرضه سعيد منذ 25 جويلية الماضي وعلى إسقاط مراسيمه الرئاسية.

وأعلنت أغلب المنظمات والأحزاب السياسية والشخصيات الحقوقية والقانونية، رفضها قطعيا الحوار الذي يدعو إليه سعيد وفق شروطه المسبقة.

وردا على إعلان سعيّد تشكيل هذه اللجنة، شدد الاتحاد العام التونسي للشغل على رفضه المشاركة في أي حوار سياسي شكلي غير ذي جدوى ويهمش القوى السياسية الوطنية والاجتماعية.

جاء ذلك في بيان صادر عن اتحاد الشغل الجمعة، قالت فيه المنظمة الشغيلة إنها تقدر التزامها بالحوار، فيما تسجل تأخر الدعوة إليه، رافضة تقديم الدروس والتحذيرات وأداء دور الوصاية على النقابة.

كما طالب اتحاد الشغل في بيان مكتبه التنفيذي الجمعة، بحوار حقيقي واسع وغير مشروط، لا قرارات مسبقة فيه ولا تزكية لاستنتاجات معدة سلفا، وشدد على ضرورة الاتفاق على الحوار وأهدافه ومحاوره وأجندته وأشغاله.

الحوار المثمر يُبنى على التشاركية

واعتبر متابعون للشأن العام أن حالة الانقسام التي تسود المشهد السياسي في تونس لا تسمح بإجراء حوار يفرز نتائج يجمع عليها مختلف الفرقاء السياسيين، وتخرج البلاد من أزمتها التي شملت البعد الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي. وأكدوا أن الحوار المثمر يجب أن يُبنى على التشاركية بين مختلف مكونات المشهد السياسي.

ودعم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم، في تصريح صحفي، هذا الطرح، ودعا إلى "تشريك الأحزاب السياسية نظرا لمكانتها في المنظومة السياسية الديمقراطية، ووحده القضاء هو من يستثني من أجرم في حق تونس من المشاركة في رسم ملامحها مستقبلاً".

وأضاف مسلم، أن الرابطة "طالبت بالحوار الوطني، وهي في انتظار تأكيد النقاط التي سيركز عليها هذا الحوار وأهم مخرجاته، لإنقاذ تونس من الأزمة التي تردت فيها". وشدد على "أهمية الحضور الفاعل للمنظمات الوطنية في الحوار من أجل صياغة تصورات تشاركية". وقال مسلم، "إن الرابطة تعمل على التنسيق وتقريب وجهات النظر من أجل أرضية مشتركة، لتقديم الموقف النهائي من هذا الحوار".

الحوار لم ينطلق بعد

وفي سياق متصل بالمشاركة في الحوار الوطني، قال نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي؛ إن عدم مشاركة الرابطة في الحوار الذي يتحدث عنه رئيس الجمهورية قيس سعيّد وارد.

وبخصوص حقيقة انطلاق الحوار كما أعلن عن ذلك سعيّد، أكد الطريفي أن "الحوار لم ينطلق بعد"، وأن "الرابطة لن تشارك في حوار نتائجه محددة ومعلومة مسبقا".

وتمسك الطريفي بتأكيد أن الحوار يكون بجلوس جميع الأطراف على طاولة واحدة وعرض جميع التفاصيل، وشدد على أن الرابطة ترفض المشاركة في حوار يفتقد لأهم الشروط.

وكشف الطريفي أن رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان مع مشاركة الجميع في الحوار، وشدد على أنه "لا حوار مع الناس التي لا تريد الخير لتونس ولا حوار مع القوى الظلامية".

واعتبر الطريفي أنه من الضروري الاستماع لآراء جميع الأطراف وآراء الأحزاب السياسية بخصوص الحوار، وانتقد طريقة تسيير البلاد بمراسيم واتخاذ القرارات بصفة أحادية من قبل الرئيس سعيّد. كما حذر من عملية إقصاء الأحزاب من الشأن العام، واقتصار الحكم بيد الرئيس بصفة فردية.

المصلحة الوطنية أولا

من جانبه، صرح عميد المحامين إبراهيم بودربالة، بأن "إجراء حوار وطني الحل لخروج البلاد من أزماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية"، وشدد على أن المشاركين في الحوار يجب أن "تتوفر فيهم شروط الاستقلالية والبحث عن المصلحة الوطنية والإرادة لتقديم مشاريع تنهي أزمة البلاد".

وأضاف بودربالة، "يفترض في الحوار مناقشة مختلف وجهات النظر من أجل صياغة تصورات مشتركة، يوافق عليها كل المشاركين، لكن واقع الحال في تونس، المتسم بالانقسامات السياسية الحادة، لا يوفر شروطاً موضوعية للحوار، مما يجعل سقف المطالب منه محدوداً، وقد لا تؤدي إلى نتائج ملموسة، لأن رئيس الجمهورية سيمضي في مشروعه السياسي، مهما كان شكل الحوار ومخرجاته".

حوار صوري مشروط

من جهتها، أعلنت عدة أحزاب عن رفضها لأي حوار صوري مشروط يقصيها من المشاركة. وقال بيان صادر عن الحزب الجمهوري إنه "يعبر عن رفضه القطعي دعوة رئيس الجمهورية إلى إقامة حوار صوري يقصي منه الأحزاب السياسية والقوى الحية في البلاد".

وثمن الحزب رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المشاركة في حوار دون الأحزاب، ودعا باقي المنظمات الوطنية للنسج على منواله وعدم التورط ولو بالصمت في تزكية خيارات ستزيد من تعميق الأزمة والدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية، وفق نص البيان.

بدورها، قالت حركة النهضة إنها ترفض مقاربات الحوار الصوري والانتقائي والإقصائي، واعتبرت أن "أي حوار صوري هو إمعانا في تعميق الأزمة السياسية في سياق وضع اقتصادي ومالي يشارف على الانهيار واحتقان اجتماعي متزايد وخطير وانحراف كبير عن الأولويات المعيشية للمواطنين".

ويشار إلى أن سعيد، أعلن في وقت سابق أمام وفد من البرلمانيين الأوروبيين، أن "الحوار قد بدأ فعلاً"، في إشارة إلى اللقاءات التي جمعته بعدد من رؤساء المنظمات الوطنية. وسارع ممثلو المنظمات الذين التقاهم سعيّد، إلى نفي ذلك، وأكدوا أن تلك اللقاءات لم تتناول الحوار المرتقب.

وكان سعيّد أعلن منذ مدة عن انطلاق الحوار الوطني بمشاركة المنظمات الوطنية، بينها اتحاد الشغل ومن يصفهم بالصادقين الداعمين لمسار 25 جويلية. وأكد أن الحوار سيعتمد على نتائج الاستشارة الوطنية، التي وصفها بالناجحة على الرغم من المشاركة المحدودة التي لم تتجاوز 500 ألف مشارك.

وبينما تحتاج تونس اليوم إلى حوار شامل يتم من خلاله تحميل المسؤولية لكل من أخطأ في حق البلاد ومحاسبته قضائياً، والعمل على ابتكار حلول جذرية لمختلف مظاهر الأزمة التي تعيشها البلاد، يخشى المتابعون أن يكون شكل إدارة الحوار، والمشاركون فيه، ونقاطه، ومخرجاته، محددة سلفاً، من قبل سعيد، الذي يريد بلورة إصلاحات سياسية ودستورية وعرضها على الاستفتاء، ما قد يصطدم بمطالب المنظمات الوطنية.

ويذكر أن تونس شهدت عام 2013 حواراً وطنياً، على أثر أزمة اغتيال السياسيين اليساريين، شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، التي أنهت حكم "الترويكا"، وهو ائتلاف حزبي بين حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، أسفر عن تركيز حكومة "تكنوقراط" برئاسة مهدي جمعة في 2014.

ويختلف الحوار الوطني المنتظر في تونس، في سياقه ومضامينه وأهدافه، عن حوار 2013، ويخشى المتابعون أن يكون الحوار الجديد واجهة لتمرير مشروع سياسي غريب على التونسيين، قد لا يسهم في حل أزمات البلاد متعددة الأوجه، بل يزيدها تعقيدا.

inbound3291022407831708017.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً