post

لماذا تعثّرت مسودة الدستور الليبي؟

المغرب العربي الإثنين 17 جانفي 2022

تستمر بعض الأطراف السياسية في ليبيا، متمثلة في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، في عقد اجتماعاتها لرسم ملامح المرحلة المقبلة في هذا البلد، بعد تعثر إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر الماضي، بحسب ما كانت تقتضي خريطة الطريق الأممية للحل السياسي.

فمنذ ذلك التاريخ، بدأ الحديث في ليبيا يدور حول ضرورة تفعيل مسودة الدستور الليبي المعدلة لأكثر من مرة، والتي وافقت عليها الهيئة التأسيسية في عام 2017، والذهاب إلى إجراء انتخابات وفقها بعد الاستفتاء عليها. لكن متابعين يرون أن تفعيل المسودة سيوقظ خلافات سياسية واجتماعية إضافية كانت سبباً في أن تظهر المسودة بشكل ناقص، إذ لم تحل مسائل جوهرية، فضلاً عن شكل الاستفتاء إذا ما تمّ.

وكانت اللجنة الدستورية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي وافقت خلال اجتماع لها عقد في مدينة الغردقة المصرية، مطلع العام الماضي، على إجراء استفتاء على الدستور، وتحصين نتائجه استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي كان مقرراً إجراؤها في 24 ديسمبر الماضي، إلا أن مسار أعمال اللجنة، التي كانت تسيرها الأمم المتحدة، توقف فجأة من دون توضيح أسباب توقفه.

ويحتاج التوافق حول الدستور إلى تعديلات على مواده الخلافية قبل الاستفتاء، ما يتطلب وقتاً أطول من عمر الفترة الانتقالية حتى الانتخابات، والتي حددتها خريطة الطريق جوان المقبل.

وكشف عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور سالم كشلاف، خلال تصريحات صحافية، عن اتفاق الهيئة مع مجلسي النواب والأعلى للدولة على ضرورة تشارك الأجسام الثلاثة في رسم خريطة المرحلة المقبلة، حتى لا ينفرد جسمٌ سياسي بعينه بهذه المهمة، وحتى تكون المرحلة المقبلة توافقية وتُدار وفق المسار الدستوري.

وعلى الرغم من الانهيار والتشظي السياسي الذي عاشته خلال السنوات الماضية، إلا أن ليبيا لا تزال تحتكم إلى دستور مؤقت تم إعداده خلال الأشهر الأخيرة من عام 2011، حين تمّت الإطاحة بنظام معمر القذافي بعد اندلاع الثورة في العام ذاته، كإطار قانوني ينظم الحياة السياسية بعد الثورة، إلى أن تتم صياغة دستور للبلاد على يد هيئة منتخبة ويجري الاستفتاء عليه من قبل الشعب ليتحول إلى دستور دائم.

وقام المسار الدستوري في ليبيا على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى بانتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في فيفري 2014، والثانية بصياغة مسودة المشروع والتي بدأت في جوان 2015، والثالثة هي الاستفتاء عليه، وهي مرحلة لم تتم بعد، على الرغم من تسليم الهيئة مشروع الدستور إلى مجلس النواب في جويلية 2017.

ومرّت المرحلتان الأوليان بالعديد من الصعوبات والعقبات، بدءاً من انتخاب الهيئة التأسيسية في عام 2014، والذي تزامن مع إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر "عملية الكرامة" في بنغازي في أفريل من العام نفسه، ثم الانتخابات البرلمانية الثانية، التي أنتجت مجلس النواب الحالي في أوت 2014، وأدت الخلافات حول نتائجها إلى انقسام البلاد بين برلمانيين وحكومتين.

وأدّت كل هذه الصعوبات إلى تأجيل أعمال الهيئة حتى جوان 2015، عندما شكّلت لجنة عمل لإعداد مسودة الدستور، عرضت الأولى منها في جانفي 2016، والثانية في فيفري من العام ذاته، بعدما خضعت للعديد من التعديلات بسبب معارضة ممثلي الأقليات، الأمازيغ والتبو والطوارق وأنصار التيار الفيدرالي، على بعض موادها.

وفي غضون ذلك، واجهت أعمال الهيئة صعوبات أخرى، تمثلت في اشتداد التنافس السياسي والعسكري في ليبيا. فعلى الرغم من قرار الهيئة النأي بنفسها عن التجاذبات الحاصلة في البلاد، إلا أن اتخاذها مدينة البيضاء، شرقي البلاد، مقراً لها، جرفها إلى دائرة التأثير.

فعلاوة على أن المدينة كانت مقرا أيضاً للحكومة الموازية (في الشرق)، بدأت رقعة سيطرة مليشيات حفتر في الاتساع، ما حدّ من قدرة العديد من أعضاء الهيئة على الوصول إلى مقرها وممارسة أعمالهم، لا سيما ممثلي مناطق غرب ليبيا، الذين كانت تنظر إليهم مليشيات حفتر بعين العداء.

ويضاف إلى ذلك ميْل ممثلي التيار الفيدرالي للمسار السياسي والعسكري في شرق البلاد، وهي ظروف دعت الأمم المتحدة إلى اقتراح نقل أعمال الهيئة إلى خارج ليبيا.

وعلى الرغم من اعتراض بعض أعضاء الهيئة على العمل من خارج البلاد، بحجة رفضهم إعداد دستور ليبيا من خارجها، إلا أن آخرين تمكنوا من عقد جلسات عمل عدة في مدينة صلالة بسلطنة عمان، في مارس 2016، وتواصلوا مع الذين بقوا في ليبيا للوصول إلى توافق حول المواد الخلافية.

وأدى ذلك إلى صياغة مسودة دستور ثالثة صدرت في إفريل 2016. وبدورها واجهت المسودة الثالثة معارضة، وصلت إلى حد تقديم أنصار التيار الفيدرالي طعناً عليها أمام محكمة ابتدائية في مدينة البيضاء، تمّ قبوله وإبطال دستوريتها.

ونتج عن قرار المحكمة أن جمّدت الهيئة أعمالها لقرابة عام، قبل عودتها في مارس 2017 حين بدأت مفاوضات بين أعضائها، بمشاركة ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، للتغلب على خلافاتهم والوصول إلى أكبر قدر ممكن من التوافق حول المواد الخلافية. وانتهت تلك الجهود بالتصويت على المسودة الرابعة والنهائية، في جويلية 2017، بأغلبية الأعضاء.

وعلى الرغم من أن الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور أحالت المسودة الرابعة إلى مجلس النواب لإعدادها للاستفتاء الشعبي، إلا أن المسودة لا تزال في أدراج البرلمان إلى اليوم، حيث يقول المعارضون لها من النواب إنها تشتمل على الكثير من القضايا التي لم يتم حلّها، وإنها لا تزال غير توافقية.

ولا يزال مشروع الدستور الليبي أيضاً يقابل برفض الأقليات (الأمازيغ والطوارق بشكل خاص)، بسبب عدم دسترة لغتهم وحقوقهم الثقافية، معتبرين أن المكوّن العربي يستحوذ على الهيئة ويهيمن على تنظيم أعمالها وقراراتها، بلا أي اعتبار لقرار القوميات الأخرى.

كما أن أنصار التيار الفيدرالي أقدموا على الطعن في المسودة الأخيرة أمام محكمة البيضاء، وبعد قبول الأخيرة بالطعن، أبطلت المحكمة العليا (في طرابلس) قرارها بحجة أنها محكمة مدنية ولا يحق لها البت في الشأن الدستوري.

وفيما لم يتوافق أعضاء الهيئة على شكل الحكم، وما إذا كان برلمانياً أم رئاسياً أم مختلطاً، ظلت أيضاً قضية موارد البلاد مؤجلة لتقررها السلطات التشريعية المقبلة في ظل مطالبة شديدة من أنصار التيار الفيدرالي بضرورة اعتماد تقسيم موارد الدولة وفقاً لتقسيم إقليمي موزع بين شرق وغرب وجنوب، وبإدارة محلية قائمة على نظام الولايات، وإلغاء المركزية.

ويشار إلى أن أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط أجرى، الأحد، مشاورات مع المستشارة الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، بالعاصمة المصرية القاهرة، وأكد الطرفان أهمية إجراء الانتخابات الليبية.

وذكرت وكالة الأنباء المصرية الرسمية في بيان، أن اللقاء شهد استعراض آخر مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، وتم التوافق على أهمية إجراء الانتخابات الليبية لتعكس إرادة الشعب الليبي.

وأكد اللقاء ضرورة مواصلة المسارات العسكرية والأمنية والاقتصادية، بذات الوتيرة التي كانت قائمة قبل تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا.

ويذكر أن أن ويليامز بدأت مساء السبت، زيارة إلى القاهرة، لبحث الأوضاع في ليبيا مع مسؤولين مصريين وممثلي الجامعة العربية ومحاورين ليبيين، وفق ما أكده المتحدث باسم البعثة الأممية في ليبيا جان العلم.

inbound4450966588095163389.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً