post

مائة يوم على انقلاب السودان.. هل يتمكّن الشارع من إجبار العسكر على الرحيل؟

الشرق الأوسط الأربعاء 02 فيفري 2022

أكمل الانقلاب العسكري في السودان 100 يوم في السلطة، تفاقمت فيها أزمته، وأزمات البلاد ككل. وعلى الرغم من اعتماد العسكر العنف سبيلاً لمواجهة حركة الاحتجاجات الواسعة التي لم تنقطع منذ اليوم الأول للانقلاب في 25 أكتوبر الماضي، إلا أن ذلك لم يفلح في ثني السودانيين عن المطالبة بالحكم المدني. وترافق ذلك مع انفضاض معظم الداعمين الدوليين من حولهم باستثناء مصر وإسرائيل، في ظل ضغط المجتمع الدولي لعودة المسار الانتقالي.

ونفّذ قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي، قاطعاً الطريق أمام تحوّل السودان نحو الديمقراطية والمدنية، الذي فرضته ثورة ديسمبر قبل 3 سنوات، خصوصاً أن هذا الانقلاب يُعد الرابع من نوعه.

فقد سبقته ثلاث حكومات عسكرية منذ استقلال البلاد في العام 1956؛ الأولى بين 1958 و1964، تحت حكم الفريق إبراهيم عبود، والثانية بين 1969 و1985 بقيادة المشير جعفر نميري، والأخيرة من 1989 إلى 2019 تحت سطوة الرئيس المعزول عمر البشير.

وعلى عكس الانقلابات السابقة، لم يجد انقلاب البرهان المدعوم من نائبه في مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، ترحيباً شعبياً حتى في اللحظات الأولى من تنفيذه.

فقد خرج مئات الآلاف من السودانيين في صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر، للتعبير عن رفضهم للانقلاب جملةً وتفصيلاً. ولم يجد قادة الانقلاب بُداً من مواجهة المحتجين بالرصاص الحي، ليسقط في ذلك اليوم 8 قتلى، وتتواصل بعد ذلك آلة العنف في مواجهة الحراك الثوري السلمي ضد الانقلاب، ولا شيء غير العنف.

مليونيات

وخلال مائة يوم، خرج السودانيون 21 مرة في مليونيات في أكثر من 20 مدينة سودانية مثل الخرطوم العاصمة، وود مدني بوسط البلاد، وعطبرة بشمال السودان، ونيالا والأبيض والفاشر غرباً، والقضارف وكسلا وبورتسودان شرقاً. كما شهدت العديد من الأحياء تظاهرات ليلية بعدد أصغر من المحتجين.

ونفذ السودانيون منذ وقوع الانقلاب، عصياناً مدنياً مرتين؛ الأول في أيام الانقلاب الأولى، والثاني بعد مقتل 7 من المتظاهرين في مليونية 17 جانفي الماضي.

ونفذت الأجسام النقابية والمهنية في المقابل، أكثر من 10 وقفات احتجاجية بمختلف القطاعات، وأضرب الأطباء عن التعامل مع الحالات غير الطارئة لأسابيع. كما أغلق مناهضو الانقلاب في أكثر من مناسبة، الطرقات والشوارع. ولعبت لجان المقاومة السودانية، والتنظيمات النقابية والأحزاب السياسية، دوراً بارزاً في تحريك وتطوير مقاومة الانقلاب.

عنف مفرط

واجه الانقلاب العسكري الحراك الثوري بالعنف المفرط، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية محلية ودولية. وأدى ذلك العنف لمقتل 79 شخصاً من المشاركين في الاحتجاجات الشعبية اليومية، حتى تاريخ 30 جانفي الماضي، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، فيما تشير تقارير أخرى إلى إصابة أكثر من 2200 شخص، بعضهم إصاباتهم جسيمة وتسببت لهم في إعاقات دائمة.

كما أعاد الانقلاب صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية، ومنحها حق الاعتقال على أساس الشبهات، بموجب قانون الطوارئ المفروض منذ اليوم الأول للانقلاب.

وكانت حصيلة ذلك في الأيام الأولى، اعتقال نحو 100 من قيادات أحزاب "قوى إعلان الحرية والتغيير" وأعضاء "لجنة إزالة التمكين"، أطلق سراحهم لاحقاً بموجب اتفاق بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعد إعادته لمنصبه في 21 نوفمبر الماضي.

وفي الأثناء، استمرت حملات الاعتقال وسط كوادر وأعضاء لجان المقاومة السودانية، طوال المائة يوم الماضية، وعادة ما تُشنّ هذه الحملات قبل يوم من المليونيات.

غياب رؤية سياسية

وسياسيا، وبتقديرات كثيرين، لم يمتلك الانقلاب العسكري منذ يومه الأول وحتى الآن، أي رؤية سياسية لإدارة البلاد، وعجز لنحو شهر عن تشكيل حكومة، حتى اضطر في 21 نوفمبر الماضي، لعقد صفقة اتفاق سياسي مع حمدوك قضت بعودة الأخير لمنصبه وإعادة العمل بالوثيقة الدستورية التي جمد الانقلاب كثيرا من بنودها. كذلك، قضى الاتفاق بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة.

وعجز الانقلاب عن تنفيذ ما وعد به من إكمال بقية مؤسسات الفترة الانتقالية، مثل المجلس التشريعي الانتقالي (البرلمان) والمحكمة الدستورية، والمفوضيات المستقلة.

كما لم يخطُ خطوة واحدة في طريق إعادة هيكلة القوات المسلحة، وتنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة باتفاق السلام مع الحركات المسلحة. وكل ما فعله الانقلاب، هو إعادة تشكيل مجلس السيادة، بما أبقى الأعضاء العسكريين في مناصبهم مع إضافة 5 مدنيين جدد.

وعدا ذلك، فشل العسكر في استقطاب قوى سياسية لصالحهم، وحتى تلك التي ساندت انقلابهم في البداية، بدأت في الهروب لاحقاً قبل غرق المركب، فيما لا تزال مواقف قوى أخرى متأرجحة.

وفي الثاني من جانفي الماضي، سحب حمدوك الغطاء من جديد عن الانقلاب، باستقالته من منصب رئيس الوزراء ومهام تشكيل حكومة جديدة، ليعيش الانقلاب حالة جديدة من الوهن والتخبط، إذ لم يستطع تعيين بديل في منصب رئيس الحكومة إلى الآن، واكتفى بتكليف عثمان حسين، الأمين العام لمجلس الوزراء، بمهمة رئيس الوزراء، وتكليف وكلاء الوزارات بتسيير مهام الوزارات.

وعلى الرغم من إزاحته المباشرة لـ"قوى إعلان الحرية والتغيير" من المشهد، عاد الانقلاب العسكري في الأسابيع الماضية للحديث عن أهمية الحوار السياسي للخروج من الأزمة، ووجد ضالته في مبادرة تقدمت بها بعثة الأمم المتحدة في السودان، في الثامن من جانفي الماضي، لجمع أطراف الأزمة على طاولة حوار. ودخلت البعثة عملياً منذ ذلك الوقت في مشاورات مع الأطراف السودانية، وكرر العسكر في أكثر من مناسبة ترحيبهم بمبادرتها.

عزلة دولية

وخارجيا، قوبل الانقلاب العسكري بعزلة دولية غير مسبوقة، فقد أعلنت الكثير من الدول المهتمة بالملف السوداني، رفضها له، وضغطت من أجل التراجع عنه.

وأعلنت الولايات المتحدة وقف المساعدات للسودان، والتي كانت بدأت بتقديمها في عهد حكومة حمدوك، وأوقفت كذلك مؤسسات التمويل الدولية مثل "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" كل المساعدات المالية والاقتصادية والدعم لبرامج الإصلاح الاقتصادي في السودان. كما علق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان فيه.

وكذلك، عمدت الولايات المتحدة للضغط على حلفاء الانقلاب أو الداعمين المفترضين له، مثل السعودية والإمارات، للتوقيع على بيان رباعي ضم الدولتين الأخيرتين ومعهما أميركا نفسها والمملكة المتحدة، يدين الانقلاب العسكري ويدعو لعودة الحكم المدني.

وساند المجتمع الدولي بدايةً بقوة الاتفاق السياسي بين الانقلابيين وحمدوك، لكن تلك المساندة تراجعت إلى نقطة الصفر، في ظل الرفض الشعبي للاتفاق، وعدم تجاوب الأحزاب السياسية معه، ليعلق المجتمع الدولي آماله من جديد على جهود الأمم المتحدة الحالية.

والاستثناء الوحيد للانقلاب، هو الدعم الذي وجده بشكل واضح من مصر، التي بدت متهمة منذ البداية في التخطيط للانقلاب، وتشجيع البرهان عليه. وهو ما أكدته تسريبات تحدثت عن زيارة سرية قام بها البرهان لمصر قبل ساعات من ساعة صفر الانقلاب، هذا عدا عن زيارات أخرى لمدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل للخرطوم.

كما امتنعت القاهرة عن التوقيع على البيان الرباعي الصادر عن الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسعودية، والإمارات. كل ذلك قاد إلى تصاعد خطاب عدائي سوداني تجاه مصر، وتحديداً النظام السياسي فيها، وهو ما برز في الهتافات المناوئة لمصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي أثناء التظاهرات الشعبية ضد الانقلاب.

وتجلى هذا الغضب أكثر، من خلال إقدام محتجين في شمال السودان، على قطع الطريق بين السودان ومصر، لوقف التبادل التجاري بين البلدين، على اعتقاد أن مصر هي الرابح الأكبر من ذلك التبادل باستيرادها لكثير من المواد الخام من السودان.

وهناك دعم من نوع آخر يجده عسكر السودان من إسرائيل، وهو الدعم المتواصل منذ اللقاء الذي جمع البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في أوغندا عام 2020، للتمهيد للتطبيع السوداني الإسرائيلي، وهو المسار الذي وقفت ضده "قوى إعلان الحرية والتغيير" أثناء مشاركتها الحكم مع العسكر.

وكان العسكر استبق انقلابه بأسبوعين، بزيارة لإسرائيل قادها حميدتي. ويعتقد أنه خلال تلك الزيارة، وافقت تل أبيب على تقديم دعم للانقلاب يتصل بتقنيات لقطع الاتصالات وخدمات الإنترنت أثناء العملية الانقلابية، وفي أيام التظاهرات. كما زار وفد أمني إسرائيلي السودان في الأسابيع الماضية، بينما تكتم الانقلابيون على نتائج تلك الزيارة.

inbound9138146187052177396.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً