post

ماهي أبرز ملامح مسودّة دستور الجمهورية الجديدة؟

تونس الثلاثاء 21 جوان 2022

تسلّم الرئيس قيس سعيد، مسودة الدستور الجديد، الذي أعدته "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، خلال الأسبوعين الماضيين، وسط رفض واعتراض حزبي وسياسي ومدني واسع.

واستقبل سعيّد، أمس الاثنين، منسّق الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، صادق بلعيد، الذي أمدّه بمشروع الدستور الذي تم إعداده في إطار الهيئة.

وسينشر مشروع الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء، بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، في أجل أقصاه 30 جوان الجاري، وذلك إعدادا للاستفتاء المزمع عقده في 25 جويلية المقبل.

وشرعت الهيئة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية، في الحوار الوطني والاجتماعات في 4 جوان، حتى 18 من مفس الشهر، آخر اجتماعاتها. وأشارت، بحسب تصريحات مسيّريها، إلى أنها عقدت 4 جلسات حوارية. فيما يجهل التونسيون أي تفاصيل عن اللجنة القانونية الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور وكواليس اجتماعاتها.

ولا يعلم أحد بعدُ ملامح هذا الدستور ولا حتى محتواه، في انتظار نشره لعموم التونسيين، سواء من الرئيس أو من منسق اللجنة الاستشارية.

أمة دينها الإسلام

وعلّق رئيس الجمهورية قيس سعيد اليوم الثلاثاء 21 جوان 2022 خلال حضوره بمطار تونس قرطاج الدولي لتوديع الحجيج في أولى رحلاتهم الى البقاع المقدسة، على إلغاء عبارات "تونس دولة دينها الإسلام" من الدستور الذي يقع إعداده حاليا، وقال إن "الله قال كنتم خير أمة أخرجت للناس ولم يقل كنتم خير دولة أخرجت للناس".

وبيّن سعيّد بأن الدولة هي ذات معنوية كالشركة والمؤسسات الإدارية وهي لن تدخل الجنة أو جهنم وأن الأمر يتعلق بالإنسان بمفرده. كما شدد على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مقاصد الاسلام، وأضاف أن القاعدة القانونية والعبادات كلها بمقاصدها. وتابع في هذا الإطار "ليس الهدف الصلاة والصيام والحج وإنما المقصد من هذه العبادات".

وأكد سعيّد أن أهم شيء هو أن لا نشرك بالله أحدا، وقال "للأسف في ظل الأنظمة الدكتاتورية يصنعون الأصنام ثم يعبدونها وهذا نوع من الشرك يصنعون اللات والعزة في القرن 21 والاسلام براء منهم"، وأعلن سعيد أن في الدستور القادم لتونس لا نتحدث عن دولة دينها الإسلام بل عن أمة دينها الإسلام.

وظائف لا سلط

وقال سعيد إن أبرز ملامح الدستور القادم هو ضمان وحدة الدولة. واعتبر أن ما حدث منذ 2014 هو تفكيك الدولة وأن القضية ليست في طبيعة النظام أن يكون رئاسيا أم برلمانيا بل المهم هو أن تكون السيادة للشعب.

وأكد رئيس الجمهورية أن السلطة للشعب وبقية الوظائف هي وظائف وليست سلطة وأن هناك الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية. وقال سعيد إن أهم شيء لتحقيق الديمقراطية هو التوازن بين السلط والاستجابة لمطالب التونسيين الاقتصادية والاجتماعية.

وندد سعيد في سياق متصل، بعدم تطبيق القوانين وربط تطبيقها بأوامر ترتيبية لا تصدر أبدا، واعتبر أن الانسان في حد ذاته ثروة ولابد من تمكينه من الآليات القانونية لتحقيق الثروة، وهو الغرض من الشركات الأهلية، وفق تعبيره.

وشدد رئيس الجمهورية على ضرورة وضع حد للاحتكار والترفيع في الأسعار ومظاهر الغش، وقال إن الدولة عليها ان تتحمل مسؤوليتها ولا يمكن تحقيق العدل إلا بقضاء مستقل ونزيه.

تناقض التصريحات

وصُدم خبراء القانون الدستوري ببعض ملامح الدستور الجديد التي كشفها تناقض التصريحات وتضاربها بين رئيس الهيئة الاستشارية الصادق بلعيد وأستاذ القانون أمين محفوظ ورئيس اللجنة الاقتصادية إبراهيم بودربالة.

وصرّح رئيس الهيئة الاستشارية الصادق بلعيد، عقب الاجتماع الأخير للجنتين، السبت، بأنّ "مسودة الدستور ستتضمّن مبادئ عامّة ومواد من الدساتير الماضية، على غرار بعض المواد التي تخصّ مجال الحريات، الواردة في دستور 2014، فضلا عن بعض مكاسب دستور 1959".

واعتبر بلعيد أنّ "ما يميّز هذا الدستور عن الدساتير السابقة هو اهتمامه بالجانب الاقتصادي، باعتبار أنّ المرحلة الراهنة تقتضي إرساء نظام سياسي يدفع باقتصاد البلاد إلى الأمام"، وبيّن أنّ الباب الأول من الدستور سيكون خاصا بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية وسبل النهوض بالاقتصاد التونسي.

ووفقا لبلعيد، فإن النظام السياسي الجديد لتونس لن يكون نظاما رئاسيا ولا حتى برلمانيا، بل سيكون ''نظاما تونسيا صميما، والباب الأول من الدستور الجديد بعد التوطئة يتعلق بأسس النهوض بالاقتصاد".

وبحسب تصريح سابق لبلعيد، فإن "الدستور الجديد سيعمل على تغيير طبيعة الحكومة، والتي ستتحول بمقتضاه إلى هيئة حُكمية ستفقد سلطتها التنفيذية، وستكون بالتالي ذات سلطة مبادرة ومراقبة فقط وستكلف بالنظام الاقتصادي".

وقال بلعيد إن "رئيس الجمهورية صاحب السلطة التنفيذية يعد أعلى من الهياكل الحزبية، ويقوم بتعيين رئيس الهيئة الحكومية بعد الانتخابات، وبإمكان رئيس الجمهورية تعيين شخص آخر إذا لم ينجح رئيس الهيئة الأول في منصبه، لكن إذا فشل رئيس الجمهورية في تعيين شخص ثان يتخلى رئيس الجمهورية عن الحكم فورا".

وأما البرلمان، فإن دوره سيقتصر على الجانب التشريعي، وفق تأكيدات بلعيد، الذي أبدى تحفظات إزاء مبدأ الفصل بين السلطات، واعتبر أن هذا المبدأ "غير مواكب للعصر"، وهو ما يحيل إلى إمكانية تدخّل السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية في عمل السلطة التشريعية وهي البرلمان.

ولم يستبعد بلعيد، في تصريحاته، إمكانية "الاستغناء عن الهيئات الدستورية التي أنشئت في إطار محاصصة حزبية وتقسيم السلطة"، ورحّب بإمكانية إنشاء هيئات جديدة، بحسب قوله.

نظام رئاسي

وفوجئ الخبراء والمتابعون بتسريب جزء نص من الدستور الجديد، وسرعان ما عبر رئيس اللجنة الاقتصادية بودربالة عن أسفه لذلك، وأكد أنه "مجرد عمل أولي لا غير، وهي حصيلة ما قام بلعيد بتجميعه من مقترحات من قبل الشخصيات الوطنية التي قدّمت مقترحاتها".

وأكد بودربالة في تصريح إذاعي، أمس الإثنين، أن "النظام السياسي القديم ودستور 2014 وثغراته والحياة السياسية ما قبل 25 جويلية، هي التي دفعت الهيئة الاستشارية للتفكير في نمط سياسي يتماشى مع الوضعية التي تمر بها تونس".

وأكد بودربالة أن "اللجنة ارتأت الرجوع إلى النظام الرئاسي الذي يتولى فيه الرئيس تعيين حكومة تكون مسؤولة أمامه وهو رئيس السلطة التنفيذية"، وأضاف أن "العمل التشريعي ستقتصر صلاحياته على مراقبة عمل الحكومة وتوجيه أسئلة ولوائح لوم لها".

وأفاد بأن "بلعيد سيقدم اليوم النسخة الجاهزة من مشروع الدستور الجديد للرئيس قيس سعيد، والذي سيقوم بمراجعته ونشره يوم 30 جوان للشعب التونسي للاستفتاء".

توازن بين السلط

وقال أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، مساء أمس الاثنين، إن مقترح مشروع الدستور ينص على "نظام سياسي ديمقراطي يضمن علوية الدستور والحقوق والحريات ويسمح بإيجاد نظام سياسي مستقر فيه توازن بين السلط".

وأضاف، في تصريح تلفزي، أنه سيكون هناك انسجام داخل السلطة التنفيذية، بشكل لا يسمح بوجود خصومات وضغط داخلها، وأضاف أنه "سيكون هناك شخص فقط في السلطة التنفيذية ماسك بزمام الأمور ويكون هناك من يساعده".

أما بخصوص السلطة التشريعية، ذكر محفوظ أنه سيتم خلق نوع من التوازن بشكل يسمح بتوزيع متوازن للصلاحيات، دون أن يوضح أكثر تفاصيل ذلك.

أما فيما يتعلق بالقضاء، قال أستاذ القانون الدستوري إنه تم "الأخذ بعيد الاعتبار النقائص ونقاط الضعف للتنصيص على بعض المسائل، حتى يرجع القضاء إلى دوره وضمان علوية الدستور. ورفض محفوظ الرد عن سؤال ما إذا سيكون القضاء في تونس سلطة أو وظيفة، مصرحًا: ستكتشفون ذلك.

وعن عمل "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" التي أعدت مقترح مشروع الدستور، أقر محفوظ بعدم مشاركة أساتذة القانون والعمداء في كليات الحقوق بتونس فيما يعرف باللجنة القانونية التي تمثل إحدى اللجان المكونة للهيئة الوطنية المكلفة بصياغة مقترح مشروع دستور للجمهورية الجديدة، وفق ما نص عليه المرسوم الرئاسي الصادر في 20 ماي 2022 والمتعلق بتكوين هيئة التأسيس لجمهورية جديدة، واعتبر أن ذلك "خلق صعوبات وضغطًا وظروفًا صعبة لعمل الهيئة".

وعبّر محفوظ عن أمله في أن يستدعي الرئيس فريق الهيئة للنظر معه في المسائل التي سيتم نشرها في الوثيقة الأولية لمشروع الدستور، آملًا أن يقع نشره في 25 جوان الجاري.

رفض مشروع الدستور

وقوبل مشروع الدستور الجديد برفض غير مسبوق من الأحزاب والحركات السياسية والمنظمات والمجتمع المدني، وبانتقادات من قبل خبراء القانون الدستوري والاقتصاد لمسار صياغته، ولما صدر عن ممثلي اللجنة الاستشارية من ملامح.

وعلّق الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، على الوثيقة المسرّبة لباب السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي سيتضمنها مشروع الدستور الجديد، وقال إنه "إذا ثبت أن هذه التسريبات الوثيقة الرسمية فعلى الدنيا السلام".

واعتبر الطبوبي، في تصريح صحفي أمس الإثنين، على هامش اجتماع نقابي، أنّ "الدستور ليس موضوعا إنشائيا ولابدّ أن يتضمن فقط عناوين رئيسية حول الحقوق الثابتة".

خارطة طريق

وبحسب خارطة الطريق التي كشف عنها الرئيس نهاية العام الماضي، من المنتظر أن تكتب اللجنة المكلفة مشروع دستور جديد بناء على المقترحات المجمعة من الاستشارة الإلكترونية، التي لم يشارك فيها سوى 7 بالمئة من المعنيين بالحق الانتخابي، قبل أن يقع عرض المشروع على استفتاء شعبي في 25 جويلية المقبل.

وبعد ذلك، سيدعو سعيّد التونسيين للمشاركة في انتخابات تشريعية، دون رئاسية، سابقة لأوانها بناء على النظامين السياسي والانتخابي الجديدين، في ذكرى اندلاع الثورة التونسية الموافقة لـ17 ديسمبر 2022.

واعتبارا من اليوم الثلاثاء، سيتم فتح باب إيداع تصاريح المشاركة في حملة الاستفتاء، ليغلق في 27 جوان على الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي (17:00 ت.غ.)، وفق الروزنامة التي أعلنت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، على أن تبت الهيئة في تصاريح المشاركة في حملة الاستفتاء في أجل أقصاه 28 من الشهر ذاته.

ويتم فتح باب إيداع التصاريح بتحديد الموقف من مشروع النص المعروض على الاستفتاء يوم الجمعة 1 جويلية، ويغلق بعد ذلك بيوم واحد لتنطلق حملة الاستفتاء بالداخل، في حين تخصص الفترة الممتدة بين 1 و21 جويلية لحملة الاستفتاء بالخارج.

وتوافق فترة الصمت الانتخابي بالداخل الأحد 24 جويلية ابتداء من الساعة صفر وتمتد إلى حد غلق آخر مكتب اقتراع، في حين توافق فترة الصمت بالخارج يوم الجمعة 22 جويلية ابتداء من الساعة صفر، وتمتد إلى حد غلق آخر مكتب اقتراع.

ويجري الاقتراع للاستفتاء بالداخل يوم الاثنين 25 جويلية، وأيام السبت والأحد والاثنين 23 و24 و25 من الشهر ذاته بالنسبة إلى التونسيين المقيمين بالخارج.

ووفقا للرائد الرسمي، فإن السؤال الوحيد في الاستفتاء سيكون: "هل توافق على الدستور الجديد؟"، وذكر الرائد أن الاقتراع سيبدأ في السادسة صباحا وينتهي في العاشرة ليلا بالتوقيت المحلي (ت.غ. +1)، يوم 25 جويلية المقبل.

ويتم الإعلان عن النتائج الأولية للاستفتاء في أجل أقصاه الخميس 28 جويلية 2022، وتتولى الهيئة التصريح بالنتائج النهائية إثر انقضاء الطعون في أجل لا يتجاوز الأحد 28 أوت 2022.

inbound1351774693839177409.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً