post

معركة سعيّد ضدّ القضاء.. إلى متى يتواصل خيار التصعيد؟

تونس السبت 12 فيفري 2022

يجتمع القضاة التونسيون، اليوم السبت، مجددا، بدعوة من جمعية القضاة التونسيين، لبحث الخطوات الجديدة لمواجهة قرار الرئيس قيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء.

ويأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة احتجاجات، بدأت بإضراب عام يوم الأربعاء الماضي، وانتهت بوقفة احتجاجية حاشدة، أول أمس الخميس، بدعوة أيضاً من الجمعية.

وتقود هذه الجمعية اليوم المعركة ضد قرارات سعيّد، بحكم تمثيلها لشريحة واسعة من القضاة، ولعل مما له رمزية أن يتزامن ذلك مع احتفال القضاة هذه الأيام بالذكرى الـ32 لنشأة "جمعية القضاة التونسيين"، وذلك في 11 فيفري عام 1990.

وهو التاريخ الذي أعاد القاضي أحمد الرحموني، الرئيس السابق والشرفي لـ"جمعية القضاة التونسيين"، التذكير به، أمس الجمعة، عبر حسابه بموقع "فايسبوك".

وقال الرحموني في تدوينته: "لا شك أن القضاة، مهما اختلفوا، يتفقون على ارتباطهم العاطفي والتاريخي بجمعية القضاة التونسيين التي ساهمت عبر أجيالها المختلفة في الدفاع، ولو بتفاوت، عن المصالح المعنوية والمادية للقضاة".

وأضاف "ليس بعيداً في التاريخ ما دفعه مناضلو الجمعية والمتعاطفون معها، كثمن طبيعي، دفاعاً عن استقلال القضاء، وعن أفكارهم التي آمنوا بها على امتداد عشرين سنة من حكم الدكتاتورية، وهي اليوم تخوض معركة جديدة دفاعاً عن المجلس الأعلى للقضاء ودستور البلاد وسيادة القانون".

ويجتمع القضاة، اليوم السبت، لبحث الخيارات الفعلية المتاحة أمامهم، بعد تأكيد الرئيس قيس سعيّد، أول أمس الخميس، أنه "سيتم إصدار مرسوم بحل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس آخر"، وذلك في ردّ على ما وصفه بـ"تشكيك البعض'' في نيته حل المجلس.

وقال سعيّد خلال افتتاح جلسة مجلس الوزراء: ''ليكن واضحاً للجميع بأن هذا المجلس سيتم حله بمقتضى المرسوم الذي سينظر فيه مجلس الوزراء وسيتم تعويضه بمجلس آخر، ولا مجال للتشكيك في هذا الخيار، لأن الشعب يريد تطهير البلاد، وتونس يجب أن تطهر، ولا يمكن تطهيرها إلا بتطهير القضاء".

ويأتي تشديد سعيّد على قرار حل المجلس الأعلى للقضاء بعد أن كانت وزيرة العدل ليلى جفّال أكدت، قبل ذلك بيوم، أن الرئيس لن يحل المجلس، بل سيغيّر تركيبته وقانونه، بما يعني أن سعيّد دخل في تحد واضح للجميع ويسعى لتمرير ما يريده بالقوة.

ورد المجلس الأعلى للقضاء، في بيان مساء الخميس، بتجديد "رفضه المطلق المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية بمقتضى المراسيم، والتأسيس لوضع انتقالي يتعارض مع الدستور ومصلحة العدالة وحقوق المواطنين والضمانات الهيكلية والوظيفية المكفولة للقضاة".

واعتبر المجلس في بيانه أنه "بتركيبته الحالية، هو المؤسسة الدستورية الشرعية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائية"، وأن "إحداث أي جسم انتقالي بديل له، هو في عداد المعدوم ولا أثر قانونياً له".

ويطرح هذان الموقفان احتمال أن يصل الوضع إلى لحظة تكون فيها منظومة العدالة في تونس ممثلة بكيانين متوازيين، وربما يتحوّل الأمر إلى قضاة تابعين للمجلس الأعلى للقضاء، وآخرين تابعين للمجلس الجديد الذي سينشئه سعيّد، خصوصاً أن كل مراسيم الرئيس غير قابلة للطعن أو المراجعة.

وعلّق جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، على هذه الفرضية بالقول إن "المجلس الذي سيعلنه سعيّد سيكون موازياً، لأن المجلس الحقيقي يستند إلى القانون والدستور، أما المجلس الجديد فليس هناك ما يسنده قانونياً عدا مراسيم مؤقتة وضعها رئيس الجمهورية". وأوضح المسعودي أن قرارات سعيّد لا تلزمهم كقضاة، وهم ملتزمون بتطبيق القانون واحترام الدستور "فلا يستطيع قاض ألا يحترم القانون".

وأكدت جمعية القضاة الشبان في مؤتمر صحفي، أمس الجمعة، أنها "لن تصمت على قرار حل المجلس الأعلى للقضاء، وأن التصعيد قد يصل إلى الاستقالات الجماعية"، وشدّدت على أن "سعيّد يقود ثورة مضادة".

والمتابع لتطورات هذه المعركة، يلاحظ تسرعاً واضحاً في خطوات الرئيس واستعجالاً في إنهائها، وكأنه يسابق الزمن الذي ينقضي منه بسرعة شديدة، قبل موعد الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية في 25 جويلية المقبل، والانتخابات المبكرة في 17 ديسمبر المقبل، في إطار المسار الذي كان أعلن عنه سعيّد في 13 ديسمبر الماضي.

ومر شهران تقريباً منذ أن أعلن الرئيس عن هذا المسار، بينما المعارضة تتوسع يوماً بعد يوم، والضغوط الدولية تتزايد، فيما تتراجع كل المؤشرات الاقتصادية، إيذاناً ربما بالانهيار الذي سيعصف بكل شيء.

وفي هذا السياق، أوضحت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين روضة قرافي، في كلمة لها خلال وقفة احتجاجية للقضاة بقصر العدالة، أول أمس، خلفية معركة سعيّد ضد القضاء.

وقالت "إن الرئيس يريد تصفية القضاة لتمرير قانون الصلح الجزائي"، وأشارت إلى أن "الصلح الجزائي بمثابة بعث محكمة استثنائية، ولا وجود له في تصنيف القضاء التونسي. وموقف المجلس الأعلى للقضاء من هذا الأمر جعل الرئيس يسرّع في حل المجلس".

وقانون الصلح الجزائي خاص بالمتورطين في الجرائم الاقتصادية والمالية. ويعتزم سعيد، كما ذكر مرّات عديدة، إصدار مرسوم للصلح الجزائي مع هؤلاء المتورطين، وممن يتهمهم بنهب ثروات ومقدرات البلاد والملك العام طوال السنوات الماضية.

ويراهن سعيّد على مشروع الصلح الجزائي بهدف استعادة هذه الأموال وتوظيفها في تحقيق مشاريع استثمارية وتنموية في البلاد يتكفل بها كل من تورط في النهب.

inbound2167064839494818112.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً