post

هروب أسرى سجن "جلبوع" .. فصل جديد من ملحمة المقاومة الفلسطينية

الشرق الأوسط الإثنين 06 سبتمبر 2021

مرآة تونس - هزار الفرشيشي

استيقظ العالم، فجر اليوم السادس من سبتمبر، على ملحمة بطولية خطّتها سواعد فلسطينية من داخل أكثر السجون الصهيونية تحصينا، سجن "جلبوع" الذي يطلق عليه اسم "الخزنة" لشدّة إحكام الحراسة فيه واستحالة الفرار منه. ستّة أبطال بواسل يصدق فيهم القول: 
"لو سجنوا جسمك يا محارب
أو غطوا منك العيون
تبقى الحر ويبقى الغاصب
بديارك هو المسجون"  

ويقع "غوانتانامو الإسرائيلي"، كما يطلق عليه البعض، في منطقة غور بيسان في أراضي 48، وأنشئ تحت إشراف خبراء إيرلنديين ليفتتح سنة 2004. وقد خصّصه الكيان الصهيوني لأسر الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات داخل الأراضي المحتلة. ويعتبر سجن "جلبوع" أكثر سجون الاحتلال غموضا، حيث لا يعرف ما يرتكب داخله من انتهاكات في حق الأسرى. ويحيط بأسواره صاج مطلي يستحيل تسلقه عوض الأسلاك الشائكة، ونصبت على نوافذه قضبان مصنعة من الحديد والإسمنت، كما أن أرضيته لا تسمح بالحفر. 

"أوهن من بيت العنكبوت"

شكّل فرار ستّة أسرى من "الخزنة" صدمة في الأوساط السياسية والأمنية لدى الاحتلال، حادثة وصفتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" بـ "دراما في أحد أكثر السجون تحصينا في إسرائيل: في الصباح الباكر، اكتشفت مصلحة السجون اختفاء الأسرى بعد ساعات قليلة من تمكنهم من الفرار، عبر نفق حفر في السجن". 
حالة ارتباك عمّت السجن بمجرّد اكتشاف عملية هروب المعتقلين، حيث اتضح، على الساعة الرابعة فجرا، فرار ستّة أسرى دون اكتشاف طريقة الهروب. وفي ظل سرعة تناقل الخبر وتفاصيله، كشفت مصلحة السجون التابعة للاحتلال عن المعلومات الأولية، لتقرّ على الساعة التاسعة صباحا بأول إخفاقاتها المتمثلة في وضع ستّة أسرى من جنين في غرفة مشتركة، وذلك خلافا للإجراءات المعمول بها، علاوة على أن بعضهم مصنّف لدى إدارة السجون بأنه يشكل خطرا بما يتعلق باستعداده للفرار.

والأسرى الستة هم: 
•    زكرياء الزبيدي (45 عاما)، وهو القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين، معتقل من فيفري 2019 ولم يصدر بحقّه حكم بعد. 
إضافة إلى خمسة أسرى من الجهاد الإسلامي من منطقة جنين، وهم: 
•    مناضل يعقوب نفيعات (32 عاما)، معتقل منذ سنة 2020، ولم يصدر بحقّه حكم على غرار الزبيدي. 
•    محمد قاسم عارضة (39 عاما)، معتقل منذ ماي 2002، محكوم بالمؤبد 23 مرة إضافة إلى السجن 20 عاما. 
•    يعقوب محمود قادري (39 عاما)، معتقل منذ أكتوبر 2003، محكوم بالسجن 35 عاما وبالمؤبد مرتين. 
•    أيهم فؤاد كمامجي (35 عاما)، اعتقل يوم 4 جويلية 2006، محكوم بالسجن المؤبد مرتين. 
•    محمود عبد الله عارضة (46 عاما)، معتقل منذ سبتمبر 1996، محكوم بالسجن المؤبد إضافة إلى 15 عاما. 

وحسب المعلومات الأولية حول كواليس وتفاصيل عملية الهروب التي تم الكشف عنها، فقد تمكن الأسرى من الهرب عبر خط المجاري الموجود بجوار زنزانتهم بواسطة فتحة أسفل المرحاض، وخرجوا منها باتجاه المنطقة الجنوبية من السجن، وهي المنطقة المؤدية إلى السهول والأحراش. 
وقد أوردت صحيفة "هآرتس": "يعتقد مسؤولو السجن أن الستة فرّوا عبر نفق يصل خارج جدران السجن تمكنوا من حفره خلال الأشهر القليلة الماضية"، وأضافت "أفاد جهاز الأمن العام (الشاباك) أن السجناء نسقوا مع أشخاص خارج السجن باستخدام هاتف محمول مهرب، وكانت لديهم سيارة هروب في انتظارهم". واستنادا الى الصحيفة ذاتها، فقد "تمت ملاحظتهم لأول مرة من قبل المزارعين المحليين الذين أبلغوا الشرطة عنهم، بعد أن اعتقدوا أنهم لصوص". 

عمليّة فريدة من نوعها، أحرجت سلطات الاحتلال وكسرت شوكتها، ونسفت أسطورة "الخزنة" التي لا يمكن أن تقهر، وقد وصف مسؤول في مصلحة السجون، في حديثه لصحيفة "هآرتس"، الهروب من سجن "جلبوع" بالإخفاق غير المسبوق للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، قائلا إنه "هكذا يحدث عند تعيين أشخاص عديمي الخبرة في مثل هذه المناصب الحساسة".
كما عبّرت المؤسسة الأمنية عن مخاوفها بأن الأسرى الستة، وبينهم أشخاص نفذوا عمليات، قد يحاولون تنفيذ عمليات أخرى والفرار من الأراضي المحتلة عبر الحدود مع الأردن أو قطاع غزة أو سوريا. 

الخشية من الانتقام 

في إجراء وقائي، شرعت مصلحة السجون الصهيونية بنقل الأسرى من سجن "جلبوع" إلى سجون أخرى خوفا من وجود أنفاق إضافية ومخططات للهرب لدى بقية المعتقلين. وطالبت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، في بيان اليوم، المؤسسات الحقوقية والإنسانية، خاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتوجه فورا إلى سجن "جلبوع" والكشف عن مصير أكثر من 400 أسير نُقلوا منه إلى أماكن مجهولة. 
وعبّرت الهيئة عن قلقها من التعتيم الكبير حول أسرى سجن "جلبوع" وظروف نقلهم، محذرةً من أن تنصب ردود فعل الاحتلال على الانتقام منهم، وذلك في محاولة للتغطية على فشل إدارة السجون والحكومة الناتج عن تمكن الأسرى الستة من التخطيط لهذا الهروب وتنفيذه. 
كما حمّلت الهيئة حكومة الاحتلال المسؤولية كاملة عن حياة الأسرى الفارّين، إذ أن محاولة البحث عنهم والوصول لهم مبنية على "أسس إجرامية ممنهجة"، وحذّرت من أن المساس بحياتهم في حال العثور عليهم قد يؤدي الى انفجار حقيقي داخل السجون وخارجها. ودعت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين مؤسسات المجتمع الدولي، إلى تحذير الاحتلال وجيشه من خطورة ذلك. 
يأتي ذلك في ظلّ مواصلة ستّة أسرى في سجون الاحتلال الإضراب عن الطعام رفضًا للاعتقال الإداري. 

أسرى فلسطين: سجل حافل بتحدّي السجان

ليست المرة الأولى التي يتحدّى فيها الأسير الفلسطيني سجّانه، فمحاولات الفرار من سجون الاحتلال عديدة، منها ما نجح ومنها ما فشل، ونذكر في هذا السياق أهمّها: 
شهدت سنة 1958، أكبر عملية هروب من سجون الاحتلال الصهيوني، حيث شهد سجن "شطّة" شمالي الأغوار، مواجهات بين 190 معتقلا فلسطينيا وسجّانيهم، أدّت إلى استشهاد 11 أسيرا ومقتل سجّانين اثنين ونجاح 77 أسيرا في الفرار. حادثة بطولية عقبتها ثلاث عمليات فرار للأسير حمزة يونس من حيفا على التوالي في سنة 1964، فسنة 1967، ثم سنة 1971. 
كما تمكن ابن رام الله، محمود عبد الله حمّاد، من الهروب خلال نقله من سجن إلى آخر في نوفمبر 1969. ولم يقتصر الفرار على السجون، بل نجح ناصر عيسى حامد، في الهروب من محكمة الاحتلال برام الله في 27 جانفي 1983، لكنه اضطر لتسليم نفسه بعد أيام من المطاردة. 
وفي سنة 1987، وقع "الهروب الكبير" من سجن غزة، بعد قص قضبان نافذة المرحاض. عملية خطط لها الشهيد والأسير السابق مصباح الصوري الذي سبق أن حاول الهروب من سجن بئر السّبع أكثر من مرة. 

أما في سنة 1990، فقد تمكن الأسير عمر النايف، من مدينة جنين، من الفرار من السجن عندما نقل للعلاج في مستشفى ببيت لحم إثر إضرابه عن الطعام، وذلك بعد مضي أربع سنوات من اعتقاله. ثم نجح في المغادرة إلى الأردن ومنها إلى بلغاريا عام 1994، أين وقع اغتياله داخل مبنى السفارة الفلسطينية في 26 فيفري 2016. 
وعرفت سنة 1996 أول هروب لأسير فلسطيني عبر نفق، حيث نجح كلّ من غسان مهداوي وتوفيق الزبن في الهرب من سجن "كفار يونا" عبر نفق بطول 11 مترا، وذلك بعد خلع البلاط، باستخدام مسمار سميك خُلِع من أحد الأبواب القديمة في السجن، لكن الاحتلال أعاد اعتقال مهداوي في العام الموالي، فيما اعتقل الزبن سنة 2000. 
أما عن الأسير أمجد الديك، فقد كان في بداية عشريناته عندما اعتُقل على حاجز لجيش الاحتلال قرب قريته عام 2001. وخلال توقيفه الذي استمر نحو عامين، التقى في سجن عوفر بابن بلدته كفر نعمة، الشهيد رياض خليفة، قائد سرايا القدس في رام الله. وخلال فترة سجنهما، قررا مع الأسير خالد شنايطه، الهروب من السجن، وبالفعل تمكن ثلاثتهم على مدار 17 يوما من حفر نفق بطول 15 مترا، يمتد من الغرفة التي كانوا فيها إلى خارج السجن، باستخدام الملاعق وأظافرهم. وهرب الرفاق الثلاثة ليلة 22 ماي سنة 2003، واكتشف أمرهم بعد ساعات خلال العدّ الصباحي.  

وبحلول السادس من سبتمبر 2021، سطّر الأسرى الفلسطينيون فصلا جديدا من ملحمة المقاومة وكسر شوكة المحتلّ بفرارهم من أعتى سجون الاحتلال وأكثرها حراسة، ليثبتوا للعالم صدق أبي القاسم الشابي عندما قال: 
"إذا الشعب يوما أراد الحياة 
فلا بدّ أن يستجيب القدر 
ولا بدّ للّيل أن ينجلي
ولا بد للقيد أن ينكسر"

galleries/هروب-سر-سجن-جلبوع-01.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً