post

هل أصبح خُبز التونسيين مهدّدا؟

اقتصاد وأعمال الإثنين 27 ديسمبر 2021

طالب أصحاب المخابز العصرية والمصنفة بـ"العشوائية" بولاية جندوبة، أمس الأحد، الحكومة بضرورة إلغاء القرار الوزاري المؤرخ في 1 نوفمبر من السنة المنقضية 2020 المتعلق بتنظيم صنع وعرض وبيع مادة الخبز وعدم التمييز بينهم وبين المخابز المدعّمة.

وشددوا على ضرورة التخلي على الفقرة من هذا القرار المحددة لشكل الخبز المخول بيعه ووزنه والملزم بعدم تجاوز طول "الباقات" الواحدة المخول لهم صناعتها ووزنها على التوالي 20 صم و150 غ.

كما طالبوا بضرورة عدم التمييز بين المخابز العصرية والمصنفة بـ"العشوائية" وبين بقية المخابز التي تعتبرها وزارة التجارة مخابز نظامية استنادا على ما تحصل عليه من دعم يشمل مادة الفارينة والزيت والملح والوقود والكهرباء والسكر والماء وغيرها من المنح التي لا يتمتع بها سواهم من أصحاب المخابز العصرية والتي يناهز عددها 1300 مخبزة منتشرة في كافة مدن البلاد.

واعتبر رئيس اللجنة الجهوية للمخابز العصرية كمال الحمراني، خلال جلسة عقدت بين عدد من أصحاب المخابز بالجهة تداولوا فيها مستجدات الوضع، أن المرحلة لم تعد قابلة للتحمّل وفق تقديره. واستند في ذلك إلى نقص وغياب مادة الفارينة وامتناع المطاحن الكبرى عن تزويدهم وتمسك وزارة التجارة بقوانين وقرارات لم تعد قابلة للتنفيذ والمحاججة.

واعتبر الحمراني في تصريح صحفي، أن منع تعليق لافتة تشير إلى طبيعة واسم المؤسسة كمخبزة وحصر طول الباقات الواحدة في 20 صم ووزنها في حدود 150 صم لم يعد له أي معنى فعلاوة على أنه مخالف للوثائق التي تسلمها وزارة المالية وبقية المصالح المؤشرة على طبيعة النشاط والتي تنص على الاختصاص في صناعة الخبز، فإن المستهلك لا يطلب الخبز بذلك الحجم وبذلك الوزن وإن وجد فهو محدود للغاية ويدخل تحت دائرة الاستثناء.

بدوره، اعتبر رئيس الغرفة الوطنية للمخابز العصرية بمنظمة "كوناكت" عبد الكريم بن محرز أن تمسّك وزارة التجارة وبقية الوزارات المعنية على غرار وزارة الفلاحة والداخلية بإنفاذ أمر علي يعود إلى سنة 1956 ورغم مرور ما يفوق 66 سنة وفي قطاع مثل قطاع المخابز العصرية والذي بات يوفّر ما لا يقل عن 40 بالمائة من حاجيات التونسيين من مادة الخبز (حوالي 1300 مخبزة) يعدّ، حسب قوله، فضيحة ويدل على أن المتحكمين في القطاع باتوا أقوى من أجهزة الدولة، على حدّ تعبيره.

وشدّد على أن هذا التمشي الذي لا يرى فيه جميع المهنيين والمراقبين أي جدوى اقتصادية أو اجتماعية خاصة أنه لم يحقق إلى حد اليوم سوى سوء التصرف في المواد المدعمة لمادة الخبز وتغذية جيوب المضاربين ومزيد استغلالهم واحتكارهم للسوق ذلك أن سعر 100 كلغ من الفرينة المخصصة لصناعة الباقات المدعمة بالنسبة إلى المخابز النظامية والمصنفة لا يتعدى 22 د يسترجع منها صاحب المخبزة 13.700د على كل قنطار تم شراؤه دون احتساب ما يحصل عليه من منح أخرى تتعلق بصناعة الخبز.

ولفت في ذات السياق إلى أن مجموع ما ينتجه القنطار الواحد من الفارينة المدعمة لا يتجاوز من 560 باقات والمحددة سعرها نظريا بـ190 مليما (عمليا بـ200 مليم) وهو ما يعني أن 100 كلغ من الفارينة توفر لصاحب المخبزة المدعمة مبلغا لا يقل عن 106 دنانير أي ما يفوق ألف دينار عن كل طن من مادة الفرينة والتي يتم شراؤها عمليا بـ83 دينار أي بتحقيق ربح يفوق 860 د عن تحويل كل طن إلى خبز.

وفي المقابل يشتري أصحاب المخابز العصرية المائة كلغ من الفارينة بـ51.600 د إذا ما توفرت في المطاحن الكبرى وبأكثر من 70 د عند التزود من السوق والذي يمنعه القرار الوزاري. وأشار إلى أن هذه المخابز التي تتزود بمادة الفارينة ولا تتمتع بأي شكل من أشكال الدعم تشغل نحو 16 ألف عامل وفق احصائيات سنة 2021 وملتزمة ومواظبة على دفع الضرائب ومساهماتها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي يستوجبها نشاطها.

ويرى بعض المختصين أن خبز التونسيين بات مهدداً بعد زيادات متصاعدة في أسعار الحبوب بالسوق العالمية وعدم كفاية المخزونات المحلية، ما دفع الحكومة مؤخرا إلى زيادة أسعار الحبوب عند الإنتاج بعد سنوات من المماطلة تحسّبا لاستمرار أزمة نقص المعروض في الأشهر المقبلة.

وأعلنت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري مؤخرا عن رفع أسعار الحبوب للإنتاج المحلي بالنسبة إلى الموسم الزراعي 2021/ 2022 بزيادة قدرت بـ13 دينارا للقنطار الواحد لكل أصناف الحبوب. وقالت الوزارة في بيان لها، إن هذا الرفع "يندرج في إطار الحرص على توفير الظروف الملائمة لإنجاح موسم الزراعة، ودعم الفلاحين النشطين في قطاع الزراعات الكبرى وتحفيزهم من أجل تطوير الإنتاج".

وتسعى الوزارة عبر زيادة سعر الحبوب عند الإنتاج إلى تفادي أزمة مخزونات القمح التي قد تنتج عن مزيد من تراجع الإنتاج المحلي الذي أثرت فيه مواسم الجفاف وزيادة أسعار مدخلات الإنتاج، ما تسبب في إقصاء صغار الفلاحين من نشاط الزراعات الكبرى.

لكن تونس تواجه صعوبات سداد فواتير وارادات القمح، حيث أكّد المدير الجهوي لديوان الحبوب في صفاقس رضوان قمار، في تصريح إذاعي، أنه تم تفريغ شحنة باخرة من ضمن 4 بواخر محمّلة بالحبوب المستوردة. وأضاف أنه تم اتمام جميع الإجراءات الديوانية والمالية الخاصة بباخرة ثانية ومن المنتظر أن تدخل للميناء ويتم تفريغ شحنتها. وأوضح قمار في سياق متصل، أن المفاوضات جارية مع رئاسة الحكومة من أجل إيجاد حلول للباخرتين المتبقيتين في أقرب وقت.

ويذكر أن كاتب عام النقابة الأساسية لديوان الحبوب عادل مرزوق، أكد أن الديوان عاجز عن سداد فواتير 4 شحنات من الحبوب لا تزال البواخر التي تحملها راسية في عرض البحر فيما تتحمل الدولة خسائر يومية عن انتظار البواخر.

وقال مرزوق في تصريح صحفي، إن 4 بواخر وصلت في تواريخ مختلفة منذ شهر نوفمبر الماضي وديسمبر الجاري محملة بشحنات قمح صلب وقمح لين وشعير راسية في المنطقة المكشوفة قبالة جزيرة قرقنة من ولاية صفاقس في انتظار سداد رسوم الشحنات والإذن بتفريغها.

وأشار مرزوق إلى أنه لم يتم خلاص هذه البواخر لتفريغها، مما سيتسبّب في خسائر يومية في شكل رسوم تأخير تتراوح بين 10 و20 ألف دولار على كل باخرة. وأكد أن الشحنات موزعة بين 25 ألف طن من الحبوب والثانية 26 ألف طن والثالثة 18 ألف طن والرابعة 8 آلاف طن.

ويعتبر اتحاد الفلاحة أن الزيادة في سعر الحبوب لا تزال دون المأمول رغم أهميتها، واعتبر أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والسيادة الغذائية يتطلبان اعتماد آلية السعر المتحرك بالنظر إلى تواصل ارتفاع سعر كلفة الإنتاج.

وقال عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الفلاحة والصيد البحري المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية، إن الزيادة في سعر الحبوب عند الإنتاج في بداية موسم الحصاد تمنع جزئيا انسحابات جديدة للفلاحين من النشاط، وأكد أن عوامل مناخية وأخرى ناتجة عن كلفة الإنتاج تسببت في تراجع مستوى الإنتاج المحلي من الحبوب في السنوات الأخيرة.

واعتبر رجايبية أن الزراعات الكبرى هي أهم عنصر في الأمن الغذائي للتونسيين الذين يستهلكون أكثر من 70 بالمائة من القمح اللين المورد و50 بالمائة من القمح الصلب القادم من وراء البحار.

وأشار إلى أن تحسين المردودية المالية للفلاحين يحفّز على الإنتاج، لكنه طالب بحلول جذرية لإنهاء أزمة إنتاج الحبوب، وذلك عبر اعتماد آلية السعر المتحرك وفقا للسعر العالمي، لتجنّب أزمة المخزونات وارتدادات الزيادات في السوق العالمية على الموازنة العامة للدولة واحتياطي النقد الأجنبي.

ويذكر أن تونس تعتبر من بين أكبر البلدان المستوردة للحبوب، حيث تتراوح احتياجات البلاد من هذه المادة الحيوية بين 30 و32 مليون قنطار سنويا، ولا تنتج منها إلا 10 ملايين قنطار، ويعود ذلك بالأساس إلى خلل منظومتي الاستهلاك والدعم.

وتستورد تونس قرابة 70 بالمائة من حاجياتها من الحبوب، وذلك بالأسعار العالمية التي شهدت في الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا، ليتجاوز سعر القنطار 110 دنانير عند وصوله إلى البلاد، علما أن استيراد القمح يكلف الدولة ما بين 1.6 و2 مليار دينار سنويا تسددها تونس بالعملة الأجنبية.

ويشار إلى أنه رغم ضعف المخزونات وتقلص الإنتاج المحلي لا تزال الأسر التونسية تهدر خبزا ومعجنات بقيمة 35 مليون دولار سنويا. وحسب دراسة للمعهد الوطني للاستهلاك، تتصدر مادة الخبز قائمة المواد الغذائية المهدرة في البلاد، حيث يتم إلقاء 113 ألف طن منها سنوياً، بمعدل 42 كيلوغراماً لكل أسرة. وتخسر الأسر التونسية سنويا ما قيمته 321 دولارا من تبذير الخبز، فيما تتكبد الدولة 35 مليون دولار جراء تبذير الخبز المصنوع من الحبوب الموردة، وفق الدراسة.

رفع-الخبز.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً