post

هل أن تمويل ميزانية 2022 رهين الاتفاق مع صندوق النقد؟

اقتصاد وأعمال السبت 08 جانفي 2022

تواجه الحكومة انتقادات حادة بسبب قانون المالية لسنة 2022، فيما حمّلت أغلب الأحزاب والمنظمات الرئيس قيس سعيّد مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع باعتباره يحتكر كل السلطات بموجب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها منذ 25 جويلية الماضي. وأوضحت وثيقة "مسربة" تفاصيل التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وأكد وزير المالية الأسبق سليم بسباس، أن "احتياجات تمويل ميزانية تونس 2022، وخاصة الخارجية منها، مرتهنة بفرضية التعاقد مع صندوق النقد الدولي". وأوضح أن "الاتفاق مع صندوق النقد مرتبط بالانطلاق في الإصلاحات بالمحاور الرئيسية التي يحرص الصندوق على إقرارها".

وتتمثل هذه الإصلاحات، حسب بسباس، "في الضغط على كتلة الأجور والوصول بها إلى مستوى مقبول، حسب المعايير الدولية، حيث يجب ألا تتجاوز 12 أو 13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي"، إضافة إلى "رفع الدعم الكلّي عن المحروقات وتوجيهه بكل شفافية إلى الفئات المستهدفة، إضافة إلى إصلاح المؤسسات العمومية".

وشدّد على أن "المهم أن يقبل الصندوق بالإصلاحات المقدمة من طرف الحكومة، وبالتالي الموافقة على برنامج جديد.. باعتبار حساسية هذه الإصلاحات وتداعياتها الاجتماعية وحتى السياسية، يحرص الصندوق على أن تكون هذه الإصلاحات في إطار مناخ من التوافق السياسي والاجتماعي".

وأكد بسباس أن "التحدّي بالنسبة إلى الحكومة، للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد وإنجاز ميزانيتها، مرتبط بتنفيذ الإصلاحات ومدى مقبوليتها السياسية والاجتماعية".

وأشار الوزير السابق إلى أن "التململ الاجتماعي، وخاصة عدم اتفاق الطبقة السياسية على برنامج الإصلاح السياسي الذي أعلنه رئيس الجمهورية، كلها مؤشرات على أن مناخ الوئام الاجتماعي والتوافق السياسي والاستقرار المؤسساتي هو تحدٍّ".

وحول الفرضيات التي بنيت عليها موازنة 2022، قال بسباس إن فرضية سعر برميل النفط عند 75 دولارا للبرميل هي فرضية معقولة، رغم أن الوضع العالمي مرتبط بمدى قدرة الاقتصادات على الانتصار على جائحة كورونا وعودة الطلب".

من جهته، اعتبر المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية محمد صالح العياري أن قانون المالية لعام 2022 تم إعداده في ظروف استثنائية.

وقال العياري: "لا يمكن طلب المستحيل من الحكومة في إعداد قانون مالية في ظرف شهرين، مع الأخذ بالاعتبار كل الصعوبات السياسية والاقتصادية التي مرت بها بلادنا".

وأكد العياري أن "قانون المالية فيه عديد الإجراءات، لكن ليس فيه كل شيء.. كنا نتمنى أن يتضمن بعض الإجراءات الجريئة والإصلاحات الهامة، لكن نظرا للظروف الاستثنائية، لم تتمكن وزارة المالية من إدخال العديد من الإجراءات".

وأضاف أن "هناك قانون مالية تعديلي، وننتظر من الحكومة أن تحضره في ماي المقبل، وفيه كل الإجراءات التي يمكنها دفع هام للاستثمار وخلق مواطن الشغل".

وكشفت منظّمة أنا يقظ عن أنّ برنامج الاصلاحات، الذّي أعدته الحكومة استعدادا للتفاوض مع صندوق النقد الدولي يتضمن "عديد الاصلاحات للخروج من الأزمة"، تعلّقت، أساسا، بتجميد الزيادة في الأجور في القطاع العام بين سنتي 2022 و2024 إلى جانب تجميد الإنتداب في الوظيفة العموميّة والقطاع العام.

ويأتي إعلان المنظمة عن نوايا الحكومة بالاعتماد على وثيقة حصلت على نسخة منها ووضعت الرابط الخاص بها على صفحتها على شبكة التواصل، وعبرت عن رفضها لما تنتهجه الحكومة "من تعتيم وافصاحها لصندوق النقد الدولي لما تخفيه عن شعبها".

وبحسب أنا يقظ، فإنّ البرنامج يتضمن، أيضا، الرفع التدريجي لدعم المحروقات إلى أن تبلغ سعرها الحقيقي (2022-2026) وكذلك، الترفيع في معاليم استغلال الكهرباء والغاز ووضع منظومة إلكترونية تسمح بالتسجيل والتصرف في التحويلات المالية للفئات المعنية بتلقي التعويض عن رفع دعم المواد الأساسية ابتداء من سنة 2023.

كما يقترح البرنامج التخلي عن الديون العموميّة المتخلّدة بذمة المؤسسات العموميّة ومراجعة سياسة الدولة في علاقة بمساهماتها في رؤوس أموال المؤسسات العمومية "غير الاستراتيجية" وصولا إلى التفويت فيها (بداية من 2022).

ويذكر أن محافظ البنك المركزي مروان العبّاسي، أعلن منذ يوم 10 ديسمبر 2021 أن اتفاقا بخصوص سلسلة من الاصلاحات الواقعية والمقبولة يمكن التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي قبل نهاية الثلاثي الأوّل من سنة 2022. وأفاد بأنّ البنك المركزي والحكومة يعملان بشكل يومي بهدف تقديم مشروع تونسي لصندوق النقد الدولي".

من جهته، استنكر الاتحاد العام التونسي للشغل ما أسماه بالغموض والسرية في المفاوضات الجارية بين رئاسة الحكومة وصندوق النقد الدولي، وأكد غياب أي صيغة تشاركية داخلية لخوض هذه الجولة من المفاوضات.

ودعا الاتحاد إلى احترام مبدأ الشفافية وحق النفاذ إلى المعلومة وإشراك المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني في تسطير مسار هذه المفاوضات بما يضمن وضوحها ونديتها وحفاظها على مصلحة الشعب.

كما دعا إلى الإسراع بتدقيق تجربة المفاوضات السابقة مع صندوق النقد الدولي قبل الخوض في جولة جديدة، معلنا عن رفضه لأي مفاوضة لم يساهم في إعداد أهدافها وبرامجها ومآلاتها.

واستنكر الاتحاد ما اعتبره أسلوبا انفراديا وارتجاليا في صياغة واعتماد قانون الميزانية العمومية لسنة 2022 الذي صادق عليه رئيس الجمهورية قبل أيام من نهاية سنة 2021.

واعتبر أن ميزانية 2022 غير قادرة على تلبية المطالب الاجتماعية الملحة والاستحقاقات الاقتصادية الضرورية. وأشار إلى أنها تكرس نفس "الإجراءات الإدارية الفاشلة المعتمدة منذ عقود في غياب التشاور والاستماع إلى الرأي الآخر".

وجدد مطالبته الحكومة بتنفيذ الالتزامات كمراجعة الأجر الأدنى وتطبيق الاتفاقيات القطاعية المبرمة لاسيما تلك التي تضمنها اتفاق 6 فيفري 2021.

ودعا إلى فتح المفاوضات حول الزيادة في أجور أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام ونشر الأوامر المتعلّقة بها وإنهاء كلّ أشكال العمل الهشّ كالحضائر والاعتمادات المفوّضة وصيغ التعاقد في عدد من القطاعات.

كما طالب الحكومة باستئناف الحوار الاجتماعي وفتح مفاوضات في أجور أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام والشروع في معالجة الملفّات الأساسية بصفة تشاركية وإنقاذ المؤسسات العمومية عبر عملية الإصلاح وليس التفويت.

من جانب آخر، حمّل اتحاد الشغل الحكومة المسؤولية في عدم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف ارتفاع الأسعار ومنع الاحتكار وإنقاذ المقدرة الشرائية للتونسيين.

وتعتزم مبادرة "مواطنون ضدّ الانقلاب" مقاضاة الرئيس قيس سعيّد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية سهام البوغديري بسبب قانون المالية، على اعتبار أنه "مخالف للدستور" كونه أقّر من دون العودة إلى البرلمان الذي جمّد سعيّد أعماله، و"سيؤدي بالبلاد إلى الإفلاس" كونه جرى إعداده لأول مرة في تاريخ البلاد دون مناقشته مع المنظمات الوطنية الكبرى. كما دعت المبادرة، التونسيين إلى المشاركة في "يوم غضب عارم ضد الانقلاب"، في ذكرى ثورة 14 جانفي.

وتصاعدت حدة الضغوط الاقتصادية والمالية على تونس ضمن تداعيات الأزمة السياسية في البلاد، منذ أن بدأ سعيّد إجراءات وصفها بـ"الاستثنائية" في 25 جويلية الماضي.

وفي 23 ديسمبر الجاري، قال سعيّد إنه "لم تكن هناك اختيارات كثيرة لإدخال الإصلاحات المطلوبة من الشعب (في مرسوم قانون المالية) بالنظر إلى الأوضاع المتراكمة"، وفق بيان للرئاسة.

وأعلنت الحكومة، في 28 ديسمبر الماضي، عن قانون المالية لعام 2022، بعد تأخير بنحو شهر عن آجاله الدستورية، بنحو 57.2 مليار دينار (19.8 مليار دولار). ويُقدّر حجم الاقتراض الخارجي بـ12.6 مليار دينار مقارنة بـ12.1 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لعام 2021. وقدر العجز الأولي بـ3 مليارات دولار، أي ما يعادل 6.7% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.

وتضمن مشروع قانون الموازنة، الذي جرى إعداده لأول مرة في تاريخ البلاد دون مناقشته مع المنظمات الوطنية الكبرى، ودون مداولة برلمانية، العديد من الأحكام التي تشمل الزيادة في الضرائب على معلوم الجولان على العربات بنسبة 10 بالمائة، إلى جانب الترفيع في المعاليم الجمركية على المواد الموردة التي لها مثيل مصنوع محليا.

وتضمن مشروع الميزانية، أيضا، تفاصيل خطة لتسريح الموظفين في القطاع الحكومي ممن تجاوزوا سن 57 عاما في إطار برنامج المغادرة الطوعية بهدف حوكمة كتلة الأجور..

الدن-العموم-2.png

من الممكن أن يعجبك أيضاً