post

هل يمكن القبول بحلّ المجلس الأعلى للقضاء؟

تونس الإثنين 07 فيفري 2022

توسّعت حلقة الرافضين لتوجه الرئيس قيس سعيّد، لحل المجلس الأعلى للقضاء، بشكل غير مسبوق، لتتابع البيانات الحزبية والمهنية والمنظمات المدنية المناهضة لهذا الخيار، الذي سيضرب استقلال القضاء بجمع كامل السلطات والانفراد بها.

وتصاعد غضب القضاة مع تصريحات سعيّد وتهجمه على هذا الهيكل الدستوري المسؤول على تنظيم المرفق القضائي والضامن لاستقلالية القضاة عن السلطة التنفيذية.

المجلس الأعلى للقضاء

وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر: "سنواصل القيام بمهامنا، ولا مشروعية ولا شرعية ولا دستورية لما قد يتخذ من مراسيم في علاقة بحل المجلس الأعلى للقضاء".

وأضاف بوزاخر: "نحن نعتبر أنفسنا من الحاضر ومن المستقبل إلى حين تسليم العهدة لمن يتم انتخابه طبقاً للقانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء، وطبقاً لدستور البلاد، ونواصل القيام بمهامنا".

وأوضح بوزاخر أنه "لم يتم حل المجلس الأعلى للقضاء فعلياً، ولكن تم استدعاء الناس للتظاهر والمطالبة بحل المجلس والتحريض عليه لتبرير قرار قد يتم اتخاذه". واعتبر أن "هذه الطريقة لا تليق بمؤسسات دولة محترمة"، وأوضح أن "الرئيس تحدث من مقر وزارة الداخلية، مع ما لذلك من دلالات". وقال بوزاخر: "من الواضح أن رئاسة الجمهورية تسعى لضرب استقلالية السلطة القضائية، مجسدة بالمجلس الأعلى للقضاء".

جمعية القضاة

من جانبها، عبّرت جمعية القضاة التونسيين الأحد في بيان لها، عن رفضها الشديد لكل محاولات المساس بالسلطة القضائية وبالمجلس الأعلى للقضاء من قبل الرئيس سعيد، واستنكرت "التجييش والتهديد والدعوات للعنف ضدّ القضاة وضدّ المجلس وأعضائه".

وأعلن بيان المكتب التنفيذي للجمعية عن التمسك باستحقاق المحاسبة لكل من حاد على واجب النزاهة والاستقلالية، ضمن مسارات قانونية وبملفات مؤسسة بعيدا عن منطق الفوضى والعنف.

كما اعتبر البيان أن "ما أعلن عنه رئيس الجمهورية، هو إنكار لدعائم النظام الديمقراطي من استقلال دستوري وقانوني وهيكلي ووظيفي للقضاء، وهدم لمؤسساته الدستورية وتقويض لبنائه الدستوري".

ونوّه إلى أنه "يشكّل تراجعا خطيرا وغير مسبوق عن المكتسبات الدستورية، وسعيا لإخضاع القضاء للسلطة التنفيذية، في ظلّ نظام يجمع فيه رئيس الجمهورية بيده كل السلطات".

جمعية القضاة الشبان

من جهتها، استنكرت الجمعية التونسية للقضاة الشبان، الأحد، في بيان لها، توجه الرئيس قيس سعيد لحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من طرف القضاة. واعتبرت بأنه انقلاب على الدستور والقيم الجمهورية، وطالبت المجلس بمواصلة أعماله بصفة عادية، ودعت القضاة والهياكل القضائية لتوحيد المواقف.

ودعت الجمعية في بيان، المجلس الأعلى للقضاء إلى مواصلة أعماله بصفة عادية والدعوة لاجتماع عام يضم كافة القضاة والهياكل لاتخاذ موقف موحد، كما دعت كافة مكونات المجتمع المدني التونسي إلى "الوقوف صفا واحدا أمام محاولات الاستيلاء على السلطة القضائية".

وقال البيان إن الجمعية: "تعتبر ما يقوم به رئيس الجمهورية مجهودا معاكسا لقيم الجمهورية وانقلابا على الدستور وإرادة الشعب، وعملا فوضويا يندرج في إطار الثورة المضادة على القضاء لإعادته إلى ما كان عليه قبل ثورة الحرية و الكرامة". وأضاف: "قام رئيس الجمهورية بحل البرلمان والحكومة مستندا إلى ما سماه بالظروف الاستثنائية التي لا وجود لها في الأصل، فإنه لا يملك اي سند قانوني أو سلطة أو شرعية لحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة".

وأكدت الجمعية بأن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء لا علاقة له بإصلاح القضاء وإنما هو محاولة لإضعاف القضاء واستعماله والضغط على القضاة لتصفية خصومه السياسيين وكل من يقف أمامه من قضاة وإعلام وجمعيات وأحزاب.

ودعا البيان القضاة والهياكل التونسية إلى التنسيق والتكاتف للوقوف أمام "أكبر حملة تطهير وتصفية سياسية للقضاة يعتزم الرئيس سعيد تنفيذها أثر حل المجلس الأعلى للقضاء ورفع الحضانة عن القضاة على غرار ما فعله مع أعضاء مجلس النواب".

كما حذرت جمعية القضاة الشبان في بيانها "بعض الذين يشرعون لحل المجلس الأعلى للقضاء رغبة في التموقع السياسي والركوب على موجة الاصلاحات المزعومة سواء بالصمت أو بالتواطؤ بأن ثمن الخيانة سيكون باهضا". ودعت "القضاة الشبان إلى النهل من شرف النضال فمن لا يناضل اليوم لن تسنح له فرصة النضال في وقت آخر".

وأعلنت الجمعية عن عزمها "التقدم بشكوى تتضمن تشخيصا دقيقا لما آل اليه القضاء بعد 25 جويلية الماضي.. مع رصد كافة التجاوزات والانتهاكات المرتكبة على غرار منع القضاة من السفر وكيل التهم دون إثبات وتشويههم والضغط عليهم وتوجيه قراراتهم تحت طائلة التهديد والوعيد".

أحزاب وجمعيات

وعبّرت أحزاب وجمعيات عديدة يوم أمس الأحد، عن رفضها المساس بالمجلس الأعلى للقضاء، وأكدت تمسكها باستقلاليته عن السلطة التنفيذية، لتتواتر الدعوات للالتفاف حول مجلس القضاة ومساندتهم، وللتصدي لتوجهات الرئيس الاستبدادية، فيما دعا آخرون للنزول والاحتجاج والتظاهر.

وبالإضافة إلى المواقف الرافضة التي عبر عنها المجلس الأعلى للقضاء وجمعية القضاة التونسيين، وجمعية القضاة الشبان، أكدت تنسيقية أحزاب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" و"الجمهوري" و"التيار الديمقراطي"، عن رفضها "إعلان سعيد عزمه على حل المجلس الأعلى للقضاء" ودعت في بيان مشترك سائر القضاة والأحزاب الديمقراطية والمنظمات المدنية، إلى "التصدي لهذه المحاولة المفضوحة لإخضاع القضاء لسلطة الانقلاب".

وبدوره، نشر مجلس نواب الشعب، بياناً أكد من خلاله أن رئاسة البرلمان "تتابع الإساءة المتواصلة منذ أشهر من قبل سعيد في حق المجلس الأعلى للقضاء وما صاحب ذلك من تحريض متواتر على القضاة، في سياق التفكيك المنهجي لمؤسسات الديمقراطية ودولة القانون عن طريق المسّ باستقلالية القضاء ووضع اليد عليه".

واستنكرت رئاسة البرلمان التونسي "مواصلة الرئيس استهدافه للدستور، الذي تبنى الفصل بين السلطات وأسّس لاستقلال السلطة القضائية، ورفض المسّ الأحادي بالمجلس الأعلى للقضاء"، واعتبرت عن "تضامنها المطلق مع السلطة القضائية ودفاعها عن استقلاليتها".

من جهته، دعا الرئيس السابق المنصف المرزوقي، عبر صفحته على فايسبوك، التونسيين، للمشاركة في مسيرة الأحد القادم قائلا: "إلى الصفوف يا شعب المواطنين لتكون رسالتكم واضحة لمؤسسات الدولة، بأنه لم تعد مقبولة مواصلة هذا الوضع الذي يشهد كل يوم مزيدا من تدمير الدولة والاقتصاد والوحدة الوطنية واستقلال البلاد".

وأضاف المرزوقي أن "كل تعليق على قرار المنقلب حلّ المجلس الأعلى للقضاء مضيعة للوقت"، وأكد أن "الرد يجب أن يكون في الشارع يوم الأحد المقبل في العاصمة".

من جانبه، اعتبر حزب "حراك تونس الإرادة " أن "اختيار الرئيس قيس سعيد لمقر وزارة الداخلية كمكان لإعلان قراره هو رسالة واضحة بأنه يستقوي على الشعب التونسي ومؤسساته باستعمال القوة الصلبة للدولة".

وفي بيان له الأحد، حذر الحزب "المنقلب من كل محاولات الزجّ بالمؤسسة الأمنية في أجنداته السياسية، كما يحمل القائمين على وزارة الداخلية مسؤولية الانخراط في أي عمل يحيد بالمؤسسة عن القانون أو يجعل منها العصا الغليظة لحماية الانقلاب".

وعبّر حزب ائتلاف الكرامة هو الآخر عن "قلقه الشديد من التهاوي المتسارع للبناء الدستوري للدولة التونسية، من خلال إجراءات الهدم الفوضوي التي يتبعها قيس سعيد وبصفة انفرادية".

واعتبر في بيان له أن سعيد يمد "يده اليوم إلى المجلس الأعلى للقضاء آخر قلاع دولة القانون والمؤسسات ليتحول رسميا إلى جامع للسلطات والصلاحيات يحتكرها كافة، لا يُسأل عما يفعله والجميع أمامه مسؤولون".

ودعا الحزب "كل الفاعلين الوطنيين أشخاصا وهياكل من جميع الأطياف السياسية ومكونات المجتمع المدني إلى تصعيد وتيرة التنسيق والمشورة، من أجل إنقاذ التجربة الديمقراطية في بلادنا ومنها إنقاذ الدولة التونسية من الانهيار نتيجة العبث الذي يمارسه المنقلب على الدستور".

من جهته، دعا رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل، أحمد نجيب الشابي من وصفهم بأصحاب الضمائر الحرة إلى "الوقوف جميعا للدفاع عن استقلال القضاء وعن تونس الآن وليس بعد فوات الأوان"، حسب تعبيره.

وحذّر الشابي في تدوينة على فايسبوك من "عودة سعيد بالبلاد إلى مربع الاستبداد بسيطرته على السلطة القضائية"، معتبرا أن "الرئيس التونسي استغل الأزمة السياسية لينقض على السلطة التشريعية ويستأثر بكامل اختصاصاتها".

وعبّر حراك "توانسة من أجل الديمقراطية"، في بيان عن مساندته المطلقة "للمجلس الأعلى للقضاء ودعمه في التّصدّي لهذه الهجمة غير المسبوقة عليه، وللسّادة القضاة في معركة الدّفاع عن استقلال القضاء وثقتنا في وقوف المحاماة المناضلة وقفة مشرّفة كعادتها في كلّ المحطّات المصيريّة".

ودعا كلّ "القوى السّياسيّة والمجتمعيّة المؤمنة بالحرّيّة والرّافضة للحكم الفردي لتوحيد جهودها لحماية مكتسبات الثّورة والتّصدّي لمسار الاستحواذ على السّلطة القضائيّة بعد الاستحواذ على السّلطة التّشريعيّة وكامل السّلطة التّنفيذيّة".

وحذرت جمعية النواب المؤسسين في بيان من "التمادي في نفس المسار الخارق للدستور من أكثر من مستوى"، ومن سعي الرئيس "لتجميع كل السلطات بين يديه لا يمكن أن يكون إلا مؤشر انتكاس عن كل المكتسبات التي ضحت من أجلها أجيال وافتداها الشهداء بأرواحهم".

كما نبّهت "جميع القوى الحية وعموم شعبنا إلى أن حل المجلس الأعلى للقضاء لن يكون إلا خطوة حاسمة في اتجاه الإجهاز على دولة القانون وفتح المجال واسعا للحكم الفردي الاستبدادي، لذا فالدعوة ملحة للالتفاف حول هذا الهيكل المجسّد للسلطة القضائية".

سياسيون وحقوقيون وقضاة

وتداول نشطاء سياسيون وحقوقيون وقضاة، على مواقع التواصل الاجتماعي بغضب وتنديد كبيرين اتهامات سعيّد وتلويحه بحل المجلس الأعلى للقضاء.

وقال القيادي بحزب التيار الديمقراطي، محمد العربي الجلاصي، على حسابه بموقع "فايسبوك": "في 14 جانفي عندما تم منعنا من التظاهر وضُربنا وتم إفراغ الغازات والحقد في عيوننا، كان الوضع الصحي أقل خطورة. اليوم وقد ساء الوضع، يتحول قيس سعيّد إلى وزارة الداخلية ليقرر السماح لأنصاره بالتظاهر مطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء... بل ويستجيب لمطالب أنصاره قبل حتى أن يتظاهروا معلنا حل المجلس".

وتابع الجلاصي: "كل هذا في جنح الظلام وفي أكثر الغرف إغلاقا في تونس (وزارة الداخلية). لا خطة للإنعاش الاقتصادي ولا برنامج لإصلاح المرافق العمومية ولا بداية اتفاق مع صندوق النقد... كل همه أن يجمع السلط في يده".

وقالت الحقوقية بشرى بلحاج حميدة، في تدوينة ساخرة على حسابها بموقع "فيسبوك"، "مبروك علينا دولة العدل والقانون والحرية 14 جانفي ممنوع التظاهر و6 فيفري تشجيع على التظاهر ولندفن فيه المجلس الأعلى للقضاء في مقر وزارة الداخلية. صحيح القضاء لم يتم إصلاحه والأمن أصلح بشكل تام".

وقال القاضي حمادي الرحماني على حاسبه بـ"فايسبوك"، "حل المجلس الأعلى للقضاء من قبل رئيس الجمهورية وتنقيح قانونه بمرسوم هو غصب للسلطة وهو قرار غير شرعي ينتهك الدستور والقوانين النافذة وأبسط مبادئ الدولة الديمقراطية... بل هو قرار معدوم لا عمل عليه ولا توجد محكمة في الدنيا بإمكانها الاعتداد به، وعلى المجلس الأعلى للقضاء القيام بواجبه الدستوري في ضمان استقلال القضاء ومنع ابتلاع السلطة التنفيذية لكل السلطات".

وفجر الأحد، أعلن الرئيس قيس سعيد، من داخل مقر وزارة الداخلية، أن المجلس الأعلى للقضاء يعد من الماضي. وأواخر الشهر الماضي، قال سعيد؛ إن القضاء وظيفة فقط داخل الدولة وليس سلطة، وألغى أيضا كل الامتيازات المالية لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء.

inbound4423749589667384835.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً