post

"وينو البحيري.. حيّ أو ميّت؟"

تونس الإثنين 03 جانفي 2022

في الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون توضيح ملابسات ملف نائب رئيس حركة النهضة والنائب بالبرلمان ووزير العدل السابق، المحامي نور الدين البحيري، رسميا والكشف عن الحالة الصحية الحقيقية له ومكان وأسباب وضعه تحت الإقامة الجبرية، إضافة إلى السماح لعائلته وفريق الدفاع بزيارته، شهدت ليلة أمس الأحد تطورات خطيرة في ملف البحيري، الذي اختطفه الأمن من أمام بيته منذ أربعة أيام، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وسط صمت تام من قبل السلطات بشأن وضعه الصحي.

وبعد أكثر من عشر سنوات عن سقوط الديكتاتورية، عاد الاختطاف القسري المباشر في وسط الشارع وفي وضح النهار وأمام أنظار العائلة والجيران. اختُطف البحيري ولا أحد يعلم أين هو وما هو وضعه الصحي، باستثناء زيارة غامضة لعميد المحامين في ظروف غريبة.

ولا أحد يعرف لماذا اختُطف، وما هي التهم الموجهة إليه، باستثناء بيان لوزارة الداخلية يشير إلى الأمن العام، على الرغم من أنه كان يمكن أن توجّه إليه التهم بطريقة عادية، مثلما يحصل يوميا مع غيره من المتهمين ودعوته للمثول أمام القضاء.

وكرد فعل على ما حدث للبحيري، أعلن عدد من المحامين عن حملة التضامن معه ومع زوجته، ودخلوا في اعتصام مفتوح بدار المحامي بالعاصمة منذ مساء الجمعة، احتجاجاً على "اختطاف الرجل وإخفائه"، على حد تعبيرهم.

وعبرت شخصيات سياسية وحقوقية تونسية عن تضامنها الواسع مع البحيري المختفي منذ أربعة أيام. وتتالت المطالب بضرورة الكشف فورا عن مصيره والتحقيق في أسباب الاختفاء، الذي تعتبره حركة النهضة "اختطافا" وخاصة من قبل المحامين، الذين يعتبرون أن المحامي البحري في حالة اختفاء قسري.

وحمل هؤلاء، الرئيس قيس سعيد المسؤولية كاملة عن ما يتهدد حياة وزير العدل السابق البحيري، في الوقت الذي رفض فيه سعيد التواصل مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ولم يجب على اتصاله الهاتفي، وفق ما أكده مستشاره السياسي رياض الشعيبي.

وقالت زوجة النائب البحيري المحامية سعيدة العكرمي، إنه جرى نقل زوجها إلى المستشفى في مدينة بنزرت، بعد تدهور حالته الصحية، خاصة وأن "وضعه الصحي هش أساسًا، إذ يتلقى علاجًا يوميًا من عدة أمراض".

ولم تتمكن العكرمي من زيارة زوجها في المستشفى، حيث رفضت التوقيع على وثيقة  كشرط قبل تمكينها من الزيارة، وغادرت برفقة أعضاء هيئة الدفاع مقر مستشفى بنزرت مشككة في نوايا السلطة بشأن هذه الوثيقة وبشأن وضع زوجها الصحي.

من جهة أخرى، طالب رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، في رسالة مفتوحة إلى الرئيس قيس سعيد، بالكشف عن مصير نور الدين البحيري، وطمأنة أهله والرأي العام حول سلامته، وتمكين فريق طبي وحقوقي من زيارته والاطلاع على وضعه، كما دعا إلى التعجيل بإطلاق سراحه.

وكانت حركة النهضة حذّرت من "التداعيات الصحية لاختطاف البحيري نتيجة حرمانه من الدواء والرعاية الصحية". ودعت النهضة في بيان أمس الأحد، إلى "الكشف عن مكان احتجاز نور الدين البحيري وتوفير الرعاية الصحية الفورية له"، وحمّلت "مسؤولية سلامته الجسدية لرئيس سلطة الأمر الواقع والمكلف بتسيير وزارة الداخلية"، في إشارة إلى الرئيس قيس سعيّد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين.

وأمام الصمت المطبق للسلطات الرسمية بشأن وضعية البحيري، رجحت قيادات متعددة من حركة النهضة، أن يكون البحيري قد تعرض لوعكة صحية حادة، حيث قال القيادي أسامة بن سالم إن "البحيري تعرض لسكتة قلبية، وتم إنعاشه وإخضاعه لعملية تنفس اصطناعي"، وأشار إلى أن الفريق الطبي يتوقع صعوبة قدرته على استئناف التنفس الطبيعي.

وأضاف بن سالم في تدوينة على صفحته عبر "فايسبوك"، "إن سلطة الانقلاب تتابع الوضع وسط اختلاف الآراء حول كيفية التعاطي الأمني والإعلامي مع الأزمة".

وأوضح بن سالم أن "البحيري احتجز في منزل يعد مقرًا سريًا تستعمله وزارة الداخلية لإجراء التحقيقات الخاصة التي قد تتم فيها الاستعانة بمحققين أجانب"، وأشار إلى أن "المنزل شهد وفاة أحد ضحايا التعذيب في جريمة سابقة لآلة القمع البوليسي".

وتزايدت الضغوط من أجل الكشف عن مكان احتجاز النائب والمحامي نور الدين البحيري، بعد أيام من اختفائه. وكان وفد من هيئة الدفاع عن البحيري انتقل، أمس الأحد، إلى مركز الحرس الوطني بمدينة منزل جميل، من بينهم زوجة البحيري، للمطالبة بكشف مكان وجوده، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك.

وأكدت عضو لجنة الدفاع عن النائب والمحامي، البحيري، المحامية لطيفة الحباشي، في تصريح صحفي، أن "هذه الحملة تأتي بعد تواصل اختطاف البحيري من أمام مقر إقامته صباح الجمعة 31 ديسمبر 2021 بعد الاعتداء عليه بالعنف، هو وزوجته المحامية وعضو عمادة المحامين التونسيين، سعيدة العكرمي، واقتياده إلى مكان مجهول".

وأضافت الحباشي أنه إلى "حدود اليوم ليس لنا أي معلومة حول مكان وجود البحيري، وهو ما يعتبر اختطافاً واختفاء قسرياً قامت به الدولة التونسية، وحتى بلاغ الداخلية لم يذكر البحيري بالاسم، وليس هناك أي قرار مكتوب بوضعه قيد الإقامة الجبرية حتى نتمكن من الطعن في القرار لدى القضاء".

وبيّنت المحامية أن "البحيري برلماني وناشط سياسي ومعارض لانقلاب 25 جويلية، ومعارض لرئيس الجمهورية قيس سعيد، ومحامٍ محل مخابرته وإقامته معلوم، وهناك إجراءات كان يمكن اتباعها لإعلامه وتتبعه".

وأضافت أن "سن البحيري 64 عاما، وهو يشكو من عدة أمراض مزمنة، كالسكري والضغط، وقد أجرى عملية على القلب وهو ما يعرض صحته للخطر"، وأكدت "تحميل مسؤولية سلامته وحياته إلى رئيس الجمهورية ووزير الداخلية".

وقالت الحباشي: "وجهنا شكاية مستعجلة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، واعتبرناه اعتقالاً خارج الأطر القانونية، واختفاء قسرياً، باعتبار تونس دولة مصادقة على الاتفاقيات التي تجرّم الاختفاء القسري وهذه الممارسات".

وأضافت عضو هيئة الدفاع أنه تم توجيه شكاية ثانية إلى "المقرر الخاص المعني باستقلال القضاء والمحاماة تتضمن تفاصيل الاعتداء على البحيري وزوجته العكرمي باعتبارهما محاميين".

وبينت الحباشي أنه "علاوة على تدويل القضية، فإن رئيس فرع تونس للمحامين محمد الهادفي قام بكل الاتصالات مع السلط القضائية المدنية والعسكرية بمختلف هياكلها، الوكيل العام والنيابة العمومية العدلي والعسكري، وقضاة التحقيق بتونس الكبرى، الذين نفوا جميعاً علمهم بأي قضية أو تتبع في حقه، كما تم التواصل مع السلطة التنفيذية القائمة وزيري الداخلية والعدل".

وحذرت تدوينات صادرة عن أسماء معروفة بكرهها الشديد لحركة النهضة، من أن ما يحصل للبحيري سببه صراع كبير بين مقربين من الرئيس، وهم في حالة اختلاف كبيرة، ويحاولون توريطه لاستبعاده من الحكم.

وقالت الصحفية شهرزاد عكاشة (وهي من أشد خصوم النهضة) في تدوينات على صفحتها الرسمية؛ إن هناك جهات أجنبية دفعت بالرئيس لاختطاف البحيري. وتابعت عكاشة: "قولوا له إن محيطه سيقضي عليه، وأتمنى ألا يطلع علينا في قادم الأيام في خطاب قريب يبكي، كما فعل في يوم حرق مقر النهضة".

من جهته، توجه السياسي ماهر العباسي برسالة إلى راشد الغنوشي قال فيها: "في صورة وفاة البحيري حافظوا على الهدوء، كل كلمة تقال يجب أن تكون من ميزان ذهب؛ لأن كل حرف في غير مكانه سيكون ذريعة للإرهاب". وأضاف العباسي: "سيضربونكم ويلبسونكم التهمة، ومن هناك بداية نفق طويل من الدموع والدماء في البلاد.. والنار".

بدوره استنكر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي حادثة اختطاف نور الدين البحيري، واعتبر أن الحكومة مارقة وخارجة عن الدستور، وهي تمارس القمع والاستبداد.

فيما حذر الحقوقي أنور الغربي من أن "الانقلاب يسعى لتوتير الأجواء أكثر والدفع بالأمور إلى حالة من الفوضى، تجعله يواصل اختطاف البلد تحت غطاء حالة الطوارئ العامة، خاصة أنه معزول وطنيا وخارجيا". واعتبر الغربي أن الرئيس "يدفع نحو الخراب"، ودعا "العقلاء إلى النضال السلمي".

ويذكر أن وزارة الداخلية أعلنت في بيان لها، أنه تم وضع شخصين تحت الإقامة الجبرية، من دون تسميتهما.

ويشار إلى أن نشطاء أطلقوا حملة ''وينو البحيري''، لحشد الرأي العام الوطني والدولي في قضية "الاختفاء القسري" للبحيري. وتساءل متداولو حملة "وينو البحيري" على مواقع التواصل الاجتماعي عن مصيره وعن مكان وجوده، وعن وضعيته الصحية، وسط أنباء عن تدهور صحته، وهو ما زاد من مخاوف أفراد عائلته وزملائه في المحاماة، ورفاقه في النشاط السياسي.

فما القصد من اختطاف البحيري؟ وماهي رسائل الاختطاف وماهي الغاية من هذا الاختطاف؟ وهل أن محاولة استمالة البعض بضرب قيادات النهضة ستنجح بالبحيري؟ ألم يدفع التونسيون في سبيل الحرية، شهداء ومناضلين؟ ألم يرتكب الرئيس قيس سعيّد ومساندوه خطأ استراتيجيا فادحا بهذا القرار، لأنهم عادوا بالمعركة إلى ذكريات هجرها التونسيون ولا يريدون تذكّرها، وقضوا سنوات في محاولة نسيانها، بينما لم يبرأ منها كثيرون إلى اليوم، ولا تزال جروحهم تنزف؟ والأهم من هذا كله "وينو البحيري حي أو ميّت؟

نور-الدن-البحر-2.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً