post

20 عاما على اجتياح الضفة.. كيف أنهت إسرائيل حلم دولة فلسطين؟

الشرق الأوسط الثلاثاء 29 مارس 2022

بعد توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993، ظن الفلسطينيون أنهم وضعوا أقدامهم على طريق الدولة المستقلة، فالاتفاق نص على مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات، لكنها انتهت ولم تقم الدولة، إنما استهدفت كل رمز للسيادة الفلسطينية باجتياح واسع للضفة بدأ في 29 مارس 2002.

ووقع اتفاق أوسلو، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، بين منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" آنذاك ومثلها الرئيس الحالي محمود عباس، في حين مثل إسرائيل وزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز.

إنهاء المرحلة الانتقالية

ونص الاتفاق على البدء بعد 3 سنوات في مفاوضات الوضع النهائي: القدس، المستوطنات، اللاجئين، الترتيبات الأمنية، الحدود. وأسفر عن 3 تصنيفات لأراضي الضفة الغربية: "أ" وتمثل مراكز المدن، عدا القدس، وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة. أما المنطقة "ب" فتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، ومنطقة "ج" تخضع لسيطرة إسرائيل الكاملة مع صلاحيات مدنية محدودة للسلطة الفلسطينية، وهذه تشكل نحو 61% من أراضي الضفة.

ونصت الاتفاقية على انسحاب إسرائيل تدريجياً من المدن الفلسطينية، على أن ينتهي الانسحاب في أفريل 1994، وتبدأ المرحلة الانتقالية وتستمر 5  سنوات، بعدها يكون إعلان الدولة.

ولكن السقف الزماني انتهى، وفشلت بعدها مفاوضات جرت في كامب ديفيد عام 2000، في إحداث اختراق سياسي، فكانت ما عرفت بـ"انتفاضة الأقصى" التي أطلق شرارتها آنذاك زعيم حزب الليكود المعارض أرييل شارون، باقتحامه للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000.

وفي العام التالي، فاز شارون بالانتخابات وأصبح رئيسا للحكومة، وقاد اجتياحا عسكريا واسعا للأراضي الفلسطينية، بدأ باقتحام واسع لمدينة رام الله بالدبابات وتحت غطاء جوي كثيف في 29 مارس 2002.

ووصلت الدبابات الإسرائيلية مقر الرئاسة الفلسطينية، حيث كان يقيم الرئيس الراحل ياسر عرفات، ودمرت محيط إقامته وحاصرته حتى تدهورت صحته وجرى نقله إلى مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي أواخر أكتوبر 2004، ومكث هناك حتى وفاته في 11 نوفمبر 2004 "مسموما" وفق مسؤولين فلسطينيين.

وتدريجا أعادت إسرائيل السيطرة على كامل الأراضي التي كانت خاضعة للسيطرة الفلسطينية، واستمرت في سيطرتها حتى اليوم، مع انغلاق الأفق السياسي.

وأسفر الاجتياح الإسرائيلي عن حوالي 900 شهيد فلسطيني خلال عام 2000، وحده، في حين تفيد معطيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني باستشهاد قرابة 2500 فلسطيني الأعوام بين 2000 و2005، وقرابة 3800 منذ مطلع 2000 وحتى أواسط مارس 2022.

كما أسفر الاجتياح عن تدمير هائل في البنية التحتية بالضفة وقطاع غزة بعد استخدام إسرائيل طائرات "إف-16" في قصف أهداف فلسطينية بينها مقرات للسلطة الفلسطينية، قبيل تنفيذ عملية الاجتياح وخلاله.

كما شرعت إسرائيل في إقامة جدار، على امتداد الأراضي المحتلة عام 1967، يسميه الفلسطينيون جدار الفصل العنصري، في حين يسميه الاحتلال جدارا أمنيا.

وفي جويلية 2004 أعلنت محكمة العدل الدولية في لاهاي عدم قانونية الجدار، وطالبت بهدمه على الفور وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم جراء إقامته.

فرض الأمر الواقع

ولم يكن الاجتياح الإسرائيلي إلا جزءا من سياسة إسرائيل لفرض الأمر الواقع على الأرض، وفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف. وأضاف أبو يوسف أن هذا الواقع تمثل في "إعادة السيطرة العسكرية على المدن الفلسطينية من جهة، والتوسع الاستيطاني من جهة أخرى".

وتابع في تصريح صحفي، أنه بعد 20 عاما من استباحة كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن ما جرى محاولة إجهاض ووقف الانتفاضة الثانية "التي حققت حضورا ونجاحات على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وما جرى من خلال محاولات إخماد تلك الانتفاضة". وأضاف "تصعيد الاحتلال لجرائمه مؤخرا، والتلويح بعملية سور واق جديدة في غزة، تحتم علينا استعادة الوحدة الوطنية".

وأشار القيادي الفلسطيني لتصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي أواسط الشهر الجاري، هدد فيها بتكرار اجتياح القطاع عام 2022.

مفهوم السيطرة والتحكم

من جهته، رأى مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات، أن الاجتياح الإسرائيلي جاء لتحقيق هدفين مركزيين: الأول إعادة مفهوم السيطرة والتحكم الإسرائيلي بجغرافية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية من الناحيتين الأمنية والسياسية.

فمن الناحية الأمنية، أوضح بشارات، أرادت إسرائيل "إنهاء أي مخاوف أمنية مستقبلية تمس الكيان الإسرائيلي والوجود الاستيطاني بالضفة، ومن الناحية السياسية أرادت إنهاء ومنع إقامة كيان سياسي فلسطيني يمكن أن يتبلور مستقبلاً على شكل مفهوم يؤسس لدولة فلسطينية".

وبيّن الباحث الفلسطيني أن إسرائيل سعت قبل الاجتياح وخلاله إلى "خلخلة مفهوم السيادة السياسية والوطنية فلسطينيا، باستهداف المؤسسات كبناء وكذلك المؤسسات كفعل على الأرض".

إعادة بناء العلاقة مع إسرائيل

أما الهدف الثاني للاجتياح، حسب بشارات فإنه يتمثل في إعادة بناء العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية وفق مفهوم البقاء من أجل توفير الخدمات، دون تأثير في رسم السياسات داخل فلسطين "وبالتالي جعل الوجود الفلسطيني الرسمي مقتصرا على القطاعات الخدماتية فيما يتم الحرمان من الدور السياسي".

وباستهداف السيادة، وإعادة بناء العلاقة مع السلطة، أصيبت في مقتل النواة الأولى التي قامت عليها فكرة دولة فلسطينية بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية لاتفاقية أوسلو، وبهذا تم إنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية، وفق بشارات.

وأضاف أن الإشكال الأكبر بعد مرور 20عاما على اجتياح الضفة، هو أن القيادة السياسية الفلسطينية قبلت بالاستسلام لهذا الأمر، وأشار إلى "عوامل عززت ذلك كحالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، أو إعادة هيكلية القيادة السياسية التقليدية لمنظمة التحرير".

وأشار مدير مركز يبوس إلى "تحويل مفهوم الرؤية التحريرية من أسسها الوطنية، إلى إعادة نمط المؤسسات وفقا للرؤية الأميركية الغربية التي جعلت مشروع السلام الاقتصادي يطغى على مفهوم الدولة".

inbound6018351659248723001.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً