post

بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.. سندات تونس تقفز إلى أعلى مستوياتها منذ مارس الماضي

اقتصاد وأعمال الإثنين 17 أكتوبر 2022

جليلة فرج

قفزت سندات تونس بالعملة الصعبة بنحو أربعة سنتات، اليوم الاثنين 17 أكتوبر 2022، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ مارس الماضي بعد التوصل إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي يتجاوز 1.9 مليار دولار.

وأظهرت بيانات تريدويب، أن السندات المقومة باليورو التي أصدرها البنك المركزي التونسي حققت أعلى المكاسب إذ ارتفعت سندات 2023 بمقدار 3.8 سنت في اليورو لتتجاوز 81 سنتا. كما ارتفعت السندات المقومة بالدولار والمستحقة في 2027 بواقع 2.9 سنت في الدولار.

اتفاق مبدئي

وتوصلت السلطات التونسية وصندوق النقد الدولي، السبت 15 أكتوبر 2022، إلى اتفاق على مستوى الخبراء لتمكين تونس من قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، على 4 سنوات.

ويأتي ذلك إثر لقاءات جمعت فريقًا من صندوق النقد الدولي ووفد من الحكومة التونسية بواشنطن خلال الفترة من 10 إلى 15 أكتوبر الجاري تمت خلالها مناقشة دعم صندوق النقد الدولي لتونس وبرنامج السلطات التونسية للإصلاح الاقتصادي الشامل.

وذكر صندوق النقد الدولي، في بيان صادر عن خبيريه كريس جيريجات ​​وبريت راينر الذين قادا المناقشات، أن الاتفاق النهائي بشأن الترتيب يخضع لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد والذي من المقرر أن يناقش طلب برنامج تونس في ديسمبر 2022.

وأشار صندوق النقد إلى أنه "سيدعم برنامج السلطات التونسية للإصلاح الاقتصادي لاستعادة الاستقرار الخارجي والمالي لتونس، وتعزيز الحماية الاجتماعية، وتعزيز نمو أعلى وأكثر اخضرارًا وشاملًا وخلق فرص عمل بقيادة القطاع الخاص"، وكشف النقاط التي يرتكز عليها برنامج السلطات التونسية للإصلاح وهي كالآتي:

*تحسين العدالة الضريبية من خلال اتخاذ خطوات لإدخال القطاع غير الرسمي في شبكة الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية لضمان مساهمات عادلة من جميع المهن.

*احتواء النفقات وخلق حيز مالي للدعم الاجتماعي. واتخذت السلطات بالفعل خطوات لاحتواء فاتورة رواتب القطاع العام وانطلقت في التخلص التدريجي من دعم الأسعار المهدر من خلال تعديلات للأسعار لربط الأسعار المحلية بالأسعار الدولية، مع توفير دعم للشرائح الضعيفة (بما في ذلك من خلال التحويلات الاجتماعية)".

*تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي من خلال زيادة التحويلات النقدية وتوسيع تغطية شبكات الأمان الاجتماعي لتعويض الأسر الضعيفة عن تأثير ارتفاع الأسعار.

*الشروع في أجندة شاملة لإصلاح الشركات المملوكة للدولة، بدءًا من سن قانون جديد خاص بالمؤسسات المملوكة للدولة.

*تكثيف الإصلاحات الهيكلية لتعزيز المنافسة وخلق مجال شفاف ومتكافئ للمستثمرين من خلال تبسيط وتبسيط حوافز الاستثمار.

*تعزيز الحوكمة والشفافية في القطاع العام، من خلال تشخيص شامل للحوكمة لوضع خارطة طريق للإصلاحات.

*التكيف وبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ من خلال تشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة وفي إدارة الأراضي والمياه المستعملة، واتخاذ تدابير للحفاظ على الخطوط الساحلية في تونس، وعلى الزراعة والصحة والسياحة.

*حماية المقدرة الشرائية للتونسيين في مواجهة التضخم المرتفع والمتسارع. ولتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، انطلق البنك المركزي التونسي في تشديد السياسة النقدية.

الإتفاق لن يحلّ مشاكل تونس

وأكّد أستاذ الاقتصاد والعضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي فتحي النوري، أنّ تونس تعيش أزمة اقتصادية حادة مندّدا بطريقة تعامل الحكومة مع أزمة النقص في المحروقات مما خلق نقص في الثقة بين المواطنين والحكومة.

واعتبر النوري في تصريح إذاعي، اليوم الإثنين 17 أكتوبر 2022، أنّ وصول الحكومة التونسية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، هو إيجابي، وأشار إلى أنّ ذلك يُساهم في تجاوز ''مرحلة التفاوض وسننتقل إلى مرحلة الإنجاز'' وتابع قائلا ''الشوط الأوّل انتهى لصالح تونس وسنمرّ للشوط الثاني وهو مرحلة إنجاز الإصلاحات".

وأوضح أنّ القرض الذي سيُقرضه صندوق النقد الدولي لتونس سيذهب جزء منه للديون وجزء آخر للإصلاحات التي ستُفصح عنها الحكومة في الأيام القليلة المقبلة.

وقال: ''الاتفاق لا يعتبر نجاحا ولا يعتبر فشلا، والاتفاق لن يحلّ مشاكل تونس، مشاكل تونس أكبر من القرض، والقرض هو مجرّد عملية تمويل الإقتصاد ويكفي من الإحباط ونحن اليوم في وضع حساس ودقيق".

وأوضح النوري أنّ الإصلاح لا يُعتبر التخلي عن المكاسب، في انتظار كيفية تفاعل الشركاء الاجتماعيين مع الإصلاحات التي ستُعلنها الحكومة، وأكد أنّ اتحاد الشغل له دور كبير في انجاح القيام بالإصلاحات. وأضاف أنّه من الضروري أن تقدم الأحزاب السياسية رأيها في الإصلاحات وأن تكون مشاركتها إيجابية.

القرض وحده لا يسدّ الحاجيات

من جهته، أكد الخبير المالي والاقتصادي معز حديدان في تصريح صحفي، يوم 16 اكتوبر 2022، أن "برنامج التمويل الجديد لتونس يهدف دعم الأسس المالية والسلم الاجتماعي وإرساء العدالة الجبائية والتسريع في الإصلاحات، التّي من شأنها إرساء مناخ ملائم لتحقيق نمو دامج وإحداث مواطن الشغل المستديمة".

وقال: "ليس من شأن القرض الجديد، الذّي سيتم منحه لتونس، وحده سد الحاجيات المالية للبلاد لكن الصندوق يرى أنّ الاتفاق سيدفع بالمجموعة الدوليّة إلى الإسهام في نجاح الحكومة التونسيّة من خلال التسريع في اسداء تمويل إضافي إلى تونس".

ونبّه الخبير إلى أنّه "بإمكان تونس التعويل على تمويلات طارئة من المموّلين في إطار التعاون الثنائي لكنّها تبقى غير قادرة على الخروج إلى الأسواق المالية الدوليّة".

مبلغ الاتفاق لا يفي بالغرض

بدوره، أكد الخبير المحاسب والقيادي بالتيار الديمقراطي هشام العجبوني، أنّه "تم الاتفاق المبدئي مع خبراء صندوق النقد الدولي في إطار الآلية الموسّعة للقروض (Extended Fund Facility)، وذلك في انتظار المصادقة النهائية للمجلس التنفيذي للصندوق في ديسمبر المقبل. يعني أنّ تونس لن تتحصّل على أيّ ملّيم قبل ذلك" وفق تعبيره.

وتابع العجبوني وفق تدوينة نشرها على حاسبه بفايسبوك، أنّ تونس طلبت 4 مليار دولار ولكنها لم تتحصّل مبدئيًا إلاّ على 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، "وهو مبلغ لا يفي بالغرض وبعيد جدًا عن احتياجات المالية العمومية وحاجة الاقتصاد التونسي لتمويل الاستثمارات وخلق الثروة واستيعاب نسبة البطالة المرتفعة ودعم ميزان الدفوعات"، وفق تقديره.

وفسّر الخبير المحاسب أنّ تونس "ستتحصّل على حوالي 500 مليون دولار سنويًا كمعدّل إذا احترمت التزاماتها الأساسية، أي التخفيض في نسبة أجور الوظيفة العمومية من الناتج الداخلي الخام والقيام بإصلاح جبائي عميق ورفع الدعم وإصلاح المنشآت العمومية.. وهذا المبلغ السنوي قد يساوي تقريبًا الأقساط التي يجب على تونس خلاصها لصندوق النقد الدولي سنويًا بعنوان القروض المتعلّقة ببرامج سابقة"، وفق وصفه.

وقال العجبوني: "سيفتح الاتفاق طبعًا الباب للتمويلات الثنائية ومتعدّدة الأطراف، ولكن هل ستكون كافية؟ وهل سيتم توجيهها لتمويل الإصلاحات والاستثمارات العمومية الخالقة للثروة والنمو الشامل والمستدام؟ في كلّ الأحوال، لن ينجح أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي ولن يتحسّن الوضع الاقتصادي والاجتماعي ولن نتمكّن من القيام بالإصلاحات المطلوبة في ظلّ الحكم الفردي وعبث قيس سعيّد وانعدام الاستقرار السياسي" على حد تعبيره.

وشدّد العجبوني على أنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مهم للغاية بالرغم من أنه لا يغلق عجز الميزانية الهيكلي، والاتفاق سيجعل تونس تقترض من دول كانت تغلق أبوابها في وجوهنا ورأت في وصول بلادنا إلى اتفاق ضمانة لم تكن متوفرة سابقًا، صحيح  أنّ المبلغ صغير مقارنة بحاجيات التمويل لكن هذا محسوب بنسبة مساهمة بلادنا في رأس مال الصندوق، ويعدّ أدنى ما يمكن أن تتحصل عليه تونس لكنه يجعلها تتحصل على تمويلات من جهات أخرى، ويمنع ترقيمنا السيادي من الانحدار".

وتساءل العجبوني: "السؤال المهم الآن هو: ما هي تفاصيل هذا الاتفاق؟ وما هي الإصلاحات المزمع تنفيذها بالتفصيل؟ سؤال مهم جدًا لن يفصح عن إجابته في تقديري إلا بعد الانتخابات التشريعية المقررة في ديسمبر، حينها سنكتشف حجم دمار اقتصادنا بالوصفة الطبية التي قبلناها من صندوق النقد الدولي، الذي من المهم للغاية التأكيد على أننا من توجهنا إليه وليس هو من جاء يعرض في خدماته"، وفق نص تدوينته.

الاتفاق سيفتحُ باب التمويلات الأجنبية

من جانبها، أعلنت وزيرة المالية، سهام بوغديري نمصية في تصريح تلفزي، مساء 15 أكتوبر 2022، عن توصل الوفد التونسي لاتفاق مع خبراء صندوق النقد الدولي لتمويل  جديد لتونس. وأكدت أن هذا الاتفاق أمر ايجابي سيمكن من استعادة الاستقرار على المستوى الاقتصادي والمالي لتونس وسيفتح المجال لتونس للحصول على تمويلات أخرى من قبل مانحين دوليين تم التقدم في المفاوضات معهم، لكن الاتفاق النهائي بقي رهين نتيجة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، على حد تعبيرها.

مفاوضات رسمية

وكانت حكومة نجلاء بودن أطلقت مفاوضات رسمية مع الصندوق من أجل تحصيل اتفاق بقيمة 4 مليارات دولار تحتاجها تونس لتمويل عجز الموازنة، مقابل إصلاحات اقتصادية تشمل التقليص من دعم الغذاء والطاقة وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي، إلى جانب إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية.

ووصلت معدلات التضخم في سبتمبر الماضي إلى معدل قياسي بلغ 9.1%، وهو أعلى معدل منذ ثلاثة عقود، بحسب المعهد الوطني للإحصاء، واتخذ البنك المركزي التونسي قرارا برفع سعر الفائدة بنسبة 0.25% لتصبح 7.25%.

ويذكر أنه سبق أن قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، في 18 سبتمبر 2022 في تصريح صحفي، إن تونس تتوقع التوصل لاتفاق في الأسابيع المقبلة مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض يتراوح بين ملياري دولار وأربعة مليارات دولار على ثلاث سنوات.

وتعيش تونس منذ أشهر على وقع أزمة تموين متفاقمة تتوسع معها يوميا قائمة المواد المختفية من الأسواق، واستياء شعبي من ذلك، وتضغط أزمة شح السيولة وصعوبات التموين على احتياطي العملة لدى البنك المركزي التونسي.

سندات-تونس.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً