post

مجلة إيكونوميست: انتخابات تونس مهزلة تعزز حكم الرجل الواحد

صحافة الجمعة 23 ديسمبر 2022

نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريرا حول انتخابات تونس، وأشارت إلى أن الانتخابات التي جرت في 17 ديسمبر هي تتويج لعمليات "الاستيلاء على السلطة التي بدأها الرئيس الديكتاتوري قيس سعيد".

وقالت المجلة في تقريرها إنه في الانتخابات التي سبقت تلك التي جرت مؤخرا، كان سكان حي لاغوليت في موقف معقد مع ترشح أكثر من 55 اسما عن المنطقة، ولكن هذه المرة كان الأمر سهلا لعدم وجود سوى مرشح واحد فقط.

وفي جويلية 2021 عطل قيس سعيد معظم بنود الدستور وأرسل الجيش لمنع النواب من دخول البرلمان، ثم عزلهم في وقت لاحق، وتحرك لاحقا نحو القضاء وعزل القضاة ونصب الموالين له في المؤسسات المهمة، بما فيها الهيئة العليا للانتخابات وتحرش واعتقل المعارضين والنقاد له. وفي صيف العام الحالي قام بتمرير دستور أعد على عجل خفف فيه من سلطات البرلمان، وفق المجلة.

وفي مفارقة قاتمة نوعا ما جاء توقيت الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد 12 عاما من قيام بائع الخضروات محمد بوعزيزي بإشعال النار في نفسه مشعلا معه انتفاضة أدت للإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، الديكتاتور الذي حكم البلاد مدة طويلة.

وفي الوقت الذي انتخب فيه سعيد عام 2019 وصل فيه التونسيون لحالة من الخيبة مما آلت إليه ديمقراطيتهم ويأسهم من قادة البلاد السياسيين في مرحلة ما بعد الثورة والذين أظهروا اهتماما بالخلافات الحادثة بينهم أكثر من حل مشاكل البلاد.

وتواصل المجلة" "لكن سعيد لم يفعل أي شيء لحل الفوضى الاقتصادية التي تسببت بالغضب العام والذي قد يوجه نحوه. وحاول تخفيض دور الأحزاب في الانتخابات الأخيرة، فلم يظهر شعار الحزب إلى جانب المرشح، وقاطعت معظم الأحزاب الانتخابات، ولم يستطع سوى 1058 مرشحا الحصول على موافقة اللجنة للمنافسة في 161 مقعدا".

وبعيدا عن حي لاغوليت فقد ترشح في تسع مناطق انتخابية مرشح واحد. ولم يرشح أحد نفسه في سبع مناطق مخصصة للتونسيين في الشتات. ولم تهتم السفارة التونسية في لندن بفتح أبوابها أمام الناخبين لأنه لم يكن هناك مرشحون للتصويت لهم.

وفي بعض المناطق التي حصلت فيها المنافسات الانتخابية فإن المرشحين مجهولون. فمقاطعة الأحزاب الانتخابات تركت طيفا من المرشحين الأفراد وأي شخص يستطيع الحصول على 4000 توقيع وقادر على تمويل حملته الانتخابية.

ولم يعرف الكثير من التونسيين الأشخاص على البطاقات الانتخابية. وانتهى الأمر بهيئة الانتخابات لوضع صورة لكل مرشح أو مرشحة (إن كان هناك مرشحات) بدلا من الأحزاب حيث صوت الناخبون للمرشح صاحب الشعر الأجمل.

وكانت المشاركة كما هو متوقع متدنية جدا، ولم يشارك فيها سوى 800 ألف من الذين يحق لهم التصويت من بين 9 ملايين نسمة. ووعد سعيد ببرلمان متحرر من قيود السياسة وسيكون الأكثر ديمقراطية في تاريخ تونس، وانتهى به الأمر ببرلمان انتخب بنسبة أقل من 9 بالمئة من الناخبين.

ودعت جبهة الخلاص الوطني للاحتجاجات واستقالة الرئيس، وكذا عبير موسي، التي ترشحت للرئاسة على برنامج معاد للإسلاميين. وتضم الجبهة أحزابا مثل حزب النهضة الذي لعب دورا في مرحلة ما بعد الثورة. وحقيقة التلاقي الأيديولوجي على معاداة سعيد يعطي صورة عن تلاشي الدعم له.

وعندما قام بانقلابه الشخصي عام 2021 لقي شعبية من التونسيين المحبطين، وأظهرت استطلاعات أجريت في حينه أن شعبيته وصلت إلى 80 بالمئة لكنها سرعان ما تراجعت، ويقول المسؤولون إن نسبة 30 بالمئة شاركت في الاستفتاء على الدستور، مع أن الكثير يرون أن النسبة مضخمة.

وقالت الصحيفة، إن شعبية قيس سعيد في تلاش مستمر وقلة تأتي للمشاركة في التظاهرات المؤيدة له، ولا توجد آمال بقدرة حكومة سعيد ونوابه "البصيمة" على حل مشاكل البلاد الاقتصادية، ذلك أن الأعراض لا تزال كما هي: فتونس غير منتجة ولديها قطاع عام متضخم وفاتورة رواتبه هي الأعلى في العالم (18 بالمئة من حجم الناتج المحلي العام) وليس لدى الشركات المملوكة من الحكومة قدرة تنافسية.

ولا يزال الجنوب والغرب فقيرا ومتخلفا عن العاصمة تونس نظرا للسياسات الاستثمارية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة والتي أهملت المنطقتين، وفقا للصحيفة.

وأشارت إلى أنه إذا لم تتغير جذور الأزمة فإن الأعراض زادت سوءا. فقد تقلص الاقتصاد بنسبة 9 بالمئة في 2020، ولا يزال النمو كسولا وأدت زيادة أسعار المحروقات والمواد الغذائية إلى أزمة ميزان مدفوعات، حيث زادت أسعار السكر والزبدة وزيت الطبخ والمواد الأساسية الأخرى في وقت ظلت فيه المواد المستوردة عالقة على الموانئ لعدم القدرة على تخليصها. وارتفع التضخم السنوي في نوفمبر إلى 9.8 بالمئة.

ورأت الصحيفة أنه وبالمقارنة بين نسبتي التضخم والمشاركة في الانتخابات، فإن الديمقراطية في حالة صحية مزرية. وقالت إن اللامبالاة وحدها هي التي أنقذت سعيد، وإن معظم التونسيين يشعرون بالقرف من السياسة وما يشغلهم هو تأمين لقمة العيش وليس المشاركة في التظاهرات. إلا أن سعيد لا يمكنه التعويل على هدوء الجماهير وللأبد، وأشارت إلى أن عدم اهتمامه بالاقتصاد يعني أنه قد لا يكون ذلك الحاكم.

انتخابات-8.jpg

You might also like!