post

مأساة جرجيس.. جثث مفقودة وأخرى تمّ دفنها بمقبرة الغرباء واتهامات للسلط بطمس الحقائق

تونس الأربعاء 12 أكتوبر 2022

تعيش معتمدية جرجيس من ولاية مدنين على وقع فاجعة خيّم فيها الحزن على عديد العائلات وعلى كامل المدينة، وتتواصل مأساة جرجيس للأسبوع الثالث للتوالي، وانتقلت أطوارها من عمليات تمشيط وبحث عن مهاجرين غير نظاميين مفقودين إلى عمليات بحث عن جثثه في مقبرة "الغرباء".

وتعود أطوار الحادثة إلى تاريخ 21 سبتمبر 2022 عندما انقطعت كلّ سبل التواصل مع مهاجرين كانوا غادروا سواحل جرجيس التابعة لولاية مدنين في إحدى رحلات الهجرة غير النظامية، ومنذ ذلك الحين والمتساكنون يقومون بعمليات تمشيط وبحث عن المفقودين.

ولكن منحى المأساة تغيّر، منذ عثور البحارة على جثة الشابة "ملاك الوريمي" وتعرّف عائلتها عليها من سوارِ بمعصمها، باعتبار أن ملامح الجثة قد تغيرت وقد مرّ عليها أكثر من أسبوعين في ربوع البحر، وفق ما أكده نشطاء من الجهة.

ومع العثور على جثة ملاك، تم التأكد من أن قارب المهاجرين المفقودين قد غرق، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الجثث. وفي هذا السياق، أكد نشطاء من جرجيس أن إحدى أمهات المفقودين تعرّفت على جثة ابنها في اليومين الماضيين في مقطع فيديو صوره بحّار لدى عثوره على جثته منذ يوم 26 سبتمبر المنقضي واتصل بالسلط الأمنية المعنية ليتم فيما بعد دفنه في ما تسمى مقبرة "الغرباء" التي يقع فيها دفن مجهولي الهوية من المهاجرين غير النظاميين الذين يلفظهم البحر.

اختطاف جثث

وفي هذا الصدد، قال الناشط الحقوقي بجرجيس، علي كنيس، في مقطع فيديو نشره على صفحته بموقع التواصل فيسبوك، إن "السلطات وجدت جثثًا لمهاجرين غير نظاميين، وعوض أن يتم إجراء تحاليل ADN عليهم خاصّة وأنها تعلم جيدًا أن هناك عمليات بحث عن مفقودين منذ 3 أسابيع، قامت بدفنهم دون تحليل".

واعتبر كنيس أن ما حصل عبارة عن مصادرة واختطاف جثث، وأكد أن ذلك يمثل جريمة دولة وهناك مساعٍ لطمس معالمها، وفق تصوره. وحمّل كل السلط المعنية مسؤولية هذه الجريمة بدءًا من المستشفى والبلدية والمعتمد والحرس الوطني ووكيل الجمهورية، وندد بلامبالاة الدولة في التعاطي مع مأساة جرجيس، حسب ما جاء على لسانه.

وضعية كارثية

من جهته، وصف رئيس مرصد حقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، الوضعية في جرجيس بالدرامية والكارثية. وكشف في تصريح إذاعي، اليوم 12 أكتوبر 2022، ارتفاع عدد ضحايا غرق مركب "الحراقة" بالجهة وتواصل انتشال الجثث. وعلّق على حادثة دفن تونسيين دون اعلام عائلاتهم، واستنكر عدم احترام البرتوكول الذي في القيام بتحاليل جينية لمعرفة هوية الغرقى ثم استشارة النيابة العمومية والبلدية ومنظمات حقوق الإنسان.

وأكد أن "مقبرة الغرباء" في جرجيس معدة لدفن جثث المهاجرين من أديان وجنسيات أخرى والذين لم تقم عائلاتهم بالمطالبة بجثامينهم. وأكد أنه عند فتح 4 قبور تم اكتشاف دفن 3 شبان تونسيين دون احترام إجراءات الدفن الدينية، ودون إعلام عائلاتهم فيما يتم حاليا محاولة التعرف على صاحبة الجثة الرابعة وهي أنثى يشتبه في كونها كانت على نفس مركب الهجرة غير النظامية الذي غرق مؤخرا.

وقال عبد الكبير: "الأولياء تعرفوا لأبنائهم الذين تم دفتهم في المقبرة دون اعلامهم أو إعلام السلطات للقيام بتحاليل. اليوم يوجد 17 مفقودا في عرض البحر ورضيعة صغيرة وكلّهم شبان. (...) الإشكالية تكمن في التنسيق بين الحرس والمستشفيات والنيابة العمومية عن طريق الولاية، اليوم إدارة ولاية صفاقس ضعيفة وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم. تونس أكبر من هذه الوضعية خاصة على مستوى الإدارة".

احتقان واحتجاج

وشهد عدد من المناطق بجرجيس، مساء الثلاثاء 11 أكتوبر 2022، احتقانًا في صفوف المتساكنين، وعمدوا إلى حرق عجلات مطاطية وغلق طرق رئيسية، احتجاجًا على ما يحصل، وفق ما ورد في مقطع فيديو نشرته الناشطة يسرى بولسان.

وشهدت المدينة صبيحة اليوم الأربعاء 12 أكتوبر 2022 تجمهرا لعدد من المواطنين ومسيرة شبابية، عقبها اغلاق لاحد الطرقات واشعال عجلات مطاطية. كما نظم عدد من التلاميذ بجرجيس، اليوم الأربعاء، تحركات احتجاجية بالجهة، ورددوا مطلب "الشعب يريد تحليلًا للمفقودين".

وأذنت النيابة العمومية بإخراج 4 جثث من مقبرة المهاجرين أو الغرباء بجرجيس، التي يطلق عليها اسم "حديقة إفريقيا"، حيث قام فريق الطب الشرعي ضمن المخبر المتنقل الذي تواجد على عين المكان بأخذ عينات منها للتحليل من أجل التثبت مما إذا كانت تنتمي إلى المجموعة المفقودة منذ فترة ضمن حادثة غرق مركب هجرة غير نظامية من جرجيس، على أن تودع في غرفة الأموات، إلى حين صدور النتائج في غضون 72 ساعة.

وفي الأثناء تتواصل عمليات التمشيط البحث التي يقوم بها البحارة في سواحل جرجيس، في مساعٍ لإيجاد بقية جثث المفقودين، علمًا وأنه تم إلى حد الآن العثور عن 8 جثث فقط من 18 شخصًا كانوا غادروا جرجيس يوم 21 سبتمبر المنقضي، وفق ما أعلنت عنه جمعية البحار التنموية بجرجيس، الاثنين 10 أكتوبر 2022.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكد، في بيان أصدره يوم 10 أكتوبر 2022، أنّ "الدولة تخلّت عن واجباتها وتقاعست في الوقوف إلى جانب عائلات أهالي المفقودين بجرجيس مما اضطر أهالي المنطقة وبحارتها للتعويل على إمكانياتهم الذاتية للبحث عن مصير المفقودين الذين خرجوا في عملية هجرة غير نظامية منذ أكثر من أسبوعين وانقطع الاتصال بهم".

واعتبر المنتدى أنّ تصريح الناطق باسم خلية الأزمة المنبثقة عن اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث بمدنين حول فاجعة جرجيس الذي كان قال إنه "تمّ وضع الإمكانيات المادية والبشرية والترفيع فيها من أجل مواصلة عملية البحث بصفة مسترسلة دون توقف رغم التقلبّات الجويّة، حيث تمّ اعتماد كل وسائل البحث سواء جوًا، أو بحرًا، أو عبر الرادارات المتنقلة والقارة، والزوارق، والطائرات"،  تنفيه الوقائع، وفق نص البيان.

 

جرجس.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً