post

إلى أي مدى ستنجح العقوبات على روسيا؟

صحافة الجمعة 18 فيفري 2022

ورد في مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن هناك رأيان متضاربان حول مدى فعالية التلويح الآن بفرض عقوبات اقتصادية لردع أي عدوان روسي على أوكرانيا.

ووفقا لكاتب المقال بيتر كوي، فإن الرأي الأول يقوم على أن العقوبات التي فُرضت على روسيا عقب غزوها أوكرانيا عام 2014، لم تؤدِ إلى تحسن في السلوك، مثلما لم تساعد العقوبات السابقة ضد كوبا وإيران والعراق وكوريا الشمالية وفنزويلا تلك الدول على انتهاج سلوك حسن. ويقول أصحاب هذا الرأي إن من غير الواقعي الاعتقاد أن فرض عقوبات أشد صرامة على روسيا سينجح هذه المرة.

أما الرأي الآخر المخالف، فيرى أصحابه أن العقوبات ستكون فعالة الآن، ذلك لأنها قد تسبب أذى حقيقيا للاقتصاد. والغريب في الأمر -بحسب الكاتب- أن الروس أنفسهم هم من جهر بهذا الرأي.

ففي 2014، صرّح وزير المالية الروسي السابق أليكسي كودرين -المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين- بأن حرمان روسيا من القدرة على الوصول إلى شبكة "سويفت" (Swift) العالمية الموحدة للاتصالات المالية الآمنة بين المؤسسات المصرفية، تسبب في تراجع إجمالي الإنتاج المحلي الروسي بنسبة 5%.

بل إن رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف كان حذر في عام 2019 من أن قطع إمكانية وصول بلاده لشبكة "سويفت" يعد عمليا بمنزلة إعلان حرب.

ويقول كاتب المقال إنه خلص "بعد نظرة فاحصة في الأمر"، إلى أن التوقعات بأن تلحق محاولة قطع القدرة على الوصول إلى شبكة "سويفت" ضررا بروسيا، مبالغ فيها، لكن العقوبات ربما تكون فعالة إلى حد ما، على الأقل.

ومع أن العقوبات -برأي بيتر كوي في مقاله- أبعد ما تكون عن الحل المثالي، فإنها البديل الوحيد إما لصراع مسلح أو إذعان على مضض للعدوان الروسي. "فالحرب في أوكرانيا قد تكون الكبرى في أوروبا منذ عام 1945".

ويدعم الباحثون في العلاقات الدولية -على وجه العموم- العقوبات رغم محصلتها المتواضعة حتى اليوم. وبحسب الباحثين في كلية وليام وماري وجامعة دنفر، فقد أيد قرابة 90% من مجموع 362 عالما بالجامعات الأميركية الذين استُطلعت آراؤهم في ديسمبر وجانفي الماضيين، إنزال عقوبات اقتصادية على روسيا إذا أقدمت على غزو أوكرانيا. على أن من المفارقات في هذا الجدال أن قطع شبكة "سويفت" سيكون أقل تدميرا مما يظن كثير من الغربيين، والعديد من الروس على ما يبدو.

وسويفت -وهي اسم مؤلف من الأحرف الأولى لما يُعرف رسميا بجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications)- تربط أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية مع بعضها، إلا أنها لا تنقل الأموال بنفسها، بل تعمل على تسهيل المعاملات عبر رسائل تؤكد هويات المرسلين والمتلقين، وتتحقق من حركة الأموال على النحو المنشود.

ويوضح مقال نيويورك تايمز أن محاولة القيام بأعمال مصرفية دولية بعيدا عن شبكة "سويفت" عملية معقدة وبطيئة ومكلفة، لكنها ليست مستحيلة. وبإمكان البنوك الروسية أن تمارس أعمالها التجارية عبر البريد الإلكتروني أو جهاز الفاكس أو حتى التلكس أو أجهزة قديمة شبيهة بنظام التلغراف سابقة لوجود برنامج "سويفت".

ويكمن الخطر الأكبر على روسيا -برأي الكاتب- في إجراءات أخرى بعينها ما تزال قيد النظر، وأهمها أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ربما تمنع ببساطة البنوك الأميركية من التعامل مع نظيراتها الروسية، وستحذو أغلب بنوك العالم الأخرى حذوها خوفا من الوقوع في مشاكل مع الولايات المتحدة، في حال تسببت عن غير قصد في تداخل معاملة ما مع بنك أميركي.

وقد يُقطع تواصل روسيا مع "سويفت" في وقت لاحق حتى يتم التخلص من بعض المعاملات المصرفية التي ربما لا تزال تحدث رغم الحظر الذي تفرضه دول حليفة للولايات المتحدة.

وينقل بيتر كوي عن برايان أوتول كبير الباحثين غير المقيمين في مركز "جيو إيكونوميكس" التابع للمجلس الأطلسي (Atlantic Council’s GeoEconomics Center) في العاصمة الأميركية واشنطن، أن من بين القطاعات الأخرى التي قد تستهدفها أميركا وحلفاؤها بالعقوبات: السكك الحديدية والتعدين والألماس.

كما قد يُحظر على الشركات الأميركية بيع مكونات مهمة، مثل رقائق الحواسيب، لروسيا. وتعكس تلك الإجراءات الصارمة -التي لا تزال تخضع للدراسة- فقدان أميركا الأمل في إغراء بوتين لكي يصبح لاعبا مسؤولا في الساحة الدولية، على حد تعبير كاتب المقال.

"إن العقوبة المثالية تتمثل في إنزال العقاب على بوتين والمقربين منه، بحيث لا يتضرر منها المواطنين الروس العاديين أو الولايات المتحدة وحلفائها". ويضيف الكاتب أن روسيا قد هيأت نفسها للعقوبات حيث شرعت في بناء مخزون من احتياطيات النقد الأجنبي، كما أن الغرب قد استعد بدوره بأن طلب من الدول المنتجة للنفط والغاز التأهب لزيادة إنتاجها، إذا دعت الضرورة لتعويض فقدان الوقود من روسيا.

inbound8506354926283547525.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً