post

ارتفاع نسق الاعتداءات.. سعيّد ورحلة القضاء على مكتسبات الصحفيين

صحافة الخميس 16 جوان 2022

رغم أن الرئيس قيس سعيد يكاد لا يفوّت فرصة إلا ويكرّر فيها احترامه للحريات الفردية والجماعية ولحرية الصحافة، إلا أن الواقع على الأرض يبيّن عكس ذلك.

فالصحافة في تونس تعيش منذ قرارات الرئيس الاستثنائية التي أصدرها في 25 جويلية 2021 واستفرد على إثرها بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فترة صعبة مع تزايد حجم الاعتداءات والمحاكمات المدنية والعسكرية للصحفيين، ووقف التفاوض مع النقابات الممثلة لهم، ومنعهم من الوصول إلى المعلومات، ما أدى إلى تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره سنوياً منظمة "مراسلون بلا حدود".

وأعلنت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الثلاثاء، أن نسق الاعتداءات على الصحفيين والمصورين الصحفيين خلال شهر ماي 2022 ارتفع مقارنة بشهر أفريل المنقضي.

وأشارت النقابة إلى أن "وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة سجلت 17 اعتداء من أصل 23 إشعارًا بحالة، ورد أغلبها عبر الاتصالات المباشرة وعبر شبكات التواصل الاجتماعي".

وذكرت النقابة، في تقريرها لشهر ماي 2022، بأنها كانت سجلت خلال شهر أفريل المنقضي 10 اعتداءات من أصل 16 إشعارًا بحالة بلغتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والاتصالات المباشرة من ضحايا الاعتداءات.

توزيع الاعتداءات

يتوزع الصحفيون/ات ضحايا العنف حسب النوع الاجتماعي إلى 4 نساء و11 رجلًا. إضافة إلى استهداف 3 مؤسسات إعلامية. ويعمل الصحفيون/ات والمصورون/ات الصحفيون/ات الضحايا في 15 مؤسسة إعلامية من بينها 5 قنوات تلفزية و4 مواقع إلكترونية و3 إذاعات وجريدة مكتوبة وحيدة ووكالة أنباء وحيدة.

وتتوزع هذه المؤسسات إلى 11 مؤسسة خاصة و2 مؤسسات عمومية ومؤسستين جمعياتيتين من ضمنها 14 مؤسسة تونسية ومؤسسة أجنبية وحيدة.

وعمل الصحفيون/ات الضحايا على المواضيع السياسية في 6 مناسبات، والفلاحية والأمنية والاجتماعية في 2 مناسبات وإعلامية ومكافحة فساد ورياضية وفنية ونقابية في مناسبة وحيدة لكل منها.

وكان الصحفيون/ات ضحايا المضايقة في 5 مناسبات وضحايا التحريض في 4 مناسبات. كما طالت الرقابة المسبقة الصحفيين/ات في 3 مناسبات.

وتعرض الصحفيون/ات إلى الاعتداء اللفظي والاحتجاز التعسفي والسجن والتتبع العدلي والمنع من العمل في حالة وحيدة لكل منها.

ووقعت الاعتداءات على الصحفيين/ات في 4 مناسبات في الفضاء الافتراضي وفي 11  مناسبة في الفضاء الحقيقي. وتصدر نشطاء التواصل الاجتماعي قائمة المعتدين على الصحفيين بـ4 حالات تلاهم كل من الجهات القضائية والمسؤولون الحكوميون بـ3 حالات لكل منهما.

وكان الموظفون العموميون والفنانون والأمنيون والوزارات والإعلاميون والنواب السابقون والمسؤولون الرياضيون، مسؤولون عن اعتداء وحيد لكل منهم في حق الصحفيين/ات.

التوزيع الجغرافي

وتركزت الاعتداءات على الصحفيين/ات خلال شهر ماي 2022 في ولاية تونس في 11 مناسبة، في حين سجلت ولايات القيروان ومنوبة وبن عروس وأريانة والكاف ونابل حالة وحيدة لكل منها.

التوصيات

وفي هذا الصدد، دعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، بعد ما سجلته من اعتداءات على الصحفيين/ات والمصورين/ات الصحفيين/ات خلال شهر ماي 2022:

رئاسة الحكومة إلى:

-إلزام موظفيها بتوفير كل المعلومات الضرورية للصحفيين/ات ومن خلفهم الرأي العام حول سير عمل الهياكل الحكومية والوزارات في إطار ضمان مبادئ الشفافية تجاه المواطنين وتجاه وسائل الإعلام ومراسلتهم رسميا في ذلك.

-إلغاء المنشور عدد 19 الذي يضع عوائق غير مشروعة أمام الحق في الحصول على المعلومات ومراسلة الوزارات لإلغاء كل المراسلات الداخلية التي تعيق عمل الإدارة والصحفيين واحترام قواعد الشفافية التي تعتبر من الضمانات الأساسية للبناء الديمقراطي.

-إنهاء حالة الفراغ الإداري على رأس المؤسسات الإعلامية الوطنية طبق الرأي المطابق.

الجهات القضائية إلى:

-اعتماد المرسوم 115 كسند قانوني لملاحقة الصحفيين واستبعاد النصوص ذات الطابع التجريمي كقانون مكافحة الإرهاب والمجلة الجزائية واعتماد معيار الضرورة والتناسب في الملفات التي تطرح لديهم/ن على مبدأ خدمة المصلحة العامة.

-عدم خرق الاتفاقيات والالتزامات التي تعهدت بها تونس على المستوى الدولي بعدم سجن الصحفيين وعدم التحول إلى عصا تسلط على رقاب الصحفيين وعلى حريتهم.

الجهات السياسية والمدنية إلى:

-القطع مع خطابات التحريض على العنف والكراهية ضد الصحفيين/ات والإدانة العلنية لكل الخطابات التي يبثها مؤيدوها في حق الصحفيين.

الصحفيين/ات والمصورين/ات الصحفيين/ات إلى:

-التشكي لدى وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بنقابة الصحفيين التونسيين عن كل الاعتداءات التي تطالهم خلال تأديتهم لمهامهم.

-التشكي لدى القضاء ضد كل من يبث خطاب التحريض على العنف والكراهية وكل من ينخرط في العنف المادي والمعنوي في حقهم.

ارتفاع عدد الاعتداءات

اعتبر التقرير السنوي لواقع الحريات الصحافية الذي أصدرته النقابة الوطنية للصحفيين، عام 2021 وبداية 2022 الأقسى على الصحفيين منذ خمس سنوات حيث سجل التقرير 214 اعتداء على العاملين في القطاع، وهو رقم مرتفع مقارنة بالسنوات الماضية.

وأكد نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي أن "أغلب الانتهاكات التي تم تسجيلها طيلة السنة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإجراءات الاستثنائية التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 جويلية وجمع بمقتضاها جميع السلطات بيديه، وأصبحت السياسات الحكومية والممارسات اليومية تسير على النحو الذي رسمه الرئيس: تعتيم تام على المعلومات والمعطيات التي تهم الرأي العام، سياسة اتصالية منغلقة لا تعترف بحق المواطن في معرفة ما يجري في بلاده وحقه في المشاركة العامة، ضرب لحق الوصول إلى المعلومة والانتهاك الخطير لهذا المكسب الذي ناضلت من أجله أجيال من الصحافيات والصحافيين والمجتمع المدني والناشطين".

ارتفاع عدد المحاكمات

كما ارتفع عدد المحاكمات المدنية والعسكرية للصحفيين التونسيين من خارج النصوص القانونية المنظمة للقطاع الإعلامي وهما المرسومان 115 و116، واللجوء إلى نصوص ذات طابع زجري نتجت منها عقوبات سالبة للحرية مثلما حصل مع الإعلامي عامر عياد والإعلامية شذى الحاج مبارك، والإعلامي صالح عطية والعديد من المدونين منهم ياسين العياري، وآمنة منصور، وسليم الجبالي الذين وجدوا أنفسهم في السجن نتيجة منشورات انتقدت سعيد ومساره وقراراته الانقلابية.

صعوبة الوصول إلى المعلومات

ويعاني الصحافيون من غياب مصدر رسمي للمعلومات في ظل إصرار سعيّد على عدم تعيين ناطق رسمي باسم الرئاسة، ما يصعّب عملهم ويجعلهم في مرمى الوقوع في الخطأ. ورغم مساعي نقابة الصحفيين لتحسين العلاقة مع الرئاسة وطلبه من سعيّد تعيين ناطق رسمي باسمه يسهل وصول الصحفيين إلى المعلومة، إلا أن الرئيس رفض هذا الطلب ورآه بلا جدوى وفق ما أكده نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي.

وما زاد الطين بلة كان إصدار رئيسة الحكومة نجلاء بودن المنشور رقم 19 الذي يمنع كبار الموظفين والمسؤولين من تقديم معلومات أو الإدلاء بتصريحات من دون إذن مسبق من رئاسة الحكومة، وهو الأمر الذى ترفضه النقابات الممثلة للصحفيين أي النقابة الوطنية للصحفيين، والجامعة العامة للإعلام المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، اللتين تريان في هذا القرار ضربا للعمل الإعلامي.

لا تفاوض مع النقابات

وجرت العادة في الإعلام أن يكون لممثلي القطاع دور في صياغة القرارات الاستراتيجية لتنظيم عملهم من خلال جلسات التفاوض واللقاءات الدورية بين النقابات الممثلة للصحفيين والهياكل الممثلة لأصحاب المؤسسات الإعلامية من ناحية، وبين الحكومة من ناحية أخرى، وهو الأمر الذى ترفضه الحكومة الحالية التي عيّنها سعيّد.

وأصدرت رئيسة الحكومة التونسية المنشور الرقم 20 الصادر في 9 ديسمبر الماضي ونص على عدم تفاوض أي وزارة مع النقابات من دون الرجوع إلى رئاسة الحكومة. هذا المنشور اعتبرته عضوة المكتب التنفيذي في النقابة الوطنية للصحافيين فوزية الغيلوفي في تصريح صحفي، "ضرباً للحق في العمل النقابي وقطعاً لكل جسور التواصل مع النقابات الناشطة في مجال الإعلام، واستفراداً بالرأي يعكس رغبة من الحكومة ومن ورائها الرئاسة في ضرب كل منهج تشاوري توافقي".

تراجع في مؤشر حرية الصحافة

كل هذه المعطيات أدت إلى تراجع تونس في مؤشر حرية الصحافة وفقا لتقرير منظمة مراسلون بلا حدود من المرتبة 73 عالميا سنة 2020 إلى المرتبة 94 عالمياً، وهو تراجع لم يسبق أن عرفته البلاد بعد نجاح الثورة عام 2011 واعتبرته المنظمات الحقوقية المحلية والدولية مؤشراً على تراجع كبير في حرية الصحافة بعدما كانت هذه الحرية أبرز مكتسبات الثورة.

كل ما سبق أوصل الصحفيين التونسيين إلى وضع هش اجتماعياً واقتصادياً بعد تراجع مستوى معيشتهم إثر انخفاض الرواتب وغلاء المعيشة، وهو ما يهدد مستقبل القطاع برمّته، وسط تجاهل رسمي تام.

inbound4315674074716175010.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً