post

اعتقالات لصحفيين.. هل أصبحت حرّية التعبير وممارسة العمل الصّحفي مهدّدة؟

صحافة الجمعة 15 أفريل 2022

ذكرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أمس الخميس، بأنه مع اقتراب الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 ماي القادم، تتالى المؤشرات السلبية التي تنذر بانتكاسة حقيقية في حرية الصحافة وحرية التعبير في تونس، وفق بيانها. وأشارت إلى أنه وللمرة الثانية على التوالي يتم الاحتفاظ بالصحفيين في فترة لم تتجاوز الشهر.

وفي ممارسة تتناقض مع متطلبات حرية التعبير التي تعتبر السلطة القضائية الراعية لها ولكل الحقوق والحريات، أذن وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أمس الخميس، بالاحتفاظ بالصحفية شهرزاد عكاشة إثر تدوينات أدانت فيها الممارسات الأمنية ضدها، ووجه لها وكيل الجمهورية شبهة "ازعاج الغير على شبكات الاتصالات العمومية" على معنى الفصل 86 من مجلة الاتصالات.

وتمثل عكاشة للمرة الثانية أمام باحث البداية بعد أن تم الاستماع لها في الأسبوع المنقضي في شكاية تقدمت بها وزارة الداخلية في حقها إثر نشرها تدوينات تنتقد فيها تسيير الوزارة.

ملاحقة الصحفيين

وتأتي هذه الملاحقة في سياق تتواتر معه ملاحقة الصحفيين واستعمال نصوص متروكة وغير ملائمة لطبيعة مهنتهم كمجلة الاتصالات وقانون مكافحة الإرهاب وتهم المساس بالأمن القومي على معنى المجلة الجزائية. كما تأتي في ظل تواتر تتبع النشطاء والمناهضين لطرق تسيير البلاد والمدافعين عن حقوق الانسان.

وتواصل السلطة القضائية اعتبار الصحفيين عناصر خطيرة على المجتمع في سعيهم للتعبير عن آراءهم وخلال قيامهم بعمل ضمن مؤسساتهم الإعلامية عبر تفعيل قرار الاحتفاظ في ملفات لا تتجاوز شكل الجنح وهو ما يعتبر توجها من وكلاء الجمهورية إلى التجريم والتضييق في نطاق الاستثناءات المتعلقة بحرية الصحافة وحرية التعبير.

وأشارت النقابة إلى خطورة هذه الممارسات وذكرت القضاة ووكلاء الجمهورية بما ينص عليه الفصل 13 من المرسوم 115 عن عدم جواز مساءلة أي صحفي على رأي أو أفكار أو معلومات ينشرها طبقا لأعراف المهنة وأخلاقياتها. كما نبهت أن النشر على الأنترنت مشمول بمقتضيات هذا المرسوم الخاص بحرية الصحافة والطباعة والنشر ضمن الفصل 50. واعتبرت تعمد النيابة العمومية تجاهل هذا المرسوم واستعمالها لنصوص تجرم حرية التعبير كالمجلة الجزائية ومجلة الاتصالات هو ضرب لجوهر حرية الصحافة.

مؤشر خطير

ودعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى الإطلاق الفوري لسراح الصحفية شهرزاد عكاشة ونبهت إلى خطورة أن يتحول القضاء إلى سلطة تجريم لا سلطة حامية للحقوق والحريات، واعتبرت ما سجلته من ملاحقات مؤخرا في صفوف منظوريها مؤشرا خطيرا في السعي إلى التضييق على حرية التعبير والصحافة ونسف أسسها القانونية والحقوقية.

كما دعت النقابة السلطات التونسية إلى الإيفاء بالتزاماتها الدولية إزاء الصحفيين/ات بتعهدها بعدم سجن الصحفيين ووضعهم رهن الاحتجاز التعسفي.

اعتداءات وإيقافات

وظلت حرية التعبير والصحافة مكسباً رئيسياً للتونسيين بعد ثورة 2011، ولكن ومنذ 25 جويلية انتقد الرئيس سعيد وسائل الإعلام باستمرار، بل واحتج أحياناً حتى على ترتيب الأخبار في وسائل الإعلام.

وما ينفكّ سعيّد يؤكد في خطاباته أنّ "حرية الصحافة والرأي والتعبير مضمونة في تونس وأنه لا مجال للمس منها من أي طرف". ضمانة فندتها وقائع حصلت على أرض الواقع ومؤشرات أثبتت التراجع المستمر الذي باتت تعرفه حرية الصحافة والتعبير في تونس.

واعتقال شهرزاد عكاشة هو ثاني اعتقال لصحفيين خلال شهر، بعد أن سُجن مراسل راديو "موزييك إف إم" في القيروان خليفة القاسمي لمدة أسبوع الشهر الماضي، بعد أن نشر خبرا على موقع الراديو على الإنترنت يتعلق بتفكيك "خلية إرهابية" وتوقيف عناصرها. وطلب القضاء صحفيين آخرين بينهما رئيس التحرير الحسين الدبابي المثول أمام قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب في الموضوع ذاته.

وشهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من الانتهاكات التي طالت صحفيين وإعلاميين من اعتداءات أمنية ومحاكمات تعلقت بقضايا رأي، وحملات شيطنة وتشويه، حيث قضت الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس بسجن الإعلامي في قناة الزيتونة عامر عياد مدة أربعة أشهر. ويتعلق الأمر بإلقاء الإعلامي عياد قصيدة للشاعر العراقي أحمد مطر خلال آخر حصة قدمها من برنامجه على قناة الزيتونة وتحرك القضاء العسكري على أساسها.

ومنذ أكتوبر الماضي تُتابَعُ الصحفية شذى الحاج مبارك، في ما تُعرف بقضية "شركة انستالينغو"، وهي مختصة بصناعة المحتوى والاتصال الرقمي، وذلك بتهم بينها "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة والتآمر ضد أمن الدولة الداخلي".‎

كما وجّهت النيابة العمومية، في 30 سبتمبر 2021، تهمة ''الاعتداء بالعنف الشديد على موظف عمومي حال مباشرته لوظيفته'' ضد الصحفية والناشطة أروى بركات. وقائمة الصحفيين الذين تعرضوا لاعتداءات وتضييقات أثناء أداء عملهم ولحملات تشويه، تطول.

مداهمات

وبالإضافة على ذلك، عرفت تونس بعد 25 جويلية كذلك مداهمات لمقرات مؤسسات إعلامية أجنبية ومحلية، وغلقها بالقوة العامة، على عرار ما حصل لقنوات الزيتونة ونسمة وحنبعل..

وسبق أن تعرّض غداة 25 جويلية 2021، مكتب قناة "الجزيرة" بتونس إلى عملية اقتحام من قبل 20 عون أمن، اثنان منهم بالزي الرسمي، من الباب الخلفي وطالبوا فريق عمل المكتب المتكون من 7 أشخاص بمغادرة المقر وغلق المكتب، وفق ما جاء في بيان للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

وضع الحريات مقلق

ومن جهته، أكد المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن "الوضع في تونس مقلق من جميع النواحي، خاصة على مستوى الحقوق والحريات، في ظل ما عرفته البلاد مؤخرًا من ممارسات، على غرار إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية، محاكمة صحفيين خارج المرسومين 115 و116..".

وسبق أن شدد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان نشره بعد يومين من "قرارات 25 جويلية"، على "ضرورة احترام استقلالية المؤسسات الإعلامية وحماية حرية الصحافة والنشر والتعبير والتنظّم والاجتماع والتعددية وحق المعارضة"، وأكد رفضه "أي انتهاك يطال هذه الحقوق والحريات".

استهداف الصحفيين 

ولقيت الأحداث المتعلقة بحرية الإعلام في تونس والاعتداءات والمحاكمات التي طالت صحفيين صدًى واسعًا على المستوى الدولي.

ورصدت الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي عن حالة  حقوق الانسان في العالم، العديد من الخروقات في دول الشرق الأوسط وافريقيا، وتضمن  التقرير المنشور جزءا متعلقا بوضعية حقوق الانسان واحترام القانون في تونس منذ 25 جويلية 2022.

كما أشار إلى تدخل السلطة في وسائل الإعلام وارتهان بعض وسائل الإعلام لتوجهات عدد من الأحزاب السياسية. وذكر التقرير أمثلة عن استهداف الصحفيين والمحامين ونشطاء المجتمع المدني، مسجلا قضايا عنف وتحرش ضد الصحفيين واعتداء  قوات الأمن اعتدت على عدد من الصحفيين أثناء تغطية وقفات احتجاجية.

تشديد الخناق على العمل الصحفي

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: "إنّ قوات الأمن التونسية بدأت بتشديد الخناق على العمل الصحفي في البلاد، حيث بات الصحفيون يخشون أكثر من أي وقت مضى التعرض إلى إجراءات تعسفية على خلفية عملهم الصحفي المشروع".

وكشف المرصد الأورومتوسطي في بيان له، عن تلقيه شكاوى من صحفيين تونسيين وصلتهم معلومات عن احتمالية استهدافهم أمنيًا بسبب تغطيتهم أو عملهم في وسائل إعلام تغطي تطورات الأزمة السياسية في البلاد، وخصوصًا تلك التي تتناول وجهات النظر المعارضة لسياسات الرئيس قيس سعيّد.

وأوضح الأورومتوسطي أنّ تلك التهديدات جاءت بعد نقل بعض وسائل الإعلام المحلية للجلسة الافتراضية التي عقدها البرلمان التونسي الأربعاء 30 مارس الماضي، وصوّت فيها على إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي فرضها سعيد في جويلية من العام الماضي.

وأكّد أنّ الادعاءات التي تلقّاها من الصحفيين جاءت بعد ساعات من انتقاد الرئيس سعيد العلني لوسائل الإعلام التي نقلت جلسة البرلمان، بما يشير على ما يبدو إلى قرار رسمي من أعلى المستويات بفرض قيود على حرية العمل الصحافي في البلاد لأسباب غير مشروعة.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ الدستور التونسي كفل على نحو واضح حرية الإعلام والنشر، إذ ينص الفصل (31) منه على أنّ "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة". وأنّه "لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات".

اعتداء على الديمقراطية

من جانبه، أعلن الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين أنطوني بيلانجير أنه "يجب على الرئيس سعيّد الدفاع عن حرية الصحافة وضمان أمن زملائنا خلال تأدية مهامهم. لا نستطيع التسامح حيال مواصلة استهداف الصحفيين". وقال "نحن قلقون جدًا بشأن الطريقة التي يتم بها اعتقال الصحفيين الذين ينتقدون السلطة في تونس".

ومن جهته، شدد منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للجنة حماية الصحفيين (مقرها نيويورك) شريف منصور، أن "اعتقال أي صحفي ليس فقط اعتداء على حرية الصحافة في تونس، بل هو اعتداء على الديمقراطية في البلاد ككل"، حسب تقديره.

تهديد حرية التعبير

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية، إن القانون الذي أصدره سعيّد في إطار ما وصفه بحملة لمحاربة المضاربة غير المشروعة بالسلع، يُعَد تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير؛ فيشتمل المرسوم عدد 14 لعام 2022، الذي دخل حيز التنفيذ في 20 مارس 2022، على أحكام ذات صياغة مُبهمة قد تؤدي إلى سجن الأفراد لمدد تتراوح بين عشرة أعوام ومدى الحياة يشمل معاقبة النقاش العلني حول الاقتصاد.

وتنُص المادة 19 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، التي تُمثِّل تونس فيه دولة طرف، على كفالة الحق في حرية التعبير؛ وبينما قد تفرض الحكومات قيودًا على التعبير لحماية بعض المصالح العامة، يجب أن تكون هذه القيود مشمولة في قانون مُصاغ بقدر كافٍ من الدقة، لتمكين الأفراد من تنظيم سلوكهم بموجبه، ويجب أن يستند ذلك بوضوح إلى ضرورةٍ ما وقدر من التناسبية لتحقيق الأغراض المحددة.

inbound1105176778981731028.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً