post

الجزائر تحيي ذكرى الاستقلال باحتفالات تحاكي سنة 1962

المغرب العربي الأحد 03 جويلية 2022

أقيم الليلة الماضية استعراض شعبي حافل في ملعب الخامس من جويلية وسط العاصمة الجزائرية، بمناسبة ستينية عيد استقلال الجزائر، حضره جمهور غفير استمتع باستعراضات قيمة ذات أبعاد فنية وتاريخية.

وكان أكثر الفقرات الاستعراضية، التي لاقت استحسانا كبيرا من قبل الجمهور، موكب للسيارات والمركبات القديمة التي تعود إلى عهد الخمسينيات والستينيات، وتحمل مشاركين ومشاركات يرتدون ألبسة تعود أيضا إلى تلك الفترة، حيث ارتدت النساء ما يعرف في الجزائر بـ"الحايك"، وهو رداء أبيض ترتديه النساء عند الخروج من البيت في تلك الفترة، ومثلت هذه المواكب نفس المواكب الاحتفائية التي أقامها الجزائريون في العاصمة والمدن الكبرى احتفاء باستقلال الجزائر عشية الخامس من جويلية 1962.

وسارت مواكب لفرق الكشافة على طول مضمار الملعب، تحمل صورا للرموز الوطنية وشهداء ثورة الجزائر وقادة المقاومة الشعبية وشخصيات مختلفة طبعت تاريخ الجزائر، كما أدت فرق رقص شعبي طبوعا مختلفة ومتنوعة من الرقص والفولكلور الشعبي.

وتجهّز السلطات الجزائرية لاستعراض عسكري ضخم بمناسبة ستينية الاستقلال، يقام على مسار واجهة بحرية في المدخل الشرقي للعاصمة الجزائرية، حيث جُلبت معدات عسكرية ضخمة ومركبات وصواريخ ومدرعات، ستنشط الاستعراض العسكري الذي دعي إليه عدد من الضيوف الأجانب، بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وتحضيرا لهذا الاستعراض العسكري الذي يوصف بالضخم، والأول من نوعه منذ عام 1989، كانت السلطات الجزائرية قررت إغلاق المدخل الشرقي للعاصمة الجزائرية، لإفراغ مسار الطريق السيارة إلى وسط العاصمة، واستغلاله مساراً للاستعراض، وحظر جزئي للطيران فوق منطقة الاستعراض، بداية من يوم أمس إلى غاية الأربعاء المقبل.

سعي فرنسا لاستبدال الشعب 

وفيما تقترب الذكرى الـ60 للاستقلال، رأى مؤرخون أن توطين الأوروبيين الذي ترافق مع ارتكاب مجازر وعمليات ترحيل واسعة كان في صلب استعمار فرنسا الجزائر في القرن التاسع عشر.

وشهدت السنوات السبعون التي أعقبت إنزال القوات الفرنسية في الجزائر في 1830 مجازر كبيرة، بما في ذلك عمليات "الخنق بالدخان" والتهجير القسري لمئات الآلاف من السكان من مناطقهم الأصلية.

وأوضح المتخصص الفرنسي في التاريخ الاستعماري أوليفييه لوكور غرانميزون، لوكالة فرانس برس: "في البداية، ساد منطق (طرد العرب) من ديارهم واستبدالهم، تبعه منطق استغلال أراضيهم ونهبها".

وتابع زميله الجزائري حسني قيطوني، الباحث في جامعة إكستر البريطانية، بأن الغزو كان هدفه "استبدال شعب بآخر"، وأوضح أنها "كانت في الأساس سياسة استبدال وسياسة توطين".

ولا يرفض المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا مصطلح "الاستيطان"، لكنه يستبعد فكرة أن يكون الأمر استراتيجية متعمدة. وقال "لم يكن هناك فكر ممنهج لاستبدال السكان.. لم تكن سياسة استبدال".

وأضاف أن الأمر كان "شبيهاً بالسياسة التي جرى اختبارها في الغرب الأميركي.. نأتي بمستوطنين للسيطرة على البلاد.. لا توجد استراتيجية.. إنه استيطان تدريجي بإضافة سكان يصلون في حركة غير منظمة".

الخنق بالدخان

وأكد ستورا أن "غزو الجزائر كان مروعا وجرى باستخدام العنف"، وأوضح أنه في الجزائر "استخدم الجيش الفرنسي في أفريقيا (الأرتال الجهنمية) التي استخدمت ضد المتمردين في حرب فونديه في بداية الثورة الفرنسية.. وهي تقوم على قتل السكان وترحيلهم".

هذا ما حصل في البليدة بالقرب من الجزائر العاصمة، حيث "قُتلت أكثر من 600 امرأة وطفل ومسن" في نوفمبر 1830، كما ذكر المؤرخ قيطوني.

وأوضح أنه منذ عام 1840 عندما واجهت فرنسا أزمة اقتصادية كبيرة، "قررت الحكومة الفرنسية احتلال الجزائر بأكملها وتوطين فائض السكان الفرنسيين فيها".

وبحسب قيطوني، فإنه بين 1830 و1930، استولت الإدارة الاستعمارية على 14 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، تم التنازل عن جزء منها مجانا للمهاجرين الأوروبيين، الذين ارتفع عددهم من سبعة آلاف في 1836 إلى 881 ألفًا في 1931.

وأشار غرانميزون إلى أن ما سُمي "إحلال السلام في الجزائر بدأ فعليا بتعيين الجنرال بيجو في منصب الحاكم العام في عام 1840". وأضاف أنها كانت فترة "حرب ماحقة"، زال فيها "التمييز بين المدنيين والعسكريين وبين ساحات القتال وأماكن العبادة"، التي انتُهكت حرمتها حتى عندما لجأ إليها مدنيون للاحتماء.

واخترعت القوات الاستعمارية "الخنق بالدخان". ووثق المؤرخون على وجه الخصوص حالتين: الأولى في منطقة الصبيح (11 جوان 1844) والثانية في منطقة الظهرة (18 جوان 1845)، أبيدت خلالهما قبائل بأكملها لجأت إلى كهوف سُدت واختنق من كان بداخلها بدخان نيران أشعلت بأوامر من الجنرالات الفرنسيين، حسب ما وثق الباحث في مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في وهران منصور قديدير.

وصنف غرانميزون هذه الأحداث أنها "إرهاب دولة: كان الهدف منها ارتكاب مجازر لتكون عبرة ولإخضاع السكان الأصليين بسهولة الأكبر"، من خلال ما وصفه بأنه "جريمة ضد الإنسانية".

وبالإضافة إلى "الخنق بالدخان"، أشار المؤرخ إلى "تدمير عشرات القرى وترحيل آلاف المدنيين" من دون مواشيهم إلى أراضٍ أقل خصوبة، ما أدى إلى مجاعات وأوبئة قضت على أعداد كبيرة منهم.

سلب الهوية

ورأى قديدير أن المرحلة الأولى من الغزو تضمنت "إرادة متعمدة للقضاء، أو على الأقل لإنقاص عدد السكان، حتى لا يشكلوا خطرا على جيش الاحتلال".

ففي 1880، قدّر الديموغرافي الفرنسي رينيه ريكو أن "عدد السكان الأصليين انخفض بنحو 875 ألفًا بين عامي 1830 و1872". وعلى الرغم من ذلك، بدأ عدد الجزائريين بعدها يزداد، حتى إنه تضاعف بين عامي 1906 و1948، ليصل إلى تسعة ملايين نسمة.

وذكر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في أكتوبر 2021، أن "5 ملايين و630 ألف جزائري قتلوا بين 1830 و1962"، أي أن غالبية الضحايا سقطوا خلال السنوات الأولى للاحتلال الفرنسي، إذ إن حرب الاستقلال أسفرت عن مقتل ما بين 300 إلى 400 ألف جزائري بحسب المؤرخين الفرنسيين، و 1,5 مليون حسب الجزائريين.

واعتبر ستورا أنه بمعزل عن الأرقام التي لا يوجد توافق حولها، كان "الأمر الأهم خلال الغزو الاستعماري هو سلب الهوية. فعندما يُجرد شخص من أرضه، يفقد اسمه المرتبط بهذه الأرض".

inbound2155317338494625968.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً