post

الحسابات الوهمية: ديمقراطية ناشئة في مواجهة أخطار تؤرق ديمقراطيا

تكنولوجيا الإثنين 07 مارس 2022

استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كمنصّة للتلاعب بالرأي العام والتأثير في نتائج الانتخابات أصبح حقيقة واقعة منذ صدور تقارير صحفية تفيد أن الحكومة الروسية قد تدخلت بالانتخابات الرئاسية الأميركية في سنة 2016...ظاهرة اشتكت منها في الفترة الماضية بلدان عديدة (قطر/الاردن...) 

هذا الخطر العابر للقارات يستهدف الجميع دون استثناء و الديمقراطية التونسية الغضة، الهشة أصبحت بسرعة معرضة لأخطار و تحديات راهنة تؤرق ديمقراطيات عريقة إمكانياتها التقنية الضخمة لم تشفع لها ان تكون بمأمن من خطر هذا المارد المخيف...

في تونس  بعد تتبع معمّق لما حصل قبل 25 جويلية وأثناءه.. وبعده...الملاحظة الأبرز: عاصفة من الحسابات الوهمية ضربت منصة الفايسبوك في تونس...نجحت بشكل كبير في توجيه الرأي العام و خلق جو مشحون بخطاب الكراهية و الحقد مايهدد بشكل كبير السلم الاجتماعي ...

هذا الخطر العابر للقارات يثير القلق في كل بلدان العالم فهي في حقيقة الأمر بمثابة معاول هدم يتم التحكم فيها لضرب الديمقراطية، للتلاعب  بالرأي العام وتوجيهه، لخدمة أجندات سياسية، لدعم طرف ضد آخر، للتحريض.... 

بعد تتبع دقيق لهذه الحسابات الوهمية و نشاطها على منصات التواصل الاجتماعي في تونس و خاصة الفايسبوك طوال الفترة الماضية....الملاحظات الأبرز التي نسوقها:

- عاصفة من الحسابات الوهمية ضربت الفضاء الأزرق (في تونس) و نشاطها يثير الاستغراب (مجموعة فايسبوكية وصل عدد متابعيها في ظرف ثلاثة أيام إلى أكثر من 700 الف!!!!)  

- بعد يوم 1 أوت نقص العدد بشكل واضح عما كان عليه قبل أيام 

- أغلب الحسابات لا تحتوي على تدوينات و ان وجدت فالاهتمامات غير سياسية (صور/طبخ/رياضة...) فجأة أصبحت تستعمل للتعليقات على الأحداث و المواضيع السياسية 

- أغلب الحسابات بأسماء تونسية و مكان الإقامة خارج تونس

- أغلب الحسابات تستعمل في تعليقها كمية كبيرة من الكلام البذيء و تروج لخطاب عنيف ونفس التعاليق تعاد حرفيا من حسابات عديدة 

- عدد كبير من الحسابات تنشط بشكل ملفت: تتبع دقيق لكل التدوينات والأخبار والتعليق يكون بشكلٍ مكثف و en masse 

- العديد من الحسابات التي تعترضك أينما ذهبت اختفت فجأة أو أغلقت

- العديد من الحسابات تخطىء في الكتابة و في بعض الأحيان تستعمل لكنات دول عربية..

✔️ كيف تعمل هذه الحسابات:

- شركات تبيع آلاف الحسابات  متمركزة خاصة في الصين وحرفاءها خاصة من دول الخليج العربي و شركة الفايسبوك رفعت عشرات القضايا ضدها و أغلقت العديد منها

- تقنية access token: جهات معينة ترسل روابط من قبيل (اربح سيارة من كارفور وجوميا، شاهد قبل الحذف، سقوط فستان ..)،

بمجرد ضغط المتابع على الرابط يتم أخذ منك "الاكسس توكن" و يستطيعون التعليق و Reaction بإسمك و أنت لا تعلم إلا إذا رجعت وعدلت خيار الapps في فايسبوك ...

المشكل الخبراء في أمن المعلومات يؤكدون أن الكثير من الحسابات الوهمية تصعب مراقبتها أو معرفة مصدر وجودها، نظرا لاستخدام أصحابها خاصية التخفي Vpn التي تسمح لهم باستخدام الشبكة العنكبوتية من دون ظهور شخصياتهم الأصلية. فخاصية التخفي يحصل عليها أصحاب الحسابات الوهمية من شركات متخصصة في المجال، ولا تسمح للبلدان الإطلاع على بيانات مستخدميها، نظرا لعدم وجود إتفاقيات مع البلدان المعنية بها بشأن كشف الهويات أو مواقعهم الاصلية، نظرا لأن الخاصية ليست مجانية وتم الحصول عليها مقابل مبالغ مالية.

والكثير من الهاكرز والشركات المختصة في المجال يساعدون الحسابات الوهمية في زيادة نشاطها وتوسع انتشارها وتثبيتها بشكل رسمي في مواقع التواصل، بأرقام هواتف اجنبية...

شركة فايسبوك عمدت نتيجة ضغوط الرأي العام إلى اتخاذ إجراءات صارمة حيث أزالت عشرات الآلاف من الحسابات الوهمية لكنها أقرت في نفس الوقت بصعوبة القضاء عليها نهائيا.

✔️ خطر الحسابات الوهمية؟

الحساب الوهمي هو حساب باسم مستخدم غير حقيقي لكن خطره ليس في ذاته بل في “الضجة” الإعلامية التي يثيرها مع الآلاف من الحسابات الوهمية الأخرى التي تنشط بطريقة منظّمة ومدروسة ومتناغمة من أجل نشر تعليقات تدعم وجهة نظر معيّنة أو شن هجوم على الخصوم.

الهدف من كل ذلك خلق رأي عام وإيهام المتابع بوجود أغلبيّة في المجتمع تؤيد فكرة أو شخص ما.

✔️ الروبوتات الإلكترونية bots ودورها في إدارة الحسابات الوهمية

إدارة الحسابات الوهمية يتطلب جهدا مضنيا ووقتا طويلا لمتابعة المنشورات والتفاعل معها لذلك يعمد مستخدموا هذه الحسابات إلى توظيف التقنيات الحديثة لتوفير الوقت والجهد. في هذا السياق برز مصطلح “الروبوتات الإلكترونية” social bots وهي تطبيقات تعتمد على الذكاء الصناعي في إدارة الحسابات الوهمية. هذه التطبيقات قادرة على فهم محتوى المنشورات والتفاعل معها بتعاليق ملائمة وقع تحريرها مسبّقا، بل هي قادرة على خلق حوارات فيما بينها وإيهام المتابع بوجود رأي عام مساند أو مخالف لقضية ما.

خطر هذه التطبيقات يكمن في قدرتها على التحكّم بعدد لا محدود من الحسابات الوهمية وإغراق صفحات التواصل الاجتماعي بالتدخلات المنسّقة التي تخدع الرأي العام وتساهم في تشكيله.

الخطر الآخر هو محدودية عدد المجموعات والأفراد القادرين على التمتع بخدمات هذه التطبيقات حيث تحتاج إدارتها إلى أموال طائلة لشراء الحسابات الوهمية وتشغيلها على خوادم الشبكة القادرة على معالجة المعلومات باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الصناعي وهو ما يجعل التنافس في شبكات التواصل الاجتماعي يخضع لمقاييس غير عادلة بين مستخدميها.

 

galleries/حسابات-وهم.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً