post

الحكومة تقدّم برنامج رفع الدعم وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي

اقتصاد وأعمال الثلاثاء 07 جوان 2022

كشفت وزير التجارة، فضيلة الرابحي، عن برنامج وخطة الحكومة لرفع الدعم. وأضافت خلال ندوة حضرها 15 وزيرا في حكومة نجلاء بودن، أنه لن يتم التخلي عن الدعم بل سيتم توجيهه إلى مستحقيه من العائلات المعوزة ومحدودة الدخل.

خطة الحكومة

وأكدت الوزيرة أن الإجراءات ستنطلق بداية من سنة 2023 لتمتد على طوال 4 سنوات، ليتم بذلك تدريجيا الانتقال من دعم الأسعار إلى نظام دعم المداخيل (تحويلات نقدية مباشرة عوضا عن دعم الأسعار).

وأوضحت الرابحي أن الهدف هو إرساء منظومة عادلة للدعم وإحداث منصة رقمية لتسجيل المستفيدين تستوعب كل المنتفعين ببرنامج الأمان الاجتماعي وتفتح باب التسجيل للطبقات الاجتماعية الأخرى.

وتابعت أنه سيتم بداية من نهاية السنة الحالية الانطلاق في تنفيذ نظام التحويلات النقدية للمستفيدين قبل التعديل التدريجي للأسعار. وقالت الوزيرة: "بلغنا مرحلة متقدمة في تصميم منصة رقمية للتسجيل وتركيز وحدة تصرف حسب الأهداف بوزارة الشؤون الاجتماعية ستُعنى بعملية التسجيل والتحويلات، إضافة إلى وضع خطة اتصالية متكاملة للتأكيد على التمسك بسياسة الدعم كمكسب اجتماعي للحفاظ على القدرة الشرائية للمستهلك وضرورة مراجعتها للقضاء على التلاعب بالمواد المدعمة ومكافحة تهريبها وتوجيهها لمستحقيها".

ارتفاع تكاليف الدعم وغلاء الأسعار

وفي سياق متصل، أفادت وزيرة التجارة بأنه من المنتظر أن تصل كلفة الدعم نهاية السنة الحالية إلى 4200 مليون دينار، مقابل 3200 مليون دينار سنة 2021 و730 مليون دينار لسنة 2010.

وأبرزت أن كلفة الدعم لسنة 2022 تمثل 3.3 من الناتج الداخلي الخام، وهي أيضا أكثر من نصف الاعتمادات المخصصة للاستثمار (تمثل ميزانية وزارتي الصحة و التشغيل معا).

وبيّنت أن عوامل عديدة أدت إلى ارتفاع كلفة الدعم، زادتها حدة الازمة الاوكرانية الروسية وانعكاسها على ارتفاع الأسعار (ارتفاع أسعار القمح من 30 الى 50 بالمائة والزيت النباتي أكثر من 50 بالمائة)، إضافة إلى تضاعف كلفة الشحن إلى 6 مرات وكذلك تراجع سعر الدينار، علما وأن 87 بالمائة من كلفة الدعم هي للحبوب ومشتقاتها والزيت النباتي. وأوضحت الرابحي أن ظاهرة التهريب زادت في تعميق الأزمة، وأشارت إلى أن المواد الغذائية المدعمة تباع في أسواق دول أخرى.

مخاوف وتطمينات

وعلى الرغم من تطمينات الحكومة للعائلات المعوزة والفقيرة وتأكيدها الحفاظ على سياسة الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه، إلاّ أن هذا القرار أثار الجدل في تونس، في ظل مخاوف من التضحية بهذه الفئات الهشة من أجل تنفيذ برنامج الإصلاحات الذي طالب به المانحون الدوليون.

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل أوّل الرفضين لتمشي الحكومة الرامي لرفع الدعم الكلي وتوجيهه فقط الى العائلات المعوزة. واعتبر أن أغلب العائلات التونسية تستحق الدعم، داعيا إياها إلى مراجعة سياستها في هذا الإطار.

تحذيرات من انفجار اجتماعي

ومع انطلاق حوار وطني وسط تصدع الجبهة الوطنية ورفض أحزاب ونقابات المشاركة فيه، كشفت الحكومة عن خطتها لإصلاح الاقتصاد يفترض أن تكون وثيقته التي نشرت للعموم تمهيدا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تعاون مالي بقيمة 4 مليارات دولار.

ولم تتوقف الأزمات السياسية في تونس على مدى عقد من الزمن لتجابه اليوم أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي وشيك نتيجة غياب الحلول لاحتواء الغلاء والحد من نسب البطالة وتحسين معيشة المواطنين.

ومنذ توليها المسؤولية في أكتوبر الماضي، قالت حكومة نجلاء بودن إنها ستعد برنامج إصلاح اقتصادي يغيّر من حياة المواطنين، ويساعد الاقتصاد على استعادة عافيته عبر حزمة إجراءات تستهدف القطاع المالي وتحسين مناخ الاستثمار وتزيد من العائدات الجبائية، فضلا عن التحكم في كتلة الأجور وتوجيه الدعم نحو مستحقيه من الطبقات الضعيفة والمتوسطة دون غيرها.

وإصلاح منظومة الدعم من أهم الملفات التي تداولها حكّام تونس منذ أكثر من 15 سنة، غير أن هذا الملف الشائك اجتماعيا يقترب من تفكيكه نهائيا رغم مخاطره على السلم الاجتماعي وتحذيرات الاتحاد العام التونسي للشغل من المساس بقوت المواطنين.

إلغاء الدعم

وتكشف وثيقة الإصلاحات التي نشرتها الحكومة على موقعها الرسمي على "فيسبوك" أن النية تتجه نحو إلغاء تدريجي لدعم المحروقات والغذاء في الفترة المتراوحة ما بين 2023 و2026، والاتجاه بالمواد المشمولة بالدعم الحكومي نحو الأسعار الحقيقية، فضلا عن إيقاف التوظيف في القطاعات الحكومية في إطار وصفته بالخطة الإصلاحية للحد من الإنفاق في البلد الذي يشهد أزمة مالية.

وقال وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن، إن التونسيين غير مهيئين لتقبل الإصلاحات التي تثقل كواهلهم بمزيد من الأعباء، واعتبر أن برنامج الحكومة غير قابل للتطبيق لاعتبارات عديدة أهمها رفض الاتحاد العام التونسي للشغل المرور بالقوة إلى تطبيق سياسات اجتماعية توسّع دائرة الفقر في البلاد.

وقال حسن في تصريح صحفي، إن ما اقترحته الحكومة ليس الحل الأمثل، وأكد أن تحديد قائمة المنتفعين بالدعم مستقبلا يجب أن يكون عبر آلية عملية وليس عبر منصة يسجل عليها المواطنون وفق ما ورد في البرنامج الحكومي.

وأوضح أن التسجيل على منصة للحصول على الدعم الحكومي سيؤدي إلى فتح باب الانتفاع بالدعم لكل الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك تلك التي لا تستحق الدعم سيما وأن الحكومة لا تملك آليات التثبت من أحقية الانتفاع من عدمه.

وأضاف حسن أن الحكومة لا يمكنها إنجاح أي برنامج إصلاح دون أن يكون هناك تبنّ مجتمعي للمشروع، ولا سيما قبوله من قبل المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل. واعتبر أن التقبّل المجتمعي للإصلاحات غائب تماما ولا يمكن أن يتحقق في ظل ظرف سياسي حالي تطغى عليه الانقسامات والتوتر وفي ظل تدني المقدرة الشرائية للمواطنين. ورجّح الخبير الاقتصادي أن تفشل تجربة الحكومة الإصلاحية في ظل ظرف اجتماعي صعب يغطي عليه توسّع الفقر وتراجع مقدرات الطبقة الوسطى.

ثلث التونسيين فقراء

وحسب وزارة الشؤون الاجتماعية هناك نحو 4 ملايين فقير في تونس من مجموع 12 مليونا إجمالي سكان البلاد، في حين قدّر معهد الإحصاء الحكومي نسبة الفقر بنحو 15.2 بالمئة.

وطالب حسن بضرورة إشراك الكفاءات والمنظمات الاجتماعية في خطة إصلاح تحظى بالإجماع وتتم الاتفاق حولها سيما في ما يتعلّق بآلية التعويض للمواطنين.

لكن الحكومة قالت في وقت سابق، إنها بصدد استكمال خطة لتقديم دعم مالي للطبقات الفقيرة والمتوسطة لتعويض الزيادات في أسعار السلع المشمولة برفع الدعم، وأوضحت أنها بصدد إدراج 40 ألف أسرة جديدة ضمن برنامج الأمان الاجتماعي بما يسمح لـ310 آلاف عائلة بالحصول على مساعدات في إطار برنامج مساندة الأسر المعوزة.

اختناق اجتماعي

وفي ظل تصاعد الأزمة المالية، أعلنت الحكومة عن خطة للتحكم في كتلة رواتب الموظفين، تقوم على ترشيد الزيادات في الأجور وحصر التوظيف في القطاعات ذات الأولوية، إلى جانب اعتماد برنامج لتسريح الموظفين من القطاع الحكومي، وإلغاء أحكام لانتداب العاطلين عن العمل ممن تجاوزت مدة بطالتهم العشر سنوات الذي أقره البرلمان في جويلية 2020.

ومن جانبه، أكد المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، أن الاختناق الاجتماعي الذي تعيشه تونس سيؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات في ظل ارتفاع نسب الفقر وتدني الخدمات الأساسية.

وقال بن عمر في تصريح صحفي، إن سياسات الحكومة تخلق أجواء متوترة مع الشارع والفاعلين الاجتماعيين وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل، وأكد أن ظهور مؤشرات عن ارتفاع وتيرة الأشكال الاحتجاجية خلال الصائفة تزامنا مع المواعيد الانتخابية القادمة.

وتوقع بن عمر أن تتوسع الرقعة الجغرافية للاحتجاجات وأن تطاول كل القطاعات، وانتقد تواصل الغموض في السياسات الإصلاحية التي تنوي الحكومة تطبيقها.

واعتبر أن السلطة عاجزة عن معالجة مشاكل التونسيين وليس لها القدرة على تحسين ظروف عيشهم ما يفسر تصاعد كل المؤشرات، الفقر والبطالة وانفجار التضخم. وقال إنّ حالة الإحباط لدى التونسيين تتوسّع بشكل مخيف وخطير، وقد تكون لها تداعيات على الوضع الاجتماعي في البلاد في المرحلة القادمة.

مطالب صندوق النقد

وتمهد خطة الإصلاحات الحكومية لمفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي، بهدف التوصل إلى اتفاق مالي، يفترض أن تنطلق الأسابيع القادمة، وفق ما أعلنته وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية.

وتسعى تونس للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لتجنب إفلاس ماليتها العامة مقابل إصلاحات لا تحظى بشعبية، بما في ذلك تجميد الأجور وخفض دعم الطاقة ومواد غذائية. ورفض الاتحاد العام للشغل هذه الحزمة من الإصلاحات، ودعا إلى إضراب وطني في الشركات العامة والوظيفة العمومية.

وتوقع البنك المركزي التونسي توسع عجز الميزانية التونسية إلى 9.7 بالمئة هذا العام، مقارنة بتوقعات سابقة عند 6.7 بالمئة، بسبب قوة الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب.

وقال محافظ البنك المركزي مروان العباسي إن تونس بحاجة إلى تمويل إضافي للميزانية يبلغ خمسة مليارات دينار (1.6 مليار دولار)، وأكد أن "الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد أصبح ضروريا".

inbound4678005588893823948.jpg

من الممكن أن يعجبك أيضاً